تجارب مسيحية تستحق الاحتذاء بها

 

اعداد: آيدن البياتي/ كركوك

 

 

رغم الخلافات العصية ورغم التاريخ الدامي بين الطوائف المسيحية الغربية، الا انهم في العصر الحديث تمكنوا من تجاوز الكثير من تبعيات هذا التاريخ، وبدأوا بتأسيس تجارب ناجحة في مجال الحوار والتقارب بين الطوائف المسيحية الثلاثة، البروتستانية والكاثوليكية والارثوذكسية. هذه التجارب رغم خصوصيتها فأنها تظل مفيدة من الناحية المعلوماتية على الاقل للنخب الاسلامية العراقية لكي تخلق تجاربها الخاصة بها.

 

الراهب شوتز ومجمع تيزيه

 

ولد روجيه شوتز في 12 أيار عام 1915 م في سويسرا في عائلة بروتستانتية، عندما بلغ سن الشباب بدأ بدراسة اللاهوت في مدينة لوزان بتشجيع من والده، وعندما أتم الـ 25 أراد أن يحقق حلمه بأن يعيش حياة الرهبان البسطاء على الرغم من عدم اعتراف الكنائس البروتستانتية بالرهبنة وهكذا اختار بدء مشواره في قرية تيزيه الفرنسية عام 1940 م في أثناء اشتعال العالم بأسره بنار الحرب العالمية الثانية . كان شوتز قد تلقن من والده إرث كنيسته البروتستانتية وثقافتها الكتابية ، ومن جدته لأمه الروحانية والتي كانت على الرغم من أنها بروتستانتية تتردد إلى الكنيسة الكاثوليكية ، فكان لذلك أثر عميق على روجيه الذي تعلم من جدته روح التقارب بين الفرق المسيحية المختلفة ، كما تأثر أيضا بدراسته لآراء مفكرين كاثوليك أمثال هنري دي لوباك ( اللاهوتي اليسوعي الذي أصبح كاردينالا ) وبول كوتوريه الدومينيكي، وعلى وجه الخصوص تأثر بالبابا يوحنا الثالث والعشرين والذي أصبح لاحقا صديقا حميما له .

إلتحق بروجيه في مشروعه الناشئ اللاهوتي ماكس توريان والمهندس الزراعي بيير سوفران، وبدأ الثلاثة بعد انتهاء الحرب بتحويل تيزيه إلى مركز رهبانيتهم، حيث عاشوا وهم من خلفية بروتستانتية على طريقة الحياة الرهبانية البندكتانية، وفي عام 1949 م أصبح عددهم سبعة ودعوا أنفسهم بالإخوة، وسمح السفير الباباوي في فرنسا آنذاك لتلك المجموعة باستخدام كنيسة قرية تيزيه الكاثوليكية للصلاة وكان اسم ذلك السفير أنجيلو رونكالي والذي أصبح بعد عشرة أعوام البابا يوحنا الثالث والعشرين والذي كان دائما من أقوى مناصري مشروع تيزيه . وفي عام 1960 م سمح الفاتيكان للكاثوليك بالإلتحاق بتلك الجماعة فأصبح بذلك جماعة تيزيه مؤسسة عالمية مسكونية لجميع المسيحيين ومرتبطة بمجلس الكنائس العالمي في جنيف، وهي في اتصال دائم مع الكنيسة الكاثوليكية ولكنها جماعة رهبانية مسيحية لاتنتمي لأي طائفة، وهي تعمل بشكل رئيسي على تعزيز روح الوحدة بين المسيحيين على اختلاف مذاهبهم، وتمكنت هذه الجماعة خلال نصف القرن الماضي من أن تكون أحد أهم المراكز الشبابية في العالم للصلاة والاحتفالات الشعبية الداعية للوحدة . حظي الأخ روجيه باحترام ومحبة الجميع ودعي إلى حضور جلسات المجمع الفاتيكاني الثاني عام 1962 م بصفة مراقب ، حيث تلقى آنذاك دعوة شخصية من البابا نفسه . في 16 أغسطس/آب 2005 م قتل الأخ روجيه بعد أن طعنته امرأة رومانية مختلة العقل بسكين، كان يبلغ عندها 90 سنة وحدث ذلك في الكنيسة في تيزيه أثناء الصلاة بحضور 2500 من الشباب .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

مجلس الكنائس العالمي

 

 

تعتبر تجربة(مجلس الكنائس العالمي) من أفظل التجارب للتقارب والحوار بين الطوائف المسيحية. ونعتقد ان النخب المسلمة العراقية مهيئة تماما لتأسيس(مجلس الوحدة الاسلامية العراقي) بالاستفادة من هذه التجربة. ويمكن مستقبلا توسيع هذه التجربة، لتأسيس (مجلس الوحدة الاسلامية العالمي). 

