جماعة كركوك

الشاعر الجميل سركون بولص يستذكر مدينته

 

صلاح عواد

 

الشاعر الراحل سركون بولص مع الشاعر سعدي يوسف

 

توفي في 22/10/2007 العاصمة الألمانية برلين الشاعر العراقي، سركون بولص، عن عمر يناهز الثالثة والستين، بعد صراع مع المرض. سركون من جيل الستينات الشعري في العراق وضمته مع عدد من مجايليه مجموعة شعرية عرفت باسم "جماعة كركوك"، التي وصفت بأنها حركة تجديدية أخرى في الشعر، بعد الإنجاز الريادي لبدر شاكر السياب ونازك الملائكة. وكان للمنخرطين في تلك الجماعة الشعرية احتكاك مباشر بالشعر العالمي عبر اللغة الإنجليزية التي يتقنها الكثير منهم.

بدأ سركون بولص طفولته في بلدة الحبانية غرب العراق ثم انتقل مع عائلته، في منتصف الخمسينات، إلى مدينة كركوك ذات التنوع العرقي والديني. وعاش الشاعر بغداد في عز نشاطها الثفافي، لكنه غادر في نهاية الستينات إلى عاصمة ثقافية أخرى هي بيروت وأقام فيها فترة حيث عمل في مجلة "شعر". بعد ذلك توجه الى الولايات المتحدة وظل مقيما في سان فرانسيسكو حتى وفاته في برلين حيث كان يعالج في أحد مستشفياتها.

نشر الشاعر العراقي سركون بولص عددا من المجموعات الشعرية إضافة إلى ترجمات شعرية عن اللغة الإنجليزية. وأول ديوان شعري "الوصول إلى مدينة أين" نشره متأخرا رغم بدايته المبكرة في الكتابة. من مجموعاته الشعرية "حامل الفانوس في ليل الذئاب" و"إذا كنت نائما في مركب نوح".

ننشر هنا مقطعا يخص كركوك من الحوار الذي اجراه معه الكاتب صلاح عواد:

    * انك من مدينة كركوك وانتقلت من كركوك الى بغداد وفي مجموعتك الثانية "الحياة قرب الاكروبول"  ثمة حضور لمدينة كركوك فكيف تصف لنا تجربة كركوك ؟

- هناك فرق كبير بين كركوك وبغداد. فكركوك مدينة غريبة التركيب من حيث الأجواء الاجتماعية ومن حيث الأقوام التي تسكن فيها، ذلك الخليط العجيب المتكون من العرب والآشوريين والأكراد والأرمن والصابئة ومن الاجناس العتيقة التاريخية التي وجدت نفسها في الشمال، حيث ان المدينة كانت دائما منبعا إنسانيا متنوع اللون والشكل. وهو منبع لا ينتهي لغرابة اللغات المتبادلة بين تلك الأقوام، بينما بغداد هي بغداد وهي شيء آخر ولها طابع يعرفه كل من عاش في تلك المدينة. وكركوك بالنسبة لي هي بداية الكتابة وكانت المنبع والمكان الذي فتحت فيه عيني على مواقف الشعر. وعندما ذهبت الى بغداد كان تركيبي الشعري قد ثبت وتصلب تقريبا حتى ولو كانت بغداد هي المنبر الحقيقي والمكان الأوسع روحا والاكثر امتلاء بالحياة عندما وجدت نفسي فيها.

* ما هي ملامح كركوك في تجربة سركون الشعرية ؟

- لقد كتبت عن كركوك في كل كتبي وفي شكل خاص في كتابي الأخير «الأول والتالي» وفيه قصيدة اسمها نهار في كركوك. وهي قصيدة تعبر بالضبط عن صورة كركوك التي لا زالت تلازمني، وهي قصيدة كتبت في أمريكا بسان فرانسسكو.

* إذا أردنا أن نتعرف على ملامح ذلك الشاعر الشاب سركون بولص في كركوك كيف نتعرف عليه ؟

- طبعا.... هذا الشيء لا يمكن أن أعبر عنه إلا شعريا في قصيدة ولكن سأحاول (يضحك).

* بعد مرحلة كركوك تأتي تجربة بغداد كيف كانت تلك التجربة ؟

- كانت بغداد بالنسبة الي الخروج من الأحلام والسقوط في حلم آخر كبير. فبغداد هي الحلم وكنا نحلم نحن شعراء المدن النائية كمدينة كركوك بتلك الروضة المليئة بالنيون والمليئة بالملذات كما كنا نتخيلها نحن القرويون تقريبا، ذلك لأن الكركوكي بالنسبة للبغدادي في الفترة التي أتحدث عنها وهي فترة الستينات كان نوعا من القروي، وهو يمثل التفكير الريفي بالنسبة للتفكير المديني الذي كان يجسده رجل العاصمة حيث الحانات وحيث الانفتاح من الناحية الاجتماعية في الجنس والنساء والحب. فبغداد أكثر تحررا من مدينة مغلقة اجتماعيا مثل مدينة كركوك، كبقية المدن الأخرى الصغيرة حيث الحب مثلا كان شيئا سريا وخفيا ومازال حتى الآن. وكنا نحلم ببغداد وكأننا إذا وصلنا سنكون قد وصلنا الى واحة كبيرة بالحياة.

العودة الى فهرس العدد اطبع هذه الصفحة