شخصيات

أعلام عراقيون خلدهم التأريخ

 

اعداد -  ميزوبوتاميا

فضولي البغدادي

 

 

هو محمد بن سليمان  (1483 - 1556)  شاعر تركماني عرف بلقب البغدادي. يعتبر من أشهر الشعراء العراقيين في الحقبة العثمانية. له عدة مؤلفات كتبها بالعربية والتركية الآذربايجانية والفارسية بالرغم من أن أعماله التركية مكتوبة باللهجة الآذربايجانية،  إلا أنه كان ملماً بالتقاليد الأدبية العثمانية والجغتاي التركية..

ولد فضولي في مدينة كربلاء،  وكان من سكان بغداد. كان على علاقة طيبة بالشاه الصفوي إسماعيل الأول،  الذي أحتل  بغداد  (عام 1508وكذلك مع السلطان العثماني سليمان الأول. كتب عمله المعروف باسم "التذمر"  (بالآذربايجانية: شکايت نامه)  وفيه علق بشكل تهكمي على عدم حصوله على مركز شاعر المحكمة في القسطنطينية،  وفي "حديقة السعداء"  (بالآذربايجانية: حديقهت السعداء)  قام فضولي بوصف معركة كربلاء.. من أبرز أعماله الأخرى "ملحمة مجنون ليلى"  (بالآذربايجانية: داستان ليلى و مجنون) ،  وفيه يصور رومانسية المجنون وليلى. لفضولي ديوانان،  الأول بالتركية الآذربايجانية،  والثاني بالفارسية. توفي في كربلاء في عام 1556م. ودفن في كربلاء بجوار مرقد سيد الشهداء الامام ابا عبدالله عليه السلام.....


المتنبي

 

 

 


،  أبو الطيب أحمد  (915-965) : شاعر عراقي،  ولد في الكوفة ودرس فيها. هرب صغيراً من فظائع القرامطة إلى بادية الشام فأتقن العربية. بعد عودته احترف الشعر،  ومدح رجال الكوفة وبغداد. تنقل بين مدن الشام يمدح شيوخ البدو والأمراء والأدباء. ولما لم يستفد من الشعر،  أشعل ثورة صغيرة اختلطت فيها المبادئ السياسية بالدينية،  لكن عامل الإخشيد قضى عليه وسجنه،  ثم أطلق سراحه،  فعاد إلى حياة التنقل والمديح. اتصل بسيف الدولة الحمداني،  وصار شاعره وصديقه المقرب،  وعاشا معاً في بلاط سيف الدولة في حلب تسع سنوات يغدق سيف الدولة عليه المال،  ويفيض المتنبي بأروع القصائد في مديحه. لكن الوشاة أفسدوا علاقتهما،  فهرب إلى مصر ومدح كافور الإخشيدي،  الذي لم يحقق وعده بإكرامه،  فانتقل إلى العراق متنقلاً بين مدنها. قتله أحد من هجاهم قرب موقع دير العاقول. في شعره مبادئ فلسفة تشاؤمية وتعصب واضح للعروبة. تظهر فيه شخصيته قوية الأسلوب،  متدفقة ومتحررة،  لكنه حافظ على الصورة الشعرية المأثورة.


زرياب

 

تردد أسم  "زرياب" في تاريخ الأندلس بين صفاء الخبر وضباب الأسطورة. ولا يتعدى خبره النذر اليسير، نجدها مبعثرة بين دفات الكتب عن حياته في بغداد.هو  (ابي الحسن علي بن نافع)  وكنى بـ (زرياب)  بسبب سواد بشرته وفصاحته فزرياب في اللغة هو أسم الطير الأسود ذي الصوت الرخيم وبالفارسية هو ماء الذهب الذي يستعمل في عمليات التذهيب. و سحنته السمراء تدحض كونه فارسي،  فلا وجود للجنس الأسود بين تلك الأقوام.

