الزواج العرفي منقذ من عنوسة وملل

 علي عبد الأمير ـ الحياة

فتحت عوالم "انترنت" نوافذ كانت مغلقة في عراق صدام حسين، من أبرزها نوافذ الاتصال مع العالم. وكان الثابت في حياة العراقيين لنحو أكثر من عقدين أن أي اتصال مع العالم من دون إشراف الدولة، يعني التجسس على البلاد، فصار "الآخر" عند المواطن العراقي رديفاً للعدو، وهاجساً ينذر بعواقب وخيمة، ولا سيما أن النظام السابق أوقع عقوبات إعدام بالجملة على عراقيين تعاطوا مع أجانب من دون معرفة أجهزته الأمنية.
الآن هناك عراق جديد، أبرز ملامح التغيير فيه، سقوط العزلة والممنوع (العراقيون يسمون بلدهم، بلد المليون ممنوع). وبعد أن دخلت شبكة المعلومات العالمية، "إنترنت"، متأخرة إلى البلاد ( عام 2000)، أخضعت وسائل استخدامها إلى إشراف مباشر من أجهزة الأمن، وبات بريد أي مواطن تجرأ على استخدم الشبكة تحت رحمة عيون مفتوحة لمخبرين "تسلحوا" بخبرات تقنية لمراقبة ما يتبادله "الإنترنيتيون" في العراق.
ويتصفح العراقيون اليوم مواقع الشبكة من دون مخاوف، متحررين من هواجس عواقب الاتصال مع الآخر، لا بل إنهم باتوا من رواد مواقع غريبة لا تتوقف عند الإباحية الجسدية، وتفننوا أيضاً في إنشاء مواقع تستجيب لوقائع محلية، أبرزها الصراعات المذهبية والقومية والسياسية المحتدمة في البلاد. هناك من يرى في بلدته "مركزاً للدنيا" فيقيم لها موقعاً (الناصرية والكوت والنجف وكربلاء والثورة التي صارت "مدينة الصدر" وكركوك المتنازع عليها بين الأكراد والتركمان ). وثمة مواقع عن طوائف وأقليات ومراقد دينية وعادات وتقاليد.
غير أن للعراقيات خيارات خاصة في تصفح الإنترنت، أبرزها الحديث وبصراحة غير معتادة عبر بوابات المحادثة "تشات" عن الحب والجسد والبحث عن الزواج. والموضوع الأخير في جانب كبير من الأهمية، لما عانته النساء في العراق من العنوسة المرتفعة نسبتها بين العراقيات، وهنا كان الانترنت وسيلة لشابات مغامرات اخترن الشبكة الدولية للحصول على فرص زواج تبعدهن عن شبح العنوسة.
"مجتمع يحتفظ بسرية المعلومات التي تبوح بها المرأة"، هكذا تصف الطالبة في كلية الطب في الجامعة المستنصرية، تهاني، مواقع الانترنيت التي تبحث في فرص الزواج، معتبرة إياها "المجتمع الكتوم". وتضيف: "صحيح أنني مع الزواج عبر الانترنيت وأتابع تلك المواقع باستمرار لكنني لا أفضل زواجاً بهذه الطريقة لنفسي فقد وجدت من يحبني وأحبه".
صاحب مقهى انترنت في "حي الجامعة" في بغداد، علي صالح، يقول إن "خدمات الزواج التي تقدمها شركات الانترنت هي واحدة من أفضل الافكار التي ظهرت في القرن العشرين، ومما لا شك فيه أن أصحاب رؤوس الأموال والشركات الكبرى في بحثهم الدائم عن صفقات ساخنة وذلك بوضع أموالهم في مجال قريب من قلوب البشر، وعندما أتحدث فإنني لا أتحدث عن مقهانا فقط بل على مستوى العاصمة بغداد. ولكن، على رغم أن النساء العراقيات بدأن الدخول إلى مواقع الزواج أو برامج "الشراكة مع أي زوج" إلا أن نسبتهن لا تزال ضئيلة".

