فئات الوطن

نساء يزيديات: الاميرة ميان خاتون والاميرة ونسة الاموي..

 

 جورجيت حبيب ـ الموصل

الطاووس.. وهو الرمز المقدس لدى اليزيدية، وهو رمز الخصب الذكوري،

والذي يرمز الى(الاله تموز) في الديانة العراقية القديمة، ومنه اقتبس اسمه..

 

من المعلوم ان اليزيدية هم طائفة عراقية اصيلة انصهرت فيها منذ القدم التنوعات الاقوامية لسكان شمال العراق، من عرب واكراد وسريان. وورثت هذه الديانة الكثير من الميراث الديني العراقي، منذ عبادة الكواكب العراقية(البابلية الآشورية) ثم المسيحية والمانوية حتى الاسلام الصوفي. الغالبية الساحقة من ابناء اليزيدية يقطنون في سنجار في الموصل، بالاضافة الى بعض القرى في محافظة دهوك. كذلك بضعة آلاف في سوريا وجنوب تركيا..

 للاسف قد غيبت الكتب والمصادر التاريخية قديما وحديثا، والتي تناولت اليزيدية، دور المرأة في المجتمع اليزيدي العراقي. المنصفة منها لليزيدية وغير المنصفة، مكتفية بالحديث عن أسس ومباديء هذه الديانة وكتبها المقدسة وأعرافها وتقاليدها  والنكبات التي تعرضت لها عبر تاريخها الطويل.

ما عدا الدملوجي، مر كل من كتب عن موضوع اليزيدية، مرور الكرام،  مكتفين في كتبهم ودراساتهم وبحوثهم عن ديانة المجتمع اليزيدي وتاريخه. يضاف إلى موقف الكتاب هذا، أن اليزيدية أحاطوا إلى وقت قريب معتقداتهم بالسرية والغموض، الأمر الذي كان له أثره البلاغ في عدم التطرق  إلى موضوع  المرأة عند اليزيدية.

رجال الدين اليزيدية لايحلقون لحيتهم ويظفرون شعرهم.

وكانت القاعدة السائدة في الجيش العراقي تسمح لهم بذلك عند الخدمة العسكرية

 

لكن رغم ذلك يظل للمرأة في هذا المجتمع مثل أي مجتمع آخر دوره البارز والهام. فعلى الرغم من قسوة الأوضاع  فان  ثمة نساء  قمن بدور الـ ( الفقرا)، وهو دور يشبه دور الراهبات في الديانة المسيحية. حيث تقوم المرأة بالخدمة في ضريح الشيخ (عدي بن مسافر البعلبكي) وينذرن حياتهن لأداء هذه الخدمة دون أن يتزوجن.

  يحرم على المرأة التي تنذر نفسها لخدمة معبد الشيخ عدي بن مسافر والبابا جاويش، الزواج أو التزين، ويوكل إليها إدارة شؤون المطبخ وتنظيف المعبد وتحضير الماء وجني الزيتون وخزن زيته وطبخ الحنطة وعمل فتائل للمصابيح الزيتية لإضاءة المعبد وإشعال وإطفاء المصابيح.

ورغم ذلك فمن الملفت للنظر هو عدم جواز وجود النساء في المناصب الروحانية التي تعتبر حكرا على الرجال. كما يمنع المرأة حتى من الاشتراك بالترنم وترديد الأناشيد الدينية مع القوالين في المناسبات المختلفة.

ان المرأة اليزيدية  تتزهد حتى في زيها، إذ ليس من حقها امتلاك اكثر من  زيين، أحدهما ترتديه في الأفراح والمناسبات الدينية ويكون ذات ألوان مختلفة، وملابس بيضاء مع عمامة بنفس اللون في الأيام العادية. في الحياة اليومية فان المرأة اليزيدية تكدح  وتشقى كثيرا. فإلى جانب شؤونها المنزلية فهي تعمل في الزراعة والحصاد، وجني المحصول وتربية المواشي وصنع الخمور والمخللات. ورغم تقليدية المجتمع اليزيدي، إلا أنه  يسمح للمرأة بالمشاركة في الرقص الجماعي مع الرجال في المناسبات السعيدة.

