فنون عراقية

حوار مع الفنان كوكب حمزة

 

فلاح المشعل

 

 

اواخر الستينيات وبداية السبعينيات وانسجاماً مع حركة التطور ظهرت موجة الاغنية العراقية الحديثة وكانت تلك الاغنية تحمل ملامح جديدة في أسلوب البناء الموسيقي والآفاق التعبيرية في الالحان وأصوات جديدة خالفت المألوف في جمالياتها وشكل الاغنية.. هذه الموجة الجديدة من الاغاني كان يقودها نخبة من الملحنين الشباب آنذاك ومن أبرز أسماء هذه النخبة كان الملحن المبدع كوكب حمزة الذي لحن اغنيات مازالت تتعرش في الذاكرة العراقية مثل ”يانجمة وابنادم“ بصوت حسين نعمة و ”محطات،  الطيور الطايرة،  افيش“ بصوت سعدون جابر و”حاصودة،  هم ثلاثة“ بصوت مائدة نزهت و”شوك الحمام“ بصوت فاضل عواد... واعمال غنائية ومسرحية لا يتسع المجال لذكرها.
كوكب حمزة فنان ملتزم وكان معارضاً للنظام انذاك لذا اختار ان يبقى نقياً صادقاً مع فنه وانتمائه للوطن والناس والحقيقة فتعذر بقاؤه في العراق واختار المنفى وعذابات الغربة على الانحناء للسلطة الفاشية والتطبيل لها،  فكان انموذجاً للفنان الحقيقي واكتسب بحق صفة الكوكب المضيء في ليل الغناء العراقي بعد ان منع النظام تداول اغنياته وعد حيازتها جريمة يعاقب عليها.. لكنها بقيت تتداول في الجلسات الخاصة مثل ضماد للجرح المتجدد.. و”انه بحلم لو يمر... تاخذني فرحة عيد.. “.. الان عاد كوكب بعد سقوط الفاشست فدعونا نستقبله بعطر المحبة ونتعرف على محطات رحلته.. فلنرحل معه.

* في بدايات مسارك اطلقت اشارات مبكرة لاغنيات فيها ابداع وتجديد.. حدثنا عن الظروف والاجواء التي انطلقت فيها موهبة الملحن كوكب حمزة؟ .

ـ أواخر الستينيات وبداية السبعينيات برزت مجموعة من الملحنين الشباب كان يوحدها الحلم والهم بولادة اغنية جديدة ففي السابق كانت الاغنية العراقية اشبه بـ”البستة“ جزءا من مقام او جزءاً من ابو ذية او اغنية بغدادية صرفة والتي تتكون من جملة موسيقية واحدة ولكن مجموعتنا طالب القرةغولي وكمال السيد وانا ايضا كنت جزءا من هذا المثلث ”مثلث برمودا“ وفعلا ً كان عندنا هم المساهمة بتأسيس الاغنية العراقية الحديثة وكان المناخ الثقافي مزدهرا ومشحونا بالجديد والبحث عن التغيير واذكر كنا نعيش مناقشات مع اصدقائنا من المثقفين والشعراء والفنانين وكانوا يسمعون اية اغنية جديدة وكانت لهم آراء ليست ذوقية او انطباعية وحسب،  انما الخوض في كل تفاصيل العمل وتلك كانت حالة حضارية جديدة ومن هنا جاء الاكتشاف في انك لا تستطيع ان تقدم اغنية حديثة بأدوات وأساليب قديمة فكان يجب ان نبحث عن اصوات غنائية جديدة واصوات شعرية جديدة لهذا كنت احضر جميع المهرجانات الشعرية وانا كملحن اول من تعامل مع قصائد الشعراء ”ابو سرحان“ ذياب كزار وزهير الدجيلي وكاظم الركابي وعريان السيد خلف وكامل العامري اضافة الى المنافسة الشريفة التي كانت تحتد بيننا ـ نحن الملحنين فيسمع احدنا الآخر اغنيته قبل التسجيل.. ومن هنا جاء خط الشروع بتأسيس مفردة.

