الهلال الأحمر العراقي، رمز انسانية العراق ووحدته..

 

ناجي متعب محمد/ بغداد

ircinfo@yahoo.com

 

 

                

الهلال الاحمر العراقي، ومديره الدكتور سعيد اسماعيل حقي

 

إن مقومات النهوض بالعمل الإنساني تستدعي وجود مؤسسة تقوم أولاً على أساس الاستقلال ، بعيداً عن المؤثرات والضغوطات السلطوية. تحكم هذه المؤسسة أطرٌ الزامية تعاضدية وقواعد سلوكية لا تتناقض مع مفاهيم الخدمة التطوعية.

ان(الهلال الاحمر العراقي) منذ تأسيسه قبل حوالي (76) عام، جهد لأن يعبر من خلال جميع نشاطاته عن مضامين المادة الرابعة من النظام الأساسي للجمعية التي نصت على:

(( تحتفظ الجمعية تجاه السلطات العامة؛ باستقلال يتيح لها ممارسة نشاطها وفقاً للمبادئ الأساسية للحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر وهي : الإنسانية، عدم التحيز، الحياد، الاستقلال، الخدمة التطوعية، الوحدة، العالمية، بأعتبارها جمعية إغاثة تطوعية معاونة للسلطات العامة في المجال الإنساني)).

إن نهج إسناد شرائح المجتمع الأشد ضعفاً والمشاركة في التخفيف من معاناة المواطنين المعوزين وكذلك الإنتباه إلى الحالات الفردية المأساوية وتقديم ما يمكن من المساعدات لها، هو الذي ظل العلامة التي تميز (الهلال الأحمر العراقي) كأوسع منظمة إنسانية في البلاد حظيت بتقدير أوساط المجتمع والجهات الحكومية وغير الحكومية.

يضع هذا الأمر أمامنا طبيعة وما هية السياقات التي رافقت تأسيس الهلال الأحمر العراقي. ولابُدّ هنا من الإشارة إلى أنّ ذلك قد جرى عبر طورين متتاليين.

لمحة تاريخية

 

هنري دونان

 

يعتبر (هنري دونان 1828 – 1910 ) المؤسس الاول لهذه الحركة الانسانية الدولية. وهو محامي سويسري من جنيف. ويعترف في مذكراته، انه تعلم فكرة(اغاثة الجريح واحترام الاسير) من القبائل العربية التي تعرف عليها أثناء تجواله في شمال أفريقيا. بعدما شهد بنفسه المعاناة والقسوة التي يعاني منها جرحى وأسرى الحروب الاوربية الطاحنة، قام في عام 1862 بنشر كتاب بعنوان "تذكار سولفرينو"، اختتمه بسؤال:
"أليس من الممكن في وقت السلم والسكينة إنشاء جمعيات للإغاثة لغرض توفير الرعاية للجرحى في زمن الحرب بواسطة متطوعين متحمسين ومخلصين ومؤهلين على نحو شامل؟" هذا السؤال هو الذي أدى إلى تأسيس الصليب الأحمر. حيث اجتمعت عدة شخصيات انسانية وأعلنت عن تأسيس جمعية اطلق عليها في البداية (اللجنة الدولية لإغاثة الجرحى) بيد أنها سرعان ما عرفت بأسم (اللجنة الدولية للصليب الأحمر)، وذلك في في 17  شباط 1863. وبدفع من هذه اللجنة تم في جنيف عقد مؤتمر دولي حضره مندوبون عن 16 دولة أقرت في  22 آب 1864 التوقيع على
(اتفاقية جنيف) لتحسين حال الجرحى من الجنود في الميدان. وكان هذا هو مولد القانون الدولي الإنساني الحديث.

 على إثر ذلك، بدأت تتأسس جمعيات اغاثة انسانية في غالبية دول العالم. وقد ارتأت في الدول الاسلامية ان تحمل تسمية (الهلال الاحمر). ويعتبر الفرع العراقي من أوائل الجمعيات وأقدمها، حيث مرت عملية التأسيس بمرحلتين:

      ـ أولاً، في العهد العثماني:

     إذ تشكلت في بغداد هيئة مركزية لـ (جمعية الهلال الأحمر العثماني) إبان الحرب العالمية الأولى، اضطلعت بمهمة جمع التبرعات وأقامت مستشفى في مبنى الإعدادية العسكرية يحتوي على 300 سرير إضافة إلى مستشفى في العمارة يضم 200 سرير وناقلتين تحتوي كل واحدة على 80 سرير.

وفي هذا المنحى التأسيسي الأول تجدر الإشارة إلى دور المرأة العراقية الذي تمثل بانخراط السيدات العراقيات بجمع التبرعات وحياكة الألبسة لعائلات الجنود والضباط المحاربين .

  تألفت ادارة هذه الجمعية المركزية من السادة : يعقوب سركيس، حكمت سليمان، محمود صبحي الدفتري، اسكندر عزيز، مناحيم صالح، سامي سليمان، فؤاد الدفتري، دكتور محمد كاني، درويش الآلوسي، عبد الله وهبي، عبدالوهاب محمد آغا، حكمت ثريا.