ان مجلس الكنائس العالمي هو تجمع مسيحي عالمي يضم معظم الكنائس البروتستانتية والأرثوذكسية، وغيرها من الكنائس المتّحدة المستقلة التي لا تؤمن بسلطة بابا الفاتيكان الكاثوليكية.ويرمز له ب WCC. مقره في  جنيف - سويسرا. تأسس عام 1948م في أمستردام بهولندا. واشرفت على تأسيسه كنائس أوروبية وأمريكية شمالية غالبها بروتستانتية، وهي التي شكّلت نواته الرئيسة عند التأسيس، ثم توسع فيما بعد. الأمين العام الحالي هو (صاموئيل كوبيا) من الكنيسة الميثودية من كينيا، وقد تولى المنصب منذ عام 2004 ولا يزال. وللمجلس فروع في الكثير من الدول حيث تعد كينيا من أبرز مراكز المجلس بعد المقر الرئيس. يضم المجلس أكثر من 340 كنيسة منتشرة في أكثر من 120 بلداً. وعدد الأفراد المنتمين للمجلس عقائدياً: حوالي 550 مليوناً. وتحكم المجلس لجنة عامة مؤلفة من 158 عضوا في اللجنة المركزية بالإضافة إلى 25 عضواً في اللجنة التنفيذية الخاصة التي تمثّل الأعضاء.

ألاهداف العامة للمجلس:
1- توحيد الصف المسيحي، وهو الهدف الأساس لإنشاء المجلس، حيث نص المؤسسون على: "العمل على أساس توحيد الإيمان والعمل والتحرك". 2- توحيد الكنائس الشرقية الأرثوذكسية والكنائس البروتستانتية التي لا تؤمن بسلطة بابا الفاتيكان الكاثوليكية.3- تقوية الروابط بين الكنائس المختلفة والمتنوعة وتكريس التفاهم فيما بينها.4 - تنمية الإيمان المسيحي5- توصيل الإنجيل للعالم أجمع.6 ـ الإشراف على التبشير في المناطق الخاضعة للمجلس.7 -تنظيم العلاقات بين الكنائس المنضوية تحته.8 - القيام بالدراسات الكنسية. 9- تقديم المعونات الإنسانية للاجئين على اختلاف أديانهم.10 - التوسع في الحوار مع الأديان المخالفة.
 الاهداف الداخلية لاعضاء المجلس
1- التضامن ومساعدة الكنائس لبعضها عند الحاجة.2- الامتناع عن القيام بأعمال تتناقض مع العلاقات بين أعضاء الكنائس.3- تبادل الخبرات من أجل الاستفادة والتعلم المتبادل.4- العضوية في الكنيسة تتجاوز الكنيسة الفردية الواحدة القائمة بحد ذاتها.

وعلى الرغم من أن الخلافات والتوترات والصعوبات التاريخية قد تستمر بين الكنائس، لكن الكنائس الأعضاء في مجلس الكنائس العالمي ملتزمة بعدم إظهار ذلك.

الواجبات المشتركة لكنائس المجلس
1- تحقيق الهدف بالوحدة الإيمانية والأخوية. 2- تعزيز العمل المشترك في العمليات التبشيرية.
3- الانخراط في تقديم الخدمات المسيحية عبر دعم الحاجات الإنسانية.4- تعزيز الوحدة والتجديد في العبادة والتبشير والخدمات.
طريقة عمل المجلس
للمجلس لجان متعددة ينفذ من خلالها ما يلتزم به من مهام ومشاريع وهي:
*لجنة الكنائس المعنية بالتنمية.* لجنة تشكيل التربية والتعليم.* لجنة الكنائس المعنية بالشؤون الدولية.* لجنة العدالة.* لجنة المهام العالمية والبعثات (التبشيرية).* لجنة الإيمان والنظام.* المجلس الاستشاري المشترك.* مجموعة العمل المشتركة بين المجلس العالمي للكنائس والكنيسة الكاثوليكية "الفاتيكان".* المجموعة المرجعية بشأن مشروع التغلب على العنف.* المجموعة المرجعية بشأن العلاقة بين الأديان.* اللجنة الخاصة بالمشاركة الأرثوذوكسية في مجلس الكنائس العالمي.

