السنة والشيعة.. وحـــدة الــــدين

خلاف التاريخ والسياسة

 

أحمد الكاتب/لندن

ahmad@alkatib.co.uk

www.alkatib.co.uk

 

 

يعتبرالكاتب(أحمد الكاتب) أبرز المثقفين العراقيين الذين أبدعوا بالتفكير والبحث في مسألة التقريب بين المسلمين الشيعة والسنة، ومن أجل تعميق البعد الديمقراطي للاسلام. وله كتب ودراسات عديدة بهذا الخصوص. ولمزيد من المعلومات يمكن العودة الى موقعه الشخصي. هنا نورد له دراسة هامة حول الموضوع، وهي جزء من دراسة مفصلة صدرت  في كتاب يحمل نفس العنوان .

بسم الله الرحمن الرحيم

واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم

 

أن المسلمين في القرون الثلاثة الأولى لم يكونوا يعرفوا الانقسام الطائفي الحاد، حيث لم يكن أسم "أهل السنة" يطلق الا على مجموعة صغيرة من "أهل الحديث" ولم يكن اسماً عاماً على طائفة مقابل "الطائفة الشيعية". حيث كان يوجد تداخل كبير بين تيارات الشيعة المختلفة من محبي أهل البيت من الزيدية والإمامية والمعتزلة وأهل الحديث، من العلويين والعباسيين وغيرهم، بصورة يصعب فيها إطلاق وصف شيعي أو سني على أي شخص، فضلا عن إطلاقه على عامة الناس. ولعل أبرز مثل على ذلك هو الامام الشافعي الذي اعتبر بعد وفاته أنه إمام من أئمة أهل السنة، بينما كان يتهم في حياته بأنه شيعي أو رافضي. وكذلك المؤرخ الطبري، الذي صُنِّف مؤخرا على أنه سني ، بينما كان المتطرفون من أهل السنة، أي الحنابلة، يتهمونه بالتشيع والرفض. وفيما اعتبر الإمامية أئمة أهل البيت، أئمة خاصين بهم، كان عامة "أهل السنة" يعتبرونهم أئمة لهم ويوالونهم ويحبونهم.

 

من هم الشيعة؟ ومن هم السنة؟

 

قد يحلو للبعض تصوير الخلاف الشيعي السني وكأنه خلاف عقدي جذري وخالد لا يمكن معالجته الى يوم القيامة، ولكني أعتقد انه بالدرجة الأولى خلاف سياسي تجاوزه الزمن، وهو إن كان يتضمن معنى من معاني الخلاف السياسي في التاريخ السحيق، فانه قد فقد مبرر وجوده اليوم بعد حدوث تطورات هائلة في حياة المسلمين. ولم تبق منه سوى بعض الرواسب والمخلفات البسيطة التي لا تشكل مادة جدية للخلاف فضلا عن التناحر بين المسلمين. واذا كان ينبغي التخلص من تلك الرواسب التاريخية فانه يجدر أيضا مقارنة تلك الخلافات بعوامل الاختلاف العديدة الأخرى التي تحفل بها حياتنا اليومية، والتي يجب ان نعمل سوية من أجل التخلص منها أيضا، من أجل بناء وحدة اسلامية متينة.

لم يكن الخلاف الطائفي الشيعي – السني ، هو الخلاف الوحيد في تاريخنا الاسلامي وواقعنا المعاصر، فقد كانت ولا تزال هنالك خلافات مريرة داخل كل طائفة، داخل الشيعة والسنة، اضافة الى الخلافات القومية والقبلية والطبقية والحزبية التي تفجرت عبر التاريخ وتتفجر هنا وهناك باستمرار. بحيث نستطيع القول ان الخلاف الشيعي – السني يتراجع الى درجة كبيرة أمام تلك الخلافات، وانه لا يوجد في الحقيقة خلاف جدي بين الطائفتين في الخارج، ما عدا بعض الحواجز النفسية والمسائل البسيطة. وما عدا بعض التوتر الطائفي الذي يعشش في صدور المتطرفين والغلاة من الفريقين، وهم على أية حال فئات صغيرة ومعزولة.

وقبل أن نسترسل في الحديث، يجدر بنا ان نحدد مصطلح "السنة" و"الشيعة" لنحدد عوامل الخلاف بينهما تمهيدا لتصفية ذلك الخلاف والتخلص من رواسبه. ومن المؤكد ان المعنى البسيط الظاهر المتبادر من المصطلح الأول "السنة" هو اتباع سنة الرسول الأعظم محمد (ص)، وهو لا يمكن أن يتناقض مع التشيع لأهل البيت الذي يتضمن اتباع السنة، وبناء على ذلك فان السنة هم شيعة لأهل البيت وان الشيعة هم جزء لا يتجزأ من السنة. وقد مضى زمن في الصدر الأول قبل تكوُّن الطوائف، لم يكن أحد يشعر بوجود تناقض بين المفهومين أو الالتزام بهما. وربما كان شيعة الامام علي بن أبي طالب (ع) يشكلون (أهل السنة والجماعة) في مواجهة الخارجين عليه. ولكن المصطلحين (الشيعة والسنة) افترقا فيما بعد ليشكلا علامتين على طائفتين أو طوائف من المسلمين. وقبل ان يستقر المصطلحان كما هما في الأذهان اليوم، كان مصطلح "السنة" يعني في القرن الثاني الهجري "الحديث النبوي" في مقابل ما كان يصطلح عليه "أهلُ الحديث" بالبدعة. وغلب في القرن الثالث على الحنابلة في مقابل المعتزلة والأحناف، في حين كان أئمة أهل السنة، أو أهل الحديث، يعتبرون أئمةَ أهل البيت أئمةً لأهل السنة أيضا. ولم يأخذ مصطلح أهل السنة دائرته الواسعة التي تضم المذاهب الأربعة المعروفة (الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة) الاّ في القرن الخامس الهجري، رغم استمرار الصراع والتنافس بين المذاهب السنية نفسها الى أمد طويل. وظل الحنابلة أو أهل الحديث يشككون بسنية الأحناف والأشاعرة والماتريدية (الذين يشكلون غالبية المسلمين السنة) الى هذا اليوم، ولا يعترفون بهم الا بمعنى عام في مقابل الشيعة وعلى أساس بعض المقاييس.

وبعد أن كان "الشيعة" يمثلون أنصار ومحبي وأتباع وجيش وجماهير الامام علي في أيام حكومته، حيث كانوا يشكلون غالبية المسلمين، تقلص مفهوم الاسم مع الزمن الى دوائر أضيق فأضيق، فاعتبر "شيعيا" من يقول بأفضلية الامام علي على غيره من الصحابة، أو من يقول بحقه الالهي في الخلافة، كما اعتبر شيعيا (أو رافضيا) من ينتقد معاوية بن أبي سفيان أو عثمان بن عفان أو أحداً من الصحابة. وهكذا خرج كثير من "أهل السنة" من دائرة "السنة" ليدخلوا في دائرة "الشيعة" رغم اختلاط الدائرتين لدى كثير من الناس وخاصة شيوخ أهل الحديث الذين كانوا يجمعون بين التسنن والتشيع في كثير من النقاط المشتركة.

ويكاد اسم الشيعة يطلق اليوم على من يقول بنظرية الامامة الالهية لأهل البيت من الإثني عشرية والاسماعيلية، وربما شمل أيضاً الزيدية الذين يقولون بانحصار الامامة في سلالة الامام علي والحسن والحسين. بينما يطلق أسم السنة على من يقول بشرعية انتخاب أبي بكر على أساس الشورى والبيعة العامة من المسلمين.

ولم يكن هذا الخلاف النظري التاريخي ليشكل قاسما مفرقا بين المسلمين، لولا وجود بيئة مناسبة ونسبة عالية من الجهل والتعصب والطمع والاستبداد والتفكك الاجتماعي والانحطاط الخلقي والديني، وانعدام المؤسسات الدستورية والأجواء الديموقراطية التي تنظم عملية الصراع على السلطة بشكل سلمي وتحول دون انفجار المشكلة. وربما كانت الفتنة الكبرى التي تفجرت بين الجيل الأول من المسلمين، جيل الصحابة الكرام، تشكل دليلا واضحا على وجود تلك البيئة المساعدة على اشتعال الخلاف ، التي حدثت قبل نشوء الطوائف من السنة والشيعة. فلو كان ثمة دستور واضح ينظم عملية تبادل السلطة، ويضع قنوات شرعية للمعارضة لما تحولت عملية الاحتجاج على سياسة عثمان الى فتنة وأدت الى قتل الصحابي الجليل ونشوب الحروب المتتالية بين كبار الصحابة، رضي الله عنهم. وكذلك لم يكن الخلاف الطائفي الذي تفرع عن تلك الفتنة ليستمر طويلا أو ليحتدم بين آونة وأخرى، أو يتفجر دماً في فتن مزمنة ومؤلمة ومؤسفة.

وأخيرا.. فان الخلاف الطائفي  الشيعي – السني، اذا كان يحمل في نشأته أي معنى، فان جماهير المسلمين من الطائفتين لا يدركون اليوم له أي معنى أو مضمون، وآن له ان يدفن في مقابر التاريخ.

وفي الحقيقة لا يوجد اليوم مذهب شيعي أو سني متكامل أو نسخة واحدة رسمية لأي مذهب ، وانما المذاهب عرضة للزيادة والنقصان والآراء الفردية، ولا يوجد أحد ملزم بتبني جميع الآراء التي كتبها الرجال السابقون بالجملة في مختلف الأبواب العقدية والفقهية والتاريخية، وانما هو حر بانتقاء ما يجتهد فيه، وطبع نسخة خاصة به، قد لا تكون متطابقة مع أية نسخة أخرى، لان الانسان المسلم يلتزم بالعقيدة الاسلامية الواردة في القرآن الكريم، وفيما عدا ذلك فان كل شيء مظنون واجتهادي وخاص ومختلف فيه، ولذلك لا يجوز تكوين صورة كلية عن الطوائف والمذاهب وتطبيقها على أي أنسان، وانما يجب التعرف على آراء كل شخص بصورة ذاتية. خاصة وان المجتمعات تتطور وتتغير ولا تبقى على حال واحدة.

