عرض الكتب


 

آيدن آقصو :

السطوح المتصدعة

(( أصل الصراعات والتدخلات الأجنبية في كركوك ))

 

قرائــة : طارق كامل

 

السطوح المتصدعة كتاب عراقي صدر حديثاً ، اعده وأخرجه الباحث العراقي آيدن آقصو ... ولم يكن الباحث جامعاً ذكياً للمعلومات المهمة البالغة الدقة ، وشغوفاً بتفاصيل التفاصيل ، وحسب ، بل حاول جاهداً في هذا الكتاب أن يحلل ويسترجع بواكير نشأة نظريات احتلال العراق والدور الكردي المتغرب في اسقاط الدولة ومؤسساتها ... وبالتالي موقف الدولة التركية الجارة من هذه الاحداث . كذلك حاول الباحث (( آقصو )) في مواضع أخرى تبيان الضرر والظلم الكبيرين اللذين لحقا في بنيوية تركمان العراق خلال أربعة عقود خلت مع دور المياه والنفط  في التحكم بمستقبل العراق والمنطقة .

يمتد الكتاب على أكثر من 200 صفحة من القطع الكبير وبسبعة أبواب ...

ويمكن القول أن هذا الكتاب كان تاريخياً وسياسياً وديموغرافياً ومعرفياً ومخابراتياً شاملاً والباحث كان حصيفاً ومنصفاً وواضحاً وصادقاً في كل ماذهب اليه من بيانات وتحليلات وأستبيانات ويعتبر منهاج بحث للباحثين والمؤرخين والمفكرين في الأمد القريب والبعيد .

وفيما يلي مقتطفات موجزة من الباب الثالث للكتاب عن طوبوغرافية كركوك وديموغرافيتها:

( اطلالة على محافظة كركوك )

نظرة تاريخية

ان اقدم ذكر ورد لها بأسم (أرابخا) في التقويم الجغرافي الشهير عن ممتلكات الملك سرجون الاكدي، وهناك من يعتقد أن أسم كركوك أتى من السومرية بمعنى العمل العظيم (كار! عمل، كوك! عظيم) والاحتمال الاخير هو الاقرب الى الواقع التاريخي والايكولوجي للمدينة.

ومن المحتمل تعيين كركوك بالمدينة الوارد اسمها في المصادر الآراميه بصورة (كرخا- د- بيت سلوخ) أي مدينة السلوقيين وبصورة (كرخ سلوخ) بالمعنى ذاته ازدهرت في العهد السلوقي في العراق (312-135ق.م) حيث بنى فيها سلوقس مؤسس السلالة السلوقية سوراً وأنشأ فيها العمارات وجعلها مركز اقليم تابع الى مملكته واستمرت في العهد الفرثي والساساني .

ولعل اسم كركوك مشتق من هذه التسمية كما يحتمل انه ذو صلة بكلمة (كركر) وهي أسم بقعة النار الملتهبة خارج كركوك كما ان البلدانيين والمؤرخين العرب لم يذكروا اسم كركوك ولا (كرخ سلوخ ) ولكن ياقوت الحموي ذكر قلعة بأسم (كرخيني) بين داقوق وأربيل ووصفها بأنها على تل عال وهذا ما ينطبق على موضع كركوك وجاء أسم (الكرخيتي) و (الكرخيني) في الحوادث الجامعة (القرن السابع للهجرة) وذكرها اليزدي من أهل القرن التاسع للهجرة في كتابه(ضفرنامة) من انها قرب طاووق. وتقوم مدينة كركوك القديمة المعروفة بأسم القلعة فوق مستوطن أثري قديم ورد اسمه في الالواح المستخرجة بأسم (ارابخا) الذي حرف حديثاً الى (عرفة)، وكان عدد هذه الالواح المكتشفة في تل القلعة (51) لوحاً ويرتقي تاريخها الى منتصف الالف الثاني قبل الميلاد وقد عثر عليها في سفح التل في عام( 1923) ولعل أقدم ذكر للاسم (أرابخا) يرتقي الى عهد حمورابي وقد ذكرت في المصادر الآشورية بأنها مركز لعبادة الاله (ادد) وقد ورد أسم هذ المدينة في بعض المصادر الاغريقية بصيغة (أرابخيوس) ويحتمل ان اسم كركوك محرف عما ورد في خارطة الطرق الرومانية (خارطة بوتينجر) من القرن الثاني للميلاد باسم (Concon) وفي جغرافية بطليموس (Korkhoura) .

وعثرت مديرية الآثار العامة عام (1948) في اثناء حفر الاسس في منطقة عرفة على مجموعة من الاثار يرجع زمنها الى عهد الحضارة السومرية من عصر فجر السلالات (2600 ق.م) قوامها أسلحة وأدوات من النحاس وأواني من الفخار وفي العصر الايراني الساساني تحولت كركوك الى مركز رئيسي للمسيحية النسطورية السريانية التي انتشرت في بلاد الرافدين قادمة من سوريا وأطلق على أسقفية كركوك أسم (بيت جرماي) .

حضارة كركوك

تكلمنا عن حضارة مركز المدينة وتاريخها، والآن نتطرق الى تاريخ وحضارة بعض المدن التابعة لكركوك...

لنبدأ بمدينة طوزخورماتو، حيث أغلب سكانها من التركمان حسب ما جاء في كتاب (المرشد الى مواطن الآثار والحضارة) تأليف طه باقر وفؤاد سفر، يستدل من كتابه على جرةّ وجدت في المنطقة على أن هذا الموضع كان فيه مستوطن قديم يعرف بأسم (خرشيتو) يرتقي زمنه الى العهد البابلي القديم والمحتمل تعيين (طوزخورماتو) ببليدة اسمها (خانيجار) ورد ذكرها في ياقوت بأنها بليدة بين بغداد وأربيل بعد داقوقا، وذكرها ايضاً ابن الاثير .

