حال الوطن

 

مرتزقة يحرسون المصالح الغربية في العراق

 

تقرير لــ مارينا براور وبابلو جاميز

ترجمة /  شعلان شريف

 

 

 

جيش من آلاف المرتزقة يقومون بحراسة المصالح الغربية والمباني الحكومية في العراق. يأتي هؤلاء من مختلف أرجاء العالم ويقومون بأخطر أعمال الحراسة في البلد الذي تمزقه الحرب. بعد ما يقارب أربعة أعوام من بدء الحرب تسلط دراسة أعدتها الأمم المتحدة الضوء على دور هؤلاء المرتزقة وأساليب تجنيدهم.

يتم استدراج المرتزقة بالأجور المرتفعة جداً ليوقعوا عقوداً مع مقاولين بخلفيات غامضة ليأخذوا في ما بعد مواقع الجنود الأمريكيين في خطوط المواجهة. مهامهم: حراسة السفارات،  المطارات،  المنشآت النفطية والمنطقة الخضراء التي تضم المقار العسكرية والسياسية في بغداد. تتضح درجة خطورة هذه المهام إذا عرفنا بأن شركات الحماية تطلب مبلغ 3000 جنيه استرليني لمرافقة مسؤول رسمي من المنطقة الخضراء إلى المطار الدولي،  وهي رحلة تستغرق خمسة عشر دقيقة فقط. يقول الباحث الأسباني "خوسيه لويس جوميز دل برادو" إن المرتزقة يحصلون في العراق على ثلاثة أو أربعة أضعاف ما يحصلون عليه في بلدانهم. والباحث "جوميز دل برادو" هو أحد أعضاء فريق البحث الذي شكلته الأمم المتحدة لإعداد تقارير عن موضوع المرتزقة،  وقد بدأ الفريق عمله بإنجاز التقرير الأول الذي يدور حول دور المرتزقة الأمريكيين اللاتينيين في العراق.

تعتبر أمريكا اللاتينية مصدراً مهماً لتجنيد العاملين في شركات الحماية. القاسم المشترك بين بلدان مثل؛ شيلي،  كولومبيا،  غواتيمالا والسلفادور هو أنها جميعا قد شهدت في الماضي القريب نزاعات مسلحة،  أو عانت من أنظمة عنيفة. تكتظ هذه البلدان بمقاتلين سابقين ذوي خبرات قتالية،  يمكن استدراجهم بالأجور المغرية للذهاب إلى العراق. ولا يستطيع الباحث "جوميز دل برادو" أن يحدد عدد هؤلاء المجندين،  لكنه يقول إن المجندين العاملين حالياً في العراق من بيرو وحدها يقدر بألف شخص.

يتجول وكلاء شركات الحماية الأمريكية خصوصاً في أمريكا الوسطى والجنوبية بحثاً عن جنود سابقين،  ورجال شرطة وموظفي حماية. ففي شيلي مثلاً تقدم للعمل كثير من أفراد الكوماندوز السابقين الذي عملوا في عهد الدكتاتور أوغستو بينوشيه. لكن الأمر لا يقتصر على أمريكا الجنوبية،  يقول الباحث "جوميز دل برادو":

"إنها ظاهرة عالمية. هناك مجندون من الفلبين ومن جزر فيجي وبلدان أخرى كثيرة. لا أحد يعرف بالضبط من هم هؤلاء الناس وكم عددهم. لا تعطي شركات الحماية أي معلومات عنهم وتفضل العمل في الظل."

تختلف الأجور وفقاً للبلد الأصلي وخبرة الشخص. المجندون الأمريكيون والأوربيون – هناك أيضا مرتزقة من هذه البلدان – ينالون أجوراً أعلى بكثير من زملائهم من البلدان النامية. وفقاً لمعلومات السيد "جوميز دل برادو" فإن بعض المجندين البيرونيين يحصلون على 35 دولاراً في اليوم،  وآخرون لا يزيد أجرهم على 1000 دولار في الشهر. إضافة إلى تجهيزهم بالزي الأمني،  والطعام والسكن والنقل والتأمين على الحياة. في حالة الوفاة تحصل أسرة المجند على مبلغ متواضع كتعويض.

 

 

تعمل شركات تجنيد المرتزقة في منطقة رمادية من الناحية القانونية. وتأخذ العملية المسار التالي كما يوضح لنا الباحث "جوميز دل برادو": يكلف البنتاغون شركات الحماية الأهلية بتنفيذ مهام معينة. تتعاقد هذه الشركات بدورها مع وكلاء أصغر في أمريكا اللاتينية يقومون بتجنيد الأشخاص الصالحين للعمل لإرسالهم إلى العراق. هذه الشركات الصغيرة هي غالباً شركات غير مسجلة. لكن الراغبين بالعمل يتم تحويلهم إلى شركات أخرى مسجلة رسمية حيث تتم مقابلتهم قبل تكليف شركة متخصصة بنقلهم إلى العراق. ويشرح "جوميز دل برادو" طبيعة عقود العمل قائلاً:

"حين توقع العقد فلن يكون بوسعك التراجع عنه،  ويتضمن العقد موافقة على التخلي عن بعض الحقوق الأساسية: حق الحياة،  وحق التمتع بالأمن. تتعارض هذه العقود بشكل جذري مع عقود العمل السائدة في الدول الغربية."

يعتقد "جوميز دل برادو" أن البنتاغون قد اختار بوعي تام هذه الاستراتيجية حيث تترك "المهام القذرة" على عاتق المرتزقة. غالباً يكلف هؤلاء بمهام يـُفضل أن تظل سرية،  أو مهام لا يريد الجيش الأمريكي أن يكون مسؤولاً عنها. لكن هذه الاستراتيجية لا يمكن أن تنجح إلى الأبد،  كما يؤكد "جوميز دل برادو"،  وعلى المدى البعيد ستكون نتائجها ليست في صالح الولايات المتحدة. فانتهاكات حقوق الإنسان لا بد أن تظهر عاجلاً أو آجلاً،  كما حدث في فضيحة سجن أبو غريب،  والمجازر التي ارتكبت في الفلوجة.

هل هذا الاستخدام الواسع للمرتزقة ظاهرة خاصة بالحرب في العراق؟  على هذا السؤال يجيب "جوميز دل برادو" بالنفي. إنها ظاهرة قديمة ومتكررة،  لكنها أخذت مساحة واسعة في العراق. يقول "لقد اختفت ظاهرة المرتزقة التقليديين،  الذين تدفعهم رغبة المغامرة غالباً للمشاركة في الحروب،  في أفريقيا خاصة. شركات الحماية الأمريكية الأهلية،  تعمل حالياً بتعاون وثيق مع الجيش الأمريكي. منذ حرب الخليج عام 1990 لوحظ تزايد شركات الحماية التي تعمل بالتعاون مع قوات التحالف. وحصل الأمر نفسه أثناء الحرب في يوغسلافيا السابقة. لكن الظاهرة اتسعت بشكل كبير في العراق."

يمتلك فريق الباحثين التابع للأمم المتحدة،  والذي يعمل ضمنه "جوميز دل برادو" الصلاحية للتحقيق بشأن تجنيد المرتزقة في أجزاء أخرى من العالم. لكن ليس هناك تحمس كبير لمواصلة هذه التحقيقات. لكن منظمة الأمم المتحدة مصرة على مواصلة جهودها في هذا الاتجاه على أمل أن تثمر هذه الجهود عن اتفاقية دولية تضع حداً لاتساع ظاهرة تجنيد المرتزقة في الحروب.

العودة الى فهرس العدد اطبع هذه الصفحة