فنون عراقية

أنواع الغناء العراقي ..


إعداد - حسين قدوري

 


ـ المقام العراقي

المقام العراقي، صيغة من صيغ الغناء لا تجد له مثيلا" في أي بلد عربي آخر. ومن هنا جاءت تسميته بـ (المقام العراقي). وللمقام العراقي أصول فنية ثابتة ومتوارثة عبر الأجيال جعلته يندرج ضمن ما نطلق عليه (الغناء التقليدي)، أي ذلك الغناء الذي نشأ ونما وتطور في المدينة. وبالفعل فان المقام العراقي كان ولا زال يؤدي في مدن العراق الرئيسية (بغداد ـ الموصل ـ كركوك) وأدته بعض المدن الأخرى ولكن في حدود ضيقة. ويمكن القول إن بغداد كانت وما تزال الموطن الرئيس لهذا اللون من العطاء النغمي حتى اخذ البعض من محترفيه يسمونه بـ ( المقام البغدادي (  .

إن كلمة (المقام) عرفت في العراق في أواخر القرن الثامن الهجري حيث وردت في المخطوطات الموسيقية العربية ولم تظهر تلك الكلمة قبل ذلك على ما يبدو ولا تتوفر المصادر التي تشير إلى خلاف ذلك. ولكن بعضها يشير إلى وجود خصائص في أساليب الغناء البغدادي الراهن انحدرت من الصيغ المقامية التي قد يعود تاريخ نشوءها إلى العصر العباسي. يمثل المقام عملية ارتجالية فريدة في الموسيقى العراقية ويعتمد تطوره على عاملين أوليين هما (الحيز النغمي) و) الزمن) ويعتمد بنية المقام على مدى الثبات أو الحرية الذي يبديه أحد هذين العاملين، ويكون عنصر الحيز النغمي في ظاهرة المقام منتظما ومصاغاً " بصورة واضحة إلى الحد الذي يجعله يمثل عاملا" حاسما" وأساسيا" في المقام العراقي، بينما لا يخضع العامل الزمني الإيقاعي إلى تنظيم محدد وثابت وفي هذا الجانب بالذات تكمن الصيغة الأكثر جوهرية بظاهرة المقام ونعني تنظيما" حرا" للجانب الزمني الإيقاعي وتنظيما" ثابتا" وإلزاميا" لعامل الحيز النغمي.

إن كيان هذا النمط من الغناء يظهر في تجمعات نغمية يتحقق تجمعها وتأليفها وفق قواعد وأسس اصطلح عليها أصحاب هذه الصنعة بحيث تبدو سليمة المنحى وذات محتوى مقبول وإطار جامع، وبهذا كثرت جمهرة المقامات العراقية بكثرة التجمعات النغمية فصار لكل منها اسم يعرف به ولكل منها هيئة تحفظ على ما هي عليه يتلقنها بالطريقة الشفاهية فريق عن فريق دون تحوير أو تغيير باستثناء ذلك الذي يجريه مشاهير قراء المقام وكبارهم من زيادات نغمية أو تصرفات لفظية يتلقاها تلامذة هذا اللون من الغناء وهواته وكأنها نماذج لمدرسة أو أسلوب متطور في المقام تنسب لأساتذتهم وروادهم.

لقد تأثر المقام العراقي بخصائص الأقوام الأخرى التي اتصلت بالشعب العراقي عبر التاريخ شأنه في ذلك شأن الفنون الأخرى ، وكان تبلور الصيغ المقامية إحدى النتائج التاريخية التي ظهرت في العراق في المدة التي تفصل بين العصر العباسي وجيلنا الحاضر. ترافق المقام العراقي فرقة ) الجالغي البغدادي ) ، وهي فرق موسيقية صغيرة تتألف من العازفين على الآلات الموسيقية ( السنطور ـ الجوزة ـ الطبلة ـ الدف ـ النقارة ) ويفترض في العازفين أن يجيدوا العزف على آلاتهم إلى جانب معرفتهم التامة بأصول المقام العراقي وقواعده إضافة إلى تمتعهم بملكة جمال الصوت لأن مهمتهم لا تقتصر على العزف وإنما تتعداها إلى غناء ( البستات ) التي يقومون بترديدها في ختام المقام لتسمح لقارئ المقام بالراحة والاستعداد للانتقال إلى مقام آخر.

