عقائد

الكاكائية، عقيدة علوية صوفية عراقية

 

إسراء أسد

 

 

وهي من الطوائف التي تدور أسئلة كثيرة حولهم، يجيب عليها عدد من المؤرخين والمهتمين كل حسب معلوماته وقناعاته. كان المشترك بين أغلبهم مصدر معلوماتهم وتكهناتهم وهو شخص تخلى عن طائفته الكاكائية.. وهي الطريقة نفسها التي بحثوا فيها حول كيان مذهبي أو طائفي مختلف عُرف بالشبك.

والكاكائية طائفة مسلمة شيعية (شيعة الامام علي)(ع)، مالت إلى المغالات في محبة الإمام (علي بن أبي طالب)، فعدوا من (العلي إلهية) وتأثروا بالأديان المحيطة بهم. وجد بعض الباحثين في تاريخ الكاكائية صلة بين الكلمة الكردية كاكا (الأخ الأكبر) وتنظيم الفتوة البغدادي، والمعروفة بـ (الأخية)، التي شجعها الخليفة العباسي الناصر لدين الله (ت 622 هـ) الذي جعل من نفسه الفتى أو الأخ الأول، فيذكر أن حفيده المستنصر قد لبس سراويل الفتوة بمرقد الإمام علي بن أبي طالب بالنجف. وبهذا المعني قصد المستشرق الروسي (فلاديمير مينورسكي) الكاكائية في ما قاله حول العلي إلهية : من طريف عاداتهم المؤآخاة. وعلي بن أبي طالب عند الأخيين (الكاكائيين) مثال الفتى أو الكاكا الأول، وتأريخياً لهذه الفكرة صلة بالقول المشهور: لا فتى الاّ علي، ولا سيف إلاّ ذوالفقار.

ويفسر الأب الكرملي (ت 1948م) الكاكائية، كمصطلح وكيان، لفظة كاكائي ليست أسم قبيلة، أو أمـّة، أو قوم، أو بلد، إنما هي لفظة كردية الأصل، معناها: الأخ، فقالوا في واحدها العائد إلى هذه الجمعية السرية: (كاكا) على الطريقة الآرامية العراقية، ومنهم من يلفظها (كاكائي)، مفرداً وجمعاً. فانظر كيف جمعوا في لفظة واحدة الكردية والآرامية، وهم يريدون بذلك الأخ في المذهب. وفي رأي آخر، ورد في تقرير الاستخبارات البريطانية، أن الكاكائية بالأصل طريقة صوفية، (دروشة)، سواء من ناحية التنظيم أو المنشأ التاريخي، ومؤسسها حسب التقرير هو سلطان إسحاق بن عيسى البرزنجي. وينقل عباس العزاوي، عن كاكائيين شفاهة، أنهم عدّوا إسحاق أول ظهور بعد علي بن أبي طالب. بمعنى أنه المؤسس للكاكائية ومرقد إسحاق لازال مزاراً كاكائياً في جبل هاورامان. ويصف مينورسكي مكان المزار، أثناء رحلته العام 1914م، بقوله: استطعت أن أزور قبلة مقدسة للعلي إلهيين، قرية بيرديور في هاورامان، وهي قابعة وراء قمم وصخور وعرة، وتعتبر هذه البقعة من الأماكن الرائعة الجميلة الخلابة من حيث المناظر الطبيعية. وقيل ان أحد رؤساء الكاكائية المؤسسين كان من السادة البرزنجية في أنحاء السليمانية، فبنى تكية في قرية برزنجية، وضعت لسقفها العمد، ولكنها قصرت عن جدار البناء، فقال لأخيه: مدها أيها الأخ، كاكا، ومن ثم مدّها فطال الخشب كرامةً، وصاروا يدعون بالكاكائية لهذه الحادثة. وقال الكرملي، مستنتجاً من شهادة كاكائي صبأ عن ملته، تعرف عليه في العام 1896م ببغداد، يدعى بسعو بن جمو، أن الكاكائية: طائفة خفية المعتقد والمذهب، مبثوثة في كركوك وأنحائها، ولهذا لم يذكر وجودهم أحد من الكتبة والمؤرخين، لأنهم يخفون رأيهم الديني على كل إنسان. ويواصل الكرملي كشف عقائدهم القريبة من المسيحية ذاكراً عقيدتهم بالإله الواحد، الذي يظهر في ثلاثة مظاهر، كبير، ووسط ، وصغير، وأن الروح القدس خلق مريم العذراء بواسطة جبرائيل، ويساعد هؤلاء أربعة وزراء وللوزراء مسيطرون عددهم سبعة، وللمسيطرون منفذون وعددهم أثنا عشر اتفقوا جميعاً على أن يرسلوا إلى العالم الأدنى رجلاً زودوه بجميع القوى العقلية والجسدية وهو موسى، وهم يعظمونه أشد التعظيم، ويحلفون به، ويضعونه فوق جميع الأنبياء، ويعتقدون بأنه المسيح.

