الفكر البديل

القوانين الروحية السبعة للنجاح

 

كاظم الحلاق ـ امريكا

Kmahdi602@hotmail.com

 

 

منذ أواخر الستينيات ومطلع السبعينيات، ثمة حركة فكرية وأدبية وفنية بدأت بالظهور في أمريكا وفي أوروبا، إنها حركة العصر الجديد New age movement، وهي تيار مفتوح وغير منتظم ولا تجمع أطرافه غير الافكار والمواقف التي ترى :

(( ان الانسان جزءاً من الوجود الالهي، وان الانسان هوالمسؤول الاول عن مصيره الشخصي. أفكار الإنسان ومشاعره وقناعاته هي التي تخلق حياته، وليس الظروف والمؤثرات الخارجية. وكلما كانت أفكاره إيجابية كانت حياته كذلك، وكلما كانت افكاره سلبيه كلما كانت حياته كذلك..)).

هذه الحركة قد ابتعدت في الوقت نفسه عن النظرة القديمة التي ربطت الإنسان بالأديان الشمولية، أو بالأحرى انها تأخذ من هنا وهناك أفكار ورؤى الأديان المختلفة وخاصة الديانة البوذية والهندوسية، لتتبنى مفاهيم متحررة عن القيود التي أثقلت كاهل الإنسان، مؤمنة بتخليص الفرد من ربقة البنى الفكرية المستلبة والقيود الاجتماعية، عائدة الى الإنسان نفسه، الى قوة خياله/ حقل أحلامه/ رغباته/ الطاقات الضخمة الهاجعة في لا شعوره.

ومن أهم الكتب التي نشرت في هذا الصدد SETH SPEAKS، للكاتبة الأمريكية جين روبرت، كذلك كتابها طبيعة النفس THE NATURE OF PSYCHE، تقول جين روبرت في كتاب آخر Nature of personal reality طبيعة الواقع الشخصي بأنها تلقت فصول الكتاب علي اعتبارها وسيطة لا أكثر الى سيث  SETH، وان سيث لم يعد إنساناً يعيش بيننا، إنه مرشد روحي، أومخلوق أسمى، أو ربما انه جانب من جوانب عقلها، إنها تلقت فصول الكتاب عبر حالات من النوم المغناطيسي. جلستان في الأسبوع كانت تمر بهما وتروي ما تتلقاه إلى زوجها روبرت  ليقوم هو بالتدوين.

تلك الحركة أخذت تربط بين العوالم الأثيرية أوالروحية ومعطيات الفيزياء الحديثة وخاصة النظرية الكوانتية، والتي ترى بأن الكون بأسره ما هو إلا بحر من الجسيمات وما يبدو صلبا أو فراغا بين الموجودات، ما هو في حقيقة الأمر إلا نوع من الوهم تقبلناه بسبب المنظور الذي اعتدنا الرؤية عبره، أي رؤية العالم والأشياء من حولنا ككائنات مادية ومنفصلة في الفراغ. ففي كتاب الكون الشبحي univers holographic، لمؤلفه مايكل تالبوت، الذي يرى فيه بأن العقل هو بنية شبحية، وان الذاكرة الإنسانية أيضا، حيث يمكن لذاكرة الدماغ من خزن معلومات هائلة في مساحة صغيرة جداً قد تكون خارج الجسم البشري، أي في مستوى أثيري يحيط بالجسم أو في حقول خفية داخل الكون. 

كذلك ما جاء في نظرية الفيزيائي David Bohm، ديفيد بوم حول النظام الخفي أوالضمني implicate order، والنظام الظاهري أوالمتجسد explicate order، يرى بوم ان الكون المادي هو في حقيقة الأمر امتداد لأكوان أخرى دقيقة وأكثر شفافية، وان ما وراء تلك الاكوان أكوان أرقى أو أعلى، أكثر تخفيا وتداخلا Super implicate order، وهكذا. ان في حياتنا ثمة أمكنة أو مواضع منفصلة، لكن عبر وجهة نظر الفيزياء الحديثة، تحديداً اللامكان Nonlocality، فان كل النقاط تصبح متساوية بالنسبة للنقاط الأخرى.. أي أن الكل متضمن في الجزء وفي الوقت نفسه فان الجزء يحتوي على الكل أي فكرة الهولغرام hologram، كما لو أن كل الأشياء تسبح في محيط من الإلكترونات. 