أما مدينة طاووق (داقوق) وهي بلدة صغيرة تقع على أحد فروع العظيم المسمى (باسرا) أو (روخانة) فقد كانت ناحية كبيرة تتبعها جميع منطقة كركوك اذ كانت اكبر مدينة بعد أربيل في الطريق الى بغداد وقد ذكر ياقوت ايضاً وقال عنها انها اشتهرت في الاخبار والفتوح وكانت بها وقعة للخوارج وذكرها أحد من المؤرخين انه كان لها سور منيع ، كما توجد في المدينة خرائب واسعة من بينها منارة أثرية مشيدة بالآجر على قاعدة مثمنة والباقي من ارتفاعها الآن 80/ 17م على سطح التل و23م عن تبليط الجامع القديم الذي تعود اليه والمرجح انها من بناء مظفر الدين كوكبري (563-636هـ) سلطان اربيل التركماني .

أما (تازة خورماتو) البلدة ففيها تل أثري مرتفع يرجع عهده الى العهد الاشوري .

الحدود الادارية للمحافظة

ان الاراضي الواسعة التي تتألف منها محافظة كركوك تمتد ما بين نهري ديالى والزاب الصغير في الجهة الشمالية الشرقية من العراق . يحدها من الشمال محافظة اربيل وقسم من محافظة السليمانية ومن الشرق محافظة السليمانية وقسم من محافظة ديالى ومن ناحية الجنوب الشرقي نهر ديالى وبينها وبين محافظة ديالى وبغداد من ناحية الجنوب الغربي جبل حمرين وبينه وبين محافظة السليمانية من ناحيةالشمال الشرقي جبل (قرة داغ) وجبل (سكرمة) وجبل (انجبرة) وجبل (بازيان)....

الوضع السكاني والاثني

ان سكان المحافظة مزيج من التركمان والعرب والاكراد والمسيحيين .

 

((الموقع السياسي والجيوسياسي لكركوك))

تقع في طرف السهل المنبسط الممتد حتى بغداد حيث لا يقطعها سوى سلسلة حمرين المنخفضة الارتفاع، تربط المدن الشمالية بالعاصمة بغداد... كركوك مدينة القوميات والمذاهب... مدينة التآخي والوئام... مدينة السلم والسلام... مدينة العذابات المتكررة والمستمرة بفعل الطامعين والغرباء...!

ان الموقع الاستراتيجي للمنطقة من حيث التنقل والاقتصاد وربط الشمال مع الوسط والشرق بالغرب بواسطة شبكة الطرق كان سبباً في تغيير الواقع الديموغرافي فيها وذلك بعملية استيطان واسعة منذ قدوم المحتلين الى العراق .

ان الموقع الجغرافي الهام للمدينة جعلها مركزاً حضارياً يجتذب الطامعين وكان اكتشاف النفط عام (1927) ايذاناً ببدء رياح تغيير الواقع القومي والجغرافي للمدينة من قبل الكرد والعرب .

ان محافظة كركوك ما تزال بؤرة الطمع وهدفاً لكل القوى العالمية وماتزال سادرة في المخططات التي بدأت قبل قرن من الزمن .

وتوالت المؤامرات وبدون توقف مستهدفةً شعبها تارة حملة تعريب وتارة أخرى حملة تكريد...!

ان اهمية كركوك بالنسبة للاكراد كونها تشكل عازلاً أمنياً لمناطق أربيل والسليمانية وبغداد ويمكن أن تكون قاعدة عسكرية تهدد المناطق المجاورة وتضع حكومة بغداد في وضع صعب اذا قبلت بحدود خط جبل حمرين حيث تكون المسافة أقل من 150 كيلو متر عن العاصمة بغداد .

إضافه الى ما ورد اعلاه مواردها الاقتصادية وخاصة الصناعات النفطية لأن ما تختزنه أراضي كركوك لا يمكن الاستهانة بها والتعامل معها كأية بقعة أخرى...!

ان نظرة واحدة فقط للثروة النفطية سيكشف لنا سبب تهافت الاحزاب الكردية للوصول الى هذه البقعة من الاراضي العراقية دون غيرها... انها نتائج مخيفة تصعد الدولة الكردية المزمع انشاؤها الى مصافِ الدول الغنية وستكون مصدر تهديد للدول المجاورة عن طريق المساهمة في تمويل الحركات الكردية في تلك الدول .

وكان هذا سببا في ابراز الدور الاميركي لأضعاف وشل قدرة الشعب التركماني عن طريق التهميش تارة والاقصاء تارة اخرى لأجل الخضوع والخنوع والتنازل عن حقهم في كركوك لصالح الطرف الاخر.

ان المسألة برمتها تتعلق بمدينة كركوك في الوقت الحاضر وذلك بتأجيل مسألة الموصل الى المرحلة التالية لحين الانتهاء من الاولى نظراً لما تشكله مجموع قوة الموارد البشرية في كلتا المحافظتين على الجهد الكردي في الانفصال عن الجسد العراقي .

ان الحاق كركوك الى اقليم كردستان سوف يضع الموصل على شكل كماشة يسهل بالتالي الانقضاض عليها عندما تترتب وتتيسر العوامل الاقليمية والدولية...!

العودة الى فهرس العدد اطبع هذه الصفحة