وعموما فإن في الدين قواعد لا يجوز أن يختلف عليها الناس. واجتهادات مبنية على أدلة ظنية لا يجوز أن تكون سببا لاختلاف الأمة، وانما مدعاة للحوار والنقاش. والخلاف بين الشيعة والسنة لا يدور حول القواعد الثابتة، وانما يتعلق بالقضايا الاجتهادية القائمة على أساس الأدلة الظنية.

ان المهم هي إرادة التعايش وبعدها تهون الأمور. وكما ان من الخطأ في أية حياة زوجية ترك السلبيات تنمو وتتضخم لأنها قد تفجر الحياة المشتركة في المستقبل، فكذلك ان ترك الأمور السلبية بين الطوائف المختلفة ليس في صالح الوحدة والتعايش المشترك، ولا يجوز دفن الرؤوس في الرمال، وانما تجب المبادرة الى معالجتها بروح أخوية، بعيدا عن التضخيم و التهريج والحرب الإعلامية.

   واذا كان التعرف على أية مشكلة هو طريق حلها، فانه ينبغي ان نقوم بدراسة المشكلة الطائفية بهدوء وموضوعية. ولكي نقوم بهذه العملية علينا أولا ً أن نضع النقاط على الحروف في مسائل الخلاف، ونميز بين العناصر الجوهرية والقشرية، والبائدة والمعاصرة، والأصولية والفرعية، والموضوعية والخارجية، والحقيقية والمفتعلة والمضخمة.

 

الباب الأول: وحدة الدين/ الفصل الأول: العقائد

المتفق عليه في العقائد (أسس العقائد مثل التوحيد والنبوة والمعاد)

 

 

يحدد الله تعالى أسس العقيدة الإسلامية في بداية القرآن الكريم في أول سورة البقرة حيث يقول: "ألم. ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين، الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون، والذين يؤمنون بما أنزل اليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون. أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون". حيث تتضمن هذه الآيات المباركة أسس العقيدة الاسلامية : الإيمان بالله تعالى والنبوة والمعاد، والتي لا يوجد خلاف حولها بين أحد من المسلمين من أية طائفة. ومع أن هذه الأسس تكفي لتوطيد قاعدة الوحدة بين المسلمين، الا ان حدوث بعض الاختلاف حول تفاصيل موضوع التوحيد أوالمعاد، مثل التنزيه والتجسيم، أوالمعاد الجسماني والمعاد الروحاني، ومعنى توحيد الله وعبادته، أثار عبر التاريخ نوعاً من الجدل ليس بين الشيعة والسنة، وانما بين مختلف الطوائف بصورة عامة، وخصوصاً بين أهل الحديث (أوائل السنة) وبين المعتزلة والأشاعرة الذين أصبحوا يشكلون فيما بعد العمود الفقري لأهل السنة، والذين وافقهم الشيعة في كثير من الأمور.

واذا استثنينا موضوع تكفير الخوارج للامام علي بسبب التحكيم، وتكفيرهم لمرتكب الكبيرة، فان أول خلاف عقدي جدي عصف بالأمة الاسلامية، كان يدور حول القدر أو الجبر والتفويض، وهل الانسان مسير؟ أم مخير؟.. ومن المعروف أن هذا الخلاف نجم  بين المسلمين قبل تبلور الفرق الاسلامية كطوائف. ثم حدث الخلاف الأكبر الذي أدى الى نشوء فرقة "أهل السنة" وولادتها على يدي الامام أحمد بن حنبل، وهو الخلاف الذي دار مع الامام ابي حنيفة الذي كان يقول بشرعية الرأي في مواجهة الأحاديث الضعيفة المتكاثرة المنسوبة الى النبي (ص)، والذي كان من آثاره القول بعدم خلق القرآن، خلافا لما كان يقوله الامام أبو حنيفة ومن ورائه المعتزلة. وقد أدى ذلك الخلاف العنيف الى تكفير الامام أحمد لمن يقول بخلق القرآن ووصمهم بأهل البدعة، في مقابل "أهل السنة". حيث أصر الامام أحمد على اعتبار القول بخلق القرآن بدعة ومخالفة للسنة، وبدَّع حتى من يقف في ذلك، فقال: "ومن قال باللفظ وغيره، ومن وقف فيه قال: (لا أدري مخلوق أو ليس بمخلوق، وإنما هو كلام الله). فهذا صاحب بدعة مثل من قال: (هو مخلوق)، وإنما هو كلام الله ليس بمخلوق".([1])

ورغم تنازل "الأشاعرة" عن كثير من آرائهم "الاعتزالية" لصالح أهل الحديث، فان "السنة الأصليين" أي الحنابلة، ظلوا يعتبرونهم من أهل البدعة، ولم يقبلوا بهم في دائرة أهل السنة، الا على مضض ، وفي مقابل الشيعة.([2])

 

  المختلف عليه في العقائد (عقيدة الإمامة الالهية)

 

 

وفي تلك الأيام الأولى لنشوء المذاهب، لم يكن موضوع الامامة أوالخلافة يعتبر أصلاً من أصول الدين، لأن القرآن الكريم لم يتحدث عنه بالتفصيل، ولكن مبادرة فريق من الشيعة عُرف بالإمامية، أو الرافضة، الى القول في القرن الثاني الهجري بموضوع النص من النبي(ص)على الامام علي بالخلافة، وانحصار الحق بها في البيت العلوي الحسيني، والاستدلال عليها بتأويلات معينة لبعض آيات القرآن الكريم، أوالاستعانة على ذلك بأحاديث عامة أوضعيفة.. كل ذلك رفع موضوع الامامة الى مصاف العقيدة، وجعل الموضوع جزءاً ملحقا بالنبوة وامتدادا لها. وهو ما استثار العقل السني لاعتبار أفضلية الخلفاء الراشدين وتسلسلهم في الفضل، جزءا من الأمور الاعتقادية، بالرغم من اعتراف السنة بعدم وجود نص صريح على الخلافة وترك الأمر شورى بين المسلمين.([3])

        ـ موضوع تحريف القرآن

وقد  تفرع عن موضوع الامامة، ورفع منزلتها الى درجة (العقائد)، سؤال عن الحكمة وراء إغفال القرآن الكريم للنص بصراحة على إمامة أهل البيت اذا كانت تحتل تلك الأهمية في العقيدة الاسلامية؟ فقام بعض غلاة الامامية، وليس كلهم ولا كل الشيعة بالطبع، بادعاء تحريف القرآن الكريم وحذف الآيات الناصة بصراحة على الامام علي وأهل البيت. ولم يقدم أولئك الغلاة أي دليل على دعواهم الباطلة سوى روايات ضعيفة ومختلقة نسبوها لبعض أئمة أهل البيت، وهم منها براء. وقد ذكر تلك الروايات الكليني في (الكافي) ومحمد بن حسن الصفار القمي في (بصائر الدرجات) وعلي بن ابراهيم القمي في (تفسيره) وكذلك العياشي وابن فرات وغيرهم، ولكن هذا الرأي لم يصبح رأيا عاما ولا ملزما للشيعة الامامية الذين قام علماؤهم الأصوليون بنقد الأخبار وضرب ما يتعارض منها مع القرآن الكريم عرض الجدار. الا ان بعض خصومهم ظلوا عبر التاريخ يثيرون هذه التهمة التي أختلقها الغلاة، ضد الشيعة عموما، ويتخذون منها أداة لضربهم واتهامهم بالكفر وانحراف العقيدة.

وقد رد الدكتور محمد باقر حجتي، أستاذ كلية الالهيات والمعارف الاسلامية في طهران، على تلك الدعوات فقدم ورقة تحت عنوان (جمع القرآن في عهد رسول الله (ص)) قال فيها:"ان استعمال كلمة المصحف في عهد رسول الله (ص) بلسانه ولسان معاصريه يوضح لنا بجلاء ما ذهب اليه كبار علماء الشيعة بشأن جمع القرآن في زمن النبي... الى غيرها من الروايات التي وردت فيها كلمة المصحف أوالمصاحف، واستعملت في زمان حياة رسول الله، وكلها تدل بصراحة أن القرآن جمع في حياته المباركة، لأن المصحف يعني المجموعة المدونة بين الدفتين... وان الرواية التي تتحدث عن النقاش الذي دار في زمن أبي بكر بشأن البحث عن اسم للقرآن في زمانه كاذبة، لأن الرواية تذكر أن كلمة المصحف أخذت من اللغة الحبشية".([4])

واستعان الدكتور حجتي بما قاله الامام الخوئي حول موضوع تحريف القرآن، فقال:"من الضروري أن نذكر ملخص ما بينه الخوئي في هذا الصدد، إذ قال: علينا أن نبحث عن مداليل هذه الروايات، وهي طوائف:

الطائفة الأولى: الروايات التي تدل على التحريف بعنوانه، وأجيب عن هذه الروايات بأن الظاهر من بعضها تفسير التحريف باختلاف القراء، والمراد بالتحريف في بقية الروايات حمل الآيات على غير معانيها.

الطائفة الثانية: الروايات التي دلت على أن بعض الآيات قد ذكرت فيها أسماء الأئمة عليهم السلام، وهي كثيرة. أما الجواب عن الاستدلال بهذه الطائفة ان بعض التنزيل فيها من قبيل التفسير وليس من القرآن نفسه، فلا بد من حمل هذه الروايات على ان ذكر أسماء الأئمة (ع) في التنزيل من هذا القبيل، واذا لم يتم الحمل فلا بد من طرح هذه الروايات لمخالفتها للكتاب والسنة والأدلة النافية للتحريف.

