اديان ومعتقدات الوطن

 

 

الحسين الحلاج.. بين خيال الشعر

وشطحات التصوف ومآرب الإستشراق

                                                    د.علي ثويني ـ  معمار وباحث- ستوكهولم

مازال اسم الحلاج يتردد على السنة العامة في الآسيتين الصغرى والوسطى وفي  حلقات المتصوفة (البكتاشيين) ولاسيما في البلقان . وتتضرع ألسّنة النسوة له شفاعة عند الله من شر متربص لذريتهن أوحتى يبعد الخوف والبكاء عنهم . ومكث مريدوه قرون بعد صلبه على ضفة دجلة في بغداد ينتظرون ظهوره مبعوثا من السماء .أنه من أكثر الشخصيات العراقية المثيرة للجدل في التاريخ الإسلامي بالرغم من أننا لا نسمع الكثيرعنه في خضم زحمة الأسماء والأعلام والأئمة .

هو أبو المغيث الحسين بن منصور الحلاج’ رجل تناسته الأيام وغشت على اسمه غمامة الدهر واكتنف الحديث عنه غمز  ولغط المتبارين في سجالات المشارب ،حتى كاد أن يكون أسطورة يتناقلها المتهامسون باطنا أو ظاهرا. وثمة تنويهات عنه  هنا وهناك بسلب أو بإيجاب أو باقتطاف أو إسهاب . واليوم  أعاده لنا وتقمص شخصه رجل فرنسي تناغمت بينهما السجايا وتداخلا روحيا حتى وسم لويس ماسينيون توأم الحلاج .لقد وجد الرجل في صاحبه الدفء والملاذ الذي  يبحث عنه في ظلمة الروح المعتمة  ،فوهبه الحظوة وأنار سيرته وأثاره ،و  أعاد لنا إنتاج قصته من روافدها المشتتة التي أصبحت أشلاءا بين دفات الكتب والرسائل و أخبار أهل التصوف .

 يلفت النظر الاهتمام الذي أولاه رجالات الأستشراقي الغربي لهذه الشخصية البعيدة على عكس ما ألفنا قراءته او سماعه عن شخصيات الإسلام "المرموقة" من سلاطين وأمراء وفاتحين وفقهاء وعلماء ،حتى بدا لنا الأمر مختلفاً عما أريد "إسماعنا" . ووجد كل باحث عن مظالم التاريخ في هذا الرجل نموذجية الغبن والاضطهاد الفكري ،وغالى القوم في سردها، وتمادى أصحاب الأحاسيس المرهفة فشبهوه بسقراط أثينا أو غاليلو القرون الوسطى ومنهم من بحث له عن مخرج ومنهم من أعطاه الحق كل الحق ومنهم من رثا  حاله وأعتبره ضحية مس من الجنون ورهط من المتزمتين تشفى به وأعتبره مارق وزنديق ..الخ .

لقد اطلع مثقفو مصر والمغرب قبل أهل المشرق  العربي على سيرة هذا الرجل تبعا لإطلاعهم المبكر على الثقافة الفرنسية ومكتوبات (ماسينيون) ، الذي عمل في العراق وعاش ردحا من الزمن في المغرب والجزائر ودرس ودرّس في  مصر في أوائل القرن العشرين ووصل ذروة الاهتمام بقصة هذا الرجل الأسطوري حتى أماط اللثام عن تفاصيل دقيقة من سيرته.

 

الحلاج والاسكندينافيون

كل ذلك كان معقولا ، ولكن أن يقفز اسم الحلاج الى الصدارة في اهتمام أهل الشمال الاسكندنافي فهو حدث له دلالة واحدة هي عالمية الفكر الإنساني ومشاعية الثقافة وانطلاق المعلومة مثل إنتقال الهواء . الأمر الذي  جعل أهم شعراء السويد (أنغمار ليكيوس) ينظم أجمل قصائده في ذكر هذا الرجل .حتى تكاد عندما تقرأها (ولاسيما بلغتها الأم) أن  ينتابك شعور بأنك أحد الحاضرين لحظة إعدامه وينقلك فيها الى أجواء بغدادية  لترثي حالها و حاله.وكانك تقف جنب إحدى النسوة التي أغمي عليها أو خلف رجل أطلق زفرة حزينة من أعماقه.

و(أنغمار) هذا من فحول الشعر السويدي بالرغم من عدم وجود جذور عميقة للشعر في أعراف الشماليين ، ورثة (الفايكنك) ولكن حالته مع مجموعة أخرى من الشعر الاسكندنافي  تشكل حالة فذه. وقد يكون أطلاعنا كعرب على الشعر السويدي شحيحاً،وبالمقابل فان  اطلاع السويديين على الشعر العربي ليس ببعيد أمد .وتوجد اليوم حركة ترجمة للشعر العربي  ومن الشعراء المحدثين المعروفين هنا (عبدالوهاب البياتي) و(علي أحمد سعيد(أدونيس)) . 

