ثقافة صحية

ختان النساء ممارسة تقليدية في كردستان العراق

 

نيكولاس بيرش

 

تقرير دولي من السليمانية،( وُمينز إي نيوز)

تبدو أمينة خضير أم الأطفال الستة وصاحبة الوجه الواضح المعالم الذي يوحي بأنها أكبر من سنوات عمرها الحقيقية الـ39 كزوجة عادية لمزارع كردي. لكنها وعلى عكس أغلبية النساء الكرديات الأخريات، صاحبة وظيفة: إنها تقوم بختان البنات.

تقول وهي تجلس القرفصاء في منزلها في قرية زورقان النائية الواقعة في إقليم بيزهدار في شمال شرقي كردستان العراق: " لقد علمتني أمي طريقة الختان. وقد توليت الأمر قبل ثلاث سنوات، قبل وفاتها بفترة وجيزة."

وتتذكر أمينة أن عمليتها الأولى كانت على ابنتها، قائلة إنها لم تشعر بالعصبية:" لقد أمضيت سنوات وأنا أراقب كيف تتم عملية الختان. وكانت ابنتي طفلة في ذلك الوقت، أصغر من أن تفهم ما الذي كان يحدث. وهذه أفضل سن للقيام بعملية الختان."

وتسرد أمينة خضير بطريقة تقريرية كيف تعالج أثار عملها. وتصف كيف أنها تضع فحم خشب البلوط على مكان الجرح للتخفيف من حدة الألم، وكيف تُجلِس الطفلة في إناء به ماء بارد ومحلول مُطهِر بعد العملية. وحينما تُسأل عن تفصيلات العملية التي تقوم بإجرائها، فإنها تغطي وجهها بوشاح الرأس وتمتنع عن الدخول في التفاصيل .

تقول: " أقوم بقطع الربع بشفرة" فيما يبدو أنه إشارة إلى الختان وفقا للسنة، وهو عملية خفاض ينسبها بعض رجال الدين إلى تقليد أرساه النبي محمد ( ص )، ويتضمن إزالة القلفة. ويُترك البظر أحياناً سليماً معافى، غير أنه تُزال بعض أجزاؤه أو يُزال كلية في بعض الأحيان .

الحلم بوضع حد لهذه الممارسة

تعرف كلثوم مراد وهي منادية بالعلمانية والحداثة في واحدة من أكثر الأجزاء القبلية محافظة اجتماعياً في شمال العراق بقصة أمينة خضير، وغيرها، على نحو جيد. وهي تحلم باليوم الذي لن تسمع فيه بمثل هذه القصص.

وتمضي هذه المرأة البالغة من العمر 24 عاما أربعة أيام في الأسبوع في زيارة القرى النائية لتقديم المشورة حول خدمات الصحة الأساسية، والتي تدور عادة حول الطعام والتعقيم والنظافة. وفي كل يوم من هذه الأيام، تتصارع كلثوم مع الانقسامات بين المجتمعين الريفي والحضري في كردستان العراق.

ظاهرياً، ليس هناك سوى القليل مما يميزها عن النساء مثل أمينة خضير. فهي ما زالت تعيش في بلدة رانيا، تلك البلدة الفقيرة الوضيعة حيث تنتشر عمليات التهريب، وحيث ترعرعت، والواقعة على بعد 15 ميلا من قرية خضير. وقد تركت كلثوم المدرسة حينما كانت في الـ16 من عمرها.

غير أن السياسة حمتها من التعرض لعملية تشويه أعضائها التناسلية، فأسرتها تتعاطف مع الجناح الراديكالي للاتحاد الوطني الكردستاني، وهو الفصيل الأكثر تقدمية بين الحزبين الكرديين اللذين حكما كردستان منذ أن انفصلت عن بغداد عام 1991.

وكلثوم مراد عضو في الفرع المحلي للاتحاد النسائي التابع للاتحاد الوطني الكردستاني منذ أن كانت في الـ15 من عمرها. وفي السنة الماضية طلبت منها مجموعة نسائية اسمها ريوان ومقرها في السليمانية أن تنضم إليها. وتناضل هذه المجموعة منذ عقد من أجل القضاء على تشويه الأعضاء التناسلية للمرأة في كردستان العراق.