هو فنان عراقي عاش في بدايات القرن التاسع الميلادي- الثالث الهجري وكان مولى من موالي الخليفة العباسي المهدي ثم أصبح تلميذا للمطرب ذائع الصيت  (أسحاق الموصلي)  ولم يؤم بلاط الخلفاء إلا في زمان هرون الرشيد حيث بهرت الخليفة شخصيته الألمعية ومواهبه الفذة ونبوغه بالموسيقى. وقد أستبان القوم من مدى مواهبه، عندما رفض العزف على عود أستاذه الموصلي وحبذ استعمال عوده الذي يتمتع بمواصفات خاصة كان قد اضفاها عليه ومنها انه أول من أضاف وترا خامسا الى العود بعد ان كان ذو أربعة أوتار في الأعراف الموسيقية. وهذا ما أدى الى تعلق هارون الرشيد به مما سبب في تحرك غرائز الغيرة لدى أستاذه الموصلي متحاشيا تحدي رجلا كبير بأس وحظوة، والذي حتمه عليه أن يغادر بغداد دون رجعة.

لم يحمل هذا الرجل في ترحاله عوده الخماسي معه فقط فقد نقل معه ذلك الكم من الأعراف الحضارية والأفكار النيرة التي سمت إليها الحضارة الإسلامية على قواعدها العراقية الواردة من أعماق التاريخ الرافدي.وقد شهدت تلك الفترة رحيل الكثير من العائلات من المشرق الى المغرب بغرض الكسب أو الاستقرار والذي شهد زيادة بعد سقوط الدولة الأموية ورحيل كل المناصرين للامويين أولا ثم تبعه رهط من الساخطين على العباسيين بعد أن ظهر للعيان غاياتهم ولمسوا بعض طغيانهم.   فهاجر زرياب مع هذا الدفق الى المغرب ومكث في أفريقيا  (تونس اليوم)  وطفق يغني في مجلس واليها  زيادة الله الأول الاغلبي  (816-837م)  في القيروان.وذات مساء غنى إحدى قصائد عنترة العبسي التي يقول فيها  (فأن تك أمي غرابية  من أبناء حام بها عبتني) . وقد استشاط الوالي غضبا من جراء ذلك بما كان ينعكس عليه او يمس مشاعره بعلم أن دون علم من زرياب عاثر الحظ.فأمر بجلده ثم طرده، مما دفعه الى الرحيل ثانية باتجاه المغرب الأقصى.

 وقد ورد سماعه عن الحظوة التي يتبوأها المطربون في الأندلس وجاء في  (نفح الطيب –للمقري ج 2- ص116)  وصف ما ورده من رسل من لدن مليكها الأموي الحكم الأول بن هشام  (796-822م)  الذي بعث ركبا يستقبله وعلى رأسه  (منصور اليهودي)  المغني صاحب الحظوة لدى الأمير عام  821م ليبارك عبوره البحر ووصوله  أول أرض الأندلس وهي  (الجزيرة الخضراء)   (ويطلق عليها اليوم الخزيراس) . وقدمت له أسمى العطايا بأسم العاهل، وسرعان ما ورد إليهم خبر وفاته في قرطبة، مما ولد حالة تشاؤم لدى زرياب بما حمله ذلك إليه من فال نحس. و أراد الرجوع لكن أثناه الرسول عن ذلك ورغبه في ان يقصد قائم المقام في الحكم وهو  (عبدالرحمن الذي لم يكن أقل إجلال وتكرمة له عن أبيه.

وقد جاء في العقد الفريد  (أبن عبد ربه. ج3- ص189)  وصف للحفاوة به حيث يقول:  وعندما وصل الحكم الى عبد الرحمن الثاني (822-852م) ، أرسل إليه كتاب دعوة يذكر تطلعه اليه والسرور بقدومه وكتب الى عماله على البلاد أن يحملوه إليه ويوصلوه الى قرطبة وأمر كبير  (مخصييه)  أن يتلقاه. بل خرج الى ظاهر المدينة ليتلقاه. وأنزله أحسن الدور وحمل إليه جميع ما يحتاج إليه وخلع عليه، وبعد ثلاثة أيام استدعاه وكتب إليه كل شهر بـ 200 دينار وأقطعه من الدور والمستغلات والضياع في قرطبة ما يقوم بـ 40 الف دينار.