الطائفة الثالثة: هي الروايات التي دلت على وقوع التحريف بالزيادة والنقصان، وان الأمة بعد النبي (ص) قد غيرت هذه الكلمات وجعلت مكانها كلمات أخرى. الجواب عن الاستدلال بهذه الروايات – بعد الغض عما في سندها من الضعف – انها مخالفة للكتاب والسنة، ولإجماع المسلمين على عدم الزيادة في القرآن، وان مجموع ما في الدفتين كله من القرآن. وممن ادعى الاجماع الشيخ المفيد والشيخ الطوسي والشيخ البهائي وغيرهم من أعاظم علماء الشيعة.

الطائفة الرابعة: هي الروايات التي دلت على التحريف في القرآن من حيث النقيصة فقط. والجواب عن الاستدلال بهذه الطائفة أنه لا بد من حملها على معنى الزيادة في مصحف أمير المؤمنين (ع) من أنها كانت تفسيراً بعنوان التأويل وما يؤول اليه الكلام، أو بعنوان التنزيل من الله شرحاً للمراد.

وان لم يمكن الحمل في جملة منها فلا بد من طرحها، لانها مخالفة للكتاب والسنة.

على أن أكثر هذه الروايات بل كثيرها، ضعيفة السند عند الشيعة، وان جملة منها قد نقلت من كتاب (التنزيل والتحريف) أو (القراءات) لأحمد بن محمد السياري الذي اتفق علماء الرجال من الشيعة على فساد مذهبه وانه ضعيف الحديث مجفو الرواية وكثير المراسيل، ويقول بالتناسخ، وأخذ المحدث النوري عنه كثيرا وأدرجه في كتاب (فصل الخطاب) فلهذا لا يعتد علماء الشيعة على ما في هذا الكتاب "من تحريف كتاب رب الأرباب" وحرموا طبع هذا الكتاب وكأنهم عدوه من جملة كتب الظلال... مضافا الى ذلك كله، عندنا عشرات من الكتب التي دونها علماء الشيعة الامامية في نفي التحريف أو رد من قال به".([5])

ولا اعتقد ان دعوى قول الشيعة بتحريف القرآن، تستحق التوقف عندها، بعد نفي الشيعة عبر التاريخ لها ، واصرارهم على القول بسلامة القرآن وحفظه من قبل الله تعالى. وهكذا يمكن القول بقوة: إن جميع المسلمين والحمد لله ومن جميع الطوائف يشتركون بالالتزام بعقيدة واحدة ثابتة لا خلاف بينهم حولها.

التقية

ولا بد أن نشير الى موضوع مهم في العلاقات الشيعية السنية، وهو موضوع "التقية" الذي لعب دورا سلبيا في تعكير العلاقات بين الطرفين، وأصبح عقدة لدى الكثير من أهل السنة في التعامل مع اخوانهم الشيعة. حتى أن بعض السنة يتهمون أي شيعي يقترب منهم ويعلن تخليه عن الأفكار المتطرفة، أو يعلن احترامه للصحابة مثلا، بأنه يمارس التقية. وبالرغم من أني شخصياً أعلنت رفضي للفكر الامامي ولمبدأ التقية، وكتبت مفنداً للكثير من النظريات الإمامية، فقد واجهت تشكيكاً من بعض السنة بحقيقة موقفي.  ولذلك فان من الضروري القاء الضوء على حقيقة "التقية". وهل تشكل لدى الشيعة مبدأ أساسيا أو جزءا من الدين؟ وهل لا يزالوا يمارسونها الى اليوم؟

يستند السنة في اتهامهم للشيعة بممارسة التقية، على حديث مشهور لديهم، وهو قول الامام الصادق :" التقية ديني ودين آبائي، ولا دين لمن لا تقية له". ويبرر علماء الشيعة عادة هذا الحديث بأنه مبدأ قرآني وعقلي يلجأ اليه كل من يقع تحت ضغط شديد أو يخاف على نفسه أو ماله، وقد أعذر الله عمار بن ياسر الذي تفوه بكلمة الكفر أمام كفار قريش تحت التعذيب، فقال تعالى:" الاّ من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان". النحل 106 وقال:" لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء الا ان تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه والى الله المصير". آل عمران 28  وان الشيعة قد لجئوا الى "التقية" اضطراراً في ظروف خاصة، وانهم لم يحتاجوا الى ممارستها في ظروف أخرى، ولا يمارسونها اليوم.

وإذا كان الشيعة قد مارسوا "التقية" فعلا في ظروف غابرة، وعندما كانوا شلة صغيرة، فانه ليس من المعقول أن يستمروا في ممارسة "التقية" بعد أن أصبحوا طائفة كبيرة تضم الملايين، وشعوبا كبيرة. فان قوانين الأحزاب السرية لا تنطبق على قوانين الأمم. وماذا يمكن أن يخفوا؟ وقد نشروا كتبهم وأفكارهم ونظرياتهم منذ مئات السنين؟

ولكن المشكلة – في الحقيقة – لا تكمن هنا. ولا أعتقد ان الشيعة بصورة عامة كانوا يمارسون التقية ، أو يعرفونها، فضلا عن أئمتهم من أهل البيت. وانما الصقت بهم ظلما وعدوانا من قبل الغلاة الذين كانوا يدسون أنفسهم في صفوف الشيعة، ويدعون الانتماء الى مذهب أهل البيت، وهم منهم براء، حيث كانوا يحاولون نسبة مقولات متطرفة ونظريات مغالية الى أئمة أهل البيت كدعوى النبوة أو الالوهية، أو حتى الامامة الالهية، والعصمة وما شابه من الأمور التي لا يعرفها أهل البيت، وينكرونها أشد النكران علناً وأمام الناس، ويسيرون بسيرة مضادة لكل مقولات الغلاة من مختلف الأصناف. فكان هؤلاء يضطرون الى تبرير التناقض الظاهر بين أقوال الأئمة من أهل البيت وانكارهم السافر لمقولاتهم الباطلة، بالادعاء بأن أهل البيت يمارسون "التقية" ويعلنون غير ما يبطنون.

ان من الخطأ الكبير تحميل جماهير الشيعة بمختلف تياراتهم وأحزابهم وطوائفهم مسؤولية وجود حديث مزور وغير مفهوم عن "التقية" في كتب الحديث الغابرة، واعتبار ذلك مبدءا أساسياً وجزء من عقيدتهم، والنظر اليهم بشك وريبة الى يوم القيامة، وإغفال التطورات الهائلة والجذرية التي حدثت  وتحدث في صفوفهم، وعدم تصديقهم في التخلي عن مبدأ التقية أو ممارسته.

وإذا كنا نبحث عن الثقة في العلاقات بين الشيعة والسنة، فلا يمكن أن ننتظر من الشيعة أن يصدروا بيانا يعلنون فيه تخليهم عن الإيمان بمبدأ التقية، لأن الشيعة ليسوا حزبا سياسيا، أوعصابة صغيرة، أو فئة محدودة يلتزم جميع أعضائها بما يقرره الرئيس، وسوف نظل نرى من الشيعة من يردد ذلك الحديث، ولكن المهم هو نظرة الشيعة العامة الى مبدأ التقية وإمكانية اعتماده منهجا في تحليل التاريخ، وتقييم أقوال الأئمة من أهل البيت، وتصديق المواقف والسياسات الظاهرة لهم، أو عدم ذلك. وهذه قضية تهم الشيعة قبل غيرهم، لأنها تشكل أداة مهمة لفهم الفكر الشيعي والتعرف على تراث أهل البيت الحقيقي، وتمييزه عن النظريات الدخيلة.

 

الفصل الثاني: المصادر الأساسية للتشريع

 

 

1- القرآن الكريم

إن عامة السنة والشيعة يكاد يكونون متفقين تماماً على حجية القرآن الكريم ، فأن القرآن الكريم يعتبر المصدر الأول والأقوى عند السنة والشيعة، الذي تعرض عليه الأدلة الأخرى ويضرب بعرض الجدار كل ما خالفه منها. ويشكل البحث حول حجية القرآن من أهم مباحث علم الأصول عند الشيعة، ولا سيما بحث ظواهر الألفاظ والمحكم والمتشابه والأمر والنهي والعام والخاص والمطلق والمبين والمفهوم والمنطوق، والناسخ والمنسوخ، وما الى ذلك.    

وقد كان بعض الأخباريين في الزمن الأول يشكك في حجية العمل بظواهر القرآن، فلا يجيز التعامل المباشر معه وفهمه الا من خلال روايات أهل البيت وتفسيرهم له، ولكن نشوء المدرسة الأصولية (الاجتهادية) في القرن الخامس الهجري على يدي المشايخ الثلاثة المفيد والمرتضى والطوسي، وسيادة هذه المدرسة في القرون الأخيرة، أدى الى تراجع الأخباريين وتراجع القول بعدم حجية القرآن أوعدم جواز التعامل المباشر معه. وتعزيز القول باعتبار القرآن المصدر الأول والأساس للدين  باعتباره مصدرا قطعيا متواترا لا يضاهيه أي مصدر آخر.

ومع الأسف الشديد فان كثيراً من الباحثين السنة لا يلتفتون في دراستهم للشيعة الى الصراع بين المدرستين الأخبارية والأصولية، والى تخلي الأصوليين، وهم الغالبية العظمى من الشيعة، منذ قرون عن كثير من مقولات الأخباريين. 