أبرز لجان المجلس
1- لجان التنمية: يعمل مجلس الكنائس العالمي في هذا الإطار من خلال الكنائس الأعضاء في المجلس ومن خلال المنظمات والهيئات الدينية والاجتماعية لتنسيق الأعمال (التبشيرية) والاجتماعية.
وتشمل البرامج الحالية للمجلس العالمي للكنائس في هذا الإطار مشروعاً للتغلب على العنف، حملة عالمية لمكافحة مرض نقص المناعة المكتسبة /الإيدز خاصة في إفريقيا.
2- لجنة الإيمان والنظام: تضم اللجنة 120 عضوا بما في ذلك ممثلوا الكنائس غير الأعضاء في المجلس العالمي للكنائس، ومن بينها الكنيسة الكاثوليكية حيث يمثلها 12 عضواً في هذه اللجنة.
وتعلن لجنة الإيمان والنظام التابعة لمجلس الكنائس العالمي أنها حققت العديد من الإنجازات منها:
تحقيق التوافق في الآراء بشأن عدد من المواضيع الدينية والكنسية من بينها، المعمودية، تاريخ الفصح، طبيعة وهدف الكنيسة، ونتيجة لذلك فإن بعض الكنائس غيرت الممارسات الطقوسية، وبعضهم دخل في مناقشات، الأمر الذي أدى بدوره إلى مزيد من الاتفاقات والخطوات نحو الوحدة.
3- لجنة العدالة والسلام وتعمل هذه اللجنة من أجل:
* غرس قيم العدالة والسلام في علاقات الناس بعضهم ببعض* تعزيز القيم والممارسات التي تجعل لثقافة السلام معنى* العمل من أجل ثقافة التضامن مع الشباب والنساء، ومع الناس المقموعين بسبب أعراقهم أو أديانهم.* التركيز على قضايا العولمة، وانبعاث الحركات الاجتماعية الجديدة، ويقول مجلس الكنائس أنه بذل جهداً كبيراً في مقاومة العولمة.
* بالإضافة إلى الاهتمام بالقضايا التالية:- الاقتصاد – السلام – المعوقين - العنصرية – المرأة ـ الشباب.
4- اللجنة الخاصة بالمشاركة الأرثوذوكسية: وقد أنشئت هذه اللجنة الخاصة من قبل الجمعية العامة الثامنة في هراري في كانون الأول 1998 وذلك لمعالجة المخاوف الأرثوذكسية فيما بتعلق بعضوية المجلس العالمي للكنائس، والتصريحات العلنية، والعبادة والممارسات وقضايا أخرى.

وتمثل اللجنة إطارا حيويًّا للحوار والنقاش بشأن مستقبل المجلس العالمي والحفاظ على الأسس التي قام عليها.

الأمانة العامة لمجلس الكنائس

ينتخب المجلس في كل دورة من دوراته التي تستمر 7 سنوات أميناً عاماً، ويقوم بهذا الدور حالياً صاموئيل كوبيا من الكنيسة الميثودية من كينيا، وقد تولى المنصب منذ عام 2004م ولا يزال.

مصادر تمويل المجلس:

يتم تمويل أعمال ونشاطات مجلس الكنائس العالمي من خلال تبرعات ومساهمات الكنائس الأعضاء، ومن خلال الأموال الواردة من المنظمات الكنسية والمؤسسات والأفراد. وللمجلس أيضا دخل ثابت من خلال أموال الاستثمارات، وإيجارات المكاتب في المركز الرئيس في جنيف، ومن رسوم الدورات الدراسية في المعهد المسكوني، ومن خلال بيع منشورات مجلس الكنائس العالمي.

 

انجازات المجلس

 

 

يقول المجلس أنه حقق العديد من الإنجازات خلال الخمسين سنة الماضية منها:
1- إنشاء علاقة ودية وتعاونية مع الكنيسة الكاثوليكية، على الرغم من أنها ليست عضوا في المجلس 2- تقوية الروابط بين الكنائس المختلفة، والمتنوعة وتكريس التفاهم فيما بينها.3- دعم مجلس الكنائس المشاركة في الكفاح من أجل العدالة والسلام ونبذ العنصرية، لا سيما في جنوب أفريقا. دعم الجهود الرامية إلى إنهاء عقدين من الصراعات الأهلية في السودان، إعادة توحيد كوريا الشمالية والجنوبية، الدفاع عن حقوق الإنسان في أمريكا اللاتينية ضد الديكتاتوريات هناك.4- الاعتراف بأهمية حوار الأديان والعلاقات مع الأديان الأخرى.5- تحقيق التفاهم المتبادل من خلال الإيمان والأنشطة ذات الصلة بمواضيع مختلف عليها سابقا بين المسيحيين. 6- تسهيل ودعم الحوار الكنسي المحلي والوطني والإقليمي، ودعم الجمعيات والكنائس والطوائف حتى غير المنضوية تحته، وذلك عبر الحوار والتعاون.

العلاقة بين المجلس والفاتيكان

لا شك أن الفاتيكان ليس عضواً في المجلس، لكنه يتعامل معه بمرونة واضحة، فقد عمل مع المجلس بشكل وثيق ومقرّب لأكثر من ثلاثة عقود، كما أرسل العديد من المراقبين والمشاركين في جميع الاجتماعات والمؤتمرات الرئيسة لمجلس الكنائس العالمي، وكذلك في اجتماعات لجنته المركزية والمجالس الأخرى. بل إن له تمثيلاً ثابتاً في مجلس الكنائس يتكون من اثني عشر فردا وهم أعضاء كاملوا العضوية في لجنة الإيمان والنظام التابعة لمجلس الكنائس العالمي.

تتوجب الاشارة الى ان هذا المجلس متهم من قبل بعض الاطراف الاسلامية بأنه يقوم بتشجيع عمليات التبشير في المجتمعات الاسلامية، ومنها مثلا جنوب السودان.

ــــــــــــــــــــــــــ

العودة الى فهرس العدد اطبع هذه الصفحة