ملف كركوك قلب العراق

تاريخ كركوك بعد الفتح الاسلامي

نجاة كوثر اغلو/ كركوك

 

فتحت منطقة كركوك من قبل الجيوش الاسلامية، عام 642 م(1) . وبعد مرور سنين وفي عهد الخليفة عثمان بن عفان، أمتها عشائر عربية قادمة من النجد. كما قصدتها العشائر التركمانية في العهد الاموي والعباسي انضموا الى المواطنين، واختلطوا مع من استوطن قبلهم من سكانها التركمان الاصليين الذين سكنوا المنطقة منذ عصر فجر السلالات 26 ق.م. في العهد السومري.

في سنة 155م ولأول مرة دخل العراق تحت نفوذ الاتراك، بعد توجه الخليفة العباسي القائم بأمر الله بالدعوة الى السلطان ارطغرل السلجوقي الى بغداد واصبح العراق ضمن الدولة السلجوقية الكبرى(2).

وفي القرن الثالث عشر اصبحت كركوك وحواليها تابعة لاتابكية بكتكين، وبعد وفاة مظفرالدين ﮔوﮔبوري حاكم اربيل سنة 1232م أصبحت كركوك تحت نفوذ الدولة العباسية ثانيةً(3).

احتلت القوات المغولية بغداد في سنة 1258م فأنتهى العصر العباسي في العراق بعد مقتل الخليفة بيد القوات المغولية. علماً انه في اثناء فترة الاحتلال المغولي، كانت منطقة الموصل وكركوك موطناً لقسم من العشائر الايوائية التركمانية. كما اتخذت هذة المنطقة مشتى لعشائر القره قوينلوية. وقد اعقب الانحلال المغولي، لأول مرة ظهور قوة سياسية مؤثرة في المنطقة من قِبل التركمان(4). وأسس القره قوينلويون دولتهم المشهورة في أواسط القرن الرابع عشر قي منطقة شرقي الاناضول وبعض الاقسام الجبلية منه وشمل كذلك العراق وايران كاملةً ماعدا منطقة خراسان(5). 

ازداد نفوذ دولة القره قوينلو في الموصل وفي شرقي الاناضول قرب أريج. ويعتبر عصر دولة القره قوينلية من أكثر عصور الاستيطان التركماني في شمال العراق. وفي هذا العهد استبدلت اسم المدينة من كرخيني الى كركوك، من قبل التركمان القره قوينلويين .

وبعد ان قضى اوزون  حسن (حسن الطويل) مؤسس دولة الاق قوينلية على جهان شاه سلطان القره قوينلية خضعت المنطقة لنفوذ دولة الاق قوينلية. فتمكنوا من فتح بغداد بواسطة ابنه مقصود بك سنة 1469م وبعدها أصبحت كركوك تابعة لدولة الاق قوينلية. ونالت شيئاً من الاستقرار والعناية.

حيث ازدادت كثافة نفوس التركمان في المنطقة في دور التركمان القره قوينلية والاق قوينلية في منطقة كركوك والموصل. يقول الدكتور مصطفى جواد (وقد أبقى تيمورلنك في عبوره من بلاد ايران الى العراق كثيراً من القبائل التركمانية). ويقول عن دور التركمان القره قوينلية والاق قوينلية (قد اختلطت قبائل هؤلاء بسكان شرقي العراق وشمال العراق وأكثرهم من الترك. وكان اختلاطهم اجتماعياً تاماً من حيث الجنس والدين والمذهب، وقد دام حكم هؤلاء من سنة 141م الى سنة 158م وان كان اختلاطهم بالشعب مستمراً قبل التاريخ الاول وبعد التاريخ الثاني بحيث لايستطيع الواحد منا ان ينفي انه (قره قوينلى) او(اق قوينلى) اولاً ان يشبه امره في النسب وقد كان هؤلاء من التركمان الرحالة فسنحت لهم الفرصة للاستيلاء على العراق واذربيجان والجزيرة. المدة التي قضوها في الحكم كانت كافية في امتزاجهم بالشعب وانصهارهم مع الاتراك الذين سبقوهم في أتخاذ العراق والجزيرة وطناً(6)).