و الشاعر (أنغمار ليكيوس) العاشق الثاني للحلاج ولد  عام 1928 في مدينة (كريستينا ستاد) جنوب السويد ودرس في جامعة لوند الواقعة على أطراف مدينة مالمو السويدية وحصل على شهادة جامعية بالأدب عام 1954 .وهو بالإضافة الى موهبته الشعرية فقد مارس الترجمة من الآداب الفرنسية والإسبانية وطرق النقد الأدبي وله إهتمام بأدب أمريكا اللاتينية إضافة الى اهتمامه  بالإسلاميات . من دواوينه (طقوس أخرى )1951 و(نحو نور مجهول )1982 ، ولكن ما يهمنا هنا هو ديوانه  (المسلك الصاعد) الذي صدر عام 1977 والذي نجد فيه ملامح عميقة للتأثيرات الإسلامية والعربية المنحدرة من اضطلاعه بقراءة الأدب الفرنسي والإسباني .

 

 

ويمكن أن تكون قصيدته التي يصور فيها مصاب الحلاج من أجمل ما يمكن أن تعرب من شعره بالرغم من فقدانها لبعض دفقها الشعري كما هو حال الترجمات الأدبية. ونقرأ فيها:

 

أيها الجدي الوحشي !

فجرٌ في بغداد، وشمس ملتهبة،

ها هو حسين بن منصور الحلاج 

 يسمو في معراجه الليلي .

          انتهت المحاكمة،

والحلاج يقدم خارطة لفوضى الحقائق .

من بوابة سجن يخُرج الزاهد ،

 ضاحكا تحت وَابل حجارة، راقصا في أغلاله.

 غنيمة بلا عدالة .

أنظر إلى ذلك الممتلئ بالله ، وهو يعرض ِودّا

في الأسواق !

أنظر كيف يشق طريقه وسط علماء متجادلين

 وبين متفرّجين متلهفين

وجلادين متحمسين

بينما يتصّاعد الغبار رَحمة.ً

يا سّر الأسرار!

أيها الحلاج ، يا من ذهبت من مكة،

 إلى كَشكَر، من بهروج إلى القدس،

ها أنت تقف أمام البعد الخامس

فالكعبة في أعماقك .

(سيطير قلبك مثل نيزك،

حجراً أبيض وشرارة فردوس )

 ظل المؤذن النحيف يتهاوى عند ساحة المدينة .

 أوصالُك تقطع أربا أربا وأنت تغسلها

في دمك قبل صلاة العصر.

حين تغدو الشمس في سمت السماء

سوف تكون أنت على الصليب ،

شجرة الإبادة التي تمد فروعها مثل البرق ،

شجرة(اللوتس) التي لا ينطق بإسمها .

وعلى الأرض يمسك السياف بسيفه ،

 فيسقط رأسك متدحرجا

ويستقر وجبهته على الأرض : الله أكبر!

وتسّود الشّمس ويقذفُ الظلام شراره

وتعانق الحسين بن منصور ألسنة لهيب لا إسم لها،

وقد حول نفسه إلى هشيم ،

خط معطر.

 وفى حين يتبدّد الرّماد من المئذنة ،

 تصدح صيحة من الغيب :

 أحد أحد …

أحد ...

أحد ..أحد أخر كلمات كان يرددها الحلاج إنها صورة تشخيصية لحدث مضى عليه إحد عشر قرنا وتحديدا يوم الأحد الرابع والعشرين من شهر آذار(مارس) سنة 922م . ومن الصدف الغريبة أن هذا العام بالتحديد هو الذي أرخ لانطلاق الداعية المغامر أحمد بن فضلان البغدادي الى بلاد البلغار ثم عروجه الى اسكندنافيا ليكتب  بعد ذلك  إحدى أقدم الأخبار المكتوبة عنها.  و تؤكد هذه القصيدة خيال (إنغمار) الملتهب الجامح ،عندما جسدها مرسومة  بالكلمات. أنها ملحمة إعدام حياة الحلاج في ميدان من ميادين بغداد مدينته التي  عاش  في كنفها كاسبا الحضوة والمنزلة التي لم يطأها إلا القليل وأحبوه كثير من عامتها وخاصتها، ثم حدث أن هبط من علياءه حينما  كفره بعض فقهائها وسيق الى المقصلة، ليأكد تقلب الدنيا في بغداد السلام أم التقلبات.

 

الاصل العراقي للحلاج

وبالرغم من اقتران اسم الحلاج ببغداد فأنه لم يولد فيها  وإنما  ولد في أطراف واسط القريبة من جنوبها عام 858م  في منطقة (البيضاء) التي يقال لها (الطور) وربما يكون ذلك الموضع يقع في تخوم (أهوار) العراق التي تدعى (البيضاء) حتى يومنا هذا,ويؤكد مسقط رأسه هذا المؤرخ (الاصطخري) الذي عاصره وذكر ذلك أبن الجوزي في (المنتظم) حيث ذكر(الحسين بن منصور المعروف بالحلاج من أهل البيضاء)،وهكذا فأنه عراقي المولد والمنشأ بالرغم من دعاوى البعض بفارسيته .ثم انتقل الى البصرة قبل وروده بغداد وهو في الثامنة عشر من عمره .. وأكتسب لقب الحلاج بسبب عمله في حلج القطن ومنه من ربط تلك الكنية بروحانيات التفاسير وأقرنها بالكرامات التي نسبت له ومنهم ولده أحمد الذي قال إنها واردة بسبب كلامه عن أسرار  الناس وما يضمرون فدعي بـ(حلاج الأسرار) .

