دعوى سرقة كركوك مابين محكمتين

 

آيدن اقصو/ بغداد

 

( الدكتور سعد الدين اركيج، احد المكافحين من اجل عراقية كركوك)

 

تقول الاخبار ان هناك نية سلطوية – كردية لأجراء الاستفتاء في موعده والخاص بمصير مدينة كركوك العراقية (مدينة الذهب الاسود) أواخر هذا العام.. عام الضياع والتشتت والخيبة والدم وقوافل القتلى والشهداء والمهجرين... عام مشروع جوزف بايدن سيء الصيت وأنصاره العراقيين الميامين ممن لازالوا يبحثون عن نصر وهمي في هزيمة شاملة.. هزيمة طالت كل مبنى عراقي وكل قيمة سياسية واجتماعية ولدت وترعرت في أرض الرافدين... كانت هناك الدولة الاموية ثم اعقبتها العباسية ثم حكم المغول ثم العثمانيين فلم يتجرأ أحداً من هؤلاء أن يقدم على وضع مشروع يمس بوحدة العراق الادارية والسياسية في الصميم والجوهر.

قد يقول قائل ان للقادة الاكراد تاريخ مشرف بنموذجية علاقاتهم الستراتيجية مع الولايات المتحدة الامريكية وانه آن الاوان لكي تعترف أمريكا بهذا الجميل وتتركهم يفعلون مايحلو لهم وتطلق يدهم القومية لتعيث في الارض اخلالاً فتفعل ماتفعل وتستلب ماشاءت من الاراضي والثروات العراقية دون وازع. ما قضية كركوك بكافة مفرداتها الا حالة واضحة من حالة الانفلات السياسي والتعملق الكارزمي والتعنصر القومي الى حدود مافوق المعقول.

هم اليوم بأختصار شديد أسياد العراق الجديد. لا أحد قادر ان يقول لهم كفّوا أيديكم عن دماؤنا وثرواتنا ومدننا. فأن اعلن أحدنا برفع صوته قليلاً في حضرة القادة الاكراد فهو صدّامي شوفيني تكفيري ارهابي لطخت أياديه بدماء ضحايا الانفال وحلبجة. فيتم محاسبته بالاساليب القذرة (التشويه والقذف الاعلامي ثم الاعتقال وثم التهجير الى أعماق المجهول). والاّ كيف نفهم توسع خارطة مايسمى بكردستان والتي تشمل اليوم 37% من أراضي البلاد؟ وهذه الخارطة تذكرنا كثيراً بخارطة اسرائيل الكبرى (أرضك يا أسرائيل من النيل الى الفرات). والغريب في الامر ان نفس القوى الكونية الكبرى التي زرعت اسرائيل ودعمتها وقامت بحمايتها، هذه هي اليوم تعمل ليل نهار لأقامة وانشاء وتأسيس الدولة الكردية (المخنوقة). المخنوقة براً وبحراً وجواً وحتى ايديولوجياً وجماهيرياً، لذا يعتقد الساسة الاكراد العلنيين منهم والسريين، أن استلاب كركوك وقضمها في ظل وجود الاحتلال وسلطة الفوضى الهدّامة سوف يعطي دفعاً هائلاً لتأسيس وقيام الدويلة الكردية المؤجلة.... كما ان حالة الضعف والتشظي التي عاشتها وتعيشها الحكومات العراقية المتعاقبة لما بعد 9 نيسان 2003 كان له الاثر الكبير والخطير في هذا الاستعلاء والتعملق الكردوي المخيف...

لقد كان مشروع جوزف بايدن ذو الطبيعة التقسيمية والمؤيد بشرعنة أعضاء الكونغرس مشروعاً محلحلاً للجمود السياسي والعقائدي والتصالحي في العراق... وحينما وضع على طاولة الرئيس بوش... أمتنع عن تصديقه أو العمل بمقتضاه في هذه الفترة على الاقل... وحينما حصلت حالة الرفض السياسي والجماهيري والاعلامي العراقي وكذلك من قبل المؤتمر الاسلامي والجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي ودول الجوار العراقي، أحرج الامريكان غاية الحرج السياسي والاعلامي وحتى الثقافي داخلياً واقليمياً ودولياً... فهبّ الاخوة الاكراد كما هو شأنهم دائماً بالترحيب والتصفيق والتهليل لهذا المشروع التقسيمي مخففين وقع الفشل الكامل على واشنطن معلنين انهم مستعدون للعمل مع الكونغرس الامريكي من أجل تفعيل المشروع التقسيمي وهو حلم أزلي.

 

( المناضلون التركمان يدافعون عن عراقية كركوك)

 

هذا المشروع الذي شجع الاكراد على الدعوة المسرعة لاجراء الاستفتاء على كركوك في موعده وهو عالق بين ثلاث دعامات خرسانية قانونية، انسانية، سياسية وتنظيمية:

1-  ان المادة 142 التصحيحية التوافقية من الدستور لم تحسم بعد ولم تنتهي اللجنة المكلفة بالتعديل من حسم امورها القانونية... فهل يجوز قانونياً ودستورياً تطبيق وتفعيل المادة 140 قبل أن تحسم المادة 142 أمرها التعديلي؟

2-  ان هيئة حل نزاعات الملكية العقارية لم تنجز 15% من الدعاوى الخاصة بعد ولا زالت آلاف القضايا الشائكة والمعقدة معروضة أمام هذه اللجنة القانونية وعشرات الالوف من المواطنين ينتظرون أن تحسم قضاياهم حتى يستطيعوا أن يميزوا الخيط الابيض من الخيط الاسود  ومعرفة عدد الوافدين والمهجرين بصورة دقيقة وواضحة ومن ثم تتبع الحقوق العينية والمادية لكل متضرر..

