ملف

كركوك قلب العراق

المادة 140 والنص الهالك

أزمة انتماء وطني وأفراز عدائي عرقي!

 

آيدن أقصو/ بغداد

 

 

هذا المقال جزء من دراسة طويلة قيمة بعنوان (العراق والمنزلق الخطير، المادة 140 ورحلة الولادة المشؤومة):

   من غريب الامور وعجائبها انه لايوجد دستور واحد في العالم نافذ لغاية اليوم يتحدث عن (اراضي متنازع عليها، الغرباء، الوافدون، ترسيم الحدود الادارية، الاستفتاء) في الوطن الواحد كما تتحدث عنه المادة (140) من الدستور العراقي الحالي والتي رحلت من المادة (58) من قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية.

1- الاراضي المتنازع عليها (مفهوم التفتيت والتجزأة)

لايوجد دستور واحد في العالم سواء كان هذا الدستور فيدرالي ـ كونفدرالي ـ قطري موحد، تحوي احدى مواده عبارة (الاراضي المتنازع عليها). فالولايات المتحدة الامريكية بولاياتها الخمسينية لم تقرر فقرة دستورية مثل هذه رغم حرب الشمال والجنوب ذات السبعة أعوام ومليون قتيل ومعاق، وهي دولة فيدرالية ودستورها فيدرالي. كذا الحال مع بريطانيا العظمى ذات الدول المختلفة لم تصاغ نصف عبارة دستورية مثل هذه وهي دولة كونفدرالية. وسويسرا وكندا والمانيا وروسيا وغيرها كثير والقائمة تطول ونعجز عن ايجاد متشابه مع منطوق المادة (140) من الدستور العراقي الحالي... ولا نعلم كيف تفتق الذهن التشريعي العراقي عن ابداع واختراع مادة تدميرية مثل هذه فعبارة الاراضي المتنازع عليها سبق ان أوضحنا ذلك وفي عدة مقالات ودراسات سابقة انها عبارة تصاغ بين الدول المتحاربة أو عند صدور قرارات دولية للفصل بين المتحاربين كما حصل في مشكلة الموصل بين الدولة العثمانية والحلفاء وايضاً في القرار 242 الاممي في الفصل بين القوات العربية والاسرائيلية عقب حرب 1967 وكذلك في قرار الهدنة الدولي عام 1998 بين حلف شمال الاطلسي وصربيا. وهنا السؤال الاساسي. اذا كان الشعب العراقي هو اليوم يعيش حالة هدنة بعد الحرب فيا ترى هذه الهدنة هي بين مَن ومنْ؟ ومن هي الاطراف الدولية أو الاقليمية التي تتنازع حول هذه الاراضي؟ وأين نضع النص الدستوري (... وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق).

2- الوافدون، المرحلون، المهجرون، المهاجرون، المنفيون (مفهوم التفريق والتمييز). ثم نصطدم بعبارة الوافدين والمرحلين... وهؤلاء منْ؟ وما هي جنسياتهم؟ وجاءوا من اي قطر ودولة؟ هل هم عراقيون بالدليل القاطع أم غير ذلك؟ ثم اذا كانوا عراقيون ووفدوا من محافظات عراقية أخرى، فلِمَ هذه الدربكة السياسية والبكائيات الاعلامية حول ذلك؟ وكيف يتم تحديد معيار(المهاجر والمهجر) فهناك من هاجر بمحض ارادته ولم يهجّر كرهاً أو قسراً؟

3- الافراد الغرباء (أزمة الانتماء والمواطنة): المادة 58 / أ (...وتوطين الافراد الغرباء عن المنطقة...). نرى انفسنا مرة أخرى أمام اشكالية قانونية ـ معرفية ـ اخلاقية حينما تواجهنا عبارة "الغرباء" وهذه تذكرنا بأفلام هوليود الرعبية العديدة حين تصوّر لنا مجموعة من أشباه البشر جاءوا من كواكب غير منظورة لأحتلال الارض وتدميرها... فهل غرباء دستورنا هم نفس هؤلاء أم غيرهم؟ ثم الاهم من كل هذا وذاك، من هي السلطة التشريعية أو التنفيذية أو القضائية التي تحدد هذه المعايير كونهم من الغرباء أم لا؟ وهل القوانين التي تطبق على الغرباء هي غير القوانين التي تطبق على باقي العراقيين؟ وما هي مواصفات هذه التعابير وسماتهم؟

4- الوافد وحق التصويت (المحظور الانساني والمساواتي): ثم تبرز الى السطح عدم أحقية الوافد من الادلاء بصوته الانتخابي أو الاستفتائي تحت مبررات عرقية مناطقية هشة... في حين نرى ان جميع الجاليات العربية والاسلامية والاجنبية في الولايات المتحدة وبريطانيا والدول الاوربية الاخرى تتمتع بكافة حقوقها بالانتخاب والاستفتاء، ونحن هنا نحرم العراقيون الاصلاء منها....