فصول متنقلة للتوعية الصحية

حينما حصلت على منحة من قبل سلطات التحالف قبل ستة أشهر لتقديم فصول متنقلة للتوعية الصحية للنساء في إقليم بيزهدار، قامت ريوان بتكليف كلثوم مراد بتجميع البيانات حول مدى انتشار تشويه الأعضاء التناسلية للمرأة في الإقليم. وتحذر الأشرطة التي تقوم بتدويرها، والتي تليها جلسات للأسئلة والأجوبة، من المخاطر الصحية لتشويه الأعضاء التناسلية للمرأة وللتقليد المحلي الواسع الانتشار لتزويج البنات في سن صغيرة.

وتعترف كلثوم مراد بأن الوجهين المختلفين لوظيفتها يتعارضان مع بعضهما البعض أحيانا. وتقول: "سيكون المسح الذي أقوم به دقيقا فقط إن استطعت أن أكسب ثقة القرويين." وتصف كلثوم نفسها في الوقت ذاته بأنها مُحارِبة ضد تشويه الأعضاء التناسلية للمرأة.

والختان مرتبط بشكل أكثر بروزا بعدة بلدان أفريقية-- حيث تتخلى بعض القابلات التقليديات عن مهنتهن كخاتنات استجابة للجهود المبذولة في مجال الصحة العامة واستجابة للجهود القانونية. وتتم ممارسته كذلك في شبه الجزيرة العربية وأجزاء أخرى من الشرق الأوسط.

وهناك الآن بعض العقوبات التي تفرض على ممارسة تشويه الأعضاء التناسلية في كردستان العراق. فالقابلات المصرح لهن بالعمل اللائى يُضبطن متلبسات بإجراء عمليات الختان على البنات يفقدن رخصتهن. غير أن الناشطين يعترفون بأنه نادرا ما يكون للتهديدات القانونية أي تأثير على المُمارِسات التقليديات في القرى اللائى يعملن بشكل سري في بيوتهن.

والمشكلة الرئيسية، كما هي الحال في بلدان أخرى في الإقليم، هي الغياب الكلي للإحصاءات. فالمسح الشامل الذي أجراه صندوق الأمم المتحدة للطفولة، اليونيسيف، على مستوى البلاد كلها في عامي 1998 و2002 لم يقدم أية بيانات عن تشويه الأعضاء التناسلية للمرأة. كما أن الاستطلاعات الكبرى التي أُجريت منذ الحرب لم تتعرض لهذه الظاهرة.

 

 

بيانات أفضل حول تشويه الأعضاء التناسلية في الإقليم

في مناطق العراق التي كانت تحت سيطرة صدام حسين حتى السنة الماضية، فإن الجهود لملأ الثغرات في تلك الدراسة بدأت بالكاد. أما في المناطق الكردية، في المقابل، فإن الجهود لإحصاء هذه الظاهرة متقدمة إلى حد بعيد. وقد بدأت هذه الجهود قبل أكثر من عقد كجزء من صحوة قومية اكتسحت الإقليم عقب انفصاله الفعلي عام 1991.

وكانت روناك فرج زميلة كلثوم، ورئيسة تحرير المجلة النسائية التي تصدر عن ريوان مرة كل شهرين منذ عام 1992، من أوائل من وصلوا إلى المنطقة. وقد توصلت روناك فرج إلى استنتاجين: أن هذه الممارسة محصورة  في النصف الجنوبي لكردستان العراق وأنها أكثر شيوعا في المناطق الريفية.

تقول روناك فرج: " تشير الإحصاءات في مدينة السليمانية إلى أن ما بين اثنين وثلاثة في المائة فقط من النساء أُجريت لهن عمليات الختان... ومعظمهن (يعشن) في الأحياء الفقيرة." وتعتقد روناك فرج أن تشويه الأعضاء التناسلية ينتشر بشكل شبه شامل في المناطق الحدودية النائية مثل قلديز ورانيا وبيزهدار.