باختصار ان الفكرة الرئيسية التي تنطوي عليها حركة العصر الجديد، هي أننا لا نعيش تحت رحمة القدر، بل نخلق واقعنا الشخصي: فشلنا ونجاحنا بشكل متواصل، في كل يوم بل في كل لحظة عبر منظومة المعتقدات والأفكار التي نؤمن بها سواء فيما يتعلق بأنفسنا/ الآخرين/ العالم الذي نعيش فيه. وان نقطة قوتنا تكمن في نسيج اللحظة الحاضرة، لا في الماضي الذي اصبح في نطاق الذاكرة، ولا في المستقبل المتخيل أو الذي لم يحدث بعد.  باستطاعتنا تغيير قدرنا بواسطة تغير منظومة الأفكار التي نرى بها أنفسنا والواقع من حولنا. 

 

كتاب: القوانين الروحية السبعة للنجاح

 

وبالنسبة لترجمتنا العربية للكتاب الذي بين يدي القارئ(القوانين الروحية السبعة للنجاح)، فان مؤلفه الطبيب الهندي الأصل(ديباك جوبرا) يعتبر من أبرز المرشدين الروحيين لحركة العصر الجديد في أمريكا، فقد حقق شهرة عريضة عبر كتبه التي تجاوزت الثلاثين كتاباً، انه يعيش الآن في (لاهايو) كاليفورنيا، حيث يعمل في مركز ديباك جوبرا للحياة السعيدة، بصفته مديراً منفذاً، كذلك فأن محاضراته التي يلقيها عبر الولايات المتحدة الأمريكية أو مختلف بلدان العالم تلاقي إعجاباً وحضوراً منقطع النظير.

لا يقدم كتاب ديباك جوبرا(القوانين الروحية السبعة للنجاح)، موضوع النجاح من زاوية روحية فحسب، لكنه يحاول الربط بين العوالم الباطنية للإنسان ومعطيات فيزياء الكم... يعالج الفصل الأول العلاقة بين النفس والقوى المستترة في قاع الوجود، كذلك أوجه الاختلاف بين الارجاعية الذاتية والارجاعية الخارجية، وكيفية ابتعاد الأولى عن حالات الخوف، المشاعر السلبية، القلق، توقع الاستجابات، بينما ارتباط الثانية بتلك الحالات. يشرح الفصل الثاني مبادئ العطاء والتسلم، مبيناً كيف ان فعل العطاء يؤثر بشكل إيجابي في حقل الكون برمته، إذا أنت رغبت في شيء ما، عليك إلا ان تمنح ذلك الشيء لتجعله يتضاعف، علينا تجاوز رغباتنا لنتيح لها فرصة التجسد. بينما يتحدث في الفصل الثالث عن البذور والافعال الكارمية، (Karma والتي تعني في أبسط  صورها الفعل وثماره سواء كانت إيجابية أم سلبية). تفسر الفصول، الرابع، الخامس، السادس، مبادئ تحقيق الرغبات والنوايا، اقتصاد الجهد، لكي يتم تحقيق رغبة ما  يتعين على الراغب الانفصال عن موضوع رغبته/ ليمنح القوى الكونية الاهتمام بذلك. أخيراً يعالج الفصل السابع موضوع الدارما Dharma، الغرض من الحياة، يوجد لكل إنسان موهبة فريدة، ويتوجب عليه اكتشافها ليقدم ثمارها إلى الآخرين، هو أيضا بدوره يتلقى ما يقدمه الآخرون له من مواهب وملكات، وبهذا يتم تأليف وعزف ذلك اللحن من الرقص الكوني السرمدي.

 

الفصل الأول

 

 

إن أصل جميع المخلوقات هو وعي محض... إمكانات خالصة تنشد التعبير من اللامجسد إلي المجسد.. وحينما ندرك بأن نفسنا هي إحدى تلك الإمكانات المحضة، فاننا نتساوق مع القوة التي تخلق وتجسد كل شيء في الكون. في البدء لم يكن ثمة وجود أو لا وجود. كل هذا العالم كان عبارة عن طاقة غير مجسدة..النفس الأول، دون نفس، كل بطاقته الخاصة..لا شيء كان هناك.(ترنيمة الخلق، رايج فيدا)