وبدخول الصفويين العراق سنة 1508م ازدادت كثافة التركمان في المنطقة لان الشعب الذي كان يحكمه اسماعيل الصفوي واولاده كانوا من التركمان، وجيشه الذي كان يسمى ( قزلباشية ) يتكون القسم الاكبر منهم من التركمان. وعند دخول السلطان سليمان القانوني بغداد سنة 1534م. انتهى الحكم الصفوي. وقدمت المنطقة الطاعة الى السلطان، واطاعته مدن طاووق (داقوق) وشهربان وكركوك وموصل وخراسان (7).

وفي اثناء رجوع موكب السلطان سليمان القانوني مر بكركوك، ومكث فيها في موقع قزل ﮔوشك 28 يوماً. وهكذا تم دخول منطقة كركوك في ادارة الدولة العثمانية. وبسبب الموقع الجغرافي لمدينة كركوك، أصبحت موقعاً استراتيجياً مهماً للدولة العثمانية، لصد هجمات العدو والدفاع عن حدود الدولة من الجهة الشرقية. وساد المنطقة في هذة الفترة الامن والاستقرار والهدوء، مما ادى الى توسع الحركة التجارية بين الموصل وبغداد مروراً من كركوك. وأصبحت كركوك والموصل طرقاً تجارية وعسكرية وذات اهمية كبيرة للدولة العثمانية. غير ان الحالة لم تدم بغير منغصات، ففي سنة 1623م تقدم الشاه عباس الصفوي، وحاصر بغداد واستولى عليها ثم تقدم نحو الموصل واستولى على الموصل وكركوك (8) ودخلت المنطقة تحت نفوذ الصفويين ثانية. وفي سنة 1630م استرجع القائد العثماني خسرو پاشا مدينة كركوك من الاستيلاء الصفوي. أما استرجاع الموصل فقد تم على يد كوچوك أحمد .

لقد قامت الدولة العثمانية بمحاولات عديدة لاسترجاع بغداد، ومن أهمها حملة السلطان مراد الرابع التي قادها بنفسه، فتقدم بجيش كثير العدد ماراً من الموصل والتون كوپرى ثم كركوك، فحاصر بغداد، وفتحها في سنة 1638م. ودخلت المنطقة كاملاً ضمن ديار الدولة العثمانية. وقسم العراق الى ولايات، وأصبحت كركوك في هذة الفترة مركزاً لولاية شهرزور. لكونها كركوك تقع في أرض منبسطة يسهل الوصول اليها، الى حانب تطورها عمرانياً وثقافياً. دامت حملة السلطان مراد الرابع من سنة 1630م الى نهاية سنة 1638م وانتهت جميع الحروب والمنازعات في جبهة العراق واذربيجان وهذا ما كان يتمناه الطرفان. وتم  توقيع معاهدة (الزهاب) في 17مايس سنة 1639م وبموجب هذه المعاهدة اصبحت منطقة عراق العرب وتشمل البصرة وبغداد وشهرزور يكون تابعاً للدولة العثمانية. أما منطقة روان فتركت للصفويين. وأصبحت هذه المعاهدة ذات فائدة كبيرة للمنطقة ومن نتائجها إن توسعت الحركة التجارية بين الدولتين. ودام حكم هذه المعاهدة حتى سنة 1736م عندما تولى نادر شاه رئاسة قبائل الافشار التركمانية(9).

