اقدم الالات الموسيقية في وادي الرافدين

 

زهراء سعدي

جمعية بنت الرافدين / بابل

 

 

للآلات الموسيقية في بلاد مابين النهرين تاريخ عريق وأصل يرجع الى عدة الاف من السنين قبل الميلاد حيث اظهرت التنقيبات في اور وكيش ونمرود الآت موسيقية اصلية مختلفة كان قد عزف عليها السوريون والاشوريون وموجودة الآن في المتحف العراقي والمتحف البرطاني ومتحف الجامعة في فيلادلفيا الولايات المتحدة الامريكية وظهرت كذلك مجموعة كبيرة من الاثار التي نقشت عليها رسوم الالات الموسيقية المتنوعة التي استعملها سكان العراق القدامى عبر العصور المختلفة.

تصنيف الآلات الموسيقية

ان الطريقة التي اتبعها سكان العراق القدمى في كتابة اسماء الالات الموسيقية قادت الباحثين الى القول بان تصنيف الالات في العراق القديم كان طبقا لنوع المادة المعموله منها الة الموسيقية فهناك مجموعة الآت موسيقية تسبق اسماءها العلامة الدالة على الخشب ومجموعة ثانية تسبقها العلامة الدالة على الجلد ومجموعة ثالثة تسبقها العلامة الدالة على القصب ومجموعة رابعة تسبقها العلامة الدالة على النحاس ومجموعة خامسة تسبقها العلامة الدالة على البرونز هذا مع العلم ان ذكر المادة المصنوعة منها الالة هو ليس السبيل العلمي الدقيق لتحديد نوعية الالة،  لذا علماء العرب والاسلام قد اتخذو من كيفية خروج الصوت من الالة اساسا للتصنيف واستنادا على ذلك قد قسموا الالات الموسيقية الى الالات الوترية والنفخ والآت النقر.

الآلات الوترية

1- الحنك:- تاريخ هذه الالة قديم طويل ففي العراق يرجع تاريخ ظهورها الاول في الوركاء الى حدود 3000 سنة قبل الميلاد وبعد استعمالها من قبل السومريين استعملها الاكديون والبابليون والكيشيون،  ان اول واقدم الة الحنك هو النوع المقوس او المنحني الذي يرعى فيه علماء الموسيقى بأنه قد تطور من قوس الرماية اما النوع الثاني هو جنك الزاوية حيث تنشأ زاوية قائمة اوحادة من اتصال حامل الاوتار بالصندوق الصوتي.

2- الكنار:- ترجع في اصلها الاسم البابلي كنارم الذي ورد في ألكتابات المسمارية من العصر البابلي القديم وثبتت الشواهد الاثرية ان اقدم ظهور واستعمال لالة الكنار في العالم القديم كان عند السومريين في بلاد مابين النهرين في نهاية عصر جمدة نصر.

لقد مرت هذه الالة عبر تاريخها الطويل في العراق بمراحل تطور وتغير فيها المظهر العام لشكل الصندوق الصوتي وازداد عدد اوتارها واضيفت فيها الملاوي وفتحات الصندوق الصوتي (الشمسية)  لتقوية الصوت الخارج من الالة. فالكنار السومرية ظلت تمتاز بان صندوقها الصوتي كان يشبه الحيوان تماما او انه قرب الشبة او يتصل به تمثال حيوان صغير ولعل اشهر الكنارات السومرية هي الكنارة الذهبية التي عثر عليها في المقبرة الملكية في اور،  ويرتقي تاريخها الى حدود (2450 ق.م)  وهي تمتاز برأس الثور الذهبي في العصر الاكدي  (2371- 2230)  عرفت بلاد مابين النهرين استعمال اشكال من الكناري.

3- العود:- ان أقدم ظهور للعود كان في العراق القديم في العصر الاكدي  (2350- 2170 ق.م)  وتشير الشواهد الاثرية الكثيرة الى ان العود كان منتشرا في جميع انحاء العراق وانه اصبح الالة المفضلة في الحياة الموسيقية في العصر البابلي القديم  (2000- 1600 ق.م) .

