فئات الوطن

الطائفة المسيحية في ميسان

 

اعداد نسرين المالكي/ بغداد

 

 

يعود تأريخ ميسان إلى ما يقارب3000 سنة، وقد ذكرت أولى الدراسات التي تشير إلى ذلك، انه في عام1035 ق.م أسس ملك من ملوك البحر الأسرة الخامسة في بابل مدينة ميسان وحكم فيها ثماني عشرة سنة. إزدهرت ميسان في العصر الفرثي وكانت فيها مدن تجارية وطرق تمر بها القوافل إلى تدمر وغيرها، وكانت ميسان إمارة مستقلة في القرن الثاني قبل الميلاد.

يقول ياقوت الحموي عن ميسان، إنها كورة واسعة، كثيرة النخيل بين البصرة وواسط وقصبتها ميسان، جاء ذلك في معجم البلدان، أما إبن جرير فيقول ان ميسان ليلة أربع عشرة أي ليلة إكتمال البدر قمراً ويقال انها سميت ميسان لكونها أرضاً خصبة كثيرة الحشائش والأعشاب التي كانت تميس وتتمايل مع النسيم.

أسست مدينة العمارة الحديثة في عام1861م وقد أسسها عبد القادر الكولمندي، جاء ذلك في قصيدة الشاعر المعروف عبد الغفار الأخرس التي بعثها إلى حاكم العمارة ومؤسسها قال في مطلعها:
عمرتموها فغدت عمارة      كما أردتم لمراد الخاطر
فقل لمن يسأل عن تأريخها   قد عمّرت أيام عبد القادر

أما سوقها المسقوف الذي يعد مفخرة معمارية فريدة والذي باشر بناءه الوالي العثماني محمد باشا الدياربكرلي سنة1870 وإستمر العمل به سنوات وعلى عدة مراحل، كان يحتوي في ذلك الوقت خانات ومحال متنوعة تبيع إلى أبناء الريف والمدينة مايحتاجونه من ألبسة ومواد غذائية ومواد تدخل في صناعة القوارب وغيرها، وكان السوق يحتوي في مقدمته على مقهى للتجار اليهود وآخر للتجار العراقيين المسلمين.

تحتضن ميسان شواخص أثرية عده تقدر (500 ) تل أثري منقب عنه و(250 ) تل آخر لم يتم التنقيب عنه لحد هذه اللحظة , آثار تقف هيئة الآثار عاجزه عن الاهتمام بها فجميعها تعود للعصور السومرية في ميسان التي تعد مهدا" لهذه الحضارة التي نشأت من خلالها دولة (المذار) في ميسان, يضاف لها معالم وآثار للطوائف والاديان في ميسان.

 

كنيسة أم الأحزان 

 

 

تعد هذه الكنيسة أقدم أثر مسيحي في المنطقة الجنوبية. وهي لازالت حية يؤمها اتباعها رغم الخطوب والمحن. أن هذه الكنيسة تعد تحفة آثارية وقد شهدت إقامة العديد من المراسيم الدينية والاجتماعية، إذ تقام فيها القداسات خلال الأعياد المسيحية والمناسبات المختلفة وهي بيت حنون يستقبل جميع الأطياف الدينية من المسيحيين والمسلمين والصابئة المندائيين تحت سقف التوحيد لتمارس الطقوس المقدسة من دون أية ضغوطات.

لقد تأسست هذه الكنيسة عام 1880 في منطقة المحمودية بمركز مدينة العمارة وشيدت على أرض مساحتها 1600 متر مربع . يؤمها الناس في الاعياد والمناسبات من مختلف الطوائف والاديان. يقوم برعايتها المدير البطرياركي القس عماد عزيز البناء، مدير الرئاسه الاسقفيه للمنطقة الجنوبية. وهي من الشواخص الآثارية في المحافظة وهناك ارتياح كبير للتعايش بين الطائفه المسيحيه وأبناء ميسان من الطوائف الاخرى . وقد صرح الى الصحافة ممثل الطائفة المسيحية الكلدانية في ميسان جلال دانيال توما:

