الانثى في ديانة العراق القديم

أمل بورتر / نيوكسل

porter_e@hotmail.com

رمز الانوثة والخصب في العراق القديم

 

ان رمز الانثى في حضارة العراق القديم ظل دائم الحضور في جميع الآثار التي تم العثور عليها. في الفترة الشبه كتابية استخدمت الرموز الانثوية للتعبير عن مدلولات كثيرة.  نجد مثلا ان جسم المرأة قد استخدم بشكل اكثر من  جسم الرجل. لا نستطيع هنا ان نغفل قرب هذه الفترة من الفترة الامومية، اذ فيها بدت واضحة السيطرة الانثوية. هذه السيطرة كانت لم تزل عالقة في الاذهان. ولا يخفى علينا وفرة التماثيل التى تصور الالهة الام وكثرتها، وكذلك الفخاريات المتعددة وخاصة من فترة سامراء حيث نرى مجموعة من النساء وقد تشابكت ايادهن في رقصة قد تكون طقسية.

لو تخطينا هذه الفترات وسرنا نتعقب كيف قيمت المجتمعات الشبه كتابية والكتابية المرأة  العراقية وذلك عبر الاساطير التى وصلتنا و كيف عبرت عنها لاعمال الفنية الاخرى من منحوتات وفخاريات، فسنرى خلال هذه المسيرة حضورا جوهريا للمرأة صعودا نحوالتعبد لها كالهة تتقاسم السيطرة  مع الذكر. كذلك توليها الملك كحاكمة، بالاضافة الى بروزها في الحياة اليومية كامرأة اعتيادية، كأن تكون عازفة موسيقية او صاحبة حانة اي امرأة عاملة.

حسب اسطورة الخليقة السومرية، قد كان يطلق على الكون اسم (ان - كي)، وهي كلمة مركبة تعنى (السماء- الارض). في هذه الثنائية تعتبر (آن ـ السماء) رمز الذكورة، اما (كي ـ الارض) فهي رمزالانوثة، ومن اتحادهما ولد (انليل اله الهواء). ثم قام(انليل) بفصل المساء عن الارض، وجعل والده مستقلا بعيدا، في حين استحوذ هو على امه الارض. (صاموئيل نوح كريمر ص 84) وهذا الفعل يذكرنا باسطورة اوديب التى طورت لتصبح عقدة اوديب والتى تشغل بال كل علماء النفس كما روج لها (سيجموند فرويد).

 وتستمر اساطير الخلق السومرية لتؤكد على دور الانثى الفعال، حيث نجد الالهة (ننليل) بعد  ان تضاجع (انليل) تلد (القمر) وهوبدوره ينجب الشمس. من استعراض كل هذه الاساطير نجد ان الآلهة الانثوية  كانت دائما تمتلك الكلمة العليا، وكانت على درجة المساواة مع الآلهة الذكورية،  ولم تكن مهمة الخلق موكولة باله واحد، اذ جاء (انكي) مكملا عمل اسلافه، حيث تناديه امه(نمو) بعد ان كان نائما:

(( يا ابنى قم واخلق لنا خدم للالهة لينتجوا اشباههم)..  ثم اعطاها (انكي) وصفة من اجل خلق البشر. هكذا خلق البشر بطلب من الهة انثى...

انكي( اله الارض والسماء) ومنبع النهرين  يمنح الخصب والحكمة

 

 وهذا ما يقوله انكي لها:

(( ايا امي ان المخلوق الذي نطقت بأسمه موجود

اربطي عليه صورة الالهة

اخلطي قلب الصلصال الذي فوق الغور

ان الخالقين الطيبين يكتفون بالصلصال

ان ننماخ الالهة الام سوف تعمل معك من فوق

والهة الولادة سوف تقف معك في خلقك

يا امي قرري مصير هذا الوليد

ان ننماخ(الهة الارض الام) سوف

تربط عليه قالب الالهة..)).

          وهكذا سار عمل الالهة الذكور والاناث متجانسا مكملا لبعضهم البعض، بدون منافسة وبشراكة مقبولة.  في اسطورة اخرى نجد (انكي) يشكو وجعا اصاب احد اضلاعة فخلقت له الهة لتشفيه تدعى (نن - تي) وترجمة اسمها الحرفي (الهة الضلع). ان كلمة (تي) تعنى الضلع اوالمحييه، ومن هنا جاءت صفة الالهة (نن- تي) (السيدة التى تحي او سيدة الضلع). هذا يذكرنا كذلك باساطير التوراة وخلق (حواء) من ضلع (آدم).