ثانياً:- الآلات الوترية

1-الصفارة:- ان احدث المكتشفات الاثرية لالة النفخ المعروفة بأسم الصفارة هي التي عثر عليها في احدى غرف الطبقة الخامسة من تل يارم تبه التي تعود اواخر العصر

 

 

الحجري  (عصر حسونه)  وهذا الاثر عبارة عن قطعة فخارية تشبه شكل  (السيكار)  ينتهي براس خروف وهناك بعض الثقوب المنتظمة على سطح الانبوب الفخاري الامر الذي يشير الى استعماله كالة نفخ.

وفي تبة كورا بمحافظة نينوى عثر على بعض الصفارات العظمية التي تعود الى عصر العبيد وهي تحتوي ايضا على بضعه ثقوب لاخراج الصوت،  وفي الوركاء وبورسبا  (برس نمرود)  عثر على كسر فخاري من صفارات واستمر استعمالها في العصور اللاحقة على شكل طيور او اشكال اخرى استعملت للاطفال حتى وصلت الى يومنا هذا مع فارق واحد هو اختلاف المادة حيث اصبحت الان تصنع من البلاستك.

2- الناي:- وهو عبارة عن قصبة جوفاء مفتوحة الطرفين ويقع النفخ فيها مباشرة على حافتها المواجهة لشفتي النافخ ويضع الناي عادة من القصب الغاب او من الخشب واحيانا من المعدن وفي المقبرة الملكية في اور عثر على اجزاء من الناي الاصلي مصنوع من الفضة طوله حوالي  (26.7)  ويحتوي على اربعة ثقوب متساوية الابعاد فيما بينها وهو موجود في متحف الجامعة في  (فيلادلفيا – امريكا)  ويعود تاريخ هذا الناي الفضي الى 2450 ق.م.

3- الناي المزدوج:- ان اقدم اثر للناي المزدوج في العراق يعود الى

عهد الملك السومري اورنمو مؤسس سلالة اور الثالثة في 2113 ق.م حيث نرى هذه الالة منحوتة على القسم الخلفي من مسلتة المشهورة الموجودة في متحف الجامعة في فيلادلفيا.

ان طبيعة المادة التي تصنع منها هذه الالة النفخية وهي قصب سريع التلف والكسر وقد حالت دون وصول قطع اصلية لهذه الالة بعكس الناي الفضي.

4- البوق:- وهذه الالة عبارة عن انبوب من النحاس ذات شكل اسطواني. المسافة تتجاوز النصف ثم يصبح شكلها مخروطيا وينتهي باتساع يشبه الجرس. ان اقدم اثر عراقي يرينا اثر استعمال هذه الالة يعود الى عصر فجر السلالات الثاني  (2600- 2500 ق.م)  وكذلك في الاوتار الاشورية التي تعود للملك سنحاريب  (704- 681 ق.م)  مستعملا في عملية نقل الثور المجنح.

5- القرن:- تعمل هذه الالة من القرون المجففة لبعض الحيوانات مثل الثيران ثم تثقب عندئذ ينفخ عليها كالة موسيقية. وتذكر احد النصوص من عصر ايس لاسا يخبرنا عن تجوال الناي في شوارع المدينة ونفخة في القرن معلنا ضياع ختم اسطواني يعود لاحد التجار ويستنتج من هذا النص ان القرن كان يستخدم،  انذاك كوسيلة من وسائل الاعلام الرسمية وايصال الاخبار والمعلومات.

رسمت هذه الالة على جدران قصر ماري الذي يعود الى العصر البابلي القديم حيث ان الملكه كان معاصر للملك حمورابي.

