مناطق

قصبة البشير ...كيف هدمت ورحلت أهاليها

 

فلاح يازار اوغلو/ كركوك

 

 

أن تاريخ بشير يعود إلى ما قبل (800) عاما" كما هو واضح عند الاستدلال بأصول العشائر القاطنة فيها وأكثر سكانها من القومية التركمانية لغة وأعرافا وتقاليداً وهي تعتز بذلك، وأغلبية سكانها هم مزارعون وفلاحون وكادحون يتمذهبون بالمذهب الشيعي (مذهب الأئمة الأثنى عشر) ومعروفون بولائهم المطلق لأهل البيت(ع )..

وأما موقعها الجغرافي فهي تقع على بعد (7) كم بالأتجاه الغربي لناحية تازه خورماتو والتي تربطها معها وشائج صلة وقربى يعتزون بها، وأما تعداد سكانها حيث بلغ عند تاريخ أزالتها من قبل النظام البائد عام 1986 ما يفوق سبعمائة عائلة أي أكثر من (5000) نسمة أما حالياً فهو يتجاوز أكثر من (2000) ألفان عائلة والعمل جار لإجراء مسح سكاني شامل وان مساحة الأراضي الزراعية العائدة لأهالي القصبة أكثر من (40000) أربعين ألف دونم وهي مقاطعات (45-46-47-48) بشير وجمالي بشير وكذلك مقاطعة (36) الرمضانية عدا مساحة القرية نفسها .

وأهم الخدمات الاجتماعية التي كانت بها قبل الإزالة هي(1) دائرة بلدية (2) مركز شرطة (3) مستشفى حديث يتسع (150) سرير مع مركز صحي (4) سوق عصري منتظم (5) أربع مدارس ابتدائية حديثة ومدرسة متوسطة وروضة للأطفال (6) متنـزه عام  (7) محطة كهرباء (8) محطة قطار (9) سبعة مساجد وحسينيات لأقامة الشعائر الدينية (10) دور للموظفين (11) مركز ناظر زراعي ، وأهم موقع ديني في القصبة وجود مقام للإمام الرضا بن الإمام موسى الكاظم(ع) والذي يزار من قبل المسلمين إلى يومنا هذا، وكان في أمنية الأهالي تحويلها إلى ناحية بدلا من قصبة لتوسطها القرى الفلاحية ما بين تازه وجبل حمرين باتجاه طريق تكريت .

بدأت معاناة القصبة منذ الثمانينات من القرن المنصرم إذ قام النظام البائد بجملة أعتقالات وإعدامات ومطاردات وتشريد أسفرت عن إعدام وتصفية مائة ونيف مواطن برئ والحكم بالسجن وبأحكام مختلفة على أكثر من مائة وسبعين مواطناً آخر ومطاردة وتشريد من تبقى منهم خارج القطر، وكل ذلك ليس ألاّ بسبب رفضهم الولاء والانتماء إلى حزب البعث المقبور الحاكم آنذاك مخالفة بذلك أبسط حقوق الإنسان في حرية الفكر والرأي والعقيدة، وبالطبع تم كل ذلك بتوجيه وإلصاق تهم لا أساس لها من الصحة وتمت تحت وطأة معتقلات التعذيب وبوحشية وفي إطار محاكمات صورية غاب عنها أبسط الضمانات القانونية الكفيلة بحفظ حقوقهم وللموقف الرافض لأهالي القصبة واستمرار القمع الوحشي لهم حتى نهاية عام 1983 .

