نصوص وذكريات

كركوك، ليل لا يعرف السواد واصرار على وحدة العراق

 

نرمين المفتي/بغداد

almufti_n@yahoo.com

 

ابنة كركوك الكاتبة المبدعة نرمين المفتي

 

نرمين المفتي من مواليد كركوك ، عام 1959. درست الآداب في بغداد والصحافة في بودابست. عملت في مجال الصحافة في مجلة (ألف باء) الأسبوعية في اعوام الثمانينات. وفي اعوام التسعينات اصبحت معدّة برامج تلفزيونية واذاعية في تلفزيون العراق واذاعة بغداد وعضو في هيئة تحرير جريدة الجمهورية. وهي منذ أعوام ارئيسة مجلس ادارة ورئيسة تحرير جريدة (القلعة ) الاسبوعية التي تصدر في بغداد. بالاضافة الى الصحافة فأن لها نشاطات عديدة منها القصة القصيرة والتصوير وكذلك ادب الأطفال.

كانت النافورة تتوسط حديقة دائرية قرب مبنى المحافظة في كركوك. والطفلة التي كنتها اندهشت وهي ترى مياها ملونة تتصاعد منها. طالبت والدي, رحمه الله، ان نأخذ ماء ازرقا الى البيت. لم اقتنع بشرحه بأن لون الماء انما من الأضوية الملونة المربوطة في قعر حوض النافورة.

وتوالت طلباتي اليومية بالمياه الملونة ودون ملل اوغضب دأب والدي ان يجاريني ويجلب المياه الملونة و التي تفقد في البيت لونها. و حين اكتشفت بأنه كان على حق و الأضوية تمنح لونها للماء المندفع الى الأعلى، اختبأت خلف شجرة سرو، كانت من ضمن ست شجرات كبيرة في حديقة النافورة.

تعرفت الى حدائق ومتنزهات اخرى في كركوك و بقيت حديقة النافورة بشجرتها التي استوعبت خجلي الأثيرة لدي خاصة وانها كانت قريبة من بيتنا وفي طريقي فيما بعد ذاهبة الى بغداد حيث جامعتي وراجعة منها. كبرت. تغيرت كركوك. توسعت وتعرضت الى حملة تعريب شرسة قبل نيسان 2003، تبعتها حملة تكريد اكثر شراسة بعد الاحتلال الأمريكي.

نكتة نصب (التحرير)!

وبين الحملتين، تعرضت حديقة النافورة الى حملات ايضا. لقربها من مبنى المحافظة التي شهدت جوانبها الأربعة جداريات مختلفة الأحجام لصدام حسين، تم غلق ابواب الحديقة امام الزوار، وقطع عدد من اشجارها الطويلة، من بينها كانت شجرتي. وتم تشيد نصب للرئيس الأسبق وهو بزي عربي يمتطى صهوة فرس، قرب سياجها وبابها، خصص له عناصر حماية تركوه يوم العاشر من نيسان 2003 ونقلت الفضائيات على الهواء (عملية) اسقاط النصب وسحله كما حدث مع نصب ساحة الفردوس في اليوم السابق. وبعد الانتهاء من النصب، كانت الفضائيات نفسها تبث على الهواء العمليات المنظمة غالبا لنهب الدوائر الرسمية وحرق ما تبقى بها من أثاث وملفات. واستنادا الى صور الفضائيات فأن غالبية من نهبوا كركوك من الأكراد اوالذين  ظهروا في الصور يرتدون الزي الكردي. في 17 نيسان 2003 اعترف زعيم كردي في لقاء مع فضائية العربية جوابا على تعليق مقدمة البرنامج بأن الأكراد هم من نهبوا كركوك وأحرقوها، اعترف قائلا "نعم نهبنا وحرقنا الدوائر التي ضمت وثائق التعريب"! وفي الحقيقة كانت ملفات دائرة الأحوال المدنية والجنسية قد شحنت الى الشمال لتغيير معلوماتها كجزء مهم من التغيير الديموغرافي وحملة التكريد.

ومن بين الأغراض التي تم نهبها, كانت البساطيل العسكرية الجديدة من مقر الفيلق الأول. وتم تشييد نصب فوق القاعدة المرمرية التي كانت تحمل النصب المسحول، باسم (التحرير) وضع صانعه (سيروان)  توقيعه عليه، وكانت عشرات  الازواج من البساطيل المنهوبة (الخامة) التي شيد منها النصب. وأشار (سيروان) من حيث لا يدري الى (التحرير) كما ينبغي! ولأن الذين ينهبون كركوك لم يجدوا ما ينهبونه بعد اسبوع من الاحتلال، بدأوا بنهب بساطيل نصب (التحرير) والذي قضوا عليه في أربعة ايام!

 

العودة الى فهرس العدد اطبع هذه الصفحة