 2- السنّة النبوية

أما السنة ، فلا يوجد حولها خلاف بين المسلمين مبدئيا، حيث يتفق الشيعة والسنة على ضرورة الأخذ بما ثبت عن رسول الله (ص) ولكن الخلاف يدور حول طرق أخذ السنة، من الصحابة؟ أم من أئمة أهل البيت؟ وهل أن أحاديث أهل البيت ناقلة للسنة؟ أم جزء منها؟

ومن المعروف أن أهل السنة كانوا يختلفون فيما بينهم الى فريقين هما "أهل الرأي" بزعامة الامام أبي حنيفة، و"أهل الحديث" بزعامة الامام أحمد بن حنبل، وكانوا يختلفون حول إطار (السنة) هل انها تعني السنة العملية المتواترة القطعية فقط؟، أم تشمل السنة القولية، وأخبار الآحاد، أو الأخبار الضعيفة المشكوك فيها. واذا ما راجعنا كتب الحديث السنية فانا نجد بينها اختلافا كبيرا في كمية الأحاديث التي تضمها بين عدة مئات أو عدة آلاف، أوعشرات بل مئات الألوف من الأحاديث. ورغم اتفاق أهل السنة على اعتبار كتب البخاري ومسلم وغيرهما من الصحاح، فانه لم يزل ولا يزال يوجد في أهل السنة من يشكك ببعض الأحاديث او ينتقد نسبتها الى رسول الله (ص).

أما الشيعة، فقد كانوا بصورة عامة يشككون بكثير من الروايات المنتشرة في العهد الأموي، ويرفضون خصوصا الأحاديث الواردة عن طريق أبي هريرة ومعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، ومروان بن الحكم، وسمرة بن جندب، وأبي الغادية قاتل عمار، ولم يكونوا يعتقدون بعدالة الصحابي بصورة مطلقة، بل يميزون بين العادل والفاسق والمؤمن والمنافق. ويروي الشيعة حديثا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) في جواب سائل سأله عن أحاديث البدع، وعما في أيدي الناس من اختلاف الخبر، فقال: "إن في أيدي الناس حقاً وباطلاً، وصدقاً وكذباً، وناسخاً ومنسوخاً، وعاماً وخاصاً، ومحكماً ومتشابهاً، وحفظاً ووهماً. ولقد كُذِّبَ على رسول الله (ص) على عهده، حتى قام خطيباً، فقال: من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار. وإنما أتاك بالحديث أربعة رجال، ليس لهم خامس: رجل منافق مظهر للإيمان متصنع بالإسلام، لا يتأثم ولا يتحرج، يكذب على رسول الله (ص) متعمداً. فلوعلم الناس أنه منافق كاذب لم يقبلوا منه، ولم يصدقوا قوله. ولكنهم قالوا: صاحب رسول الله (ص)، رأى، وسمع منه، ولقف عنه، فيأخذون بقوله. وقد أخبرك الله عن المنافقين بما أخبرك، ووصفهم بما وصفهم به لك. ثم بقوا بعده (عليه وآله السلام)، فتقربوا إلى أئمة الظلالة، والدعاة إلى النار بالزور والبهتان، فولوهم الأعمال، وجعلوهم حكاماً على رقاب الناس، فأكلوا بهم الدنيا، وإنما الناس مع الملوك والدنيا، إلا من عصم الله".([6])

ونظرا، لاتهام الشيعة الامامية لمعظم الصحابة، بالانقلاب على أهل البيت واغتصاب حقهم في الخلافة، فقد اتخذوا موقفا سلبيا منهم كطريق ناقل للسنة، وربما اتهموا بعض الصحابة والرواة وجامعي الأحاديث بكتمان الاحاديث المتعلقة بفضائل أهل البيت، أو بحقهم في الامامة.  ومن هنا قصروا تلقيهم للسنة على أئمة أهل البيت كالامام زين العابدين علي بن الحسين و ابنه الامام محمد الباقر، وابنه الامام جعفر الصادق، فيما ذهب بعض الشيعة، وهم الامامية، الى اعتبار أقوال الأئمة من أهل البيت أوآرائهم الاجتهادية مكملا للسنة، باعتبار أن أهل البيت هم العترة أوأحد الثقلين اللذين أمر النبي باتباعهما الى جانب القرآن الكريم، حسبما يقول الحديث النبوي:" اني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي". 

وبينما كان الأخباريون من الشيعة يقبلون الأخبار بسهولة وتوسع، قام الأصوليون منهم بتنقية الروايات وتمحيصها والتدقيق فيها، ولم يقبلوا الأحاديث الا بشروط. وقد قسّموا الأحاديث إلى متواتر وغير متواتر، وغير المتواتر إلى خبر واحد ومستفيض أو مشهور أو ما قطع بصحته بقرائن، وقسموا خبر الواحد إلى صحيح وموثّق وحسن وضعيف. ونشأ لديهم علم خاص  لمعرفة رجال الحديث سموه "علم الرجال" كما سموا علم مصطلح الحديث "علم الحديث" أو "علم الدراية". ولا يزال الباب مفتوحا لديهم أمام حركة النقد في الوقت الذي لا يعتبرون اي كتاب من كتب الحديث  كتابا صحيحا ، وانما يخضع كل ما فيها للنقد والمراجعة والتمحيص، حسب اجتهاد كل مجتهد.

ولكن رغم تطور علم الرجال والدراية لدى الشيعة، وتصفيتهم لتراث أهل البيت من الخرافات والأساطير والنظريات الدخيلة كأسطورة تحريف القرآن، فان كثيراً من الأحاديث لا تزال بدون تمحيص ، أو أن عملية نقدها ظلت محصورة في نطاق ضيق، ولم  تنجح في إعادة بناء الخارطة الفكرية للتشيع. ولعل موضوع الامامة الالهية لأهل البيت والعصمة والنص وموضوع (الامام الثاني عشر المهدي المنتظر الغائب) من أبرز المواضيع التي تحتاج الى مزيد من النقد والتمحيص، وذلك لأن هذه المواضيع تشكل أساس المذهب الامامي الإثني عشري، ومادة الخلاف الرئيسية مع بقية المسلمين، ومن المهم جدا لإعادة الوحدة الاسلامية التحقيق والتأكد مما إذا كان أئمة أهل البيت يشكلون فعلاً مصدرا شرعيا اضافيا وحصريا للسنة النبوية ومكملا لها، بحيث لا يجوز لأي فقيه آخر الافتاء في مقابلهم؟ أو كانوا مجرد رواة ثقاة ناقلين للأحاديث النبوية، كما تؤكد بعض الروايات الواردة على لسان أهل البيت، أوحتى مجتهدين لهم آراؤهم الخاصة غير الملزمة.

ان القيام بعملية نقد جذرية كهذه، كفيل بتقليص مفهوم "السنة" عند الشيعة الى ما تواتر فقط عن النبي الأكرم (ص) والتخلي عن اعتبار أئمة أهل البيت امتدادا للنبوة، أواعتبار أحاديثهم بمنزلة أحاديث النبي التي لا يجوز رفضها أو مناقشتها والاجتهاد في مقابلها، وتنزيل مرتبتهم الى مرتبة أئمة المذاهب الاسلامية الأخرى.

وقد تسنى لي القيام بنقد مجموعة من الروايات (حوالي مائة رواية) حول موضوع الاثني عشرية والإمامة الالهية، على ضوء التاريخ وعلم الرجال الشيعيين، فوجدتها كلها ضعيفة أومختلقة لا توجد فيها رواية واحدة صحيحة. وهو ما دفعني الى تقبل الفقه الجعفري (المنسوب الى الامام جعفر الصادق(ع)، ورفض النظرية الامامية الاثني عشرية بما فيها موضوع فرضية الامام الثاني عشر "محمد بن الحسن العسكري" الذي لم أعثر على أي دليل معتبر على ولادته ووجوده واستمرار حياته الى اليوم منذ القرن الثالث الهجري.

3-  الإجماع

من المعروف أن الإجماع يشكل لدى أهل السنة مصدرا مهما من مصادر التشريع الى جانب القرآن الكريم  والسنة النبوية المطهرة، مع الاختلاف في مفهوم الاجماع فيما اذا كان يعني اجماع المسلمين أو إجماع الصحابة أو الفقهاء، في عصر واحد من العصور، وذلك بناء على الحديث الذي يقول : "لا تجتمع أمتي على خطأ". ولكن الاجماع لا يشكل لدى الشيعة وخاصة الامامية مصدرا معتبرا أو حجة شرعية، وذلك لأنهم رفضوا مبدأ الاجماع انطلاقا من رفضهم لإجماع الصحابة حول اختيار أبي بكر خليفة من بعد الرسول، في مقابل ما زعموه من وجود النص على الامام علي. ولكن الشيعة عادوا فقبلوا أسم الاجماع بناء على نظرية اللطف التي قال بها السيد المرتضى في القرن الخامس الهجري، وكانت تعني ضرورة تخريب الامام المهدي الغائب لاجماع الشيعة في أية مسألة مخالفة للحق ولرأي الامام بصورة ما. وقد قلت ان الشيعة قبلوا أسم الاجماع، لأنهم لم يقبلوه على الحقيقة، وذلك لأن الاجماع لديهم كان يعبر عن رأي الامام أكثر مما كان يشكل بحد ذاته مصدرا من مصادر التشريع، أو يحمل حجية ذاتية. ومع ان كثيرا من علماء الشيعة احتجوا بالاجماع من أجل اثبات بعض الأقوال والآراء المختلف فيها، الا انهم فعلوا ذلك اعتمادا على القواعد والأصول التي بأيديهم، ولم يثبت لديهم تاريخيا صحة أي اجماع بناء على نظرية اللطف الافتراضية. ومن أجل ذلك لايعد الإجماع عندهم إلا مؤيداً لغيره من الأدلة.

وألحق الشيعة بالإجماع "سيرة المسلمين" أو "سيرة المتشرعة" . ولكنهم لم يعتبروا ذلك أيضا حجة أو دليلا مستقلا، الاّ ما كشف عن قول الإمام (المعصوم) الذي هو الحجة عندهم.