 

قدم  بغداد يافعا فكان مجبولا على طلب العلم فأصغى الى طبقات العلماء وجالس معاشر الصوفية والزهاد الذي كان قد انتقل فكرهم ودعاته إليها بعد استواء عودها في البصرة واختصاصها بالزهد أكثر من التصوف بعد ذلك. ولازم الشيخ (الجنيد بن محمد أبو القاسم الخزاز) والذي كان من أقطاب صوفية زمانه .ثم سعى في مناكب الأرض راحلا  الى مكة حاجا مرات عديدة والى خراسان وأسيا الوسطى حتى وطأت أقدامة الهند واطلع فيها على أصول  الفلسفة (الفيدية) واستمع الى نساك البوذية ودعى الى الصوفية أهلها الذين كانوا مستجدي عهد بالإسلام وفلسفته .وقد درس في سفراته علوم الطب والروحانيات والكيمياء والتاريخ وكذلك السحر، وأصبح قادرا على (التنويم المغناطيسي) .

وكان تقيا ورعا دائب القيام شديد الصيام ، متنزهاً عن الملذات وكانت تأديته للشعائر ترافق إيمانه العميق ويحكى عنه انه كان يصلي يوميا أربعمائة ركعة وكان اعتقاده راسخا بأن الحقيقة الإلهية هي الأصل وكل طرق الوصول إليها هي سالكة دون تفريق أو تمييز أو غلو ،حتى تجرد عن الشللية المذهبية والعصبية الطائفية . وكان مذهبه سيان مع المعتزلة الذين أخذ عنهم فكرة تنزيه الذات الإلهية عن جميع الصفات الإنسانية وجميع صفات الحوادث .كما  أخذ عنهم تسمية الذات الإلهية بأسم "الحق" وتلك الفكرة هي أخر ما يصل إليه الإنسان بطريق التنزيه .ولوان المستشرق (أدم ميتز) يعتبره قد اقتبس ذلك من الفكر (الغنوصي) أو (الأفلاطونية الجديدة) السابقة للإسلام.

 ومن أخباره انه كان يؤم المقابر ويصلى على قبور العلماء وخاصة (أحمد بن حنبل) وكان كثير الاستغراق في النوافل حتى يبلغ مقام الفناء فيتلاشى الحضور الواعي لجسده ، الذي يتحول الى شبه جثة لا تنبئ عن الحياة فيها إلا ظواهر النفس المتحشرج، وبعض الدم.

ومما أعتقد به مؤمنا مدافعا هو: سيان بين النعمة والبلوى واللذة والعذاب وكان القربان الدائم هو جسده المرمي في حضرة الامتحان الدامي وإفناء الصفات من أجل التسليم المطلق للقدرة الإلهية.  وكان يقرض الشعر ويشرح معتقداته في ثنايا بيوتها .فنجده  قائلا.

ياويح روحي من روحي فوا أسفي      علي مني فإني أصل بلوائي

كأنني غرق تبدو أنامله                    تغوثاً وهو في بحر من الماء

وليس يعلم ما لاقيت من أحد             إلا الذي حل مني في سويدائي

 

أو متفائلا ومنتظرا بفارغ الصبر ذلك المصير السرمدي حينما قال :

 

اقتلوني ياثقاتي                              أن في قتلي حياتي

ومماتي في حياتي                          وحياتي في مماتي

أن عندي  محو ذاتي                       من أجل المكرمات

وبقائي في صفاتي                         من قبيح السيئات

 

لقد اخترقت الروحانيات كيانه وأصبح فكراً متحركاً ناطقاً لا يعبأ بأي مصير غير ما أوصلته إليه قناعاته.وأنعكس ذلك جليا في سلوكياته .وتناقل الناس كراماته وبلغوا فيها مثلما هو ديدن البشر،و بالرغم من وجود ما يقارب الأربعة آلاف صوفي غيره في بغداد . وتلمس بعض العامة  كرمه وسخاءه مما يرده من كرماء القوم أو ما أسماه هو (دراهم القدرة) التي ترده من الغيب . فأجتمع حوله خلق كبير وأمن به صفوتهم  ودهمائهم ، ويمكن أن يكون هذا بداية ما يبرر مناصبة بعض الشيوخ والفقهاء و"وعاظ السلاطين" العداء له بعد ذلك. وقد تزامن هذا مع مغازلاته السرية مع فرقة القرامطة التي اعتبروها (مارقة)  و انتقاده اللاذع لفساد دوائر الدولة وتفشي الرشوة فيها. ولكنه كان يفرق بين ذلك المنحى الإصلاحي وبين أقامه العلاقات مع صفوة القوم ومنهم السيدة(شغب) والدة الخليفة المقتدر والتي اعتبرها البعض منبع الفساد والتي بقيت رؤوم ، شغوفة به حتى الرمق الأخير.

