قصه للأحبة الصغار

درَّة ُ الملك المسروقة

 

صادق إطيمش/ بغداد

الى حفيدي الحبيب (الأمير حسن وأخوته يوسف ورند )

 

 

كان في أحد الأزمان ملك إسمه (نعمان)، يعيش في قصر فخم تحيط به الحدائق الغناء . وله قصور وبيوت أخرى لحاشيته والوزراء وعلى مقربة من قصره بيت ٌ متواضع  يسكنه (ناجي) الفلاح المسؤول عن حدائق القصر وحيدا ً دون عيال . وكان في إحدى القرى التابعة لمملكته شاب طموح إسمه (وليد) يعيش مع ابويه وأخوته تحت وطأة الفقر . كان (وليد) عاثر الحظ لم يوفق في أعماله، وكان كثير التفكير والتأمل بفقره وإصلاح حاله .

وفي صبيحة يوم مشمس أرتدى ثياب شحاذ وودع أهله مدعيا ً ذهابه للبحث عن عمل يفيده بعيدا ًعن دياره، دون إخبارهم بحقيقهَ الأمر حيث كان قاصدا ًبلاط الملك (نعمان) .

وحين وصوله أعترضه الحرس فأصرعلى مقابلة الملك، وأُخبرَ الملك بالإمر فأمر له بكسوة ومأكل ومال، ولكنه رفض ذلك مدعيا ً أنه مقطوع من الأهل ومشرد ولا مأوى لديه . فأخبر الملك ثانية بذلك، فأوعز بإسكانه مع (ناجي) الفلاح وحين وصوله رحب به (ناجي) الكريم ذو الأخلاق العاليه وأسكنه معه ومرت فترة ليست بالقصيرة توطدت بينهما أواصر الصداقة والأخوة البريئة والإنسجام .

وفي ليلةٍ شتوية ممطرة، وبينما هم يتدفئون حول الموقد سأل (وليد) (ناجي) عن أملاك الملك وما لديه، فأستغرب (ناجي) هذا السؤال منه، ثم أجابه، ولكنه ألح على معرفة ما لديه من كنوز وأموال . فأخبره (ناجي) أن لديه كنوز كثيرة وأثمنها (درة) نادرة الوجود في تاجه، يعهدها بعد إنتهاء مهام عمله لحرس خاص بها كل مساء في صندوق مقفل من الفضة .

وبعد فترة من الزمن قام (وليد) بإقناع (ناجي) بوضع خطة لسرقة درة الملك والإستفادة من ثمنها، ورفض (ناجي) الفلاح ذلك لكونه عمل ذميم ومحرم وغير مشروع، وبعد إلحاح متكرر أتفقا على ذلك الأمر .

وفي ليلة شتائية أخرى ممطرة، قام (وليد) بوضع مادة منومة في شاي قدمه و(ناجي) للحرس الخاص بالدره كهدية لهم . وبعد شربهم الشاي غطوا في نوم عميق، حيث قام (ناجي) و (وليد)  بسرقة الصندوق وأتجها على ظهر جواد أعد لهذا الغرض بعيدا ً الى غابة يحيط بها جبل وتلال ويمر من حولها نهركبير .  وبجري مسرع إجتازا الغابة حتى وصلا مشارف الجبل وألتجئا الى غار فارغ فيه، بعد أن أطلقا سراح الجواد لإنتفاء الحاجة اليه وخشية أن يكون دليلا ً عليهما . وبعد تفكير قاما بوضع أغصان شجر طرية على باب الغار كي يوهموا الرائي انه غير مسكون.

 

 

وفي صباح االيوم الثاني أستيقظ الحرس من النوم، وتفقدوا المكان فلم يجدوا الصندوق، فاستشاطوا غضبا ً، وأرتعبوا خوفا ً وهما، وأخبروا الملك بالإمر، فاستشاط غضبا ً هو الآخر فهدد وأوعد وأزبد وأرعد وإستنفر حرسه الخاص بالبحث عنهم في الحال .

ومرَّ الحرس من هناك، وكادوا يقتحمون الغار لولا مشورة أحدهم كونه فارغ بدليل نمو الشجر عليه .

وعادوا الى الملك مساءاً على أمل التحري والبحث صباح الغد . وليلا ً وكان القمر طالعا ً أخرجا (وليد وناجي ) الصندوق وحملاه بعيدا ً الى ضفة النهر، حيث وجدا ً زورقا ً نائما فيه صياد سمك، قاما بشد وثاقه وإكمام فمه وإلقائه على مقربة منه، حيث وضعا الصندوق فيه، وإتجها صوب مكان مجهول، حتى وصلا شاطئ شبه جزيرة ذات زرع وأشجار، نزلا عندها بمعية الصندوق ليستريحا على رملها ثم قاما بكسر الصندوق وتأكدا من وجود الدرة فيه، وأخرجاها واضعينها على الرمل ليتمتعا ببهاء شكلها الجميل تحت ضوء القمر، وكانا فرحين بذلك وعند تأكدهم من خلو المكان تركا الدرة مكانها على الرمل، وذهبا بعيدا ً لجلب الحطب وشئ من الفاكهة والخضار. وبينما هما عائدين شاهدا تمساحا ً كبيرا ً يلتهم الدرة ويجري غائصا ً في النهر، لم يلحقا به وخيم عليهما الهم والحزن والحيرة ولم يعرفا ما يفعلان .

وبعد وقت قصير خطرت ببال (وليد) فكرةجديدة، أخبر (ناجي) بها وقال له بما إننا متهمان بالسرقة، والدرة فقدت منا، دعنا نعود الى الملك ونخبره بإننا شاهدنا لصا ً وصاحبه يقومان بتنويم الحرس وسرقة الدرة فجرينا خلفهم بجواد، وعندما كدنا ندركهم قاما برمي الدرة بالنهر حيث قام بإلتهامها تمساح هناك، ووليا هاربين . وحال وصولهما قصر الملك دخلا عليه يبكيان وأخبراه بالقصة المختلقة , ولكن حرس الصندوق تعرفا عليهما وأسروا الملك بذلك، فأمرهم بالصمت لحين العثور على الدرة المسروقة . وأمر حرسه الخاص بسد منافذ النهر وإحضار الشباك وإستنفار الصيادين والغواصين لإصطياد التمساح .

وبعد عدة أيام أصطيد التمساح وجئ به، وشُقت بطنه وأُستُخرجَت الدرة منه .  وأرسل الملك بطلب (ناجي ووليد) بحجة تكريمهم، وجاءا فرحين بذلك، ولكن الملك أمر بسجنهما والتحقيق معهما حتى يعترفا بما فعلاه . واعترفا بذلك، فأمر بمعاقبتهما وسجنهما جزاء ما أقترفت يداهما من فعل السرقة المقيت، وخيانة الأمانه المنبوذة والمحرمة شرعا ً وقانونا ً.   

العودة الى فهرس العدد اطبع هذه الصفحة