     ـ ثانياً، في العهد الملكي:

 بعد أن وضعت الحرب أوزارها، وأطلقت نتائجها، وتم قبول العراق عضواً في عصبة الأمم، تأسست (جمعية الهلال الأحمر العراقي) في سنة 1932 برعاية وتشجيع الملك فيصل الأول.

 وبدايات هذا التأسيس كانت بدعوة من أمين العاصمة آنذاك المرحوم أرشد العمري والتي وجهها لخمسين شخصية اجتماعية وفكرية وثقافية وعلمية. تألفت الهيئة التأسيسية من السادة : رؤوف الجيبه جي، طاهر جلبي محمد سليم، يعقوب سركيس، سامي سليمان، عارف حكمت، سليمان فتاح، أرشد العمري، الدكتور صائب شوكت، فخري جميل، الدكتور ابراهيم عاكف الآلوسي، محمد جعفر الشبيبي، الدكتور جلال العزاوي، ابراهيم محمود الشابندر، بهاء الدين النقشبندي، عزرا مناحيم. واجتمعت الهيئة بتاريخ 1 / 3 / 1932 وانتخبت من بينها هيئة إدارية مكونة من ثمانية أعضاء هم :

أرشد العمري ـ  رئيساً / جعفر الشبيبي ـ  نائب الرئيس / ابراهيم محمود الشابندرـ السكرتير العام / سليمان فتاح ـ المفتش العام.

والأعضاء: الدكتور صبيح الوهبي، عبد المجيد محمود، عبد الله لطفي، يعقوب سركيس.

وبتاريخ 26 / 3 / 1934 انضمت الجمعية إلى (الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر).

كذلك صدر القانون رقم (40) لسنة 1934 باعتراف الحكومة العراقية بالجمعية.

واعترفت اللجنة الدولية للصليب الأحمر بتاريخ 16 / 6 / 1934.

لقد شهدت هذه المرحلة التاريخية التأسيسية للجمعية منذ 1 / 3 / 1932 عدداً كبيراً من الأنشطة الإنسانية التي ارتبطت بالمسؤولية الوطنية. أبرز تلك الأنشطة:

ـ الإسهام الفعّال في مواجهة كارثتي الفيضان عامي 1946 و 1954 والتحرك الميداني على مستوى إغاثة المتضررين ومدّهم بالإعانات المالية والغذائية.

 ـ على صعيد المساعدات الخارجية فقد سارعت الجمعية إلى مد يد العون والإسناد لعدد كبير من الدول ومنها : فلسطين وتركيا ولبنان، بريطانيا ، الأفغان، سوريا، مصر، باكستان، كوريا، هولندا، الهند، ايطاليا، اندونيسيا، إيران، الجزائر.

التنظيم الاداري

 

 

 

في ضوء المتغيرات اللاحقة وما تقتضيها من واجبات، وبهدف تفعيل جوانب الإستجابة أصدر (الدكتور سعيد اسماعيل حقي) رئيس الجمعية، بتاريخ 6 / 3 / 2008 الأمر الإداري القاضي بتغيير اسم (جمعية الهلال الأحمر العراقي) إلى (هيئة الهلال الأحمر العراقي) بناءاً على مقتضيات مصلحة العمل.

من المعلوم ان (الهلال الأحمر العراقي) يمارس مهامه من خلال هيكلية تعتمد على بناء متكامل يبدأ من المركز العام الذي يضم عدداً من الأقسام التي تعمل على وفق خطط  وبرامج معدة ومعلومة مدعمة بالتقارير الشهرية والسنوية وبإشراف ومتابعة متواصلتين. هناك عدد من هذه الأقسام التي تتفرع منها شعب مختصة لها علاقات مع مكونات (الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر)، وتسير هذه العلاقات إستناداً إلى اتفاقيات تقضي باعتماد أشكال التعاون المتعددة ومنها التدريب وإقامة ورش العمل إلى جانب التنسيق في الجوانب الأخرى ومن هذه الأقسام : قسم العلاقات الدولية، القسم الصحي، التطوير المؤسسي والتقارير، النشر والتوعية من المخلفات الحربية، ادارة الكوارث، اللوجستك، الإعلام، البحث والتحري عن المفقودين، الشباب والمتطوعين، الإدارة وشؤون الأفراد، الحسابات، التكنولوجيا والمعلومات وغيرها.

إن مبدأ الوحدة الذي يرفده الهلال الأحمر بكل الممكنات المادية والمعنوية يلقى حيزه التطبيقي في المادة الحادية والثلاثين من النظام الاساسي التي تؤكد : (( لا يجوز تأسيس جمعية أخرى في العراق بهذا الأسم ولهذه الغاية )). ويتسع هذا الحيز ليشمل الامتداد الجغرافي بأسره من خلال وجود فروع يبلغ مجموعها الـ 18 بعدد محافظات العراق كافة ولها عدد كبير من المكاتب أُنشئت ارتباطاً بضرورة التحرك الميداني ووصول امدادات الإغاثة والمساعدات المتنوعة .

 

العودة الى فهرس العدد اطبع هذه الصفحة