لقد كان صوفيا ثائرا وربما استثنائيا بما وسم به الصوفية من الدعة والخنوع و"الدعوى للسلطان بطول العمر" . وتداخل لديه الإيمان مع الاحتكام الى المعرفة والإصلاح الاجتماعي والسياسي للدولة وكان يبشر بفكرة الحكومة المثالية  .  فانبرى بعض أقطاب الدولة بمهاجمته ثم أدانته بما ذهب إليه  ثم رميه في غياهب السجن .ولم يطُلْ ذلك بسبب تدخل محبيه من ذوي التأثير وعلى رأسهم نساء البلاط اللاتي لهجن بمواهبه ومعرفته بأحوالهن وقدرته على استقطابه للمحبين. حتى أن السيدة السلطانة الوالدة (والدة الخليفة المقتدر بالله) قالت عنه بأنه( مجاب الدعوة).فتحول بذلك سجنه الى إقامة جبرية في بيته يستثنى منها  إقامته الصلاة والحلقات الدراسية في جامع المنصور في بغداد المدورة (الكرخية الأولى) قبل أن تتوسع وتنتقل الى الرصافة.وبدأ يتردد على بلاط الخليفة ويعظه ويحيط بمجالسه خلق كثير.

ونتيجة لوشايات حاشية الخليفة وعيونهم المبثوثة في كل ركن بدعم الوزير حامد وبعض الشيوخ من فقهاء بغداد التي تحركهم غرائز الغيرة منه .فحوكم والبس التهمة بالجدف والشرك وحل سفك دمه على يد القاضي أبو عمر .ونقلت الأخبار انه جلد أولا وكان يردد (أحد أحد) كما وردت في أبيات الشاعر (أنغمار) ، ثم مثل به وقطعت يداه ورجلاه ثم حز رأسه وأحرقت جثته لان لا تترك اثراً بعده يؤمها محبيه ، ولما صارت رمادا ألقيت في دجلة على تخوم الساحة التي أعدم بها . ونصب رأسه يومين على الجسر ليكون عبرة (للمارقين) الذين لا يتورعوا بقول ما يعتقدوه الحقيقة والتي دائما ما كانت "مرة" . وتذكرنا تلك التراجيديا بأكثر قصص التاريخ إيلاما مثل أساطير السوميريين والبابليين بمصير (دموزي أو تموز) زوج عشتار الذي اخذ عنها الأغريق تباعا وتجسدت لديهم في تراجيديا ارتشاف سقراط للسم ثم وطأت المسيحية وحاكى بها صلب السيد المسيح (ع) أو صلب الداعية (ماني البابلي) عام 277م على يد بهرام الثالث الفرثي، ثم نجد مايحاكيها  في استشهاد الأمامين الحسين وأخيه العباس أولاد الإمام علي (ع)، والأخير تناقلت الأخبار حتى يومنا ان مثل بجسده مثلما حدث مع دموزي أو ماني قبله أو الحلاج بعده .

لقد ٌكتم صوته وطارت روحه الى بارئها ثم تكتم من أتى بعده على ما يضمر وما يظن،والتزم الناس "التقيه" وتفننوا بها و استحدثوا لها أحكام . وهذا هو حال الدنيا في كل زمان فقد يكون لطعم الحياة واستمرار الرمق  أسبقية على استمرار الدنيا معافاة من أدران المنكر.  وهكذا جاء الأيمان بالقصاص الرباني وتصاعد مفهومه الروحي بما يراد من جبر خواطر كل من هضم حقه وكتم سره.

 كتب عن تلك الحادثة د. عبدالرحمن بدوي في كتابه (شطحات الصوفية) ما نصه: (إنما كان الصوفية -الى ما قبل الحلاج- ينطقون بالكلمات الشطحية في غير تحرج ولا تحرز،  لانه لم يكن للسلطان الخارجي بعد تأثير عليها ،أما منذ قضية الحلاج فقد بدأ الصوفية يتبينون ما سيترتب على أقوالهم من نتائج، عملية لابد لمن يؤثر العافية منهم أن يحسب لها الف حساب).

ومثلما هي إصطلاحات الصوفية الخاصة بمفاهيمهم، فقد يطلق المتصوفة على كلمة الحق النابعة من دواخل النفس "بالشطحات" وتعريفها هو (كلام يترجمه اللسان عن وجد يفيض عن معدنه، مقرون بالدعوى) .وقد أودي الحلاج حتفه بسبب تلك "الشطحات" الصوفية التي لم يفهمها (أولياء الأمر) كما هو ديدنهم في عدم الفهم  أو افتعال ذلك وهو الأرجح  حتى أوصلو الأمم الى  خواء العروش وخراب الديار وإهراق دماء عباد الله.