ويقول المقري في نفح الطيب (ج 2-ص121)  :كان زرياب عالما في سائر الفنون متبحرا ماسنح له من فك كتاب الموسيقى مع حفظه عشرة آلاف مقطوعة من الأغاني بألحانها وهذا العدد غاية ما ذكره بطليموس واضع هذه العلوم ومؤلفها.) .وأكد المقري انه أول من أستعمل مضراب العود المصنوع من قوادم النسر عوض عن الأداة التي كانت تصنع من الخشب و أول من أضاف وترا خامسا الى العود. وجاء في المقدمة لأبن خلدون  (ج 2-ص 361)   (وجمع الى خصاله مثل أستاذه الموصلي هذه الاشتراك في كثير من ضروب الظروف وفنون الأدب،  ولطف المعاشرة، كما كان مثلع عالما بالنجوم وقسم الأقاليم السبعة الجغرافية ) .وذكر أبن خلدون أن أكبر الأثر  الذي تركه يعود  الى تأسيسه لمعهد الموسيقى في قرطبة الذي عم كل الأندلس وعد تلاميذه من مفاخر البلاد.   

ولقد أعتقد زرياب مثل غيره في تلك الأزمنة بأن الجن كانت تطارحه أغانيه في منتصف الليل،  فإذا جاء وحيه أرسل بطلب مغنيتيه المحبوبتين  (غزالة وهند)  وأمرهما بحفظ الغناء الموحى له به. ويعتقد أن  وفاته كانت عام 854م  لأنه عاصر عهد الحكم الثاني  (852-886م)  وخلف وراءه ذرية اشتهرت بالغناء، وترك لأهل الأندلس أعراف الملبس والمأكل واللياقة والكياسة ومناح الغنج ومعسول الحديث، التي تقمصها الغربيون ولاسيما الفرنسيون تباعا وأطنبوا في تقديسها وهي في حقيقتها ليست إلا أعراف رافدية جلبها زرياب من بغداد الى قرطبة.


القاضي أبو يوسف

امتاز العصر العباسي بظهور عدد من الفقهاء النابغين،  ذاع صِيتهم وانتشر فقههم،  وصار لهم أتباع وتلاميذ ينشرون علمهم،   ويدعون لمذهبهم بين الناس،  وكان الإمام أبو يوسف أبرز تلاميذ الإمام أبي حنيفة النعمان مؤسس المذهب الحنفي،  الذين قاموا بجهد هائل في نشر مذهب الحنفية ووضع أصوله.

ولد يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري المعروف بأبي يوسف في الكوفة سنة  (113هـ=731م) ،  وبها نشأ وتعلم،  واتجه مبكرا إلى دراسة الحديث،  فسمع أبا إسحاق الشيباني،  ويحيى بن سعيد الأنصاري،  وهشام بن عروة،  وعطاء بن السائب،  ودرس المغازي على محمد بن إسحاق،  صاحب السيرة النبوية المعروفة باسمه،  ثم تتلمذ على عبد الرحمن بن أبي ليلى الفقيه الكوفي المعروف،  ثم اتصل الإمام أبي حنيفة النعمان،  ولازم حلقته ودروسه،  غير أنه أحيانا كان ينقطع عنها؛ لاضطراره أن يعمل حتى يواجه نفقات الحياة،  فلما رأى أبو حنيفة ذلك وأحزنه أن تصرف ضرورات العيش تلميذه النجيب عن طلب العلم؛ تكفله بالعيش،  وأمدّه بماله حتى يفرغ تماما للدراسة.

وصُنْع أبي حنيفة مع تلميذه خليق بالإعجاب والتقدير،  فهو يتحمل أعباءه المالية كما يتحمل أعباء تعليمه وتهذيبه،  ويسوّي بينه وبين ولده في الإنفاق والتهذيب،  وإذا كان التاريخ لا يعتد بما خلّفه أبو حنيفة من أموال وعقار،  فإنه يفخر بما أنجب من تلاميذ،  ملئوا الدنيا علمًا وفقهًا،  وحسبك من أستاذ يكون بين تلاميذه: أبو يوسف،  ومحمد بن الحسن الشيباني، وزفر،  والحسن بن زياد.

واتصل بالإمام مالك،  فأخذ عنه الحديث والفقه،  ووجد منهجًا يختلف عن منهج إمامه أبي حنيفة،  فوازن بينهما وقارن،  وجمع بين المدرستين: مدرسة الأثر في المدينة،  ومدرسة الرأي في العراق،  وقرّب بينهما،  وساعده على ذلك اشتغاله برواية الحديث.