                  

وفي مقاهي إنترنت أخرى في أحياء بغداد، وتحديداً في "مقهى انترنت الزئبق"، كانت الشابة رؤى تحاول إخفاء ارتباكها بعد أن عرفت أن صحافياً يحاول استدارجها إلى الحديث عن ما تفضله في الشبكة، وما الذي ترسله في بريدها الإلكتروني. ولكن الطالبة التي بدأت سنتها الجامعية الأولى، ما لبثت أن تخلصت من الارتباك لتتحدث بصراحة: "أؤيد الزواج عبر الانترنيت إذا وجدت من يمثل فارس أحلامي"، فيما يؤكد صاحب المقهى التي ترتاده رؤى "أنها من أكثر اللواتي يدخلن على مواقع الزواج".
"النساء في العراق أكثر من الرجال في تصفح مواقع البحث عن زوج"، يقول مقداد عامر صاحب "مقهى انترنيت الخضراء" في بغداد، ويضيف أن "لموقع البحث عن زوج/ زوجة، خصوصية معينة، إذ يتم إعلان جميع المعلومات في البيانات الشخصية للمشترك، وتلغى أي ألفاظ غير لائقة من أجل الحفاظ على بيئة لطيفة طيبة، فيتم الاحتفاظ بالاسم وتاريخ الولادة قيد السرية، ولا يجوز بيع الاسم أو العنوان الالكتروني، أو أي بيانات شخصية، وكل هذا من أجل أن تظل المراسلات سرية".
ويتابع عامر: "عند مقارنة ما يحدث في العالم من زواج عبر الانترنت، وما يحصل في العراق، فان لا مجال لذكر إحصاء عن هذه القضية، فالبعض من النساء لا يحرجه البحث عن الزواج في انترنت، فيما البعض الآخر لا يفكر بهذه الوسيلة بل لا تخطر على باله أصلاً. وفي المقهى الذي أديره قلة من النساء يدخلن تلك المواقع".
الشابة فاتن المتخرجة في كلية العلوم قسم الحاسبات، تقول وهي تتصفح الشبكة في "مقهى الخضراء": "البحث عن الزواج، أمر صعب جداً، فالزواج مسألة مصيرية، ولا أدري كيف تقوم امرأة بادخال الصفات التي تتمناها في الشريك المثالي في قاعدة بياناتها على الانترنيت، هذا إضافة إلى إدخال صورتها الشخصية، ومن ثم يقوم موقع
e zawaj.com أو أي موقع آخر بالبحث عن الزوج المناسب، إنه أمر لا يعقل حسب تصوري".
الطالب في كلية العلوم السياسية محمد فاضل، تحدث عن زميلته زينب، ساخراً منها: "ترتاد مقهى الانترنيت من أجل الدخول على مواقع الزواج". غير أن سخرية محمد لم تغير شيئاً في "النتيجة الممتازة" التي حصلتها زينب التي وجدت "شريك العمر" عبر برنامج البحث عن زوج. وتمكنت من إقناع جارها القديم في بغداد (مهندس معماري يعمل في لندن حالياً) بخطبتها، حين أرسلت له صورتها الشخصية، بعد دردشة عن صفاتها وصفاته، وتم الاتفاق بينهما، وقرر المهندس المجيء إلى بغداد من أجل إتمام مراحل تأسيس بيت جديد".



الشابة زينة رعد التي تفضل تصفح مواقع ثقافية وأدبية، تقول: "أدخل إلى تلك المواقع التي تبحث عن الزوج المناسب لكنني لا آخذ المسألة على محمل الجد، بل على سبيل الترفيه والتسلية، لأن الزواج شيء عظيم تحكمه علاقة مدروسة عبر سنين التعارف والاختلاط".
وفي مركز البحوث النفسية في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، يعلق مدير عام مركز البحوث النفسية الدكتور الحارث عبد الحميد حسن الأسدي (باحث نفسي معروف له مؤلفات كثيرة) على البحث عن زوج عبر شبكة المعلومات: "الانترنت وكل الوسائل الحديثة هي نتاجات التكنولوجيا المتقدمة التي تعد جزءاً من الجانب المادي في حياة الفرد من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن الزواج شيء مقدس قوامه وجوهره الجانب العاطفي والمعنوي والأخلاقي، فكيف نستطيع أن نوظف المادة بكل قبحها، في موضوع يتسم بالسمو والقدسية والإنسانية العالية؟".
ويضيف الأسدي: "أعتقد أن هذا الزواج لا يمكن أن يكون ناجحاً وأكرر القول، الزواج رباط بين اثنين يذوب أحدهما في الآخر، من أجل بناء أسرة سليمة، ولا أملك الدلالة الإحصائية حول المتزوجين عبر الانترنت وحول حالات الطلاق من الزواج نفسه، لكنني أقول كباحث نفسي إنه غير ناجح وهنا يأتي دور المؤسسات التربوية، فالمجتمع العراقي بحاجة إلى نواد ثقافية اجتماعية، يناقش فيها الأدب أو الشعر أو العلوم لجعل شبابنا يتعارفون بطرق سليمة وبتوجيه اجتماعي مدروس".

ــــــــ

العودة للفهرس