 وشطحة الحلاج هنا قوله (أنا الحق) و(ما في الجبة إلا الله) التي علق عليها لاحقا الأمام (ابوحامد الغزالي) البغدادي مبررا (إنها من فرط المحبة وشدة الوجد) .  وقد كتب عن شطحة الحلاج تلك  قطب الزمان الصوفي (عبدالقادر الكيلاني البغدادي) بعد قرنين (عثر الحلاج ولم يجد من يأخذ بيده، ولو أدركت زمانه لأخذت بيده). وقال عنه (أبو العباس المرسي الإسكندري): (أكره من الفقهاء خصلتين ،قولهم بكفر الحلاج ،وقولهم بموت الخضر عليه السلام ..أما الحلاج فلم يثبت عنه ما يوجب القتل،وما نقل عنه يصح تأويله.). وقد قال فيه حافظ الشيرازي شعرا (إن تصلبني الليلة ،فان دمي يخط على الأرض :أنا الحق، مثل منصور الحلاج) .لقد رفض الحلاج "التقية" التي مارسها (الشبلي) أستاذه وقدوته مما يدلل على اختلاف سجية البشر وحتى من خلال رأيهم بما آل إليه حاله ،فهذا (الصولي) يقول عنه (أنه رجل جاهل يتعاقل) ويتعاقل هذه مازال العامة في بغداد يقولونها اليوم للدلاله على المراءاة والمكابرة .

إن استهلاك الحلاج لناسويته في اللاهوتية.هو ثمرة التجلي والكشف ،اللذين درج اليهما  بالرياضيات، وقمع الذات. وحين أراد الذروة ،(عين الجمع) أدرك أنه ماءت لا محالة وقد كان دائم الاحتجاج على نفسه وحتى احتجاجه على أخطاء الدنيا كان يعمل على ترحيله الى ذاته، كاحتجاج عليها نفسها. لقد اعتنق المطلق وكان فناؤه في العشق لله وكان قلبه مفتوحا للملكوت. لقد غفر لكل من ناصبه العداء وسامحهم سماحة الإسلام المحمدي الدستوري ، فقال عمن كفروه(ان بعض الناس يشهدون علي بالكفر وبعضهم يشهدون لي بالولاية والذين يشهدون علي بالكفر أحب الي والى الله من الذين يقرون لي بالولاية).

وهنا نرصد أن تاريخ الإسلام أشتمل في طياته على جموع من الشخصيات المرموقة التي لو كان ظهورها في كنف أمم أخرى لتسنى لهم تبوا منزلة الأنبياء والرسل والحكماء تماشيا مع غزارة مناقبهم وسمو سيرتهم  ودفق فكرهم ابتداءا من الإمام علي بن أبي طالب(ع) الذي ألهته حتى بعض الفرق وأخيرا وليس أخرا الشيخ عبدالقادر الجيلي أو الكيلاني الذي طارت حظوته الأفاق  وتمسك بسيرته ولهج بذكره من طرف الدنيا حتى طرفها .

وجدير بنا أن نرصد سيرة المستشرق ماسينيون الذي  أعاد لنا إكتشاف شخصية الحلاج  التي وصفها(أن أقوال الحلاج ترسم له حياة بعد موته، ذات طابع حضاري عميق ، وأكثر صدقا من الناحية الاجتماعية من الشهرة الأدبية التي نالتها نماذج، مثل الاسكندر أو قيصر لدينا في الغرب). وربما تكون هذه دعوة لاعادة رسم صورة الشخصيات في التاريخ الإسلامي بعيدا عن الأهواء والنزوات والمحاباة وكذلك التمادي في روحانياتها.

ماسينيون عاشق الحلاج

لقد بحث وكتب الكثير من المسلمين والمستشرقين عن الحلاج ولكن كلهم يختلفون عن المستشرق المجتهد ( لويس ماسينيون Louis Massgnon) الذي  سخر كل  حياته في جمع وتمحيص كل ما كتب عن الرجل بحيث أزاح عن كاهلها ثقل وقع السنين وأفتراق الأهواء والمشارب ،حتى كنى بـ(صاحب الحلاج)، بالرغم من انه كتب عن سلمان الفارسي والجاحظ وعبدالقادر الكيلاني ورجال الشيعة والاسماعيلية وحتى عن ليون الافريقي (حسن الوزان الغرناطي الفاسي) وحتى عن الشاعرمعروف الرصافي ولكن اسمه لم يقترن بأي من هؤلاء .

وبصدد ماسينيون العاشق للحلاج فقد ولد  عام 1883 في باريس من أب طبيب فنان آثر أن يمتهن الفن بعد حين .دخل المدارس الفرنسية واكمل الثانوية العامة عام 1901 وحصل على أولى شهاداته في الآداب عام 1902 بالرغم من حبه الجم للرياضيات والعلوم العقلية "التي جمعته بالحلاج بعد حين". ثم أنخرط في العسكرية وبعد عام من ذلك أي 1904 سافر الى مراكش وكتب أول محاولاته الاستشراقية عنها عندما كانت  تلك الدراسات  تصب بالنهاية بالتحضير أو التدبير للحقبة الاستعمارية .وقد حصل من تلك الدراسة على أول شهادة عليا من (جامعة الصربون).وقد حفزه ذلك لدراسة العربية الفصحى عن أصولها ، وفي نيسان(أبريل) عام 1905سافر الى الجزائر وحضر فيها أول مؤتمر للمستشرقين ، ثم الى القاهرة في أكتوبر من نفس العام التالي حيث أنهى بعد رجوعه عام 1906 دراسته اللغوية ونشر أول أبحاثه تحت عنوان(لوحة جغرافية للمغرب في السنوات الخمسة عشر الأولى من القرن السادس عشر تبعا لليون الأفريقي) وطبع بـ305 صفحات في الجزائر ، ثم تلاه بكتابين هما (طريق فاس) ثم (مراكش بعد الفتح العربي) وكان يقصد بمراكش هي المغرب اليوم.

