المهجر العراقي

بغداد تجتاح دمشق شوقاً

 

ميزوبوتاميا / دمشق

 



عند مدخل مدينة جرمانا السورية، رفعت لافتة كبيرة على احدى البنايات، معلنة عن أفتتاح قريب لمطعم «ركن العزائم» العراقي. وعمد صاحب المطعم الى كتابة «الفرع الثالث» على اللافتة، ذاكراً أن الفرع الأول في الأعظمية شمال بغداد والثاني في العطيفية، غربها. وينتظر زبائن المطعم العراقيون الفارون الى سورية هذا الافتتاح ليتذوقوا وجبات لطالما أحبوا تناولها في أمسيات بغدادية سابقة لم يكن يشوهها صوت انفجار أو حظر تجوال .
وفي مطعم قاسم أبو الكص، «الأصلي» كما كتب على واجهته بخط كبير، ليفرق بينه وبين مطعم «قاسم أبو الكص» «القصاب»، وهما متشابهان بنوعية المأكولات وقيمة الأسعار وشدة الزحام.تصغي عائلة عراقية الى الأب وهو يسهب في رواية ذكرياته، وكأن وجبة «الكص» فعلت فعل مصباح علاء الدين السحري وحققت له أمنية العمر فحملته على سجاد سندباد الى بغداد مدينته التي ولد وتربى وتزوج وعمل فيها.

يقول أبو نور: «لا نأتي الى المطعم لنأكل فقط، لأن كل ما يقدمه سهل على زوجتي، إلا ان الشوق لملاقاة الأصدقاء هو ما يدفعنا الى القدوم».وتشير الإحصاءات السورية الى ان جرمانا وحدها تضم نصف عدد اللاجئين العراقيين الذي تجاوز المليونين. وتقدم المطاعم وجبة «الكص» بسعر 100 ليرة سورية مع مقبلات شهية أي ما يعادل دولارين إضــافة الى الكباب والتكة والدجاج المشــوي. ويشهد كثير من الزبائن بأن مذاق الطعام لا يختلف عنه في بغداد.

ومنذ توافد العراقيين الى سورية افتتح كثيرون منهم مطاعم ومحالاً ودكاكين تعيلهم وعائلاتهم. من بينهم من نقل أسماء مطاعم شهيرة في بغداد الى جرمانا.

يقول أحد العاملين في مطعم «كباب نينوى» الذي افتتح فرعين في جرمانا أن صاحب المطعم ليس هو ذاته صاحب المطعم الأصلي في العراق بل شخص آخر اتخذ من اسم «كباب نينوى» اسماً لمطعمه لجذب الزبائن. ولا يمكن التكهن بصحة هذا الكلام، فكثير من أصحاب المطاعم يدّعون أن أصحابها الأصليين افتتحوها لكنهم يشرفون عليها فقط تحت مسؤولية شخص آخر. ويشير الى أن سعر الساندويش الواحد لا يتجاوز الـ35 ليرة سورية (أقل من دولار)، كما ان سعر صحن الكباب (4 أشياش) لا يتجاوز 150 ليرة (دولاران ونصف).

والكباب أكلة شهيرة في العراق تعد من لحم البقر أو الخروف لكن طريقة صنعه تختلف من مدينة الى أخرى، ولذا فإن مطعم «كباب السليمانية» يقدم كباباً يختلف عن الأول بسماكته وخلطه بالسمن الحيواني، فيما كباب الأنبار يمتاز بطوله.

وفي مطعم كباب الفلوجة الشهير «زرزور» في جرمانا وجبات فردية تتضمن حساءً بلحم الخروف والخضار ومقبلات ثم شيش كباب طويلاً وخبزاً عراقياً بالتنور الطيني فضلاً عن الشاي المهيل وهي وجبة سعرها 250 ليرة.

 

 

ويقدم المطعم أكلات عراقية أخرى وهي (الباجة - رأس الخروف ، والقوزي - الرز المتبل باللحم والشعيرية والبهار، والدليمية - مرق بامية أو باقلاء باللحم والرز والخبز معاً).

يقول ناجي محمد وهو يعمل سائق شاحنة بين العراق وسورية انه اعتاد ارتياد المطعم كلما جاء الى دمشق، مؤكداً أن طعم الأكل يشبه الأكل العراقي كما انه لا يستغني عن الأكلات الشامية الطيبة (التبولة والمحشي ورق عنب والكبة النية).
وفي مطعم « قدوري» في جرمانا يحتشد الزبائن منذ ساعات الصباح الباكر ويختص هذا المطعم الشهير في حي الكرادة وسط بغداد منذ أكثر من 50 سنة بتقديم وجبة الفطور الأولى بالعراق وهي «تشريب باقلاء بالبيض والبصل»، واستهدف المطعم بانفجار قتل فيه غالبية عماله فضلاً عن عشرات الزبائن، ما دفع صاحبه الى سورية. وعلى طول شارع جرمانا الرئيس تمتد عشرات المطاعم العراقية وكلها مزدحمة ليس فقط بالعراقيين بل بزبائن من أهل البلد وسياحه.

وعند مطعم «فالح أبو العمبة» الذي يملك فرعاً رئيساً في حي بغداد الجديدة، شرق بغداد، تضطر الى الوقوف قرابة الساعة لتأكل الفلافل والعمبة، وهي خليط من خضروات ممزوجة ببهار العمبة الأصفر.وفيما كان أحد العاملين يخبز «الصمّون» بالفرن الحجري على الطريقة العراقية تحدث عامل آخر الى سائحة روسية بإنكليزية ركيكة محاولاً شرح تركيبة الفلافل «السحرية». ويضاف الى المطاعم البغدادية التي نزحت بأكلاتها مطعم «نخيل بغداد» و «باجة الحاتي» و «الرافدين» فضلاً عن عشرات المحال الصغيرة والمطاعم الجوالة .

ويروي محمد الذي يملك عربة صغيرة لبيع الفلافل والحمص المسلوق بأن عمله يكاد يسد حاجاته اليومية وهو عمل مرهق لكنه أفضل من البطالة ويؤكد بأن جل زبائنه من العراقيين لا سيما طلاب المدارس.

تبقى المطاعم العراقية تقدم أكلاتها في دمشق حتى عودة أصحابها الى عراقهم أو هكذا يأمل العراقيون، وتقول أم نسرين: «أتمنى أن أعود لأرتاد المطاعم في بلدي في وضع آمن«.
    ((عن الحياة))

العودة الى فهرس العدد اطبع هذه الصفحة