شلال كلي علي بك، نسية الى(علي بك) امير اليزيدية الشهير الذي قتل هناك

من قبل بعض الاغوات الاكراد اثناء الحروب  ضد اليزيدية ..

 

تقاليد صارمة

ان النظام الطبقي التراتبي الصارم الموجود في المجتمع اليزيدي، لا يسمح بالزواج بين الطبقات المختلفة. فالأعضاء في طبقة معينة مثل ( البيرانية، والشمسانية والاتانية والادانية والمريد) لا يتزوجون من طبقات أخرى.   كما شمل تحريم القراءة والكتابة ومنع التعليم لدى الرجال فيما مضى، فان المرأة أيضا أخذت نصيبها من هذا التحريم. ورغم إقبال اليزيدين فيما بعد على التعليم إلا أن هناك تغييبا واضحا لدور المرأة، التي أخذت تتقدم في الآونة الأخيرة في التعليم، وتحتل مراكز مرموقة في مجال تخصصها الدراسي. إلا أن ذلك لم يحرر الرجل في هذا المجتمع من احتكار الأوضاع لصالحهم، من خلال إدامة المواريث والتقاليد البالية التي تبرز دور الرجل وسطوته في المجتمع اليزيدي.

ومثل أي مجتمع عراقي تتحكم الأعراف والتقاليد في حياة اليزيديين حول قضايا الثأر والخطبة والزواج. ومن هذه التقاليد، عدم جواز اليزيدية من غير اليزيدي. ولو حدث ذلك فيتم   طرد المرأة أو الرجل من الديانة اليزيدية. ولن يسمح لهما بالعودة إليها مرة أخرى.

ومن التقاليد الصارمة في الزواج، هو عدم جواز زواج  امرأة من طبقة العوام مع رجال الطبقات الروحية العليا. وبسبب هذه القيود وغيرها يلاحظ انتشار ظاهرة العنوسة في المجتمع اليزيدي. و هذه القيود لا  تسمح لأي شخص بالانتماء إلى الديانة اليزيدية، لأن الشرط المطلوب في الانتماء هو، أن يكون اليزيدي أو اليزيدية من أبوين يزيديين.

ومن الأمور الأخرى المثبتة في الشريعة اليزيدية، تحريم الزواج من أخت الزوجة بعد وفاتها أو طلاقها، وكذلك الأمر بالنسبة لزوجة الأخ وابن العم بعد وفاته.

ومن الموروث الاجتماعي المنتشر قي المجتمع اليزيدي، انتشار عادة خطف الفتاة التي تعتبر من صفات الشجاعة والفروسية. وقد أثرت هذه العادة في الكثير من الأحيان على  قيمة المرأة ومكانتها في المجتمع وتعرضها إلى الاضطهاد. وقد قلت هذه الظاهرة لتعارضها مع القوانين، رغم أنها لا تزال قائمة في المناطق القروية.

ومن الأمور الأخرى التي تؤثر سلبا على وضع المرأة اليزيدية، المغالاة في طلب المهور. حيث يكون لولي أمرها الحق في التصرف بالمهر. بالإضافة إلى ذلك فأنها لا ترث. فليس من حق الزوجة أن ترث زوجها في حالة وفاته لو تركت بيت الزوجية. بينما تظل محتفظة بهذا الحق في حال استمرار بقائها كأرملة في بيت الزوج.  يحرص اليزيديون على عدم إجراء مراسم الزواج ليلة الأربعاء. كما أنه من غير المستحب اقتراب الرجل من زوجته في هذه الليلة، إضافة إلى عدم الزواج في شهر نيسان باعتباره شهرا مقدسا.