ثم بدأت المرحلة المهمة التي رسمت له خط حياته عندما التقى بالصدفة شعر رثاء صوفي للحلاج نظمه الشاعر الفارسي (فريد الدين العطار) وتطرقت القصيدة الى بعض وصف عن مصرعه ، الأمر الذي شده كثيراً لقصة هذا الرجل وما حدث له . وفي ذلك الصدد نحدق في  الدافع الخارجي الموجه للخطاب الاستشراقي الذي شجع البحث فيما يدين تاريخ الإسلام من الناحية الفكرية والعقيدية والذي كان يعينهم في إظهار الحجة الدامغة التي يستخدمها المبشرين والمنصرين في عملهم .وربما يكون ذلك سببا وجانبا من عدة جوانب أدت بالنتيجة أن يفلحو في مسعاهم الى حد بعيد عندما جعلوا عدد الكاثوليك يقفز من مليون نسمة في افريقيا عام 1900 الى 330 مليون نسمة عام 2000 . و من ضمن ذلك المنحى ترد دراسة شؤون الأقليات الدينية والعرقية في البلدان الإسلامية بغرض "حمايتها" من اضطهاد الأكثرية كما قيل في حينها و استمرت  تلك الحركة أكثر بعد الحقبة الاستعمارية التي لم تنصفهم .

وقد أستفاد(ماسينيون)  من الخطاب الاستشراقي الداعي الى دراسة الفرق الإسلامية والحركات الفكرية ذات الطابع السري في الإسلام. فجاء اهتمامه بالشيعة والإسماعيلية والنصيرية والدروز واليزيدية  وتاريخ القرامطة والزنج مع اهتمامه بالصوفية ورجالاتها. كل ذلك يضاف الى العامل الذاتي لشخص ماسينيون متماشيا مع هواه الباحث بالفطرة عن مكامن العمق الروحي وأسرارها وما يرتبط بذلك من الرياضيات العقلية والروحية.

وعندما عاد (ماسينيون) الى باريس عام 1907 عهدت اليه مهمة القيام بأبحاث وحفائر تنقيبية عن آثار العراق "التائهة" .فأهتم بالموضوع كثيرا لما يعنيه  من تقرب حقيقي الى الأجواء الأصلية التي عاش في كنفها الحلاج .فنزل في بغداد عند أكثر بيوتاتها علما وإطلاعا. وقد بحث عن مصادر البحث وثراءها في مكتبة عائلة الالوسي البغدادية .وقد أدهشهم اهتمامه بالحلاج حتى وفروا له الحد الأقصى من المساعدة. وبالتوازي مع ذلك فقد قام بمهمته في بيداء العراق الغربية باحثا فيها عن الآثار،  فزار مدن الفرات الأوسط وعرج على مدن الكوفة والنجف وكربلاء ثم الى سلمان باك (المدائن) الواقعة على بعد 25 كلم جنوب بغداد وأطلع على أثارها وزار فيها قبر الصحابي (سلمان الفارسي)(رض) المسجى في إحدى مساجدها . وقد فتحت  له تلك الزيارة له اهتماماً خاصا بهذا الصحابي الجليل .

وتكللت رحلة الفرقة التي عمل بها الى أعاده اكتشاف (قصر الأخيضر) في ربيع عام 1908 والتي كانت مادة كتاب نشره في القاهرة أعوام 1910 و1912 تحت عنوان (بعثة أثرية في العراق) ،وحدث ذلك بمعية (المس بيل) (1869-1926) أو (الخاتون) كما كناها البغداديون.وخلال تلك الفترة درس الدين والتاريخ الإسلامي في الأزهر ومن مناقب الرجل انه لبس جبة وعمامة طلاب الأزهر وعاش مثل عيشهم وهي حالة قليلة الحدوث لدى الغربيين .وقد درّس ابتداءا من العام 1910 في الجامعة المصرية القديمة وكان أحد طلابه الدكتور طه حسين ، وحاضر أربعين مرة وكانت مواضيع محاضراته تدور حول المذاهب الفلسفية في الإسلام والمصطلحات الفلسفية المستعملة وألف بها كتاباً اسمه (تاريخ الاصطلاحات الفلسفية) .

 وكتب خلال تلك الفترة أبحاثاً عن (بغداد) و(المحمرة) وكتاباً عن (الحج في بغداد) ودراسة مستفيضة للمخطوطات   القديمة   في مكتبات بغداد ودراسة عن الطرق الصوفية وجوهر الخلاف بين الطريقتين الرفاعية والقادرية تحت عنوان(المعركة الأخيرة بين الرفاعية والقادرية).