واخيراً هل حُسمت باقي الاراضي المتنازع عليها، أم أن الخصخصة تكمن في الاراضي التي يتصارع عليها الاكراد فقط ؟

3-  والاهم من كل هذا وذاك، هل ان الخارطة السياسية العراقية وحالات الانفلات الامني وبحار الدم الهائجة سوف تسمح بأجراء مثل هذا الاستفتاء وبشفافية وحيادية تامة دون اكراه مادي أو معنوي سيما وأن الميليشيات الكردية تخنق كل مواطن داخل كركوك وخارجها...

هذا غيض من فيض فصلناه هنا وأشرنا اليه بأيجاز شديد..

ان سرقة كركوك وتوابعها وضمّها الى اقليمهم ودولتهم المؤجلة سوف لن يردع أصحاب الحق والقوى الوطنية العراقية بكافة تفصيلاتها وتشكيلاتها من أن تسلم بهذه النتيجة وأن تستسلم كلياً للهيجان الكردي..

ان أهالي كركوك سوف يلجأون الى كل ماهو معقول حالياً من أجل أسترداد مدينتهم التاريخية... ويؤيدهم في ذلك كل أصحاب الفكر النيرّ والتوجه الحر والقيم الاخلاقية والجمالية من التركمان والعرب والكرد وباقي الملل والنحل...

لقد اخطأ الاكراد السياسيون طوال الفترة السابقة وهاهم يخطأون اليوم مرة ثانية... وسوف يرتكبون أكبر الاخطاء وأشنعها حينما يصرون على ابتلاع المدن الشمالية الواحدة بعد الاخرى...

وفي هذا الصدد وهذا السياق نود ان نطرح ونبيّن حقائق أربعة آنية ومستقبلية سوف تطفو على السطح السياسي العراقي وتدخل لاعباً أسياسياً وجوهرياً في صلب موضوع الحراك السياسي والايديولوجي عراقيا – اقليمياً، وهي:ـ

1ـ هل تعتقد هذه القيادات ان قوى الاحتلال الغربي بزعامة أمريكا سوف ترعى وتدافع عن النزعة التوسعية الكردية الى ما لا نهاية أم أن هذا الموقف الذي تتبناه أمريكا سوف يزول بمجرد أنْ تدرك واشنطن إن صورتها السياسية والدعائية والاخلاقية قد شؤهت بالتمام أمام الشعوب الاسلامية والعربية على حد سواء...

2ـ هل تعتقد هذه القيادات ان دولاً مثل تركيا وايران وسوريا هي الاخرى سوف تخضع وتطأطأ رأسها خوفاً ونزولاً عند الرغبة الكردية التوسعية وانها أي هذه الدول سوف تترك حكام أكراد العراق يصدرون أفكارهم وعقيدتهم وأحلامهم دون أن يمتلكوا وسائل الردع اللازمة لذلك.

3ـ هل تعتقد هذه القيادات إن أهالي كركوك الاصلاء ومعهم كل قوى الخير والعدالة في العراق والعالم سوف ينتابهم الصمت ازاء ذلك أم أن هذه القوى سوف تلجأ الى كل ماهو مسموع وغير مسموع لأعادة المدينة لأهلها وسكانها عن طريق:ـ

    أ- عرض الموضوع أمام البرلمان العراقي والحكومة الحالية.

   ب- رفع شكوى أمام المحكمة الاتحادية العليا.

   ج- رفع شكوى أمام المحاكم الدولية.

   د- تشكليل لجان سياسية واعلامية والذهاب الى كل الدول الجارة للمطالبة بحقوقهم العادلة والمشروعة وتبيان مقدار الظلم والحيف الكبيرين الذين الحقهما المتعصبون الاكراد بكركوك وتوابعها والمدن العراقية الاخرى كالموصل وديالى.

  هـ - نحن نعتقد ان كل ذلك إذا فشل وتمت عملية احتوائه أو تزوير فأن من حق أهالي كركوك والمناطق الاخرى الاستنجاد بأي جهد مناسب من الدول الجارة لرفع الحيف والضرر عنهم واستعادة حقوقهم التي طالما عجزت الحكومة العراقية تلبيتها وأخطأ البرلمان في تفسيره للأمور، عمداً أو تقصيراً.

4ـ يجب ان يعلم قادة الاكراد ان كركوك والموصل وبغداد والرمادي والبصرة والسليمانية ليست هي ملكاً لهذا الحزب أو ذاك ولا لهذه الطائفة أو تلك وان مايربط وشائج هذه المحافظات أكبر وأعظم من أن يتم تقطيعه، وأن الجماهير العراقية الاصيلة اذا ما سكتت الآن لأسباب مذهبية، سايكلولوجية، تحالفية أوجدها الاحتلال فأن يوم الصحوة الوطنية قادم لا محالة واللحمة الوطنية الاصيلة حادثة بلا ريب... حينذاك سوف يندم كثيراً ورثة الاحتلال من أساءاتهم الكارثية هذه بحق انفسهم اولاً وحق جماهيرهم ثانياً وبحق العراق بأكمله ثالثاً...

 

العودة الى فهرس العدد اطبع هذه الصفحة