وبغض النظر عن موقف الشيعة من الاجماع، وحيثياته، فاني أعتقد أن إعادة النظر في أصل حجية الاجماع من قبل أهل السنة، لا تشكل فقط تحديداً دقيقاً لمصادر التشريع وحصر ذلك بالكتاب والسنة، وانما تشكل أيضا مدخلا لتعزيز الوحدة الاسلامية بين السنة والشيعة.

4ـ الدليل العقلي

والمقصود بالدليل العقلي هي الأصول العملية العقلية مثل أصل البراءة والاستصحاب والاحتياط والتخيير، وهي أصول مشتركة لدى السنة والشيعة يعمل بها في منطقة الفراغ أو فقدان الأحكام الشرعية من الكتاب والسنة، وهي تغطي مساحة واسعة من المجالات الحديثة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

وبعد فتح الشيعة لباب الاجتهاد، اقتربوا كثيرا في هذا الجانب من أهل السنة، حتى  اتهمهم الأخباريون بأنهم قد أصبحوا "سنة". وهذا ما أكده  الدكتور خير الدين قرامان، في ندوة استنبول العلمية الدولية عن الشيعة، حيث قال:" ان اعتماد الشيعة على الكتاب والسنة والعقل والاجتهاد، كمصادر للعلم والحكم الديني بعد الغيبة الكبرى، يشكل أرضية مناسبة لمحاولات التقريب بين المذاهب في الأصول والفروع".([7])

 

الفصل الثالث: القضايا الخلافية الفقهية

 

 

إن معظم الخلافات الفقهية بين الشيعة والسنة هي خلافات جزئية بسيطة كانت موجودة حتى بين الصحابة والتابعين، أو حتى بين أبناء المدرسة الفقهية المذهبية الواحدة، ونظراً لانفتاح باب الاجتهاد عند الشيعة وتعدد المجتهدين وكثرتهم في كل عصر، فانهم يعيشون اختلافا كبيرا في كثير من المسائل الفقهية، ويعتبرون ذلك طبيعيا ونتيجة لإيمانهم بحرية الاجتهاد وحق الاختلاف. وربما كان نفس الشيء موجودا في المذاهب الأخرى التي قد يختلف مجتهدوا كل مذهب فيما بينهم أو حتى مع إمام مذهبهم في بعض الأحيان.

واذا لم يكن الشيعة حتى الآن قد أفتوا بجواز التعبد بالمذاهب السنية، نظرا لاعتقادهم بحرمة الاجتهاد في مقابل أئمة أهل البيت "المعصومين الذين يستوحون علمهم من الله" فان أئمة المذهب السني لم يترددوا في الرواية عن أهل البيت أو اعتبار آرائهم الخاصة كاجتهادات فقهية كسائر اجتهادات المجتهدين، ولذلك كانوا ينفتحون على مذهب أهل البيت أكثر من انفتاح الشيعة على مذاهب السنة. هذا اذا استثنينا بعض المتعصبين الذين كانوا يخالفون الشيعة حتى اذا كان رأيهم حقا، لمجرد الخلاف والتمايز.([8])

ومن أهم الاختلافات بين الشيعة والسنة في المجال الفقهي، كيفية تقسيم ما يبقى من التركة بعد الفروض، والخلاف حول الكفاءة في الزواج، حيث يعتبر الحنفية والشافعية والحنابلة فيها الاسلام والحرية والنسب والحرفة. وأما الشيعة فيكتفون بشرط الكفاءة في الدين(الاسلام) مستدلين بقوله تعالى "ان اكرمكم عند الله أتقاكم". وفاقا للمالكية الذين يذهبون نفس المذهب. ويشترط أهل السنة الشهود في عقد الزواج، بينما يقول الشيعة بأستحبابه، على العكس من الطلاق، حيث يشترط الشيعة حضور الشاهدين وجوباً، اعتماداً على قوله تعالى "واشهدوا ذوي عدل منكم". بينما يرى فقهاء أهل السنة أن الآية تفيد الندب لا الوجوب. ويختلفون حول الطلاق بالثلاث الذي يعتبره السنة ثلاث طلقات بائنة، يجب على المرأة اذا أرادت العودة لزوجها أن تنكح زوجاً غيره، بينما يعتبر الفقه الشيعي الطلاق بالثلاث طلقة واحدة. وربما كان مستند السنة في ذلك الاجماع أو تقليد الصحابة والشيخين بالذات. ويختلف الشيعة والسنة حول الأذان والإقامة، حيث يضيف الشيعة اليوم عبارة (أشهد ان علياً ولي الله، أشهد أن علياً وأولاده المعصومين حجج الله) بعد الشهادتين، بعد أن كانوا يحرمون ذلك في الزمن الأول، ولكنهم اليوم يقولون بأستحباب ذكر(الشهادة الثالثة) لا على أنها جزء من الأذان أو الإقامة الشرعية، ويضيف الشيعة كذلك فقرة أخرى الى الأذان والإقامة هي (حي على خير العمل) ويقولون انها كانت موجودة في عهد النبي (ص) وان عمر بن الخطاب أسقطها من الأذان. وهناك بالطبع مسائل جزئية تفصيلة في عدد من الأمور كالوضوء والصلاة والخمس والزكاة، ولكن موضوع "المتعة" أو الزواج المؤقت، ظل يشكل أكبر خلاف فقهي بين السنة والشيعة عبر التاريخ، فبينما يعتبر السنة حكم المتعة الوارد في القرآن الكريم منسوخاً ومنهياً عنه نهياً مؤبداً في آخر حياة الرسول (ص) بعد تحليله عدة مرات وخاصة في أثناء الحروب والغزوات، يعتبر الشيعة الامامية الإثني عشرية زواج المتعة مباحاً بنص القرآن الكريم وأحاديث الرسول وأئمة أهل البيت، ولا يعترفون بتحريم النبي له لا تحريماً مؤقتاً ولا نهائيا مؤبداً، ويقولون أن الصحابة كانوا يمارسون هذا النوع من الزواج الى أواخر عهد الخليفة عمر بن الخطاب، عندما نهى عنه في قضية معروفة، وقال:" متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أحرمهما متعة الحج ومتعة النساء". وان كثيرا من الصحابة رفضوا حكم عمر بهذا الشأن.

ويمكن الجمع بين الرأيين والوصول الى رأي وسطي جديد لا نقول فيه بالتحليل المطلق كما يقول الشيعة ولا بالتحريم المطلق كما يقول السنة، وانما بالتحليل عند الضرورة وعند حصول العنت والمشقة الكبيرة. وذلك لثبوت نزول الآية الكريمة رقم 24 من سورة النساء (فما استمتعتم به منهنّ فآتوهنّ أجورهنّ فريضة من الله) في موضوع زواج المتعة، وعدم وجود أحاديث متواترة تؤكد التحريم المؤبد، واذا كان هناك شك في تحريمها تحريما مؤبدا، من قبل الله تعالى أوالرسول الأعظم (ص) فإنها على الأقل تبقى محللة في حالات الضرورة والعنت والعسر، وعلى الباحثين والفقهاء دراسة الموضوع بجدية أكبر،  بعيداً عن صخب الجدالات الطائفية القديمة.

 

الباب الثاني: خلاف التاريخ والسياسة/ الفصل الأول: التاريخ

 

 

   الموقف من الصحابة

شكلت قضية الموقف من الصحابة، والغلو أو التقصير بحقهم، مادة للجدل والخلاف بين الشيعة والسنة عبر التاريخ. رغم أنها مشكلة أعمق من النزاع بين الطائفتين، إذ أن الموقف من الصحابة مسألة منهجية قائمة بذاتها وتعود الى مسألة القيم والأخلاق والمثل العليا الواردة في القرآن الكريم ومدى تطابقها مع حياة الصحابة، أي الى مسألة النظرية والتطبيق، وقد تناولها المسلمون من السنة والشيعة ولا يزال المفكرون من كلتا الطائفتين يتناولونها بعيداً عن الخلاف الطائفي وانطلاقاً من قراءة التاريخ بصورة محايدة . ومع أنها مسألة تاريخية عادية الا انها وصلت أحيانا الى مستوى العقيدة التي تفصل بين الناس فتُدخل هذا في الدين أو تخرجه منه لتلقيه في النار. في الوقت الذي لم تكن هذه القضية تحتل أهمية كبرى لدى الصحابة أنفسهم وفي عصرهم. فضلاً عن أن تشكل جزءاً من العقيدة الاسلامية.

احتل صحابة رسول الله محمد (ص) دور الوسيط الناقل للرسالة الاسلامية ولتراث الرسول الأعظم للأجيال اللاحقة عبر الزمان والمكان، وشكلوا المثال الأعلى للأمة الاسلامية التي ظلت تستلهم الكثير من الأمور والملامح الأخلاقية من أشخاصهم الكريمة وتجاربهم الغنية، باعتبارهم الجيل المثالي الأول الذي عاصر الرسالة وساهم في تأسيس الأمة الاسلامية. وقد استحق الصحابة لعظم جهادهم أن يمدحهم الله تعالى في كتابه الكريم في أكثر من موضع حيث قال : (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) آل عمران 110 وقال تعالى: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رض الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدأ ذلك الفوز العظيم). التوبة 100 وقال أيضا: (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا) الفتح 18 وفى الآية التاسعة والعشرين من السورة نفسها قال تعالى: (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطئه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين أمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيما) الفتح 29. 