القانون الروحي الأول للنجاح هو قانون الإمكانات المحضة. هذا القانون مرتكز على اعتبار اننا في وجودنا الجوهري.. عبارة عن وعي محض، وان هذا الوعي المحض، هو إمكانية مطلقة، انه حقل الإمكانات والإبداع اللامحدود. وان الوعي المحض هو جوهرنا الروحي، الكينونة غير المقيدة واللامحدودة، كما انه المتعة الخالصة. ان خواص أو سمات الوعي الأعلى، هي المعرفة المطلقة، الصمت اللانهائي، التوازن الكامل، القوة، البساطة والسعادة غير المحدودة. هذا هو جوهرنا، ان طبيعة جوهرنا هي أحد جوانب هذه الإمكانية. حينما تكتشف طبيعتك الجوهرية محاولاً معرفة حقيقة نفسك، فإن في تلك المعرفة وحدها تكمن القدرة على إنجاز أي حلم تريد تحقيقه، بسبب انّك الإمكانية السرمدية، الإمكانية التي لا يحدها قياس، لكل الأشياء التي كانت والتي ستكون.

 ان قانون الإمكانات المحضة أيضا يسمى قانون الوحدة، لأن تحت الاختلاف المتعدد واللانهائي لجوانب الحياة ثمة روح واحدة تتخلل الكل، لا انفصال بينك وبين الحقل الطاقوي، انه حقل الإمكانات الخالصة، انه نفسك. وكلما توثقت العرى بينك وبين طبيعتك الحقيقية، أصبحت أكثر قرباً من حقل الإمكانات المحضة.  إن تجربة الذات أو الارجاعية الذاتية، تعني إن نفسنا هي مصدر إرجاعنا، إن عكس ذلك هو الارجاعية الخارجية. في الارجاعية الخارجية نحن باستمرار ننشد المصادقة من قبل الآخر، كما ان سلوكنا عادة ما يكون في حالة توقع للاستجابات، ولهذا إن أساس هذا الرجع هو الخوف. إننا بحاجة اكثر الى القوى والسيطرة الخارجية، الحاجة إلي إيجاد البرهان، الحاجة إلى الهيمنة على الظروف الخارجية، هذا النوع من القوى ليس من نوع الإمكانات المحضة، أو قوى النفس الحقيقية.

عندما تكون في اتصال مع قوى النفس الحقيقية، يعني ذلك غياب الخوف، غياب الرغبات الاستحواذية، أيضا ليس ثمة حاجة لنشدان المصادقة والرضى الخارجي. في حالة الارجاعية الخارجية، فان زاوية النظر، أو نقطة الرجوع هو الأنا، انه ليس كينونتك الحقيقية، انه قناعك الاجتماعي، الدور الذي تمثله، انه ينمو ويترعرع في أجواء طلب المصادقة الخارجية. انه يريد السيطرة لأنه يعيش في خوف دائم، كما انه يُؤازر في أجواء القوة والمنافسة. أما نفسك الحقيقية والتي هي روحك، فهي غير مقيدة بتلك الأشياء، إنها في منعة من النقد، كذلك انها لا تخشى التحديات، وليس لديها أي شعور بالدونية أو الحاجة إلى التفوق على أي مخلوق، كونها تدرك إن كل شخص له نفس النفس وإن اختلفت الأقنعة.

هذا هو الخلاف الجوهري بين الارجاعية الذاتية والارجاعية الخارجية. في حالة الارجاعية الذاتية فانك تعيش في صلة حميمة مع نفسك الحقيقية، والتي هي في منعة من تحديات الخوف والتي تحترم الناس ولا تشعر بالدونية أبدا. ولذا فان القوى النفسية هي قوى حقيقية، ولهذا فان القوى المبنية على الارجاعية الخارجية، هي قوى خاطئة، لأنها معتمدة على قوة الأنا، انها باقية مادامَ المرجع الخارجي هناك. إذا كنت تتمتع بمنزلة ما، إذا كنت رئيسا للبلاد، أو لشركة ما، أو كنت تملك الكثير من الأموال، فان القوة التي تتمتع بها مرتبطة بالمنزلة أو المال أو الرئاسة وما أن تزول هذه الأشياء ستزول القوة التي تتمتع بها.

