كلمة العدد

(بابل الجديدة ـ New Babylon)

عاصمة ادارية لعصرنا الجديد

سليم مطر/ جنيف

في هذا العدد نحتفي بالمرحلة الجديدة التي أقبلت عليها بلادنا العزيزة، وهي بكل يقين مرحلة سلام واعمار، بعد ان تجاوزنا مرحلة الحروب والخراب والتدمير الذاتي. لهذا فأننا خصصنا ملفين عن (اعمار بغداد) وعن (احياء النخيل).

وبمناسبة الحديث عن الاعمار، فأنه قد آن الاوان الحديث عن ( بناء عاصمة ادارية جديدة). وهي تعد أكبر خطوة تاريخية تجديدية لبلادنا في عصرنا الحديث. لقد سبق لنا في كتابنا (الذات الجريحة) ان تحدثنا عن مثل هذا المشروع، ولكن لدينا التعديل الطفيف التالي:

ـ نعم ان اسم العاصمة الادارية من المستحسن ان يكون (بابل الجديدة - New Babylon) لأهميته التاريخية والرمزية، ولأنها أول وأقدم عاصمة لدولة في تاريخ البشرية جمعاء. ولكن ليس بالضرورة ان يكون مكان هذه العاصمة الادارية هو ذاته في محافظة بابل الحالية (الحلة)، بل يمكن أن يتم الاتفاق على اختيار أي موقع مناسب جغرافياً وسياسياً، بعد نقاش معمق بين المختصين والبرلمانيين العراقيين.

المشروع

تبقى (بغداد) العاصمة الاقتصادية الثقافية للعراق وأكبر مدنه، وتصبح (بابل الجديدة - New Babylon) العاصمة الادارية السياسية.

أن هذا المشروع ليس غريباً، بل أمر معروف ومعمول به في الكثير من البلدان، إذ توجد (عاصمة كبرى ثقافية وسكانية واقتصادية) بالاضافة الى (عاصمة إدارية حديثة وصغرى) أقل ازدحاماً ومشاكل، ومن أجل جعل الحكومة وقيادة الدولة بمنأى عن صعوبات العاصمة وسلبيات المدينة الكبيرة المكتظة بالسكان، مثلاً هناك : تركيا فيها اسطنبول ثم انقرة، هولندا فيها امستردام ثم لاهاي، أمريكا فيها نيويورك ثم واشنطن، المغرب فيه الدار البيضاء ثم الرباط، باكستان فيها كراجي ثم اسلام آباد.. ويمكن أن نستمر بذكر بلدان عديدة أخرى.

أما حيثيات المشروع فتقول ان تغيير (العاصمة الادارية) من (بغداد) الى مدينة جديدة سيخدم العراق بنواح كثيرة:

- ان هذه العاصمة الجديدة هي تعبير عن بدء عصر حضاري وطني جديد يرتبط مباشرة بتاريخ العراق الأصيل وعاصمته الحضارية الأولى ذات الشهرة الأسطورية والدينية والحضارية.

- ان بناء عاصمة جديدة يساعد على بناء دولة عراقية جديدة، خارج مدينة بغداد المثقلة بكوارث التاريخ وجراح ذكرياته منذ حرائق المغول وتشويهات الفترة المظلمة، وصولاً الى انتكاسات مشاريعنا وخيبات ثوراتنا وحروبنا المدمرة الاخيرة. ثم ان بغداد أصبحت كأي مدينة من مدن العالم الثالث المحتشدة بالملايين من البشر تعاني من سوء التخطيط والاحياء الفقيرة وازدحام السير وتوتر الحياة الاجتماعية والسياسية. وكل هذا يؤثر على عناصر الدولة ويعيق عمل اجهزتها الادارية ويجعل الحكومة والبرلمان والادارات تعيش بجو خانق متوتر ينعكس مباشرة على استقرار الدولة ويمنع انسجام أجهزتها وأفرادها.

ـ ان العاصمة الجديدة سوف تساهم بصورة فعالة بالتخفيف من تنامي السكان في العاصمة بغداد بسبب الهجرة اليها لكونها عاصمة. ان مشكلة زيادة السكان والزحام المرعب تعاني منها جميع العواصم الكبرى وخصوصا في العالم الثالث، فهناك مثلاً (القاهرة) التي ازداد عدد سكانها عشرات الاضعاف خلال فترة وجيزة.

- ان موقع بغداد غير مأمون عسكرياً، وكلنا نتذكر المخاوف التي سادت أثناء الحرب مع ايران، من أن بغداد معرضة للاحتلال الايراني بسبب قربها من الحدود مع ايران التي تشرف عسكرياً على بغداد من خلال جبال زاكاروس الحدودية. وهذا الامر يذكر بأضطرار الزعيم التركي الشهير(مصطفى كمال) الذي قرر بناء عاصمة جديدة (انقرة) التي تقع في وسط تركيا، بدلاً من اسطنبول التي تقع عند الحدود مع اوربا.

ان اقتراح بناء عاصمة جديدة يحتاج الى نقاشات كثيرة تدعم بدراسات جغرافية وبيئية واقتصادية وسياسية يشارك فيها المختصون والسياسيون والمثقفون.

 

 

العودة الى فهرس العدد اطبع هذه الصفحة