ولقد باشر بأول دراسة له عن الحلاج عام 1909 عنوانها(عذاب الحلاج والطريقة الحلاجية) تبعتها دراسة أخرى عام 1911 بعنوان (الحلاج ،الشبح المصلوب والشيطان عند اليزيدية) والتي أراد فيها استظهار العلاقة الباطنية بين فكر الحلاج المتداخل مع فكر فرقة دينية تعيش في شمال غرب العراق وبالتحديد في جبل سنجار، ولديها طقوس غريبة ، يعبدون خلالها الشيطان. وهي ديانة محلية قديمة متداخلة مع حدث تاريخي إسلامي يتعلق بسقوط الدولة الأموية والهاجس الذي تبعها في ظهور الأموي المنقذ .ومازال أسم فرقتهم (اليزيدية) يثير جدلا ولغطا.

وقد تسنى له ان يطلع على عدد وفير من المخطوطات الفارسية محفوظة في متاحف اسطنبول ولندن تتحدث عن قصة الحلاج. فاصدر من تلك المصادر دراسة موسعة عام 1913. ثم توسع بحثه لكل ما وصلت إليه يداه بحيث قرر أن تكون موضوع اطروحتة لنيل شهادة الدكتوراه. وإبان ذلك نشبت الحرب العالمية الأولى 1914التي رافقها حدثان أولهما انخراطه في العسكرية ومعمعة الحرب وثانيهما زواجه الذي أثمر عن ولدين وبنت . وقد نُسّب الى خدمات وزارة الخارجية واشترك في معركة الدردنيل ضد العثمانيين ودخل مدينة القدس عام 1917 مع الجيش الذي قاده الإنكليزي (اللنبي   Allenby) .ثم الحق بمكتب المندوب السامي الفرنسي في سوريا وفلسطين وقليقيله بعيد الحرب عام 1919 .ثم سرح بعد ذلك من الجيش وعين في مدرسة (كوليج دو فرانس) كاستاذ لمادة (الاسلام الاجتماعي).

 ومما أسف عليه ماسينيون هنا انه وقبل انشغاله بالحرب ، أوكل مهمة طبع أطروحة الدكتوراه لإحدى المطابع في بلجيكا التي من سوء طالعه أنها قصفت واحترقت إبان أحداث الحرب تلك .ولكنه أفلح في جمع أشلائها و إعادة كثير من موادها و أخرجها في كتاب(عذاب الحلاج شهيد التصوف في الإسلام) واتسعت لتشمل الف صفحة . ومن لطائف الأمور هنا انه طلب ان يناقشها  كأطروحة لنيل الدكتوراه في الجامعة في يوم محدد يحمل دلالات تعلقه الروحي بالحلاج وكان ذلك اليوم هو 24 آذار(مارس) عام 1922 أي نفس يوم إعدامه بعد الف عام بالتمام والكمال .وزخرت تلك الأطروحة بكنز من المعلومات والتحاليل والآراء عن الحياة الروحية والعقلية في الإسلام والمكتبة الإسلامية مدينة له بهذا الإنجاز الفذ.

أصدر ماسينيون بعد ذلك كتاب(بحث في نشأة المصطلح الفني في التصوف الإسلامي )الذي طبع مرات عديدة وكان قد استعرض فيه نشأة التصوف في كنف الإسلام وأقر فيه رأيه القائل بأن التصوف ظاهرة إسلامية خالصة مستمدة جذورها من القرآن والسنة ومعارضا بذلك رهطاً كبيراً من الغربيين ممن يرجع أصلها الى جذور الأفلاطونية الحديثة و الغنوصية أو حتى من المذاهب الفلسفية الهندية .

أما رأيه بالموقف التصوفي للحلاج فقال ماسينيون في ذلك :(إن الحلاج سعى لتحرير نفسه خارج الجماعة السنية بالبحث عن الصلب عينه الذي ناله في نهاية المطاف وهو الأمر الذي يرفضه الاسلام رفضا قاطعا) .وكان الرسول محمد (ص) كما يرى ماسينيون قد رفض الفرصة التي اتيحت له لعبور الهوة التي كانت تفصله عن الله .ولذلك فأن أنجاز الحلاج تمثل بكونه قد حقق وحدة أسرارية بالله معاكساً طبيعة النظرية للاسلام.

ومن الجدير بالذكر أن السياسة الاستعمارية لفرنسا وإنكلترا في مستعمراتها الإسلامية قد أهتمت ودعمت الطرق الصوفية حتى كاد أن ينخدع  العامة ويظنوا ان المستعمرين يخافوا من لعنة شيوخ الصوفية و سطوة مراقدهم .وتذكر لنا الأخبار بالتسهيلات التي كانت تقدم في مصر لنقل زوار تلك (المشاهد )على القطارات الإنكليزية في مواسم الزيارة  .ويتذكر الجزائريون العلاقة الممتازة التي تمتع بها بعض صوفيي (مرابطي) الجزائر مع الفرنسيين حتى بنوا القباب لأولياء الله الصالحين(مرابط Marabou) على قمم الروابي في مزارع المستوطنين الفرنسيين .