6- الشعبية:- وهي من آلات النفخ تتالف من عدة انابيب تختلف في الطول وتوضع في داخل الاطار بصورة راسية متوازية وينفخ العازف في الفتحات العليا لهذه الانابيب اذ ان النهايات السفلى للانابيب تكون مسدودة وهناك امثلة تكون فيها الانابيب متساوية الطول في القسم العلوي الظاهري اما من الداخل فتكون مختلفة في الطول تاخر ظهور هذه الالة الى العصر الهلنستي والواقع ان اصل ومواطن الة الشعبية لايزال في ظلمات وغير معروف خاصة اذا علمنا ان الة الشعبية قد وردت في  (الالياذة)  باعتبارها الة اجنبية.

الآلات الايقاعية الجلدية

1- الطبل:- للطبول تاريخ طويل تنوعت خلاله اشكالها وحجومها فهناك الطبل المستدير الكبير والطبل اليدوي والطبل الطويل المخروطي والطبل الاسطواني وتعمل اطارات هذه الطبول اما من المعدن واما من الخشب واما من الفخار ويكون االقرع اما  باليد اوبالعصا.

ان الاثار العراقية المعروفة في الوقت الحاضر تثبت استعمال السومريين للطبل الكبير المدور اواخر النصف الاول من الالف الثالث قبل الميلاد من خلال المشاهد المنقوشة على الاثار السومرية،  فقد عثر في المقبرة الملكية في اور على بقايا الكسر من اطارات اصلية للطبول المعمولة من البرونز.

وفي منحوتة جدارية من عهد الملك الاشوري اشور بانيبال  (668- 626 ق.م)  عثر عليها في القصر الشمالي في نينوى ونقلت الى المتحف البرطاني نشاهد مشهد شرب نخب انتصار الملك الاشوري على ملك العلاميين على انغام الالات الموسيقية ومنها الطبل الطويل الذي يضيق في النهاية السفلى اما النهاية العليا فانها اوسع وقد ثبت عليها الجلد كما يستدل ذلك من الدوائر الاربعة التي تدل على المسامير المرسومة بين اطارين رفيعين. يحمل العازف هذا الطبل على بطنه ويعزف عليه بكلتا اليدين.

2- التمباني:-ان التمباني آلة ايقاعية جلدية معروفة في الوقت الحاضر بتسميتها الايطالية تمباني،  كانت معروفه ومستعملة في العراق في العصر البابلي القديم.

وكانت هذه الالة تسمى بالاكدية باسم  (ليليسو)  اذ عثر في مدينة الوركاء على نص مسماري من العصر السلوقي يحتوي على رسم لهذه الالة مع اسمها القديم ومراحل صناعة جلد هذه الالة،  وهذه هي اول حالة في العراق نجد فيها اسم المسماري القديم للالة الموسيقية مكتوبا بجانب رسم لها في ان واحد.

3- الطبلة:- الطبلة وتسمى في العراق ايضا باسم  (الدنبك)  وتعرف في بعض الاقطار العربية باسم  (الدربوكة)  ان الطبلة بشكلها المعروف في الوقت الحاضر كانت مستعملة في العراق في العصر البابلي القديم اي قبل ظهور الفرس استناداً الى الدمية الطينية.

4- الدف:- تختلف الدفوف من حيث الشكل والحجم فهناك دفوف مستديرة صغيرة،  وكبيرة فهناك دف مربع.

ان اقدم اثر عراقي يعود الى عصر فجر السلالات وتشير الاثار العراقية الى وجود عدة طرق لمسك الدف فالطريقة الاولى:- فيكون الدف فيها ممسوكا امام الصدر.... اما الطريقة الثانية:- فيكون الدف ممسوكا الى خارج الكتف او الجانب الايسر. لقد ظهرت الطريقة الثانية لاول مرة في العصر البابلي القديم ويتضح من المشاهد المختلفة للدف ان النقر عليه كان تيم من قبل الرجال والنساء وان استعماله كان في مناسبات السلم والحرب.

5- الدف المربع:- هناك منحوتة جدارية تعود لزمن الملك الاشوري سنحاريب  (704- 681 ق.م)  عثر عليها في نينوى ونقلت الى متحف الشرق الادنى في برلين الديمقراطية تشير الى استعمال الدف المربع.