ففي سويسرا التي هي النموذج الامثل للعراقيين في الانظمة الاتحادية يحق لكل مواطن في أية مقاطعة المشاركة في التصويت بل وحتى قيادة حكومة المقاطعة بعد اقامة ودفع الضرائب لفترة عامين فقط...

5- التعنصر في التمثيل النسبي (الهوية المسيّسة): لكي يتم اعطاء شرعية قانونية ـ تنظيمية ـ ادارية لما ورد اعلاه، تمت صياغة لجنة التطبيع... وهذه اللجنة هي نفسها وقعت في دائرة المحظور الانساني والاخلاقي وذهبت تعمل بطريقة المكونات العرقية والانتماءات القومية في تحديد نسبة كل مكون في اللجنة ودرجة وعدد ممثلين فيها لا على أساس الكفاءة والتخصص وانما على أساس العرق والانتساب...

6- عملية الاستفتاء (تفتيت الارض وتمزيق الشعب): أما مبدأ الاستفتاء القائم على المادة الدستورية رقم (131) والتي تنص: (كل استفتاء وارد في هذا الدستور يكون ناجحاً بموافقة أغلبية المصوتين، مالم ينص على خلاف ذلك). فهذا المبدأ والمنهج خطير وكارثي في نفس الوقت.. مكوّن يربح كل شيء والباقون يخسرون كل شيء.... ثم هل توفرت الظروف والشروط السانحة لأجراء مثل هذا الاستفتاء اذا فرضنا ان اجراءه يتطلب وضعاً ديمقراطياً حقيقياً وان يتمتع المواطن بالحرية الكاملة في الاختيار بدون استعمال الاكراه المادي والمعنوي مع عدم الضغط على ارادة المصوتين وتوفر النزاهة في عملية الفرز. كل هذه الشروط غير متوفرة الآن ويصعب توفرها خلال الفترة القليلة القادمة. ثم كيف يمكن أجراء استفتاء على منطقة تسكنها قوميات ترفض الحاق مناطقها الى كيان قومي مثل كردستان؟ هل فكر المشرعون عند كتابة المادة (140) ان هناك عهدان دوليان يحضان بالحقوق المدنية والسياسية وحق جميع الشعوب في تقرير مصيرهم في عام 1976؟ وهل نسوا أو تناسوا المؤتمر العالمي لحقوق الانسان ومسألة حقوق الاقليات والتداخل بينها في عام 1993 والذي قرر في فقرته الثانية: لجميع الشعوب الحق في تقرير مصيرها بمقتضى هذا الحق وان يحدد بحرية مركزها السياسي وتسعى بحرية الى تحقيق انمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي فلماذا فقط الاكراد وحدهم يعطى لهم هذا الحق في تقرير المصير بينما لايحق للاخرين ان يتمتعوا بهذا الحق المصيري؟ ثم كيف يتم تحديد مصائر الشعوب بمجرد موافقة اغلبية المصوتين لا الناخبين حسب المادة (131) اعلاه...

7- في اعقاب هذه التغيرات الحاصلة على الارض من حيث الكم الهائل للعمران الغير قانوني اولاً والزحف السكاني الغير شرعي ثانياً. وقد اكد ذلك وبكل وضوح رئيس اللجنة التنفيذية للمادة (140) السيد رائد فهمي حينما قال أمام أعضاء مجلس النواب العراقي بأن هناك مايقارب من (400) عائلة كردية في ملعب كركوك، وبعد التقصي تبين ان عدد العوائل المرحلة وفق المادة (140) لايتجاوز (%25) من هؤلاء... فآلاف المسجليين الاكراد أستولوا على الحرث والنسل دون سابق أنذار ودون رادع قانوني أو سياسي أو اخلاقي يحجبهم أو يمنع استيطانهم ولم يبقوا داراً ولا أرضاً عائدة للدولة وقسماً لايستهان بها من الاملاك الخاصة إلاّ وأستولوا عليها وصادروها لحسابهم الخاص تحت شعار المرحلين السابقين كأن المادة (140) قد قيدّت وجمدّت فقرات المادة (23) من نفس الدستور الى حين.... ان المرحل عندما عاد الى كركوك وباقي الاراضي المتنازع عليها، قدم معه وافداً جديداً... وهذا الوافد عندما أراد ان يستقر فلم يجد له مسكناً، فأخذ يستولي على اراضي الغير بمعاونة الاحزاب الكردية وكانت الضحية في هذه المرة ايضاً المواطنين التركمان ويحق لنا ان نسمي هؤلاء (المرحلون2) و (الوافدون2) وهكذا....

 

العودة الى فهرس العدد اطبع هذه الصفحة