اشتغل أبو يوسف بالقضاء في سنة  (166هـ = 782م)  في عهد الخليفة العباسي "المهدي"،  وبلغ الغاية في عهد الخليفة "هارون الرشيد" حيث تولى منصب قاضي القضاة،  وهو منصب استُحدث لأول مرة في تاريخ القضاء،  وشاءت الأقدار أن يكون أبو يوسف هو أول من يشغله في التاريخ الإسلامي. ارتبط أبو يوسف بعلاقة وثيقة مع هارون الرشيد،  وتبوأ عنده مكانة عالية،  فكان يؤاكله ويحج معه ويؤمه ويعلمه.. كتب له في كتاب "الخراج". ويقترح أبو يوسف في "الخراج" على الخليفة أن يجلس للنظر في مظالم الرعية مجلسا واحدا في الشهر أو الشهرين،  يسمع فيه من المظلوم،  وينكر على الظالم؛ حتى ينتهي الولاة عن ظلم رعيتهم،  كما حثّه على أن يجيب مطالب المزارعين وأهل الخراج في كل ما فيه مصلحة لهم،  كحفر الأنهار. ويلتزم بيت المال بالإنفاق على تلك المشروعات.. وفي 5 من ربيع الأول 182 هـ= 21 من إبريل 798م توفي أبو يوسف وصلى عليه الخليفة هارون الرشيد،  وأمر بدفنه في مقابر قريش في الكاظمية.


أبو حسن المسعودي

 

أقيم في العاصمة الروسية موسكو حفل تعريف بكتاب المستشرق الروسي ديمتري ميكولسكي بعنوان "هيرودوتس العرب" والمكرس لسيرة الرحالة والجغرافي العربي الشهير أبي الحسن علي المسعودي بمناسبة الذكرى الخمسين بعد الألف لوفاته "957م".ويقول ميكولسكي وهو باحث علمي في معهد الاستشراق بأكاديمية العلوم الروسية: إن المسعودي يعتبر بحق من ألمع ممثلي كوكبة الجغرافيين والمؤرخين والمفكرين العرب المشهورين على النطاق العالمي،  ولد في بغداد أواخر القرن التاسع الميلادي وحصل على تعليم ممتاز فيها وتوجه في سن الشباب في رحلة جاب فيها مختلف البلدان،  حيث زار شتى أطراف دولة الخلافة وشاهد بلداناً في شمال وشرق إفريقيا وفي آسيا وفي القوقاز،  كما زار مناطق هي الآن جزء من أراضي روسيا.ويضيف ميكولسكي: بالنسبة لنا نحن الروس يتسم تراث المسعودي بأهمية بالغة لأنه ترك لنا وصفا يعتبر من أقدم المدونات عن أجدادنا السلافيين "الصقالبة" وعن الشعوب المجاورة لهم من الترك والقوقاز وغيرهم،  ونحن نقدر مؤلفات المسعودي ليس فقط بصفته رائداً كشف للعالم بلاد الروس وتحدث عن سكانها،  بل كذلك لكونه أديباً موهوبا.مؤلف المسعودي الرئيس "مروج الذهب ومعادن الجوهر" من أبرز آثار الحضارة العربية الإسلامية،  وهو يتضمن وصفاً لرحلات المسعودي بالإضافة إلى روايات أدبية رائعة،  ويثير المسعودي اهتمام معاصرينا لما يرافق مدوناته من جاذبية تخلب الألباب بالإضافة إلى موقف الرحالة الأخلاقي الرفيع.وكان أول روسي التفت إلى تراث المسعودي هو الدبلوماسي المعروف في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر أندريه ايتالينسكي سفير روسيا لدى القسطنطينية،  فهو الذي اقتنى آنذاك خمس نسخ من مخطوطته "مروج الذهب"،  وهي محفوظة حتى اليوم في معهد الاستشراق بمدينة بطرسبورغ "شمال روسيا".واهتم بدراسة تراث المسعودي في روسيا في القرنين التاسع عشر والعشرين مستشرقون مشهورون بينهم الأكاديمي اغناطيوس كراتشكوفسكي.وقال المستشرق دميتري ميكولسكي في حفل التعريف بكتابه "هيرودوتس العرب" إن صدور الكتاب والتعريف به دليل على اهتمام روسيا المتواصل بالحضارة العربية الإسلامية وبالتراث الفكري العربي،  وهو كذلك دليل على أن جسور التعارف بين الشعبين تمتد من أعماق القرون.

 

العودة الى فهرس العدد اطبع هذه الصفحة