من الناحية الأخرى فان القوى النفسية هي قوى دائمة، كونها مبنية على معرفة النفس، وإن خصائصها تجعل الناس في حالة انجذاب دائم لك. ذلك انها تمغنط  وتجذب الظروف والأشياء التي ترغب فيها والمعلومات التي تساعدك في تحقيق رغباتك. أيضا انها تسمى قانون الدعم والرعاية من الطبيعة، وتجعلك كأنك تعيش في نعيم دائم. انه قانون الرعاية الإلهية، لذا فان قوتك النفسية تيسر روابطك مع الناس، انها القوة المنبعثة من الحب الحقيقي.

كيف نستطيع تطبيق قانون الإمكانات المحضة في حياتنا ؟ إذا أنت رغبت في التمتع بفوائد حقل الإمكانات الخالصة، إذا أنت رغبت في الحصول على الفوائد القصوى من عمليات الخلق والتي هي متأصلة في الوعي المطلق، يتوجب عليك معرفة الدخول والاتصال بتلك القوى. أحد الطرق التي تساعدك بالدخول هي التدرب على الصمت، التأمل الباطني، كذلك تجنب اصدار الأحكام على الناس والأشياء، أيضا قضاء بعض الوقت في الطبيعة، يمكنك الاتصال بالمزايا المتضمنة في ذلك الحقل. حقل الخلق اللانهائي، والحرية والسعادة.

التدرب على الصمت يعني اتخاذ القرار لقضاء بعض الوقت للعيش بشكل بسيط، ان تجربة الصمت تعني الانسحاب عن أنشطة الكلام، انها تعني أيضا أن تترك مشاهدة التلفاز بانتظام، أو الاستماع للراديو وقراءة الكتب، اذا لم تمنح نفسك تجربة الصمت، فان هذا يخلق الاضطراب في حوارك الداخلي.

اجلس بمنأى عن الناس لبعض الوقت والزم نفسك بالصمت لوقت معين، لساعة أو ساعتين، وفي كل مرة مدد ذلك الوقت قليلا، حتى تتمكن من الانقطاع عن الكلام لمدة يوم كامل، أو يومين أو حتى أسبوع. ما الذي يحدث حين تختبر هذه التجربة ؟ أي تجربة الصمت، في البدء يكون حوارك الداخلي أكثر اضطراباً وتشعر بحاجة ملحة لقول شيء ما. أنا اعرف أشخاصا كادوا أن يفقدوا عقولهم خلال اليوم الأول، واليومين الأوليين، ولما ألزموا أنفسهم بإطالة فترة الصمت، غمرهم القلق والحاجة الشديدة لقول شيء ما، ولكن بمجرد بقاءهم في التجربة أصبح صمتهم عميقا.. هذا بسبب انه بعد فترة من الزمن، فان العقل يكف عن محاولاته، انه يدرك ليس ثمة فائدة، أو أهمية من الالتفاف مرة بعد أخرى.

وإن أنت (النفس، الروح، صانع القرار)، عزمت أن تصمت لفترة من الوقت، ومادام حوارك الداخلي شرع بالهدوء، فانك ستبدأ بمعايشة السكون العميق لحقل الإمكانات المحضة، التدرب على الصمت بشكل منتظم كلما سمحت لك ظروفك هو أحد الطرق لتجربة قانون الإمكانات المطلقة.

الطريقة الثانية هي قضاء بعض الوقت في التأمل الباطني العميق، نموذجياً يفترض بك أن تستغرق لمدة ثلاثين دقيقة في الصباح وثلاثين دقيقة في المساء يومياً، ومن خلال هذه التجربة ستتعلم معايشة الوعي والصمت العميقين، إنه حقل الصمت المطلق، حقل التعاون اللامحدود، حقل القوى المنظمة اللانهائية، أرض الإبداع الأصلي لكل شيء، حيث كل شيء متصل بكل شيء. 

في القانون الروحي الخامس، أي قانون النوايا والرغبات سترى كيف انه باستطاعتك أن تستخدم حتى أضعف المقاصد والرغبات لتجعلها تؤثر في حقل الإمكانات المحضة، كما ان خلق وتحقيق رغباتك سيتم بشكل تلقائي وعفوي، ولكن عليك في البداية معايشة تجربة الصمت والسكون وهي من المتطلبات الأولى، أو هي المطلب الأول لتحقيق رغباتك لانه في اللاحركة يكمن اتصالك بذلك الحقل من القوى. هنالك ستنتظم وتأتلف كل تفاصيل حياتك.