قرر النظام البائد في أواخر عام 1985 تهجير وترحيل القصبة إلى مجمعات سكنية متعددة كأجراء مؤقت تمهيدي مرحلي لعملية تشتيت وأبعاد أخرى أشد قسوة وظلماً، منافية بذلك الحق الأساسي الذي تكفلت به دساتير العالم كافة وهي حق السكن والمواطن هذا ما تم بالفعل مطلع عام (1986)، بعد عملية التهجير القسري ومباشرة قامت جرافات وآليات النظام بهدم الدور السكنية كافة وتحويلها إلى أنقاض ومن ثم إزالة هذه الأنقاض وتوزيع ألأراضي السكنية في القرية إلى جماعات أخرى من أزلامه المعروفين بانتمائهم وولائهم للنظام السابق، وإنشاء قرية مفتعلة لهم بأسم (صدامية البشائر) في محاولة لطمس معالم جريمتهم مخالفة بذلك المبدأ العالمي الصريح وهو(عدم التمييز العنصري بسبب العرق أو الجنس أو اللغة أو المعتقد )، وفي أواخر عام 1987 وقبل انقضاء عام على عملية الترحيل الأولى قام النظام البائد بعملية أبعاد وتهجير أخرى ووفق أسس وطرق مدروسة لعوائل القصبة إلى محافظات ومدن شتى ومنها (الناصرية ـ السماوة ـ النجف ـ الديوانية  ـ كربلاء ـ الرمادي ـ تكريت ـ أربيل ) والقسم الآخر منهم الى مناطق نائية داخل الحدود الإدارية لمحافظة كركوك كالنواحي (الرياض ـ العباسي ـ الزاب الأسفل) وألاقضية (الحويجة ـ داقوق) ومن تبقى منهم إلى قرى متفرقة ليس ذلك ألاّ إمعانا في جريمتهم، ورافقت كل هذه الإجراءات التعسفية وبنسق ووتيرة واحدة استملاك ومصادرة جميع الأراضي الزراعية العائدة لأهالي القرية (بموجب سندات طابو وقرارات التسوية )الصادرة منذ عقد الثلاثينات والتي مازالت بحوزتهم، وإضافة لذلك قام النظام السابق بفصل وحرمان غالبية حاملي الشهادات العليا من الوظائف الرسمية ولنفس الأسباب المذكورة أعلاه ومصادرة بذلك حقهم في العيش في ظل أجواء تحفظ كرامتهم وتليق بهم كعراقيين أسوة مع باقي أبناء الوطن، وحرمانهم من حق تملك الأراضي السكنية القريبة من مسقط  رأسهم ووضع العراقيل التي تحول دون ذلك، ومن هنا نطالب الجهات المعنية والرسمية بإلغاء كافة القوانين والقرارات والعقود مهما كانت صفتها أوالجهة التي كانت وراء صدورها والتي أدت الى هضم حقوق أهالي قرية البشير وبالأخص قرارات ((إطفاء حقوق التصرفية (المجحف) وقانون عقود 35 للأراضي الزراعية، بخصوص توزيع أراضيها على العشائر العربية وكذلك إعادة جميع الأراضي الزراعية إلى أصحابها الشرعيين فورا ووفق سندات الطابو الأصلية وقرارات التسوية لعام 1936 ،وكذلك إعادة كافة العوائل المرحلة الى القرية أعلاه .    

وبعد سقوط النظام في 9/4/2003 قامت الجبهة التركمانية العراقية بجهود استثنائية، منها بناء مئة دار سكنية في القصبة وتوزيعها على عوائل الشهداء من أهالي القرية، وكذلك تم فتح مدرسة ابتدائية لنشر العلم والمعرفة، ومركز للشرطة لتوفير الامن والاسقرار في المنطقة، ولكنها اليوم بحاجة الى مركز صحي وخدمات البلدية والماء ومدارس متوسطة واعدادية ودوائر الزراعة والبريد والاتصالات وان من أهم احتياجات القرية اليوم هي تبليط الشارع الرئيسي الذي يربط القصبة بالناحية والتي اهملت وتركت منذ عهد النظام السابق ولحد اليوم حيث لم يلتفت اليها المسؤولين في ادارة الناحية والمحافظة ..

ويطالب الاهالي بالسماح لهم لبناء دورهم السكنية ومحلاتهم التجارية وممارسة حياتهم اليومية من جديد، وكذلك الأسراع في تنفيذ مشروع قصبة بشير الجديد والذي تأخر تنفيذه من قبل وزارة الاسكان والتعمير رغم رصد مبالغ مالية للمشروع من قبل مجلس الوزراء الموقر وكذلك تشكيل لجان لغرض تعويض الاهالي عن الأضرار في الأراضي والمزروعات والممتلكات التي تضرروا بها في عهد النظام السابق وفق الأصول .

وأهالي القرية اليوم فرحين وفخورين بعودة الحياة الى قريتهم وان قريتهم هي جزء لايتجزء من مناطق توركمن ايلى وان أبناء القرية هم اليوم جادون وفعالون مع باقي أبناء شعبنا العراقي من أجل المساهمة في بناء العراق الحر الديمقراطي البرلماني التعددي الموحد..

العودة الى فهرس العدد اطبع هذه الصفحة