أدب وفن

مثقفون عراقيون يهاجرون....وآخرون يحزمون الحقائب هل من مغيث؟

 

توفيق التميمي

 

 

ودعت قبل اسبوع صديقي القاص والكاتب الموسوعي المتألق (نعيم عبد مهلهل) الى بلاد المغرب العربي وقبله غادر اصدقائي شاكر الانباري وخضير ميري والباحث محمد عبدالجبار الشبوط وصديقي الحميم السينارست المتميز حامد المالكي والذي سيشاهد جمهورنا مسلسله الكبير ( سارة خاتون ) خلال ايام شهر رمضان المبارك والمسرحي المعروف فلاح شاكر والشاعر خزعل الماجدي والناقد والاعلامي صفاء صنكور والصديق حيدر سعيد والباحث والاعلامي جمال العميدي والعشرات غيرهم ممن لاتحضرني اسماؤهم حاليا.

وآخرون يحزمون حقائبهم( اتحفظ على ذكر اسماءهم خشية عليهم) يبحثون عن فرصة مناسبة للهروب والى ذلك الوقت هم يمضون اوقاتهم بمراوغة الموت المتربص بهم وبالرعب الذي يحيطهم  ويفرضون على انفسهم عزلة قاسية لا تحتملها رغبة المثقف بالانطلاق وتغيير الامكنة..وشرط الحرية.

هؤلاء المثقفون العراقيون خليط من السنة والشيعة والمندائيين والمسيحيين و في اغلبهم ليس لهم انتماءات لأحزاب سياسية او لجماعات مسلحة ولاعلاقة لهم بأجندة النزاع المسلح الدائر في الساحة العراقية والذي يذهب من جراءه شلالات من الدم العراقي يوميا في الساحات والاسواق لمواطنين ابرياء.

والمثقف كي يواصل بقاءه على هذه الارض الرخوة لابد من امتلاكه لمسطرة اسطورية يقيس بها كلماته التي ترضي جميع الاتجاهات المختلفة في الفكر والنوايا والاساليب وبالتالي عليه ان يتحول الى مهرج يرضي الجميع في داخل السلطة وخارجهاأو يصمت أو يرحل كزملائه الاخرين. اويتبعثر بعزلة مميتة.

وأمام هذه الخيارات المحدودة يصطف المثقفون للانطلاق بهجرة مرعبة جديدة للمثقف العراقي تضاف لسلسة هجراته السابقة.

لكن هذه المرة لايلوذ المثقفون من بطش الدكتاتورية او هربا من ملاحقتها كما يحصل في هروب المثقفين عبر تاريخ الانسانية..بل يهرب المثقفون من ملابسات( الزمن الديمقراطي الجديد)وبجوازات سفر بأمضاء حكومة منتخبة بمفارقة صارخة وللاسف لانه لا هذه( الحكومة المنتخبة) ولاذاك(الزمن الديمقراطي) استطاعا توفير ضمانات لحماية المثقفين واعادة الاعتبار لمكانتهم التي يستحقونها فهم معرضون للعراء والقتل العشوائي والتهديدات المتواصلة للدرجة التي اصبحت فيها  فرص موتهم اكثر من فرص حياتهم .

واصبحت الطرق مسدودة وحتى فرصة الكتابة في الصحف الكثيرة لم تعد مجدية ولذا اصطف المثقفون العراقيون من جديد فرادى وجماعات بمسالك جديدة للهروب من ثقوب الوطن ومسامات جراحاته و(ديمقراطيته الهلامية) (وحكومته الرخوة) نحو ملاذات اكثر امنا وضمانا لمواصلة واستئناف المشروع الابداعي والثقافي دون تهديد او رعب او مزيد من الخسارات التي لاتحتملها طاقات المبدعين.

بالامكان تعويض الهجرات العادية للناس ولكن كيف يمكن استبدال المثقف الذي يهاجر بلا عودة ومن يعوض  وظيفته التاريخية بالمواجهة والتغيير؟

 

 

                                      

العودة الى فهرس العدد اطبع هذه الصفحة