"ان الكنيسة ونتيجة لتقادم الزمن عليها تعرضت إلى التشققات وكادت سقوفها أن تنهار لولا رعاية المطران جبرائيل كساب راعي أبرشية البصرة والمنطقة الجنوبية الذي أشرف على عملية إعادة ترميمها وتجديد بنائها وتأهيلها عام 1995 وقد شمل الترميم إصلاح السقوف وتجديد الجدران الداخلية والخارجية وإكمال أعمال الزخرفة والنحت البارز وتركيب الأبواب والشبابيك والصبغ وتجديد التأسيسات الكهربائية وتجهيزها بـ 100 (كرويته) ومنظومات التهوية والتبريد والتدفئة والأثاث المكتبي وانجاز مصلى الكاهن/ المذبح/ وتغليف الأرضية بالكاشي الفرفوري وتعليق الثريات وانجاز نصب تمثال السيدة مريم العذراء الذي وردنا هدية من ايطاليا وصورة للسيد المسيح وبعض اللوحات الزيتية ومكتبة تضم أفخر وأندر الكتب ونسخاً من الكتاب المقدس (الانجيل ).

وأفاد:" انه تم انجاز ترميم دار سكن الرهبان وزراعة الحديقة بمختلف الشتلات والزهور وبناء سياج لمبنى الكنيسة، ونسعى لتشييد روضة للأطفال داخل الكنيسة وانجاز بقية الترميمات وكذلك لترميم كنيسة السريان التي تقع بالقرب من كنيسة أم الأحزان وهي بناية قديمة شيدت عام 1950 ورغم تآكل جدرانها إلا أنها أصبحت ملاذاً لسكن ثلاث عوائل مسيحية فقيرة ".

 

التعايش السلمي مع الاديان الاخرى 

 

وقد عبر عبد الحسين بريسم، عن هذا التعايش الوطني بين أبناء ميسان، في تحقيق جميل نشره في الصحافة:

ميسان تضم بين حناياها العديد من الاديان والطوائف والمذاهب وتجمعهم مع بعضهم ألفة ومودة وحب, والجميل في هذا ماتراه من تعاون في السراء والضراء, فليس غريبا أن ترى مسيحياً يلبس السواد في أيام عاشوراء أو يتقرب الى الله بطبخ (الهريس ) في ليلة مقتل الامام الحسين(ع ), بل ان السنوات الاربعة الاخيرة شهدت ميسان مواكب عزاء من الطائفة المسيحية, كما اني لازلت أذكر أمي وهي تتردد على كنيسة أم الاحزان لتوشح جدرانها بالحناء وتقدم النذور للسيد المسيح وامه العذراء, وهذا أمر بات طبيعياً .

فالسيد ابو طارق وهو مسيحي يؤكد " اننا عشنا ومازلنا أخوة في الوطن وفي المحنة والفرح, نتبادل الزيارات والمناسبات وتربطنا مع جميع الاديان علاقات اجتماعية متينة ونحن نحب كل الطوائف ولا يوجد في قاموس تفكيرنا أي تفريق عنصري أو طائفي, بل بالعكس لديَّ جيران من السنة والشيعة هم أفضل بالنسبة لي من أبناء جلدتي وديني ".

اما السيد سالم الغانمي اشار " ان أمي كل خميس تذهب الى الكنيسة للتبرك بمريم العذراء والنبي عيسى (ع) وتقوم بتخضيب جدران الكنيسة بالحناء, وتنذر النذور لها ونحن أبنائها سرنا على نفس النهج, فأنا تربطني علاقة قوية بأصدقاء مسيحيين, يفتقدوني وأفتقدهم, أحضر مناسباتهم وأحزانهم وهم كذلك ".

الشيخ أحمد الساعدي وهو أحد مشايخ الشيعة يؤكد " إن اخواننا المسيح مسالمون ونحن نحبهم لانهم يحترمون الآخرين لأنهم انسانيون في طبعهم, وتراهم في جميع المناسبات الدينية والمواقف الوطنية, فهم لايقلون عن الآخرين بوطنيتهم, فتراهم في حسينياتنا ومساجدنا ومناسباتنا العائلية, فهم أناس طيبون نحبهم كثيراً ".

أما ألشيخ حامد النعيمي مدير الوقف السني في ميسان أكد " إن اخوتنا المسيحيين هم منا ونحن منهم, ولهم مواقف انسانية ووطنية مشرفة, لانشعر بأنهم يختلفون عنا فهم عراقيون قبل أي شيء, وتربطنا معهم روابط اجتماعية متينة, ولم يذكر التاريخ في ميسان أي تفريق طائفي بين المسلمين والمسيح وحتى الديانت الاخرى لاننا نلتقي دوما عند انسانية الفرد لا مذهبه .

العودة الى فهرس العدد اطبع هذه الصفحة