تخيل رمي حجر صغير في بحيرة ساكنة ولاحظ تموج المياه، وعندئذ بعد وهلة حينما تهدأ حركة الموج، ربما انّك سترمي حجرا آخر، هذا بالضبط ما تفعله حين تتصل بخيالك في حقل السكون المطلق وتضع بذور نواياك في ذلك القاع، عندئذ حتى أبسط النوايا ستحدث أثرها في قاع الوعي الكوني والذي يوحد كل الأشياء. غير انك إذا لم تعش تجربة الصمت فان عقلك سيظل يتسكع كأنه بحر شديد الاضطراب، وربما انك ترمي في تلك البحيرة بناية ناطحة السحاب ولا يحدث شيء. جاء في الإنجيل هذا الكلام (كن ساكنا واعلم انني أنا الرب). هذه التجربة لا تتحقق إلا عبر الاستغراق الباطني العميق.

الطريقة الأخرى للدخول في حقل الإمكانات المحضة، هي ممارسة عدم إصدار الأحكام، إصدار الأحكام هو إصدار قيمة، أوانها حالة تثمين للأشياء من حيث هي صحيحة أم خاطئة، جيدة أم رديئة، حينما تقيّم الأشياء من حولك بشكل دائم، تصنفها، تدرسها، ستخلق كثيراً من الاضطراب في حوارك الباطني، هذا الاضطراب سيولّد انحباساً وتقلصات في جريان الطاقة بينك وبين حقل الإمكانات اللانهائية، حرفياً انك حشرت الفراغ أو الصمت بين الأفكار، اللاحركة أو السكون هي حالة اتصالك بحقل الإمكانات المحضة، حقل الوجود، ان حالة السكون بين الافكارهي حالة من حالات الوعي الأعلى والتي تجعلك في تماس مع قاع القوى الحقيقية وحين تحشر ذلك الفراغ بالأفكار فانك ستحشر اتصالك في حقل الإمكانات والخلق اللامحدود. ثمة صلاة (درس في المعجزات) تلك الصلاة هي (اليوم لا أصدر أحكاماً على الناس والأشياء من حولي، عدم إصدار الأحكام يساعد في هدوء العقل، انه فكرة جيدة لتبدأ بها يومك.. وخلال اليوم بأكمله ذكّر نفسك بهذا القول كلما اصطدت نفسك تصدر أحكاماً على الآخرين، اذا كانت ممارسة هذا الإجراء على مدار اليوم بأسره صعبة، قل لنفسك ببساطة، خلال الساعتين القادمتين سألزم نفسي بعدم إصدار الأحكام أو خلال الساعة القادمة سأعيش تلك التجربة ثم مدد الوقت.

عبر حالة الصمت والتأمل ومن خلال عدم إصدار الأحكام ستكون في اتصال مع القانون الأول، أي قانون الإمكانات المطلقة، وما ان تفعل هذا يمكنك إضافة عنصراً آخر لهذا التمرين، وذلك بان تقضي وقتا منتظما للاتصال والاحتكاك المباشر بالطبيعة، ان قضاء بعض الوقت في الطبيعة يمكنك من الإحساس بالتداخل المتساوق بين جميع عناصر وقوى الحياة. لا يهم ان كان ذلك قرب أحد الجداول، أوغابة، أوجبل، بحيرة، شاطئ بحري. ذلك الاتصال مع ذكاء الطبيعة أيضاً سيساعدك بالدخول في حقل الإمكانات المحضة.

يتوجب عليك أن تتعلم التماس مع جوهر المخلوقات، إن هذا التماس هو تجربة ما وراء الأنا، انه غير مقيد وبلا خوف وممتنع عن النقد، لذلك ليس ثمة خوف من جميع التحديات، كذلك ليس ثمة شعور بالدونية أو التفوق على أحد، انه مليء بالغموض والسحر، إن عملية الدخول إلى جوهرك الحقيقي تمنحك الرؤية في مرآة علاقتك الشخصية، بسبب ان جميع علاقاتك الشخصية هي انعكاس لعلاقتك بنفسك. على سبيل المثال إذا كان لديك شعور بالذنب أو الخوف أو عدم الطمأنينة، فإن جميع هذه الجوانب ستنعكس في شخصيتك. ليس هناك أي مبلغ من المال أو درجة من النجاح ستحل هذه المشاكل الأساسية في وجودك. فقط علاقتك الحميمة مع نفسك ستجلب لك الشفاء، كما ستصبح لديك معرفة عن نفسك الحقيقية، حينما لا تشعر بالخوف، أوعدم الاطمئنان من الناحية المادية أوالتأثير على الغير وتحقيق رغباتك، ستدرك بان جوهر الغنى الحقيقي هو طاقة الحياة، حقل الإمكانات اللانهائية، انه طبيعتك الجوهرية، وكلما تعمقت في دراسة الطرق التي تساعدك بالدخول الى نفسك الحقيقية، كلما حصلت على الأفكار المبدعة بشكل تلقائي. لذلك فان حقل الإمكانات المحضة هو حقل الإبداع اللانهائي والمعرفة الخالصة.

