ملف كركوك قلب العراق

كركوك في كتاب الرحالة ميجرسون

 

نجاة كوثر

 

 

ميجرسون،  أحد أفراد استخبارات العسكرية البريطانية برتبة مقدم،  اوفدته الحكومة البريطانية الى بلاد الرافدين في واجب سري خطير،  لذلك نجده يخفي القصد الحقيقي فـي رحلته ويتقمص في اخفاء شخصيته و تنكره خلال الرحلة باسم " ميرزا غلام حسين شيرازي". درس عادات و تقاليد و اللغات السائدة في المنطقة و اتقنها جميعاً. و قدم حصيلة دراسته في تقارير سرية الى جهات مختصة في بلاده،  بذلك هيأ نفسه،  و قد اعدته بلاده ليتبوأ مناصب سياسية - عسكرية في المنطقة.
التحق قبل الحرب العالمية الاولى بخدمة شركة النفط الانكليزية - الفارسية. و في سنة 1914 اضطلع بعمليات التنقيب في " جياسرغ "  (1)  قرب خانقين. اسره العثمانيون عند اندلاع لهيب الحرب العالمية الاولى،  و نفي الى مرسين،  و بعد اطلاق سراحه اتخذ سبيله الى مصر،  ثم جئ به الى البصرة في اوائل سنة 1916. فعمل في دائرة الاستخبارات التابعة لقوات الاحتلال البريطانية و كان محرراً في صحيفتها.
ارسل ميجرسون في تموز 1916 الى دزفول باعتباره مساعداً للحاكم السياسي،  و عندما احتلت القوات البريطانية العراق عين حاكما سياسياً على مندلي و بعدها نقل الى السليمانية ليشغل منصب الحاكم السياسي عليها. (2)  زار كركوك و مكث فيها 16 يوماً. و يذكر كركوك في كتابه الموسوم " رحلة متنكر الى بلاد مابين النهرين و كردستان " و يقول في صفحة 158   (تشتهر كركوك بتركمانها،  و فواكهها،  ونفطها و كلها جمة ٌ. انها مدينة تركمانية تجد العرب الرحالة ساكنة في الجنوب و الغرب منها و في الشرق تقع ارض الهاموند الاكراد.
ان السطوة التركية السائدة هنا ظاهرة جداً،  ولما كانت قريبة من بغداد – سبعة ايام - و سكانها يتكلمون التركية فهي قادرة على ان تجود بعدد كبير من الشبان على المدارس العسكرية.
  (صفحة 158 ) .
ويصف اهالي كركوك و يقول في صفحة 159   (وفي الامكان المقارنة بين السكان التركمان،  او بالاحرى الطبقة التجارية منهم،  وبين سكان بغداد و الموصل،  ووجه المقارنة حسن جداً. فالغريب يحظى بتقدير كبير ولا يتقاذفه الناس،  ذات اليمين و ذات الشمال،  ولا يزعجه احد،  وحين كنت اشتري الطعام و غيره في الاسواق،  وجدت امانة تدعو الى الدهشة،  و كان ذلك في كل مكان،  ينضاف اليها حسن نية ساذجة تمتلك قلب الغريب.) و يذكر في صفحة 160 حيث يقول   (وينضاف الى التركمان عدد كبير من الكلدان و النصارى السريان و ثمة قلة من الارمن ايضاً تعمل في الحكومة وفي الامور التجارية.. ان مستوطن الكلدان عريق في القدم،  فلقد هاجروا اليه على ما تقرره اعرافهم في ايام الب ارسلان في القرن الحادي عشر،  ذلك ان كركوك،  على مايصر عليها اهلها،  هي اثارة من الملوك السلاجقة. وقد يكون هذا امراً ممكناً او محتملاً،  وعلى النقيض من كلدان الموصل،  لم ينسَ القوم الحروف السريانية،  وعلى حين لا يتكلمون الا التركية فانهم يستخدمون هذه الحروف عندما يكتبون الى بعضهم بعضاً.
وفي كركوك كنيسة يرعها رجال الدين من الموصل،  والكلدان،  وعلى غرار جميع من في الاراضي التركية هم من الروم الكاثوليك. وهم في كركوك يتمتعون بحرية اكبر. وعلى ذلك فكركوك مؤلفة من مجموعة اجناس تركية الشرقية كلها. اليهود والعرب و السريان والارمن و الكلدان و التركمان و الاكراد،  وعلى ذلك تتمتع المدينة بحرية عظيمة من التعصب،  وذلك الى ان لحاكمها التركي قبضة شديدة يصطنـعها في حفظ النظام فيها،  فعنده قوة عسكرية كافية للهيمنـة على كل عنصر من عناصرها.) صفحة 163.
وفي ختام كلامه عن مدينة كركوك في صفحة 181حيث يقول   (فودعنا هذا الركن التركي القصي،  لحين من الدهر) (3)  
تعتبر هذه الأنطباعات والكتابات عن مدينة كركوك مرجعاً علمياً هاماً لاثبات الواقع القومي للمدينة،  بسبب دقة علمية المادة المثبتة،  لانه جاء من قلم ولسان شخص سياسي وعسكري ومنسوب الى دولة كبيرة انذاك وهي بريطانيا. و كتاباته قدمت الى حكومته بشكل تقارير رسمية عن واقع المنطقة و المدينة. مع ان الكاتب كان يرمي الى غاية لا تتفق مع الواقع. الا ان شعوره بالمسؤولية الزمه ذكر الحقائق عن المدينة كما هي في الواقع.

 
هوامش
1- جياسرغ : هكذا في الاصل واحسبها " جياسورغ " الجل الاخضر.ن.ك
2 – رحلة متنكر،  ميجرسون،  ترجمة فؤاد جميل،  ص 349.
3- رحلة متنكر الى بلاد مابين نهرين و كردستان،  ميجرسون،  ترجمة فؤاد جميل،  ج1 مطبعة
الجمهورية،  بغداد،  1970

العودة الى فهرس العدد اطبع هذه الصفحة