ولكن مع الأسف الشديد، ونظرا للفتنة الكبرى التي حدثت في أيامهم، فقد أصبح الصحابة الكرام مجالا للجدل والتشكيك والغلو والتجريح، وظهر في التاريخ من يهاجمهم بقسوة ومن يدافع عنهم بتطرف، حتى أصبح الحديث عنهم أو اتخاذ الموقف منهم سلباً أو إيجابا، بحد ذاته، موضوعا عقديا مهما يوازي أركان الدين، ويلعب دورا في تقسيم المجتمع وتشكيل هوية الطوائف الثقافية والدينية. ولذا فأن من المهم جدا بحث موضوع الموقف من الصحابة الكرام لدى السنة والشيعة بكل صراحة وتفصيل ووضع النقاط على الحروف، تمهيدا للتخلص من هذا الكابوس الثقيل، والتخلص من رواسب الماضي، خاصة بعد أن أصبح موضوع الخلاف بين "السنة" و"الشيعة" نفسه موضوعاً تاريخياً لا معنى معاصرَ له.

لقد كان الخلاف حول الصحابة بين المسلمين، ثمرة مرَّة من ثمار الفتنة الكبرى التي عصفت بجيل الصحابة أنفسهم، وقد حاول الصحابة أنفسهم تجاوز الفتنة والصلح فيما بينهم، ولكن ذيول الفتنة استمرت فيما بعدهم.. واستمرت.. واستمرت الى اليوم، ونرجوا من الله العلي القدير أن يهب المسلمين الحكمة الكافية للملمة ما تبقى من ذيول تلك الفتنة، والتخلص منها، ورأب الصدع فيما بينهم.

 دور الصفويين في تأجيج الفتنة

ومن المؤسف ان بعض الدول كالدولة الصفوية التي سيطرت على بلاد فارس في القرن العاشر الهجري وما بعده، قد استغلت ذلك التراث السلبي الأسطوري، في صراعها مع العثمانيين، لكي تشن حملة شعواء ضد أهل السنة، وتسن بدعة السب واللعن للخلفاء الراشدين، وتقيم دولة ديكتاتورية مستبدة أبعد ما تكون عن سياسة أهل البيت أو عدالة الاسلام، ولكنها تتظاهر بالتشيع القشري الممسوخ، البعيد كل البعد عن روح التشيع الأول. وهذا ما دفع مفتي استنبول الشيخ عبد الله لأن يصدر فتوى تدعوا لمحاربة "الروافض المرتدين المقيمين في إيران، وتطهير البلاد منهم، لأنهم منذ عهد إسماعيل الصفوي قد عاثوا في الأرض الفساد وأعلنوا سب الصحابة الكرام أبي بكر وعمر وعثمان، وكفروهم باستثناء علي...".([9]) ثم دفع الأفغان للثورة ضد الدولة الصفوية المتطرفة والقضاء عليها عام 1722م .

ومع ان الدولة الصفوية ذهبت مع التاريخ الا أنها تركت بصماتها المشؤومة على العلاقات الأخوية بين السنة والشيعة، وخلفت وراءها تراثا ثقافيا متعفنا مليئا بالأحقاد.

وقد حاول الإمبراطور الإيراني نادر شاه، الذي ورث الدولة الصفوية، أن يقضي على بدعة اللعن للخلفاء التي انتشرت في فارس في ذلك الزمان، ويوحد بين طوائف مملكته الواسعة التي امتدت من الهند الى العراق، وضمت الشيعة والسنة، فعقد لذلك مؤتمراً علميا في النجف الأشرف، في شوال من عام 1156هـ الموافق كانون الأول عام 1743م، ضم مجموعة من كبار العلماء الشيعة والسنة من العرب والفرس والترك والأفغان (حوالي سبعين عالما شيعيا وسبعة من علماء تركستان وسبعة من أفغانستان)، وكان على رأسهم مفتي العراق السني الشيخ عبد الله السويدي، ومفتي الأفغان الملا حمزة القلنجاني، ومفتي إيران الملا باشي علي أكبر والمرجع الكربلائي السيد نصر الله الحائري، وطلب منهم ان يبحثوا النقاط الخلافية بينهم، وكان بالطبع موضوع (السب واللعن) على رأس القائمة. وقد انتهى المؤتمر الى إصدار بيان موحد من علماء السنة والشيعة يرفض فيه الموقف السلبي تجاه الخلفاء الراشدين. وجاء فيه:"ان أهل إيران عدلوا عن العقائد السالفة، ونكلوا عن الرفض والسب، وقبلوا المذهب الجعفري الذي هو من المذاهب الحقة، فالمأمول من القضاة والعلماء والأفندية الكرام الإذعان بذلك وجعله خامس المذاهب". وكان من نتيجة ذلك اعتراف علماء أهل السنة بالشيعة حسبما وقعوا:"نحن علماء الاسلام من بخارى وبلخ نشهد أن العقيدة الصحيحة الاسلامية للأمة الإيرانية على نحو ما ذكره العلماء سالفا، وأن هذه الفرقة داخلة في الاسلام ومن أمة سيد الأنام (ص) وكل من أظهر العداوة مع هذه الفرقة فهو خارج عن الدين ومحروم من شفاعة خاتم النبيين... والاختلاف مع أهل هذه العقيدة في بعض الفروع غير مناف ولا مغاير للاسلام، وأصحابها من أهل الاسلام، ويحرم على الفريقين المسلمين من أمة محمد قتل كل واحد منهم الآخر ونهبه وأسره، وهم إخوان في الدين".

وذكر الشيخ عبد الله السويدي، الذي كان لولب المؤتمر:" أنه حين تم توقيع العلماء على المحظر صار لأهل السنة فرح وسرور لم يقع مثله في العصور ولا تشبهه الأعراس والأعياد، فكان يوما مشهودا من عجائب الدنيا، والحمد لله على ذلك.. وصار ذكر الصحابة ومناقبهم في كل خيمة من المعسكر وعلى لسان العجم كلهم بحيث كانوا يذكرون لأبي بكر وعمر وعثمان مناقب وفضائل يستنبطونها من الآيات والأحاديث مما يعجز عنه فحول أهل السنة، وأخذوا يسفهون رأي الشاه إسماعيل (الصفوي) في سبهم".([10])

واذا كان مؤتمر النجف قد نجح بصورة رئيسية بطي صفحة البدعة الصفوية السيئة، في زمن نادر شاه، اعتمادا على قوته وإرادته السياسية، فانه لم يستطع اقتلاع الشبهات والأساطير التي كانت تعشعش في الثقافة الشعبية، وعلى رأسها موضوع "الهجوم على بيت فاطمة الزهراء وأحراق باب دارها، وضربها وإسقاط جنينها". وهو ما كان يؤجج نار الفتنة بين آونة وأخرى، ويسخن الموقف الشيعي السلبي من الشيخين. 

ورغم ان موضوع الهجوم على بيت الزهراء ، يعتبر موضوعا تاريخيا بحتا، فان بعض رجال الدين الأخباريين الحشويين، يحاولون إضفاء صبغة دينية عليه، وبدلا من تقديم أدلتهم العلمية التاريخية، نرى البعض منهم يلجأ الى سلاح "الفتوى" والتهريج ليكمم أفواه العلماء والمحققين الذين يصرحون بضعف تلك الروايات واختلاقها. رغم ان مجال الإفتاء هو الأحكام الفقهية وليس الأمور العقائدية أوالتاريخية، التي يجب فيها الاجتهاد ويحرم التقليد.

ويحاول أولئك الحشويون، بقايا الصفويين، استدرار الدموع والعواطف باعتبار التباكي على الزهراء ضريبة الولاء لأهل البيت (عليهم السلام) والتبري من "أعدائهم" والتنظير لسبهم ولعنهم واعتبار ذلك من "عقائدهم" وهم لا يعرفون أنهم بترديدهم لتلك الشائعات والشبهات وممارسة السب واللعن، انما يضربون صميم أهل البيت، ويؤلبون عامة الناس ضد الشيعة، ويمزقون الوحدة الاسلامية ، ويسيئون الى الاسلام والمسلمين بتشويه تاريخ الجيل الأول من المسلمين، خيرة صحابة رسول الله، بتلك الصورة البشعة.

 

الفصل الثالث: السياسة

 

 

-  الخلاف في النظرية السياسية الدستورية

-  تضاؤل الأهمية العملية لهذا الخلاف اليوم

في البدء كانت الأمة الاسلامية الواحدة، ولم تكن الطوائف. وكانت الشورى كدستور للمسلمين، ولم تكن النظريات الوراثية المختلفة. وعندما انهار نظام الشورى في الفتنة الكبرى التي عصفت بالمسلمين، وقام على أنقاضه النظام الوراثي الأموي، كان من الطبيعي أن يولد رد فعل عند بني هاشم الذين اعتبروا أنفسهم أولى من الأمويين بوراثة الرسول الأعظم (ص)، فولدت النظرية الشيعية حول أحقية أهل البيت بتوارث السلطة. وما أن سيطر العباسيون على الحكم حتى اختلفوا مع أبناء عمهم العلويين الذين قالوا بأحقيتهم من العباسيين بتوارث السلطة، مما دفعهم للثورة عليهم عدة مرات طوال القرنين الثاني والثالث، الى أن نجح فريق منهم من أبناء اسماعيل بن جعفر الصادق، بإقامة حكم لهم في شمال افريقيا، وكادوا يقضون على العباسيين في عقر دارهم بغداد في القرن الخامس الهجري. وهو ما أجج صراعا سياسيا بين الأطراف الهاشمية استمر عدة قرون، وشهد أيضا ولادة أحزاب وتيارات وقوى مختلفة كالبويهيين والغزنويين والسلاجقة والأيوبيين والحمدانيين وغيرهم من الذين دخلوا ساحة الصراع بين الفاطميين والعباسيين. وفي حين كانت التيارات الشيعية الهاشمية أوالعلوية أوالحسنية أوالحسينية تتصارع فيما بينها، كان الفكر السياسي السني يعيش بعيداً عن السياسة، أي "غير سياسي" بمعنى انه يقبل بكل من يتولى السلطة ويسيطر عليها سواء كان عباسيا أوفاطميا أوبويهيا أوسلجوقيا. وهذا يثبت أن الصراع الحقيقي لم يكن بين الطوائف (السنة والشيعة) بقدر ما كان بين الأطراف السياسية التي كانت تستغل المذاهب الفكرية والفقهية أحيانا لتحشيد القوى الاجتماعية وراءها. فإذا لا حظنا مثلا تجربة الخليفة العباسي القادر بالله (381- 422) الذي يعتبر مؤسس "الحالة السياسية السنية" فنجد انه كان يخوض معركة وجود مع الفاطميين الذين هددوا عاصمة خلافته بغداد سنة 401، في حين انه كان يتآلف مع البويهيين الزيدية والشيعة الامامية الاثني عشرية.