وخلاف ما ذكر الكرملي من أن الكاكائيين اختاروا النصرانية على كل دين سواه أكد عباس العزاوي، أثناء تجواله بالمنطقة، إسلامية عقائد الكاكائية، مع وجود الغلو فيها، على حد زعمه، المتصل بالحسين بن منصور الحلاج (ت 309هـ)، وأنهم يحرمون الخمر، ويحترمون يومي الاثنين والجمعة، ويقرؤون الأدعية الخاصة فيهما، ويقرون الطلاق، ولكن برضا الرجل والمرأة، فهو عندهم كعقد الزواج، لا يجوز إلاّ برضاء الاثنين، لكنهم لا يبيحون تعدد الزوجات، وأن لا يتزوج الشيخ ابنة مريده، ولا يتزوج المريد ابنة شيخه. خلا ذلك ردّ رئيس الكاكائية على سؤال عباس العزاوي حول حبهم لعلي، بسؤال أحرج الأخير، قال: وأنتم هل تكرهونه؟، ثم أردف قائلاً حول ما يشاع عنهم: ليس لنا من هذا النوع أكثر من أننا مسلمون، نؤمن بالقرآن. ومن أهم كتب الكاكائية، المشتركة مع أهل الحق والعلي إلهيين خطبة البيان.. قال حاجي خليفة (ت 1067 هـ): منسوبة إلى علي بن أبي طالب (ع)، وهي سبعون كلمة، أولها: الحمد لله بديع السموات وفاطرها.. ألخ، قيل انها من المختلقات، ولها شرح بالتركية. ومن كتبهم أيضاً جاودان عرفي وهو كتاب الطريقة الحروفية، وكتاب حياة والتوحيد لسلمان أفندي الكاتبي، وسرانجام. إضافة إلى دواوين شعرية تتلى كأدعية وابتهالات. حدد تقرير الاستخبارات البريطانية حول المنطقة، حدود تواجد الكاكائية كالآتي: شمالاً بارون داغ والتلال المجاورة، جنوباً الطريق الرئيسي الواصل بين تازه وطوز خورماتو، وشرقاً منطقة حويجة، وغرباً السهل الممتد شمال جبل حمرين، وقره على داغ. وأشار التقريرالى موطنهم الرئيس بالعراق بناحية طاووق بكركوك وبين خانقين وقصر شيرين على الحدود العراقية الإيرانية، وعلى ضفاف الزاب الكبير، ويعرفون هناك بالصارلية، كما لهم تواجد ملحوظ  بتلعفر.

أما مزاراتهم التي اشترك فيها أغلب العلي إلهيين بما فيهم (أهل الحق)، فهي: (مزار سلطان إسحاق) في جبل هاورامان، (ومزار سيد إبراهيم) بين مقبرة الشيخ عمر والباب الأوسط  ببغداد، و(دكان داوود) وصاحب المزار المذكور خليفة السلطان إسحاق يقع بين سربيل وباي طاق، في كهف جبل. و(مزار زين عابدين) في داقوق، وأصل محله كنيسة. و(مزار أحمد) بكركوك، بمحلة المصلـّى، و(مزار عمر مندان) بكفري، وهو غير عمر مندان الواقع في طريق كركوك - أربيل.

والكاكائية مذهب لم تنشر تعاليمه، ولم يسمح له البوح بها، فكثرت التقولات حوله حتى كاد يصدقها أهلوه. وهناك من وجد في كتابيهما سرانجام و فرقان الأخبار مذهباً فلسفياً لهم، مع الاعتراف بأن هذا المذهب لا يتعدى الاعتقاد بمجموعة من القصص البسيطة التي وردت في الكتاب الأول، وجوهر فلسفتهم: أن الإله يتجسد في صور متعاقبة عددها سبع، وهم يشبهون تجسيد الإله بثياب يلبسها، فالتجسيد معناه عندهم الظهور أو الحلول في لباس.. والإله يظهر في كل مرة ورائه أربعة أو خمسة من الملائكة، وهو يؤلف معهم فئة متحدة.

وأطوار التجسيد الإلهي عندهم حسب كتاب سرانجام هي: كان الإله في الأزل داخل درة، ثم تجسد لأول مرة فظهر في شخص خاوندكار، أي خالق العالم، وتجسد للمرة الثانية في شخص الامام علي، ثم للمرة الثالثة يظهر في ابتكار قول أهل الحق، حيث يصبح مذهباً خاصاً بهم.
المصادر

1. رشيد الخيون، الأديان والمذاهب بالعراق
2. إبراهيم داود الداود


 

العودة الى فهرس العدد اطبع هذه الصفحة