و(البستة) أغنية ذا مقطعين يسمى الأول (المذهب(  ويسمى الثاني (الغصن) ويكون دليل نغمها من ذات النغم الذي يؤدي به المقام .

المربع

لون من ألوان الغناء الشعبي الشائع. في البدء كان يمارس في المناطق الوسطى من العراق ولكن عبر الزمن تمركز في بغداد فقط. يؤدي المربع في الليالي الرمضانية والأعياد والترهات (الكسلات). يغنى المربع باللهجة العامية ) المحكية) وعلى الحان بعض المقامات العراقية وغالبا" ما يكون إيقاعه من وزن الجورجينه (10 / 16) أو من إيقاع الوزن البسيط (2/4). ينفرد في غناء المربع شخص واحد يقوم بالغناء مع حركات تعبيرية وهو واقف أمام جماعته الذين يفترشون الأرض على شكل دائرة أو شبه دائرة ويسمون بـ (الردادة) يستخدم قسم منهم التصفيق بالأيدي تعزيزا للإيقاع وبمعدل (صفقتين) في (المازورة) الواحدة. أما القسم الآخر، منهم من يعزف على آلة (الخشابية) وهي آلة إيقاعية يعزف عليها شخص واحد ويكون عادة واقف بجانب المطرب. والآخرون يعزفون على آلات إيقاعية أخرى (الطبلة ـ الدربكة) و(الدف = الرق). لا تزال (المربعات) تلقى محبة وإعجاب المستمعين.

إضافة إلى ما ذكر من أنماط غنائية عراقية أصيلة، توجد أنواع أخرى من الموروثات النغمية. وهذه الموروثات تندرج ضمن مفهوم الغناء التراثي الشعبي وهي خاصة بأعز مرحلة عمريه في حياتنا، مرحلة الطفولة.
وفي مقدمة هذه الموروثات النغمية هي:

 


أغاني المهد؛ (الدللول)

سميت أغاني المهد بأسماء عديدة تتناسب وطبيعة كل مجتمع ولغته، فهي بالنسبة لنا نحن العرب، معروفة بأغنية المهد أو ترنيمة المهد. وفي العراق نسميها (دللول). إن الفعل من هذا التركيب (لولى) أو (يلولي) ومن المعروف في العائلة العراقية انه عندما يبكي الطفل تقول الجدة لأمه:
لو ليله خلي إينام أو : لو ليله حتى إينام

تبدأ مرحلة أغاني المهد (الدللول) من اليوم الأول من عمر الطفل وتستمر معه حتى الشهور السبعة الأولى تقريبا"، أي طول ملازمته للكماط (القماط) والكاروك (المهد). والقماط هو أول لباس يرتديه الطفل عندما يولد. إن أغنية المهد (الدللول) قد يرجع عهدها إلى قدم وجود الإنسان في وادي الرافدين غير إنها مرت بمراحل تاريخية عديدة أكسبتها كل مرحلة منها طابعها الخاص وفق الظروف المحيطة بها .

ومما يؤكد بان أغاني المهد قديمة قدم وجود الإنسان هو انه أينما وجد الطفل فان أمه تغني له حتى ولو بهمهمات غير مفهومة ولا معنى لها. بعد أن تقوم الأم العراقية بتقميط وليدها ووضعه في حجرها تبدأ بالرضاعة وتبدأ تمارس أغنية المهد مهدهدة إياه حتى يغفو فتضعه عند ذلك في الكاروك (المهد) .