ورغم تبني "أهل السنة" عبر التاريخ للفكر الواقعي بالاعتراف بأية حكومة قوية تسيطر على الأمور، الا ان بعض أوائل السنة (أهل الحديث) كان يتبنى نظرية النص على أبي بكر، وهو ما عرف بالبكرية، ثم قال بعض المتكلمين المتأخرين المتأثرين بالمعتزلة، بشرعية نظام الشورى، وان النبي (ص) لم ينص على أحد، وانما ترك الأمر للمسلمين. وهذه كانت في الواقع نظرية عموم المسلمين من السنة والشيعة الأوائل، ولكن أهل السنة بدأوا يطرحون هذه النظرية ويتمسكون بها خصوصاً في مقابل الشيعة الإمامية الذين قالوا بنظرية النص على الامام علي وحق ذريته بتوارث الى يوم القيامة.

كان هذا على مستوى النظرية، وأما على مستوى الواقع، فقد كان أهل السنة لا يعبأون كثيرا بالشورى، وانما كانوا يتمسكون أكثر شيء بشرط القرشية في الامام، واذا نظرنا الى هذا الشرط فسوف نجده لا يتناقض مع الفكر الامامي الذي يقول بحق أهل البيت في الخلافة، مما جعله يتعايش مع الفكر الامامي، كما في العهد الفاطمي في مصر. ولذلك عندما حاول الخليفة العباسي القادر بالله محاربة الفاطميين وتجريدهم من شرعيتهم، لم يجد أفضل من استخدام سلاح "القرشية"، وذلك بالتشكيك بنسب الفاطميين، فقال انهم من أصول أخرى غير علوية، وعمل مضبطة خاصة شهد عليها كبار الشيعة والعلويين في بغداد.

ومع ان الفاطميين كانوا يشكلون قطبا منافسا للعباسيين، الا انهم لم يستمروا طويلا، حيث انهارت دولتهم في أواسط القرن السادس الهجري. وكان الجناح العلوي الآخر، وهو الإمامي الاثني عشري، قد فَقَدَ حيويته ومصداقيته، من قبل، بوفاة الامام الحادي عشر الحسن العسكري سنة 260 دون ولد ظاهر يستلم زمام القيادة، ومع قول الشيعة الاثني عشرية بوجود ولد له في السر، الا انهم تحولوا الى مذهب غير سياسي لا يستطيع منافسة العباسيين، الذين سارعوا الى احتضان هذا المذهب، الى حد تبنيه علنا في أيام الناصر لدين الله في أواخر القرن السادس .  ومع سقوط الدولة العباسية على يد المغول في أواسط القرن السابع، سقط العمود الفقري السياسي أو قطب الرحى لأهل السنة، ولم يُجدِ كثيرا تبني الحكام المماليك في مصر لبقايا العباسيين وجعلهم "خلفاء" صوريين.

وفي غياب الأقطاب السياسية السنية والشيعية، اشتدت في القرن السابع والثامن، الصراعات السياسية بين المذاهب السنية نفسها، حين كان أتباع أو شيوخ كل مذهب يحاولون الهيمنة على أي حاكم، وينصرونه لينصرهم، الى ان نجح الأحناف في إقناع الأتراك بتبني مذهبهم لأنهم لا يشترطون "القرشية" في الامام، وهو ما مهد لقيام الخلافة العثمانية التركية التي هيمنت على مصر والشام والحجاز في القرن العاشر.

ومع قيام الخلافة "السنية" الجديدة في تركيا، ولدت دولة "شيعية" في ايران هي الدولة الصفوية، التي أعلنت المذهب الاثني عشري غطاء لها، بعد أن قامت بالالتفاف على عقدة الإمام المعصوم وحرمة تشكيل أية حكومة في عصر الغيبة. وبينما كانت الخلافات السياسية بين الشيعة والسنة في طريقها الى الزوال، أدى قيام هاتين الدولتين وصراعهما الطويل على العراق، الى تأجيج الخلافات القديمة والميتة. كانت الدولتان الصفوية والعثمانية دولتان مستبدتان أبعد ما تكونان عن روح الشورى أو أخلاق أهل البيت، ولكنهما كانتا ترفعان بيارق الولاء للتشيع والتسنن.

لقد كان واضحا أنه لم يبق في ظل الدولتين الديكتاتوريتين، من التشيع والتسنن، أي معنى للخلاف السياسي القديم بين أنصار المذهبين، وأن صراعهما لم يكن ينطلق من اي منطلق مذهبي، وانما كان يحاول كل منهما استغلال التراث المذهبي لصالحه في معركته على مواقع النفوذ. ولم يمنع كل ذلك من نشوب الصراعات الدموية في البيوتات الحاكمة نفسها في تركيا وايران.

ان قراءة خاطفة لتاريخ المسلمين السياسي، تؤكد هيمنة الفكر الديكتاتوري على جميع المذاهب الاسلامية، وعدم وجود رحابة ديموقراطية كافية تسمح بالتعددية وقبول الآخر أو الاعتراف به، وخاصة في ظل انتشار واشتهار الحديث الذي يقول" ستفترق أمتي على اثنتين وسبعين فرقة، فرقة منها ناجية والبقية في النار" ، واعتقاد كل فرقة من فرق المسلمين بأنها تلك الفرقة الناجية المقصودة من حديث الرسول، وان بقية الفرق كلها في النار، مما كان يسمح لها باحتكار السلطة والحقوق المدنية ومصادرتها من المنافقين والمرتدين والمشركين والضالين والمبتدعين. وعدم تفسير الحديث ، على فرض صحته، بأن المقصود هو ما أجمع عليه المسلمون من التوحيد والإيمان بالنبوة والمعاد في الآخرة، بحيث يسمح لهم بتقبل الآخر والتعايش معه بمحبة وسلام.

وعلى أي حال فان انقراض العباسيين والعثمانيين والفاطميين والعلويين، وقيام الأنظمة الجديدة الملكية والديموقراطية، وضع المسلمين من كل المذاهب أمام مرحلة جديدة من الوحدة على أساس إسلامي أو اقليمي أو قطري أو قومي، وبناء مجتمعاتهم السياسية الموحدة على أساس التعايش والمساواة والعدالة بغض النظر عن هوياتهم الطائفية. وقد مضت فترة من الزمن خيل للكثيرين بأن التقسيمات الطائفية قد ولت الى غير راجعة وان الأمة الاسلامية مقبلة على مرحلة من الوحدة والاندماج، ولكن لجوء عدد من الأنظمة السياسية الديكتاتورية الى استغلال الخلافات الطائفية لتكريس هيمنتها على السلطة في بلدانها، ساعد على إحياء الروح الطائفية من جديد، ودفع الطوائف الى اللجوء الى قياداتها الدينية والالتفاف حولها.

من ناحية أخرى شهدت الساحة الشيعية ولادة ونشوء "المرجعية الدينية" التي اختلفت عن المرجعية الدينية السنية، في أنها لم تقتصر على بيان الأحكام الشرعية وفق الرؤية الشيعية، وانما اكتسبت اضافة الى ذلك مسحة روحية وثوبا سياسيا، أما المسحة الروحية فقد اكتسبتها من فرضية انتشرت في عهود غابرة تقول بأن الفقهاء المجتهدين هم نواب عامون للامام الغائب المنتظر (محمد بن الحسن العسكري) وهو ما رفع من مكانتهم الروحية في أذهان العامة الى درجة كبيرة. وقد ازدادت هذه المسحة الروحية قوة بتطور نظرية المرجعية الدينية الى نظرية "ولاية الفقيه" وحق الفقهاء بالحكم نيابة عن الامام الغائب. وهو الأمر الذي أدى الى ولادة نظرية سياسية شيعية جديدة في مقابل السنة الذين لم يكونوا يملكون هكذا نظرية خاصة بهم، كما كان الحال في أيام الدولة العباسية.

واذا كانت نظرية ولاية الفقيه قد طبقت في ايران، التي حاولت وتحاول ان تشكل "قطب الشيعة" في العالم، الا ان معظم علماء الشيعة في العراق لم يؤمنوا بهذه النظرية، وانما مالوا الى الفكر الديموقراطي، أوالشورى، وهو الفكر السياسي الاسلامي القديم الذي كان يجمع المسلمين في الزمن الأول، والفكر الذي عُرف "السنة" بالتمسك به نظريا على الأقل في كل العصور.

واذا استطعنا اليوم، تجاوز الفكر السياسي الشيعي الخاص، المتمثل في (ولاية الفقيه) والتمسك بالفكر الديموقراطي، وضمنا تقبل السنة له بقوة، فانه يمكننا التوصل الى فكر سياسي مشترك يستطيع توحيد المسلمين، ويذيب ما بينهما من خلافات سياسية قديمة وميتة. وفي الحقيقة يمكننا الانتقال بالشيعة والسنة الى مرحلة وحدوية جديدة تصبح فيها المسميات القديمة "سنة" و "شيعة" من مخلفات التاريخ. 