على ضوء ما تقدم، لم يمنع غبن المرأة في المجتمع اليزيدي، لكونه مجتمعا يتحكم فيه الرجل، من ظهور شخصيات نسوية قيادية، ذوات عقل راحج. هنا نموذجين لأمرأتين يزيديتين عراقيتين:

الأميرة ميان خاتون

الاميرة (ميان خاتون) مع ابنتها(ونسة) 1935

 

تعتبر الأميرة ( ميان خاتون) بنت عبدي بك وزوجة الأمير (علي بك)، أهم هذه الشخصيات النسوية في تاريخ هذه الطائفة، بعد ان نصبت نفسها وصية على ولدها الأمير( سعيد) الذي كان يبلغ الثالثة عشرة من عمره عند وفاة والده. بعد وفاته في حياة أمه ميان خاتون تولى الأمارة حفيدها( تحسين الاموي) وهو الأمير الحالي لليزيديين.

 

يصفها العارفون بأنها كانت على قدر وافر من الجمال. أمها ( خمى خاتون) بنت جاسم بن صالح بك بن علي. تزوجت من ابن عمها الأمير علي بك وهو في الثامنة عشرة من عمره. بعد وفاته تولى الإمارة ابنه سعيد بك، الذي صار أميرا وهو في الثالثة عشرة من عمره،

ظهرت على (ميان خاتون)، إمارات وعلائم النبوغ والقيادة والقدرة على اتخاذ القرارات في المراحل الحاسمة. وبسبب صفاتها القيادية، تولت إدارة شؤون الإمارة على أكمل  وجه. كما تحملت مع زوجها ظروفا عصبية، لم تتخلى خلالها لحظة واحدة عن شد أزره في المصاعب والمحن، وقد رافقته خلال نفيه الذي دام ثلاثة أعوام  إلى مدينة ( سيواس) بعد نفي السلطات العثماني لزوجها.

إمرأة يزيدية بزيها الموروث من الزي

العراقي القديم(الآشوري البابلي)

 

احترمها شعبها دائما، فقد كانت مهابة الجانب، تتمتع بنفوذ كبير في المجتمع، الذي لم يكن فيه أحد يخالف لها أمرا.  وبسبب تشددها في التسلط  كانوا يبجلونها في حضورها، ويغتابونها في غيابها.

رغم نجاحها وتفوقها في إدارة شؤون الإمارة إلا أنها كانت تميل إلى التشاؤوم لكثرة ما مر ت به من محن. وان لم يمنع ذلك عنها صفات الهيمنة والغرور، كما يذكر ذلك جميع من كتبوا عنها.

كانت الأميرة (ميان خاتون) لخبرتها في أمور الحياة  شديدة الحرص على أموال الإمارة إلى درجة ان المقربين منها وصفوها بالتقتير الشديد. وبسبب معرفتها بمعدن رجال الإمارة ومعرفتها بمكرهم ودسائسهم فقد كانت لا تتودد إليهم كثيرا.

 ويذكر عنها عارفوها بأنها ظلت حتى أيامها الأخيرة تحتفظ بذاكرة وقادة وعقل راجح. لذلك ظلت العشائر تخشاها وتحتكم إليها في نزاعاتها.

ويذكر عنها بأنها كانت جميلة، مضيافة، شجاعة، وان لم تكن تألوا جهدا في اللجوء إلى المكر والخديعة أحيانا للحفاظ على كيان إمارتها.

تصرفت ميان خاتون خلال حياتها كسياسية محنكة، فتحالفت مع العثمانيين أولا ومن بعدهم الإنكليز، لإنقاذ  طائفتها. وقد تعرفت خلال حياتها على العديد من الوجوه السياسية والشخصيات المؤثرة في العراق آنذاك مثل : الملك فيصل الأول، والملك غازي الذي يقال انه كان يزورها في قريتها،وهي لم تهمل رد الزيارة إليه فيما بعد، إضافة إلى علاقاتها مع  صالح جبر ونوري السعيد. كما لم تهمل ضمن سلسلة علاقاتها السياسية بأصحاب القرار في العراق  التودد إلى المسز بيل والقائد لجمن.

