عشتارات..

 

مغنيات خالدات

ميزوبوتاميا ـ بغداد

 على امتداد تاريخ العراق كانت الجماعات المحاربة القادمة من هضاب آسيا والشام والجزيرة العربية، ما ان تحط الرحال عند ضفاف النهرين، حتى تفقد بالتدريج طباعها البدائية والحربية، ويصيبها الارتخاء في ظلال الخصب والغنى وافياء البساتين، فتميل الى حياة المتعة والخمرة والطرب. وقد سجلت لنا منحوتات اسلافنا مشاهد عديدة لحياة الطرب والموسيقى. ويعتبر العراقيون اول من سجل الالحان، وابدعوا الآلات العديدة ومنها القيثارة والعود.

    افضل نموذج واضح ومعروف بالتفاصيل على هذه الحياة هو ما عرفناه عن العصر العباسي، حيث ازدهر طرب القيان والجواري والغزل بانواعه المؤنث والمذكر. اتسعت العلاقات والتبادلات الثقافية بالأمم والأقوام الأخرى. و تكرست مشروعية التجارة بالرق والجواري مما أضفى على ذلك العصر ازدهارا وتنوعا في الثقافات والمعارف و الفنون الموسيقية والغنائية بسبب الوافدين من النساء والرجال من جهات الدنيا الأربع. كما انتقلت الى المجتمع يومذاك  والمرأة بشكل خاص طبائع وعادات وتقاليد نقلتها القيان من النساء ممن احترفن العزف والغناء والرقص في البيوت الخاصة وفي منازل العوائل العراقية خلال الأفراح والمناسبات.

كانت في بغداد والكوفة والبصرة بيوت للغناء يحيي فيهن القيان الليالي بالغناء والعزف وارتجال الشعر وكان الوجهاء والشعراء والشخصيات المعروفة من أول رواد هذه البيوت. ورغم كوارث التاريخ فقد ظل الغناء وسيلة للتعبير عن ازدهار الحياة والأمل معا. وكان من اشهر مغنيات ذلك الزمان سلاّمة الزرقاء وسعدة وربيحة وسحيقة وعبادة  وجوهر وغيرهن ممن اشتهرن.

وفي العصر الحديث شهدت المدن العراقية وبغداد بشكل خاص ازدهارا في فن الغناء..وتعددت الأصوات النسوية منذ مطلع القرن العشرين حين وفدت أصوات عربية ومحلية لتجعل من ليالي بغداد واجوائها الاجتماعية خصوصية حضارية تنم عن تطور الذوق وأدوات التعبير وعن تنوع الظروف التي تؤدي فيها النساء دورا في بيئة المجتمع يومذاك..

لقد ساهمت مطربات العراق القديم والحديث في إثراء الوجدان من خلال فن الغناء وارتبطت كل واحدة منهن  بأشجان وذكريات لأجيال وأجيال. هنا جردة سريعة ومختصرة عن بعض الاسماء المعروفة في هذا المجال:

صديقة الملاّية.. ندابة عاشوراء..

صديقة الملاية ايام الشباب

 

هي فرجة بنت عباس ولدت في بغداد عام 1909ونشأت في بيت احترف أهلوه الندب ورواية القصائد التي تستدر البكاء في المناسبات الدينية..والأحزان..كما يقدمون الغناء في الأفراح. سميت صديقة الملاية (وهو اسم فني)  لأنها كانت تقرأ في تعازي النساء خلال شهر محرم الحرام وفي العشرينات اشتهرت وعلا نجمها..فغنت في البيوت والملاهي والنوادي الليلة وبلغت شهرتها مكانا مميزا لما يمتاز به صوتها من اتساع يبلغ درجات الصعود والنزول  أي القرار والجواب في أداء أنواع المقامات العراقية والبستات والأبوذيات والأغاني.                         

الفنانة بعد ان غدر بها الزمن ونكر جميلها الوطن!

 

 وقد بدأت إذاعة بغداد تبث أغانيها مفردة لها خلال سنوات الثلاثينيات فترة خاصة بأغانيها يستمع اليها المحبون..وكما كل القصص التي سمعناها عن نهاية المجد..فــأن  صديقة الملاية بعد ذلك العز..وقلائد الذهب والمال..والدار أصبحت في السبعينات تستجدي عند باب الإذاعة..لا يعرفها الاّ القليلون..