                                               

الطريق إلى الوحدة

 

 

إذن فان الشيعة والسنة متفقون في العقيدة ومختلفون في التاريخ والسياسة، وان الأزمة الطائفية التي نشاهدها أحيانا هنا وهناك هي وليدة الديكتاتورية وثمرة من ثمارها المرة، وليست الخلافات بين الطائفتين بخلافات حيوية معاصرة، أو ذات مضمون اجتماعي راهن، وانما هي خلافات "اسمية" وهمية، تاريخية، قشرية، وليست جوهرية.

ان الطريق الى الوحدة الاسلامية يبدأ من الديموقراطية، والديموقراطية تبدأ من العقل والنفس. انها تبدأ من الزهد في الدنيا، والتواضع للآخرين، وعدم التكبر عليهم والاستئثار بأموالهم وحقوقهم ومصالحهم. وتنتهي بالالتزام بالنظام الديموقراطي الذي يحترم التعددية ويقبل بالآخر، ويعترف بحق الاختلاف للآخرين، ويحترم مشاعرهم. ولقد أخطأ كثير من السلف حين اعتقد كل منهم أنه فقط يشكل الفرقة الناجية أو الشخص الناجي من الأمة، وذهب الى تكفير الفرق الأخرى أو تبديعها أو تضليلها، في أمور خلافية جزئية بسيطة لا تصل الى درجة الكفر بالله تعالى.

وغني عن القول هنا انه لا بد من اعتبار كل من يؤمن بالله واليوم الآخر وبنبوة الرسول الأعظم محمد (ص) هو أخ مسلم بغض النظر عن هويته الطائفية، أو الاختلاف معه حول بعض التفاصيل الجزئية، ولا بد من وضع الأمور في نصابها بعدم تضخيم السلبيات الجزئية، أو توهين المشتركات الأساسية الجامعة، انسياقا وراء حملة إعلامية مضادة أو تمهيدا لحرب سياسية أو عسكرية شيطانية.

ومن أجل تعزيز هذا الموقف لا بد من الاستعانة بالقرآن الكريم والعودة اليه، حيث يقول:"وان هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون" الأنبياء 92 وفي آية أخرى "...فاتقون" المؤمنون 52. وفي نفس الوقت لا بد من التحرر من أسر التراث وفتاوى العلماء السابقين حتى لو كانوا رؤساء مذاهب، اذا كانت فتاواهم متطرفة وتتعارض مع روح القرآن الكريم والوحدة الاسلامية. ولكي نتحرر من ذلك التراث الثقيل الذي يفرض نفسه على العقل المعاصر، لا بد من القيام بحركة نقد قرآنية للأحاديث المنسوبة الى الرسول الأعظم، ودراسة الظروف السياسية التي ساهمت بتكوين المذاهب، والاجتهاد في أمور العقيدة والفقه والتاريخ. وبالطبع فان ذلك لايمكن الا بنبذ التعصب الأعمى والتقليد للآخرين. والتحرر من أسر المصطلحات الموروثة (كالسنة والشيعة) لأنها غير دقيقة ولا معبرة عن الحقيقة، خاصة عندما يتم إلصاقها بالوراثة على كل مولود يولد في العالم الاسلامي وهو لا يفقه من تلك الأسماء شيئاً.

لقد نشأت تلك الأسماء والمسميات في ظروف تاريخية معينة، وكانت تحمل دلالاتها الواضحة، ثم تطورت وانتشرت، ودخل في كل طائفة أو مذهب، أشخاص جدد، وجماعات مختلفة، حاولوا طبع المذاهب السابقة بهوياتهم وأفكارهم، وطرد أصحاب المذاهب الأصليين من العناوين التي "تنتمي" اليهم، ثم تشعبت المذاهب والطوائف، عبر التاريخ، واحتوى كل واحد منها على مجموعة تيارات وأحزاب ومذاهب، حتى لقد أصبحت كل طائفة تضم مجموعة طوائف، وربما تقاتل هؤلاء مع اخوانهم، وتحالف فريق منهم مع أعداء الأمس أواقتربوا من فكرهم، حتى صعب في الواقع تعريف أي مذهب او التفريق بينه وبين المذاهب الأخرى.

ومن هنا لا بد من الحذر من الانخداع بتضليل الأسماء، وضرورة النظر الى واقع كل انسان على حدة، وتقييمه بصورة خاصة، وعدم الخلط أوالتعميم أوالنظر الى الجميع نظرة واحدة. وأن من الخطأ الكبير التقاط صورة فوتوغرافية جامدة وثابتة لفئة معينة في حقبة معينة، والاعتقاد باستمرار تلك الصورة عبر التاريخ، أوانتماء جميع الناس اليها الى يوم القيامة، فأن المجتمعات الانسانية، والطوائف جزء منها، متحركة ومتغيرة كأمواج البحر، وكل يوم هي في شأن. وهذا يحتم علينا قراءة كل طائفة أومذهب، كل يوم، وعدم الاعتماد على قراءة السلف لهم في القرون الأولى. وهكذا يصح القول: ان أسماء الطوائف "السنية" و"الشيعية" هي أقرب الى الوهم منها الى الحقيقة. وان التقسيم الحقيقي الذي يقسم الأمة الاسلامية اليوم هو الذي يضع غالبية الأمة في جانب، ويضع الطغاة والمستبدين (المنافقين) في جانب آخر.

لقد قسم القرآن الكريم المجتمعات الانسانية، في أول سورة البقرة، الى ثلاثة أقسام هي: المؤمنون، والمنافقون والكفار، وأوضح صفات المؤمنين المفلحين وهي الإيمان بالله والغيب والملائكة والنبيين واليوم الآخر وإقامة الصلاة والزكاة، تلك الصفات التي نجدها لدى عامة أتباع المذاهب الاسلامية. وحذر من صفات المنافقين، التي قد نجدها بين فئات تندس بين صفوف مختلف الطوائف، ولم يقسم المسلمين الى "سنة" و "شيعة". فلماذا لا نبحث عن الخارطة الحقيقية التي يرسمها الله تعالى، ونتحد في مواجهة المنافقين، الذين يعتبر الظلم والاستبداد والاعتداء على حقوق الآخرين وحرياتهم ومصالحهم، أهم صفاتهم، وهم الذين يعاني منهم جميع المسلمين من مختلف الطوائف.



1-  اللالكائي،  شرح اصول اعتقاد أهل السنة، فقرة رقم:450 والأشعري، الإبانة عن اصول الديانة،ص 42 – 43 وراجع أيضا: "السنة" للامام الخلال،  ج5 ص 127

 

2-  يقول الدكتور محمد بن سعيد القحطاني (محقق كتاب السنة لعبد الله بن أحمد بن حنبل) : إن أهل الحديث والسنة المحضة ، لا يدخل في مصطلحهم "أهل السنة" الا من يثبت الصفات لله تعالى، ويقول: ان القرآن غير مخلوق، وان الله يرى في الآخرة ويثبت القدر، وغير ذلك من الأمور المعروفة عند أهل الحديث والسنة. لذا دأب كثير من المصنفين في العصور الأولى على تسمية كتبهم بالسنة ، أو شرح السنة، أو أصول السنة ، حتى يخرج بذلك الطوائف المبتدعة التي تخالفنا في الأمور التي ذكرها..." . ص 57 مجلد 1

3-  وفي هذا المجال يروي البربهاري عن طعمة بن عمرو وسفيان بن عيينة أنهما قالا: من وقف عند عثمان وعلي فهو شيعي، لا يعدّل، ولا يكلم، ولا يجالس. ومن قدم عليا على عثمان فهو رافضي، فقد رفض آثار اصحاب رسول الله (ص) ومن قدم الثلاثة  على جماعتهم، وترحم على الباقين، وكف عن زللهم فهو على  طريق الاستقامة والهدى في هذا الباب. (الإمام البربهاري، شرح السنة،  ص 49) ويقول الخلال:أخبرني محمد بن هارون ان اسحاق بن ابراهيم حدثهم قال: سألت ابا عبد الله (أحمد بن حنبل) عمن قدم عليا على عثمان فقال: هذا رجل سوء. (الخلال أبو بكر، السنة، ج 2 ص 382)

4-  الندوة العلمية الدولية حول التشيع عبر التاريخ وفي الوقت الحاضر، ص 206

5-  المصدر السابق، ص 208

6-  نهج البلاغة ج:2 ص:188 ـ 189، واللفظ له. ينابيع المودة ج:3 ص:409 ـ 410.

7- المصدر السابق، ص 365

8-  وحسبما يقول الشيخ محمد بن المختار الشنقيطي في كتابه القيم (الخلافات السياسية بين الصحابة):" لقد بالغ بعض السلف في صياغة خلافاتهم مع المبتدعة صياغة اعتقادية حتى أن سفيان الثوري وغيره من الأئمة يذكرون في عقائدهم ترك الجهر بالبسملة، لأنه كان عندهم من شعار الرافضة، كما يذكرون (في عقائدهم) المسح على الخفين، لأن تركه كان من شعار الرافضة . وهذه مجرد ردة فعل مغالية، لا يمكن أن نبني عليها مفاصلة في المعتقد. ولذلك رفض الإمام الشافعي هذا المنحى، وأعلن عن تبني كل ما ثبت أنه سنة للنبي صلى الله عليه وسلم، وإن وافق فعل الشيعة أو غيرهم، وتحمل الشافعي ثمن ذلك تهما باطلة. بل إن الأئمة الأربعة رفضوا هذا النهج.

9-  الدكتور علي الوردي، لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث، ج1 ، ص 103

10-  المصدر السابق، ج1 ، ص 133، نقلا عن كتاب (الحجج القطعية لاتفاق الفرق الاسلامية) للسويدي، المطبوع في القاهرة سنة 1324 ، و (أعيان الشيعة) لمحسن الأمين.

العودة الى فهرس العدد اطبع هذه الصفحة