*الاشكالية التي تقود الى السؤال هي انكم ابتدأتم شباباً وعملتم بفكر موسيقي متقدم وكشفتم عن قوة موسيقية رصينة وغرابة في ربط الترنيمة الشعبية بهذا البعد التعبيري في اغنية جديدة فهل ما حصل كان نتاجا لثقافتكم ام تعبيراً عن ارهاص ثوري تجلى بنتاجات موسيقية ولدت اغنية جديدة؟

ـ نعم انا أعزو النتيجة الى كل هذه الاسباب التي ذكرتها وفعلا انذاك كانت في العراق ثورة في كل شيء انظر الى المسرح الذي وصل مرحلة متقدمة جداً وكذلك الفن التشكيلي وكذلك الشعر الذي عرف العراق بريادته هذه الظروف اضافة الى الجانب الشخصي والتثقيفي الذاتي الذي يجعلك تكتسب آفاقا جديدة وانا اذكر بعد تلحين اغنية الاطلال للملحن الخالد رياض السنباطي اكتشفت موضوعة البناء وخاصة المقدمة الموسيقية للاطلال فيها بناء عالٍ جداً بناء غير المزاج والروح،  فهو مزج الشخصيتين.. ثم بعد اغنية الاطلال تعمق اكتشافي لفكرة البناء الموسيقى من خلال موسيقى الموسيقار الالماني فاكنر علمني البناء وهو اول من عمل المقدمات الموسيقية للاوبرات وهي عبارة عن لمحات مكثفة عن كل ما سيقال فكتب كل شيء يقال في الاوبرات من خلال المقدمة الموسيقية لهذا تعلمت ان التمهيد في المقدمة الموسيقية لم يكن ترفا انما جزء مهم من العمل..

كذلك استفدت من الموروث الشعبي والديني وخصوصا العاشوريات.

* في اعمالك خط درامي وتنامٍ واضح في الفكرة الدالة؟

ـ نعم انا كان عندي ولع وحب كبير للمسرح وعندما تخرجت في معهد الفنون وتعينت في البصرة كان جميع اصدقائي مسرحيين.

* هل قدمت اعمالا موسيقية في اطار الاوبريت؟

ـ لحنت اوبريتا واحداً كان بعنوان ”طوق الحمام“ تأليف ابي سرحان في البصرة وحاز الجائزة الثانية على القطر وكانت مدينة الناصرية الاولى على القطر وعلى فكرة فأنا كنت على علاقة حميمة مع الفنان المسرحي عزيز عبدالصاحب وكنا نلتقي في بيتهم في مدينة الناصرية ووقتها اسمعته اغنية ”يانجمة“ وغناها بصوته ابن عمه ”عمران رشيد“ قبل حسين نعمة وللعلم فان اغنية يانجمة كان يرددها السجناء السياسيون في ”نكرة السلمان“ وفي وقت لاحق غناها حسين نعمة وكان صوتاً جديداً.

* كان تأثير اغنية المقام واضحا في اغنية يانجمة؟

ـ نعم وهذا جاء من نتاج حواري مع عزيز عبدالصاحب،  كنت اريد ان اقدم شيئا من فلكورنا العراقي ولكن كيف؟  هل اقدمه استنساخا؟

فجاء تلحين ”يانجمة“ بمزاوجة بين الاغنية العراقية والموشح الاندلسي اضافة الى ذلك فانا تعرفت على الشاعر ابي سرحان وابو سرحان يعد نقلة كبيرة في الاغنية العراقية شعر جديد ومفردات وفضاءات وهكذا هي الحالة كان في البصرة جو ثقافي عابق بكل ما هو جديد وابداعي فكانت تجربتي تتلاقح مع تجارب المبدعين القاص محمد خضير الشاعر عبدالكريم الكاصد والتشكيليين علي طالب ومجموعته.. وغيرهم في هذا الجو والوسط جاءت تجربتي اللحنية واتمنى ان تعود مثل هذه الاجواء وهذه الحمية.

* انتم كنتم منضوين تحت لافتة فكر اليسار العراقي وتتطلعون بدافع فكري لبناء حياة عراقية جديدة؟

ـ صحيح تماما.. وهذه الحالة كانت في عموم العراق؟

* لكن كوكب حمزة لم يتواصل في تألقه الابداعي بعد الرحيل من العراق؟

فما هي الاسباب؟

ـ بعد خروجي من العراق كان هناك حصار جدي وانا عشت سبع سنوات في الدول العربية ولم تتح لي الفرصة اضافة الى الانكسار الذاتي واذكر قبل 8 سنوات اشترت مني شركة اماراتية ثماني اغان لم تظهر منها سوى اغنية واحدة نفذت بطريقة بائسة.

* هذا يعني ان الملحن او اي مبدع خارج حدود وطنه يقف على ارض اسفنجية؟
ـ تماما هذه مفردة دقيقة جدا وهذه الحالة لم اعان منها انا فقط بل ان الملحن الكبير الرائع المرحوم كمال السيد مات من القهر بسبب ظروف الغربة وهو ملحن ”المكير“ و”هي ولك يابلام“ وعمل عشرات الالحان الكبيرة.. نحن سرقت فرصتنا.