الآلات المصوتة بذاتها

هي الالات التي تخرج الاصوات بذاتها عن طريق تصادم جزيئاتها بعضا ببعض او عن طريق القرع او الضرب او عن طريق اهتزاز يسبب تلاطم الاجزاء المكونة للالة ببعضها وتشمل هذه الفضيلة على سبيل المثال الصنوج اليدوي والخرخاشات والمضارب الرنات والاجراس.

1- الصنوج اليدوي:- ان اقدم استعمال للصنوج اليدوي  (سيمبال)  كان في عهد الملك السومري اورنامو مؤسس سلالة اور الثالثة وليس في العصر البابلي القديم واستمر استعمال هذه الالة في العصور الاحقة وكذلك تم العثور على الصنوج اليدوي في نمرود تعود الى القرن التاسع – الثامن قبل الميلاد.

2- الخرخاشات:- اظهرت التقنيات في مدن كثيرة من بلاد مابين النهرين خرخاشات مختلفة الاشكال تعود الى العصر البابلي القديم بعضها يمثل حيوانات مثل الخنزير والضفدع وحيوانات اخرى لايمكن تحديد نوعها لعدم وضوح المعالم. وهناك نوع يتالف من مقبض رفيع ينتهي من جهه واحدة بجسم كروي على قطع صغيرة من الحجر تصوت عند اهتزاها وارتطام بعضها ببعض وكذلك عند ارتطامها بالجسم الكروي ذي ثقوب وهذا الشكل لايختلف عن الالة المستعملة في الموسيقى الراقصة في اوربا وامريكا اللاتينية في العصر الحديث او الالة التي تستخدم من قبل الاطفال التي تصنع من المعدن اواللدائن البلاستيكية او سيقان الحنطة التي تعرف باسم (القشقوشة) . وفي العصر السلوقي اذي اعقب وفاة الاسكندر الكبير ظهر شكل جديد للخرخاشات الفخارية في بلاد مابين النهرين حيث اصبح بشكل النصف العلوي للانسان وهو نوع لم يعرف في بقية حضارات العالم القديم وهناك نوع اخر بشكل كروي مقرنص ذي نتوءات يعود الى العصر البابلي القديم.

3- الاجراس:- وهي الالات المصوتة كانت تعلق في رقاب الخيول والحيوانات الاخرى وكذلك في ملابس بعض الكهنة كما يتضح ذلك في المنحوتات الاشورية من القرن التاسع قبل الميلاد وهي تعود الى القرن التاسع عشر قبل الميلاد. وفي بابل عثر على اجراس من الفخار يعود الى العصر البابلي الاخير وعثر في الحضر على مجموعة متنوعة من الاجراس المعدنية التي تعود الى فترة الحضر.

4- المضارب الرنانة:- وهي عبارة عن قطع معدنية شبيه بالمنجل تقريبا ذات نهاية رفيعة واخرى عريضة تمسك باليد وتطرق الواحدة بالاخرى.ان اقدم المضارب الرنانة قد عثر عليها في كيش تعود الى عصر فجر السلالات الثالث  (2500- 2400 ق.م)  حيث عثر على كل قبر على زوج واحد من هذه المضارب الرنانة المصنوعة من النحاس استمر استعمالها ايضا في العصر الاكدي وهناك اثار من اور وكيش وماري تحمل مشاهد منقوشة لهذه الالة.

5- الصلاصل:- وهي الة معدنية تشبه شوكة الطعام او الملقط تثبت في سيقانها جلاجل او صنوج معدنية صغيرة متحركة وعند اهتزاز الشوكة يخرج الصوت من جراء ارتطام الصنوج.

بالاستناد الى ما هو معروف من اثار بالوقت الحاضر ان نقول ان اقدم اثر عراقي يرينا استعمال هذه الالة يعود الى عصر فجر السلالات الثالث (2500- 2400 ق.م)  واستمر استعمالها في العصر الاكدي ايضا حيث نراها منقوشة على الاختام الاسطوانية.

العودة الى فهرس العدد اطبع هذه الصفحة