وهناك شواهد تعزز تخميناتها

ففي قرية زرقان حيث تعيش أمينة خضير، هناك 300 أسرة وثلاث نساء يمارسن عمليات الختان. وفي رانيا، تقوم القابلة المحترفة خديجة زاهر بمساعدة النساء المحليات في الولادة منذ 14 عاما.

وتقول خديجة: " في العامين الماضيين فقط بدأت أرى نساء لم يتم ختانهن."

بيد أن الجميع لا يتفقون على أن الممارسة شائعة إلى ذلك الحد. ثوماس دير أوستن- ساكن الذي تتخذ منظمته الألمانية غير الحكومية المتخصصة في قضايا المرأة من السليمانية مقرا لها، يقول محذرا: "مع توفر أموال المعونة لأصحاب أكثر الإحصاءات إيحائية، فإنه من السهل المبالغة في الأمور. أنا شخصيا أعتقد أن مستويات الختان للنساء في محافظة السليمانية أقرب إلى نسبة 10 في المائة بكثير منها إلى نسبة الـ40 في المائة التي يقترحها البعض."

 

 

ما وراء الإحصاءات

بيد أن العوائق التي تعيق عمل ريوان لا تقتصر على غياب الإحصاءات التي يمكن التعويل عليها فحسب. فهناك شرخ يفصل الممارسين عمن يحاولون إثناءهم عن ذلك. وفي إشارة للأشرطة التي تستخدمها في حملتها ضد تشويه الأعضاء التناسلية، تقول كلثوم مراد ضاحكة: "غالبا ما أشعر مثل الشيوعيْين الكرديْين اللذين طافا القرى محاولين إقناع الناس بأن الله وهم. لقد استمع القرويون بأدب وأحضروا الشاي. وفي النهاية تنهد أحدهم قائلا ' نعم. هذه مسألة معقدة. لكن الله جليل، وسيجد لها حلا.'"

وبعد أربع سنوات على بدء حملتها للقضاء على تشويه الأعضاء التناسلية في عام 1994، وجدت روناك فرج من ريوان أن ناشطاتها-- أساسا نساء حضريات صاحبات توجهات علمانية-- كن يجدن صعوبة في التواصل مع القرويين. عندئذ، قرّرت روناك فرج أن تتحدث مباشرة مع رجال الدين الذين يمارسون تأثيرا كبيرا على طريقة الحياة المحلية.

وتقول روناك في إشارة إلى رجال الدين: "بالطبع كان القرار في نهاية المطاف يعود إلى كل إمام على حدة. البعض منهم رفض التعاون، غير أن معظمهم تعاونوا. وهناك الآن اثنان من كبار رجال الدين: الملاّ محمد أمين والملاّ محمد صالح، وهما من أكثر الناس نشاطا في الحملة للقضاء على تشويه الأعضاء التناسلية."

غير أن كلثوم أكثر تشاؤما، وتقول: " في كل قرية أزورها تقريبا، تبرز النساء الكبيرات السن ورجال الدين بوصفهم أكثر من يعارض ما أقوم به. ويتهمونني بالإلحاد وبأنني عضو في حزب العمال الكردستاني"، وهو الجماعة الكردية التركية اليسارية الانفصالية المسلحة المتطرفة التي تتخذ من الجبال خلف زورقان قاعدة لها.

وتضيف كلثوم قائلة: " ما لم تقم السلطات المحلية بأخذ هذه المسألة على محمل الجد، فإنني أخشى ألا تختفي هذه الممارسة من الإقليم إلا بعد وقت طويل."

نيكولاس بيرش كاتب مستقل يقيم في تركيا ويعمل في أرجاء الشرق الأوسط. وقد ظهرت كتاباته في صحيفة واشنطن بوست والغارديان وكريستيان ساينس مونيتور وذا غلوب وذا ميل .

العودة الى فهرس العدد اطبع هذه الصفحة