ملف إعمار بغداد

من اجل اعادة الحياة الى شارع الرشيد

ميزوبوتاميا / جنيف

شارع الرشيد في الستينات

 

جميع أوطان العالم لها مدنها التي تعبر عنها وترمز لها، لشعبها وتاريخها وثقافتها، وعادةً ما تكون العواصم والمدن الكبرى.

أما بالنسبة للعراق، فأن (بغداد) هي رمزه وخلاصة تنوع شعبه وتاريخه وثقافته.. و(شارع الرشيد) هو رمز (بغداد) والمعَّبر الاصيل عنها. لا نعني الشارع وحده، بل كل ما يحيط  به من شوارع وأزقة وأحياء وسينمات وأسواق ومعالم تاريخية.

شارع الرشيد من أقدم وأشهر شوارع بغداد، وكان يعرف خلال الحكم العثماني بأسم شارع (خليل باشا جاده سي) على أسم خليل باشا حاكم بغداد وقائد الجيش العثماني الذي قام بتوسيع وتعديل الطريق العام الممتد من الباب الشرقي إلى باب المعظم وجعله شارعاً بأسمهِ عام 1910م. وان أول من دخل شارع الرشيد بسياراته هو الملك (فيصل الاول)، ويقال ان هذا الشارع يرتبط برقم (4). حيث يبلغ طوله أربعة كيلومترات، وبه أربع جسور، وأربع جوامع تاريخية، وأربع قاعات سينما. والحافله التي كانت تمر به رقمها 4، وبه أربع مقاهي تاريخية. ولهذا الشارع أهمية في أذهان العراقيين من شماله ولجنوبه حيث يحتوي على مقار للصحف العراقية وبعض الاسواق المهمة والمكتبات الكبيرة.

شارع الرشيد عند دخول الانكليز 1917

هذا الشارع يمتد من الباب الشرقي الى ساحة الميدان، يتميز بعماراته ذات النمط البغدادي وأرصفته المحمية بالسقوف والاعمدة التي لا تحصى. وتحيط به العديد من الاحياء البغدادية العريقة أمثال (عقد النصارى). ويحتوي على جوامع تاريخية منها (جامع الحيدرخانة) الذي شيدهُ داود باشا عام 1819م، و(جامع حسين باشا). وفيه العديد من الاسواق التراثية مثل (الشورجة) و(الصفافير) و(الهرج) و(السراي) و(النهر) و(المتنبي). وفيه العديد من السينمات الجميلة العريقة مثل (روكسي) و(الشعب) و(الخيام). وفيه العديد من الفنادق الشعبية والمحلات التجارية، بالاضافة المقاهي الطلابية والثقافية المعروفة مثل (البرازيلية) و(شط العرب) و(ام كلثوم).

شارع الرشيد في العشرينات

 

ان ازدهار هذا الشارع حتى أعوام الثمانينات ظل دليلاً على ازدهار بغداد في تلك الحقبة، وان انحطاطه أعوام التسعينات (أيام الحصار) ثم موته بعد كارثة 2003، كان دليلا على انحطاط  وموت بغداد.

لهذا فأن إحياء هذا الشارع سوف يكون الخطوة الرمزية الكبرى من أجل إحياء عاصمتنا الجريحة المريضة المحتضرة.

هذه بعض المقترحات الاولية، المعمول بها في الكثير من مدن العالم:

ـ اقرار قانون (حماية الآثار) على جميع أبنية وبيوت هذا الشارع (مع جميع فروعه وأحيائه) باعتبارها معالم أثرية تاريخية لا يحق لأصحابها هدمها أو تغيير معالمها، بل اصلاحها وتجديدها بطريقة تبقي على معالمها. وهذه أمر معمول به في غالبية مدن العالم. وتقديم دعم مالي لهم وإعفاء ضريبي من أجل هذا.

ـ يتم قطع السيارات عن الشارع، عدى سيارات نقل البضائع الخاصة بالشارع التي تسير على خط ضيق وببطء كبير وفي ساعات معينة، بصورة لا تؤثر على حركة المشاة.

شارع الرشيد في الاربعينات

ـ يتم بناء وإعادة بناء العمارات المهدمة بنفس النمط البغدادي السائد مع ذات الاعمدة والارصفة المسقفة، بحيث يكون الشارع من أوله الى آخره بنفس الاعمدة والارصفة المسقفة.

ـ يتم زراعة النخيل (أو أشجار مناسبة أخرى) في خط مستقيم في وسط الشارع من أوله الى آخره. وأن لا يؤثر وجود النخيل على حرية تنقل المشاة بين طرفي الشارع.

ـ وضع صف من الاكشاك الخشبية على امتداد الشارع تكون محلات للبيع، وان لا يؤثر موقعها على سير المشاة ولا على باقي محلات الشارع.

ـ العمل على إحياء المعالم المعروفة في هذا الشارع، مثل المقاهي الثقافية، وكذلك تعمير قاعات السينمات المهجورة وتحويلها الى قاعات سينما ومسرح وحفلات، وبنفس هندستها القديمة،من خلال تقديم الدعم المادي للمؤسسات والاشخاص الراغبين القيام بهذه المهمة، باعتبارها معالم سياحية أساسية جداً.

ـ إعادة إحياء الاسواق المحيطة والمتفرعة من هذا الشارع. والعمل على أن تكون عملية الإحياء والتجديد محافظة على النمط التراثي الاصلي (عملية إحياء شارع المتنبي نموذج مقبول).

ـ العمل على تجديد الأحياء الشعبية المحيطة بالشارع، وتنشيط الحركة السياحية داخلها. لدينا مثال ناجح هو(حي باب توما) القديم في دمشق السورية. إذ تم تحويل الكثير من بيوته الى مقاهي ومطاعم ومرافق تراثية سياحية تجلب يومياً الآلاف من السوريين والاجانب.

ـ عمل خط  باصات نهري بمراكب صغيرة لنقل الناس بين ضفتي النهر في عموم بغداد، للتخفيف عن الجسور وتقليل ضرورة استعمال السيارات سواء بالنسبة لهذا الشارع أو باقي شوارع بغداد المحيطة بدجلة.

ساحة التحرير في الستينات

ـ بهذه المناسبة من الضروري الحديث عن الباب الشرقي الذي يعتبر مدخل هذا الشارع. من المعروف ان (ساحة التحرير) كانت من أجمل وأكبر ساحات بغداد، قبل أن يدمرها ويلغيها من الوجود (نفق السعدون) ذلك المشروع البعثي الاهوج. وقد قيل في وقتها انهم أرادوا بذلك التقليل من أهمية (نصب الحرية) الذي كان يزعجهم. لهذا يغدو من الضروري إعادة إحياء هذه الساحة الرائعة. وهذا المشروع ممكن تماماً من الناحية التقنية، وذلك ببناء سقف فوق (نفق السعدون) يسمح بإعادة بناء هذه الساحة. ويمكن أيضاً أن يوضع فيها نصباً عملاقاً يعبر عن عصرنا العراقي الجديد ليكون مكملاً لنصب الحرية ولنصب السلام القائمين في حديقة الامة المقابلة.

 

العودة الى فهرس العدد اطبع هذه الصفحة