الأميرة ونسة الأموي

الاميرة ونسة مع زوجها الاول(سعيد بك) 1941

 

 انها ابنة اخ ( ميان خاتون)، وهي شخصية متعلمة ومتميزة بنشاطات عديدة قدمت فليها خدمات جليلة لشعبها العراقي، وظلت متمسكة بخدمة وطنها رغم زواجها برجل غير عراقي( سوري) كذلك اغترابها في مصر وفي السعودية منذ سنين طويلة. لقد قابلها الباحث الأمريكي جون جست في القاهرة، أثناء إعداده كتابا عن الأمير(إسماعيل الأموي) أمير جبل سنجار ووالد الأميرة (ونسة الأموي)  وشقيق (ميان خاتون). وقد حدثته الأميرة عن طفولتها قائلة :

" كنت أول امرأة من عشائرنا تدخل المدارس. وهذا بحد ذاته حدث مهم. دخلت مدرسة الأمريكان الداخلية بالموصل، ثم كلية بيروت للبنات. وقد حاولت دخول الجامعة الأمريكية، فرفض أهلي ذلك رفضا قاطعا. زوجوني من ابن عمتي بالقوة، وهو من عشيرتنا، بعد وفاته تزوجت من (واصل ارسلان) أب أولادي الأربعة"

تزوجت الأميرة ونسة من السيد( واصل ارسلان)، وهوطبيب  سوري تعرفت عليه في العراق عام 1940. وتصف زوجها، بأنه كان طبيبا جراحا ناجحا في ميدان عمله. ولم يمنعه عمله كطبيب من المشاركة في الأعمال الوطنية في العراق بسبب كراهيته للإنكليز.

 شاركت الأميرة (ونسة) مع زميلات لها في بغداد بتأسيس مجمعات للهلال الأحمر في 1941، في عهد وزارة (رشيد عالي الكيلاني).انتقلت الأميرة (ونسة) فيما بعد مع زوجها إلى لبنان، عادوا منها بعد ثلاث سنوات إلى سوريا، بعد تولي عم زوجها (عبدالحميد ارسلان) منصب وزير الدفاع في سوريا. حيث قامت في حمص بتأسيس جمعية الهلال الأحمر.

السيدة(ونسة الاموي) مع بنتيها(عزة) و(ميام)

مع السيدة (سوزان مبارك) زوجة الرئيس المصري

 

 وبعد انتقال العائلة للاقامة في مصر اثناء الحرب العالمية الثانية، تعرض زوجها  للاعتقال عند وصول القائد الألماني رومل إلى منطقة العلمين، بسبب إصدار الإنكليز  قرارا تم بموجبه اعتقال  كل من أتم دراسته في ألمانيا.

 كما تعتبر من مؤسسي ( الليونز) فرع الزيتون في مصر حيث تشاركها فيها العمل ابنتها (مايان). ولها ابنة أخرى تدعى (عزة) خريجة جامعة أدنبره ـ قسم الكمبيوتر، وكذاك لها ولدان، اكبرهما يدعى (معتز) وهو مهندس يعمل في السعودية والثاني (منتصر) وهو خريج جامعة عين شمس في القاهرة.

لم تتوقف رحلة الأميرة ونسة مع زوجها من السفر والترحال، حيث انتقل زوجها إلى السعودية، الذي عمل في وظائف طبية هناك حصل على الجنسية السعودية.

وصفت الأميرة (ونسة) والدها الأمير (إسماعيل الأموي)  بالمجاهد الكبير. وذكرت انه تحالف مع الإنكليز في البداية ضد العثمانيين، ثم حارب الإنكليز مع عشيرته ليحرر البلاد منهم. كما روت خلال اللقاء أن والدها كان من بين الذين شاركوا في تنصيب الملك فيصل الأول ملكا على العراق.

تقول ونسة عن عمتها الأميرة (ميان خاتون)، أنها حكمت لمدة تسع سنوات، كان الرجال خلالها يخشونها، والعشيرة تحتكم إليها لحل مشاكلها، ولم يكن أحد يعصي لها أمرا في هذا المجال.

ـــــــــــــــــــــ

المراجع

 ـ اليزيدية، صديق الدملوجي، 1949

 ـ نساء عربيات، ألفت قطامش

      ـ اليزيدية، الامير انور معاوية الاموي

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

العودة للفهرس