الروائي فرانز كافكا ذات مرة قال: " انّك لست بحاجة لأن لا تغادر غرفتك، ابق إلى جوار منضدتك وأصغ السمع، أو انّك لست بحاجة حتى لأن تصيغ السمع، اجلس ببساطة وانتظر.. فقط تعلَّم أن تكون هادئاً، دون حراك منعزلا، فان العالم برمته سيتدحرج بنشوة بين قدميك". ان الجريان الكوني، السخاء، الكثرة، هي تعبير لعقل الطبيعة المبدع، وكلما دوزنت او آلفت نفسك مع عقل الطبيعة كلما ازدادت فرصتك بالدخول إلى اللانهائي، حيث الإبداع اللامحدود.

ولكن يلزمك في البداية أن توقف الاضطراب في حوارك الباطني، كي تتصل مع ذلك الفيض والجريان الخالد، هذا هو الاتحاد الرائع للصمت اللانهائي، العقل الأبدي.

حين تسلم بهذا الاتحاد الرائع للمتناقضات، فستساوق نفسك مع عالم الطاقة(حساء الكوانتية)، القوام غير المادي والذي هو أصل الأشياء المادية، عالم الطاقة يفيض بشكل دينامي دون مقاومة، أبدأ في حركة مستمرة وبنفس الوقت فانه يتمتع في حالة من السكون، سرمدي وصامت، في السكون وحده تكمن إمكانية الخلق، الحركة لوحدها مُحددة ومقتصرة على التعبير عن بعض الجوانب، أما في الجمع بينهما أي الجمع بين الحركة والسكون، ستنبثق عملية إبداعك وخلقك في جميع الاتجاهات، أينما حملت قوة انتباهك وتركيزك.

أينما حللت، في وسط حركتك وسكونك، إحمل سكونك وهدوءك معك.. حينئذ فإن الفوضى المحيطة بك لا تؤثر أبداً على عملية دخولك منجم الاحتياطات، حقل الإمكانات المحضة.

 

تطبيق قانون الإمكانات المحظة

 

 

سأضع هذا القانون قيد التطبيق بإلزام نفسي في اتباع الخطوات التالية:

(1) ــ سأكون في اتصال مع قانون الإمكانات المحظة بتخصيص وقت محدد من كل يوم، لكي أمارس تجربة الصمت.. لكي أكون فقط. سأجلس وحيدا أمارس التأمل الباطني.. مرتين في اليوم على الأقل.. ولمدة ثلاثين دقيقة في الصباح وثلاثين دقيقة في المساء.

(2) ــ سأخصص بعض الوقت من كل يوم لأكون في وضع حميمي مع الطبيعة، وسأشهد ذكائها المتضمن في كل شيء حي، سأجلس بصمت وأراقب الشمس وهي تغرب، سأشم شذى الورد وأنا مستمتع في نشوة من الصمت الخاص، وعبر علاقتي الحميمة مع الطبيعة سأتفرس في وجه الحياة وهي تنبض عبر العصور، حيث حقل الإمكانات المحضة والإبداع من غير قيد أو عائق.

(3) ــ سألزم نفسي بعدم إصدار الأحكام، سأبدا يومي بهذا القول.. اليوم لن اصدر أحكاماً علي كل شيء يقع عليه بصري وخلال اليوم بأكمله سأذكّر نفسي بذلك.

                         ملاحظة: من يرغب الاطلاع على باقي فصول الكتاب يمكنه مراجعة موقع كتابات العراقي .

العودة الى فهرس العدد اطبع هذه الصفحة