* جاء سفركم بعد بدء الهجمة الفاشية وهنا تراجعت الاغنية العراقية تراجعا خطيرا وهذا يعني انتم لم تؤسسوا لقواعد لحنية تحافظ على قدر معقول من روحية وملامح الاغنية الجديدة؟

- نحن لم نؤسس انما كنا نحلم ان نؤسس واسهمنا بالتاسيس ولكن الامور والظروف لم تكن طبيعية فنحن كنا شبانا ولو قدر لهذه المسيرة ان تتواصل لو لم نخسر هذه الثلاثين سنة من عمرنا في الخارج لو تنافى عطاؤنا ونحن داخل وطننا لوصلنا الى ذروة النجاح والتقدم

* هل تابعت نتاجات الاغنية العراقية في الثمانينيات والتسعينيات؟

ـ تابعت اشياء قليلة جدا لم يكن يصلنا شيء الا بالمصادفة وانا سمعت كاظم الساهر في امريكا وفرحت ان يظهر هذا الفنان في مثل هذه الظروف

* كيف تصف فترة الثمانينيات والتسعينيات على صعيد الموسيقى والغناء؟

ـ فترة انحطاط على كل الاصعدة.

 

 

* التوزيع الموسيقي يعطي فخامة لبنية الاغنية وجمالية تعبيرية لتأثيرها الموسيقي انت

كملحن كيف تنظر لهذا الموضوع؟

ـ انا اذكرك باغنيتين ظهرتا في السبعينيات هما ”الطيور الطايرة“ و”ابنادم“ في الاولى تجد بناء،  والالات الموسيقية تحولت الى رمز،  والكمانات الى طيور والطبول الى ضربات القلب والناي الى الذات الحزينة. كل حركة فيها رمز وهنا وظفت الالة في التوزيع. وكانت بدايات.والتوزيع جزء مهم في بناء الاغنية ونعود ايضا الى صلب الموضوع،  فلو كنت باقيا في العراق لتطور الامر اكثر وما قدمناه في السبعينيات كان بداية ساذجة لكن كان من الممكن ان تتطور لكن في الخارج كانت صعوبة العمل واي لغة تستعملها تضعف بمرور الوقت.

* هذا يعني انك بقيت تعمل على خط الميلودي فقط؟

ـ كلا بل عملت هارموني في الموسيقى التصويرية للمسرح وبعض المسلسلات والافلام،  موسيقى مسرحية ”اللمبة“ لممدوح عدوان في سوريا و ”زيارة الملك“ و”العائلة توت “ و”ليالي الحصار“ مع المخرج جواد الاسدي وموسيقى لمسلسل سوري انتاج سعودي كما عملت موسيقى تصويرية لمجموعة افلام وثائقية وروائية قصيرة مع مخرج دانماركي وفيلم الصفصاف المهاجر واخذت الجائزة الذهبية وفيلم صبرا وشاتيلا للمخرج قاسم حول وكذلك فيلم السلام عليكم للمخرج نفسه واعمال اخرى كثيرة عبرت فيها عن عطشي للعمل الموسيقي.
* الاغنية العربية اصبحت حاجة استهلاكية واستعراضات اثارة جنسية هل هذا نتاج لتاثيرات فكر واساليب العولمة؟
ـ ظاهرة الانحطاط والبعد الاستهلاكي والابتذال هي فعلا حالة عالمية وليس عربية فقط اما لهاث الاغنية العربية وسقوطها في مجرى الانحطاط العالمي فيعود سببه الى امتلاك بعض المتخلفين لشركات الانتاج فصار همهم موضوع الاثارة الجنسية لانهم يعانون من جوع حضاري وانعدام الافق الثقافي ومستوى الوعي الجمالي.
* الان ماذا ستقدم للجمهور من اغنيات ومشاريع موسيقية؟

ـ الان حقيبتي ملأى بالالحان وافكار لالحان جديدة تمجد الانسان العراقي وتدعو لتعميق فكر الحرية.. اغنيات تحاول ان تمسح الحزن عن الانسان العراقي الذي عانى كثيرا وما زال يعاني.. كذلك عندي مجموعة من المشاريع للبدء بنهضة موسيقية عراقية جديدة ارجو ان تتاح لنا الظروف للعمل.

العودة الى فهرس العدد اطبع هذه الصفحة