قام نادر قولى (وبعدها نادر شاه) في سنة 1732م بمحاصرة مدينة كركوك، ولم يستسلم أهالي كركوك، وفتك بهم فتكاً ضريعاً وقتل من قتل. وبعد سنة من الحصار، دامت معركة عنيفة قرب كركوك في منطقة ليلان بين جيش نادر شاه والجيش العثماني، حيث استشهد قائد الجيش العثماني طوپال عثمان پاشا ودفن في كركوك في مقبرة جامع امام قاسم. ولايزال مرقده عامراً ليومنا هذا. ودخلت مدينة كركوك في سنة 1743م تحت نفوذ الايرانيين. وبعدها عقدت معاهدة (ﮔردن) بين الطرفين في ايلول 1746م وبموجب هذه المعاهدة بقيت كركوك تحت أدارة الدولة العثمانية حتى نهاية الحرب العالمية الاولى.

تقدمت القوات البريطانية من بغداد نحو الشمال في يوم 14مايس 1918م، ولأول مرة دخلت قوات الاحتلال البريطاني مدينة كركوك، وانسحب الجيش العثماني منها. وفي يوم 1 حزيران استطاعت القوات العثمانية طرد قوات الاحتلال من كركوك ودخلت القوات العثمانية الى المدينة مرة اخرى، ومكثوا فيها حوالي خمسة اشهر ونصف شهر وفي 9 كانون الاول 1918م اضطروا لترك المدينة والانسحاب منها الى التون كوپرى. وفي هذة الفترة اعلنت هدنة مندروس، فدخل جيش الاحتلال الانكليزي الى كركوك للمرة الثانية.  وسميت هذة الفترة من قبل الاهالي في كركوك، فترة (السقوطين) أي سقطت المدينة مرتين بيد الاحتلال الانكليزي، واغفل المؤرخون والكتاب هذا الحدث التاريخي المهم. ولم يؤشر أحد الى ذلك. ولأول مرة أشار الاستاذ الباحث المحامي عطا ترزى باشى في بحوثه الى هذا الحدث التاريخي المهم في كتابه تاريخ الطباعة والصحافة في كركوك(10).

وفي هذة الفترة برزت مشكلة الموصل بعد الحرب العالمية الأولى، كنتيجة انحلال الامبراطورية العثمانية، لقد كانت اكثر مناطق ولاية الموصل وتشمل مدينة الموصل وكركوك والسليمانية غير محتلة عند توقيع الهدنة. وعند اعلان الميثاق الوطني التركي كانت ولاية الموصل ضمن الميثاق الوطني، ولذا تم عرض مشكلة الموصل على عصبة الامم في سنة 1924م. احتج الاتراك على احتلال ولاية الموصل على انه عملٌ غير قانوني وعدوه نقضاً للهدنة. وطلبوا اجراء استفتاء في المنطقة. ولكن بريطانيا رفضت اجراء الاستفتاء بحجة (ان السكان أميون) لايعلمون معنى الاستفتاء. وبعد مناقشات وجلسات طويلة وغير مجدية .. تم في 5 حزيران 1926م عقد اتفاقية بين تركيا وانكلترا والعراق وسميت اتفاقية انقرة، وتم توقيع هذة الاتفاقية وقرر على ان تبقى ولاية الموصل داخل العراق. وأصبحت كركوك منذ ذلك التاريخ احدى ولايات العراق.

 

الهوامش 

1- عمادالدين خليل الطالب تاريخ العراق 1999 ص957 .

2- كاراماس كركوك ج6، ص559 .

3- فاروق سومر قره قوينلولر تورك تاريخ قورومو، انقره، 1992، ص15.

4- نفس المصدر السابق، ص3 .

5- مجلة دليل 5،1917.

6- كامل باشا تاريخ سياسي دولت علية عثمانية ج1، ص192 .

7- تاريخ نعيما، ج3 .

8- نفس المصدر .                             

 9- نفس المصدر السابق، ص428  .

10- اوقات عطا ترزى باشى كركوك مطبوعات تاريخى، قسم/1، ص85 .

العودة الى فهرس العدد اطبع هذه الصفحة