ثم كتب ماسينيون الكثير من البحوث التي شارك بها في مؤتمرات المستشرقين المتوالية وظهر له مؤلف (مجموع نصوص غير منشورة تتعلق  بتاريخ التصوف في الإسلام) الصادر في باريس عام 1929 ثم بحوث عن التيارات الفكرية التي لم يجمعها أحد قبله مثل فرق (القرامطة) و(النصيرية) و(الشيعة) و(الاسماعيلية) بعد دراسته لهم على الطبيعة في منطقة (السلمية) السورية وكذلك عن (الطريقة السنوسية) في ليبيا  ثم كتب عن شخصيات إسلامية متعددة صوفية وعلمية ومنها مثلاً (الخراز) و(الكندي) و(المحاسبي) و(النوبختي) و(نور محمدي)  و(سهل التستري) و(السري السقطي) و(الترمذي) و(الوراق) وحتى الشاعر العراقي (معروف الرصافي) .ثم شرح بإسهاب بعض المصطلحات مثل (شطح) و (طريقة) و(تصوف) و(ورد) و(زنج) و(زنديق) و(زهد) وحتى وصل به البحث ليكتب عن عمارة (قصر الأخيضر)  في بادية العراق ويحلل عناصرها العمارية وبعد ذلك الى أي طراز تمت الصلة والى أي تاريخ تنتمي .

لقد نشط في شرح أفكاره ومذهبه خلال تدريسه في مدرسة (كوليج دو فرانس)بين عامي 1926 و1954 حيث  تقاعد العمل بعدها ولكنه استمر بنشاطه البحثي كمشارك في مجامع اللغة العربية في القاهرة (تاسس عام 1933) ودمشق . وقد أعيد عام 1957 كتابه عن شعر الحلاج الذي كان قد أخرجه العام 1931 .

ومما يلفت النظر في سيرة هذا الرجل الذي تحتار الألباب في القرار عن مصداقيتها أو تذبذب الظن  بكونها كانت مسيرة استشراقيا أم مخيرة تماشيا مع كل ما قدمه و أماط اللثام عنه من الكنوز المخفية في الثقافة الإسلامية .وربما يكون أحد الأمرين أو كلاهما ما ينطبق على حالته .وبصدد تلك الكنوز التي أزال الغبار عنها  كتابته عن الصحابي الجليل سلمان الفارسي عام 1934 ونشره بحث في ذلك تحت عنوان (سلمان باك والبواكير الأولى للإسلام الإيراني) وكتبه الدقيقة ومنها كتابه عن (الأسس الشيعية لاسرة بني فرات) وكذلك كتابه الصادر عام 1938 عن (فاطمة الزهراء بنت الرسول(ص)) التي أسهب في تحليل مبرر مكانتها الاستثنائية  لدى أصحاب المذهب الشيعي في الإسلام  .

وكان شغل ماسينيون الشاغل في أخر أيامه بقصة (أهل الكهف) وتوسع في البحث عنها عام 1955 الذي كان امتداداً للبحوث التي كتبها أعوام 1938-1940. ومن خصائص ذلك البحث انه طرق فيه المقارنة بين ما ورد في ذلك بين النصوص والمفاهيم الإسلامية والمسيحية . وأخر بحث قام به هو بعنوان (غيوم ماجلان واكتشاف العرب لها) وهي تشرح رائدية المسلمين بمعرفة  النجوم التي اهتدى بها الرحالة ماجلان عند اختراقه للمحيط الهادئ والتي كان العرب يسمونها في كتب الفلكيين نجوم (البقر) .

وكان دائب البحث في شؤون الساعة والتزم خطا ثابتا بالدعوة الى التسامح والإخاء بين الأديان وبين الشعوب ،وأستمر منتجا حتى وافته المنية  يوم 31 تشرين الاول (اكتوبر) عام 1962 ويذكر أصدقاؤه انه كان يردد في لحظاته الأخيرة الآيتين الكريمتين التي تعوّد ترديدها طوال حياته مقلدا في ذلك صديقة وتوأمه الروحي الحسين الحلاج وهما (لن يجيرني من الله أحد) (سورة الجن الآية 22 )، وكذلك الآيتة الكريمة (يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ ) (سورة الشورى الآية 1).

 و الآية الأخيرة كان قد رددها الحلاج قبل أن يفصل رأسه عن جسده ثم سمت روحه الى بارئها كما أراد هو أن يستعجلها .وبذلك  رسم الحلاج بروحه الصاعدة خطاً لصعود النفوس الباحثة عن الحق والجاعلة من الحقيقة الطريق الأوحد إليها. وهو مانحتاجه اليوم أمس الحاجة.

المصادر :

                  1. القرآن الكريم

                  2. بدوي د.عبدالرحمن موسوعة المستشرقين  بيروت 1984.

                  3. السيد جاسم عزيز متصوفة بغداد – بغداد 1990

                  4.  القبة د.فاروق همسات من الشمال  تونس  1998 .

                  5. متز آدم – الحضارة الاسلامية في القرن الرابع الهجري أو عصر النهضة في الاسلام- بيروت 1985

                  6. ماسنيون وكراوس – أخبار الحلاج – بيروت 1965 .

                  7.  سعيد أدوار- الاستشراق . المعرفة .السلطة.الأثار – بيروت 1991

                  8. الطبري أبي جعفر محمد بن جرير – تـاريخ الأمم والملوك-بيروت 1988 .

العودة للفهرس