إن الحديث عن (الدللول) يعني الحديث عن ألأم العراقية، عن الدنيا وما ضمت وعن العالم وما حوى وعن ما تتمناه ألأم لأبنها (ابنتها) عندما يشب ويكبر معبرة بذلك عن ما يجيش به قلبها الكبير من أرق العواطف وأسمى معاني الحنان والتضحية. إن ظهور الحركة النغمية عند الإنسان اكثر قدما من ظهور اللغة، وبما إن الأم العراقية ترتل كلمة (لو) و (لو لو لو) عن طريق لسانها وبسرعة ثم تترنم بعدها بكلمة (لو لوا) أو (دللول) وتنشد وفق مزاجها الآني الذي يعبر عن وجودها الذي عاشته وتعيشه. إن هذا الأسلوب من الأداء النغمي يجعلنا أن نعتبر أغنية المهد (الدللول) من حركة نغمية تظهر آثارها على طباعها العام .

وعلى الرغم من إنها غنائية في جوهرها فان للكلمات والحركة التي تؤديها الأم والمنسجمة مع إيقاع الحركة الناجمة عن هز المهد أو هز رجل ألام عندما يكون الطفل مستلقيا" في حضنها مع الضربات الخفيفة التي تربت بها ألام بيدها على ظهر أو جنب وليدها .. كل ذلك له أهمية بالغة في تكوين هذه الترنيمة.

إن النص الشعري والنغم والإيقاع (الحركة) كلها عناصر تعبر عن وحدة واحدة هي أغنية المهد، فكل عنصر من هذه العناصر لا يمكن الحكم عليه إلا من خلال رؤيته متوحدا" مع العناصر الأخرى. بما إن كل أم عراقية تغني ما تشاء في هذا المقام ووفق مزاجها الآني وتأثرها بالمحيط الذي تعيش فيه، وجدت إن من الأفضل أن انتقي النماذج التي تمثل مناطق جغرافية متباينة علما بأنني قد جمعت الكثير عبر مسوحاتي الميدانية بهذا الشأن. وخلال مرحلة الرضاعة من عمر الطفل تمارس ألأم أنواعا أخرى من الأغاني الشعبية وهي:


أغاني الترقيص

وهي أغان ترددها ألام لوليدها لملاعبته ومداعبته وتدليله تمارس ألام هذه الأغاني بعد أن يبلغ عمر الطفل (6 ـ 7) اشهر تقريبا حتى انتهاء فترة الرضاعة. تتصف المرقصات بصغر مقطوعاتها التي تكررها ألام مرات عديدة كما إنها تتميز في أدائها بالرقة وخفوت النبرة ومرحة، وهذه الأغاني تكون على نوعين: نوع خاص بالطفل الذكر، ونوع آخر خاص بالأنثى .

 


أغاني التعليم

إنها أغان خاصة بتعليم الطفل بعض الأمور الحياتية كالابتسامة، الضحك، التصفيق، النطق ومن ثم الكلام، وتنقله مرحلة الحبو إلى الوقوف ثم المشي، وتساعده على تعليم العدد باستخدام أصابعه وترويضها، وتروض عضلات رأسه وتشجعه على تناول الطعام وتخفف عنه آلام بعض الأمراض وغيرها. إن المرحلة العمرية الخاصة بأغاني التعليم تكون متداخلة ما بين مرحلة أغاني المهد ومرحلة أغاني الترقيص.


أغنية الطفل الشعبية العراقية

أغنية الطفل شكل من أشكال التعبير الشعبي ، وكأي موروث أثرت وتأثرت بما يجاورها من معطيات الطفولة حيث صارت عبر الزمن شكلا مميزا" بأنواعه وأهدافه تتماشى مع ميول ورغبات الأطفال مليئة بالقيم والمثل والعادات وأحداث البيئة التي نشأت وترعرت فيها إضافة الى كونها تاريخ ولغة وأدب وفن ولعب ومتعة .

في العراق وكنتيجة حتمية لوجود البيئات الجغرافية الثلاث ) البادية ـ الريف ـ المدينة ) فقد نشأت صيغ متنوعة من أغاني الأطفال الشعبية وهي ثرية في البنية النغمية والإيقاعية وغالبا" ما تكون الأغنية مرافقة للعبة شعبية يمارسها الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين سن ( 7 ـ 12) سنة على وجه التقريب .

 

العودة الى فهرس العدد اطبع هذه الصفحة