       ان ((عينانا)) لدلا السومريين والتي حنملت اسم ((عشتار)) لدى الاكديين، هي الام العظمى ورمز الانوثة التى عبدت في كل البلاد، وفي البداية في جنوب العراق (منطقة الاهوار بالتحديد). انها كانت  الرمز الانثوي للخليقة والمعبرة عن  الخصب. كان اتحادها مع ((دموزي) ـ رمز الذكورة) يعنى عودة الحياة. من اوائل ما يصلنا عن شكل ((عينانا) ـ (عشتار)) كان عبر المزهرية الصخرية من جمدة نصر 3000ق م وفيها نجد ((عينانا)) واقفة وامامها رجل عاري يقدم لها سلة من النذور وخلف ((عينانا)) شعارها حزمتا القصب(الذي يكثر في اهوار العراق).  وهذا رمز يصعب فهم مضمونه الا انه يعطينا الاحساس بالانوثة.((عينانا)) لا يختلف شكلها كثيرا عن حامل النذور الا انها ترتدي ملابس طويلة وشعرها طويل كذلك.  نستطيع ان نفهم  بان ((عينانا)) لم تكن تختلف عن الانسان الاعتيادي وقد منحت شكلا انسانيا بحتا، ولكن رموز الالوهية تحيطها وتبرز اهميتها وتجعلها مختلفة عن الكاهن او ربما المتعبد الذي يقدم لها سلة من الفاكهة. 

رسم من العراق القديم  يمثل خلق الانسان الاول (آدم) بواسطة الالهة(آتوناكي)

 

  اما من الناحية الدينية فان دور الانثى كان اساسيا في الاساطير الدينية العراقية. نتوقف قليلا امام قصة الخليقة البابلية( عندما كان في العلى- واسمها البابلي اينوما ايليش). رغم انها اساسا وضعت لتمجد الاله (مردوخ) ولكنها حكت لنا قصة الخليقة. اذ انها تقول ان الازل والاصل هوالماء، حيث لم يكن هناك ارض ولا سماء بل المياه ممثلة في ثلاثة الهة: (ابسو) رمز المياه العذبة، ثم (تعامات) زوجته رمز المياه المالحه، ثم (ممو) شخصية شبه غامضة احيانا تأخذ موقع الاستشارة واحيانا كثيرة توحي بانها الابن. ويعتقد (فراس السواح) بانها تمثل الامواج المتلاطمة او ربما السحاب اوالضباب ولكن الاسم يعنى  (خلق قوة الحياة).

يلاحظ في كل التاريخ الديني العراقي، تكرار هذا الثلاثي الالهي ، وربما هو سلف فكرة (الروح القدس) الثلاثي، وهو يذكرنا بكل اشكال الثالوث عبر التاريخ من (اللاة وعزة ومناة) العربية الى (برن مرن بر مرين) في مجتمع الحضر( شمال العراق) ،  حتى (الاب والابن والروح القدس) في المسيحية،  حتىالاسلام ليأخذ صيغة التسميات الثلاثة القدسية: (  الله الرحمن الرحيم).

الهة الانوثة (عنانا ـ عشتار)

 

 لنقراء جزء من ملحمة الخليقة الاولى هذه:

((عندما في العلا  لم يكن للسماء اسم

والارض الراسخة في الاسفل

 لم تكن فد سميت بعد

لم يكن هناك سوى

ابسوالازلى

الذي انجبهم

وتعامات- ممو

وهي التى ولدتهم جميعا

وكانت المياه

تمتزج كجسد واحد

لم تكن اكواخ القصب

قد انضفرت

ولم تكن المستنقعات

قد ظهرت..))

 

       نستعرض هنا رقية كانت تستعمل عند الولادة وفيها وصف لكيفية خلق الانسان من الطين بواسطة الهة انثى هي (ارورو) عندما تحولت الى مايدعى ب (مامي):

((انت الرحم الاول الازلي

انت خالقة البشر

اخلقي اذن لوللو

ليحمل النير........

     ليكن من الطين

 لتدب فيه الحياة بالدم..))

             اخيرا، بعد الحديث عن كل هذه الالهات الانثوية في تاريخ العراق القديم، يمكن التذكير ايضا بدور كاهنات المعبد المقدسات اللواتي كان لهن دور اساسي في الديانة العراقية. من النساء الشهيرات التى وردت اسماؤهن الاميرة (انخيدوانا) ابنة الملك (سرجون الاكدي) التى كانت من الكاهنات، حيث عثر على رقيم طينى يصور هذه الاميرة.  مما تجدر الاشارة اليه ان (ام سرجون) كانت كاهنة معبد. هناك قوائم تحتوي على اسماء عديدة لكاهنات وكلهن من بنات الطبقة الحاكمة وهؤولاء الكاهنات من الوجهة الدينية البحتة كن زوجات للأله.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

العودة للفهرس