 

سليمة مراد.. اليهودية العراقية الاصيلة

وزوجة الفنان الكبير ناظم الغزالي

 

ولدت سليمة مراد عام 1905في محلة الطاطران ببغداد وهي من عائلة يهودية عراقية نشأت وسط بيئة شعبية تردد البستات العراقية وتعشق المقام..والمربّع والوان الغناء الأخرى. وقد تعرفت مبكرا على مغنين وعازفين  معروفين في تلك الفترة يوم لفتت الانتباه الى صوتها الجميل وقوته.وقد تلقفتها الفرق الفنية بحيث شكلت مع صالح الكويتي وداود الكويتي ثلاثيا من يهود بغداد الذين كان لهم دور كبير في الحفاظ على المقام العراقي وتطويره.غنت في ملاهي بغداد التي كانت يوم ذاك نوادي ليلية رفيعة المستوى والذوق يحافظ روادها على تقاليد الاستماع..والتذوق. وقد اشتهرت في فترة الثلاثينات..حتى ان ام كلثوم حين زارت بغداد لم تجد من تغني له غير سليمة مراد التي تعرفت اليها وغنت أغنيتها المشهورة ( كلبك صخر جلمود ماحن علية) التي قامت بتحفيظها لأم كلثوم وتعليمها مخارج الحروف وتلفظ الكلمات العامية الصعبة.

فرقة غناء عراقية من اليهود

 

 أصدرت سليمة العديد من الأسطوانات. وسجلت في برلين في تموز 1934اسطوانت معروفة كما سافرت في نفس العام الى باريس لتقم فنون الغناء..والبستات والمواويل.تزوجت عام 1953 الفنان ناظم الغزالي وعاشا معا وكانا ثناثيا فنيا متميزا مثلا الغناء العراقي حتى نهاية حياتهما حين توفيت سليمة مراد عام 1974 تاركة مئات الأغاني وعشرات التسجيلات التي قلما يخلو بيت عراقي منها ومن اشهر اغانيها،..يانبعة الريحان..وكلبك صخر جلمود ماحن علية.

 

وحيدة خليل

 ولدت وحيدة خليل في قرية من قرى الجنوب الزاخر بالفنون.عام 1914 ونشأت وهي تستمع الى أطوار الغناء،،والمواويل والبوذيات التي كانت تتري عفوية بأصوات الجنوبيين الذين يمتلئون شجنا وحزنا. وفي صباها تعرفت الى صوت الملاّية خلال الطقوس الحسينية في عاشوراء..وفي نفس الوقت كانت تصغي الى أصوات معروفة في الغناء الريفي : حضيري ابو عزيز  وداخل حسن وآخرين.وحين وصلت الى بغداد عام 1940 كانت قد أتقنت فنون الأداء فضلا عما تميزت به من أناقة وحضور وخصصت لها الإذاعة مكانا بارزا بين مطربي الريف كونه الصوت النسوي الوحيد في بداية الأمر قبل ان تظهر الفنانة لميعة توفيق. وقد لحن لها اهم الملحنين العراقيين مثل الفنان عباس جميل..ومحمد نوشي وآخرون ومن اغانيها:

انا وخلي تسامرنة وحجينه. وتوفيت الفنانة اواسط التسعينات بعد مسيرة فنية متميزة.

ــــــــــ

زهور حسين

 

اشهر الأصوات التي غنت اغاني ريفية واغنيات شعبية عراقية حققت شهرة واسعة حتى يومنا هذا.

ولدت زهور حسين عام 1924..ونشأت تغني وهي طفلة وحين شبّت ابتدأت الغناء في البيوت العراقية  حتى بلغت سمعتها معظم المدن العراقية وخاصة مدينة بغداد..حين استضافتها ملاهي بغداد عام 1938وكانت تعتمد على صوتها الجميل في اداء الموالات  التي تعتمد فيه على نصوص شعبية..ونصوص شعرية لشعراء معروفين وخاصة الشاعر محمد سعيد الحبوبي..

في عام 1942 دخلت الإذاعة  وغنت غريبة من بعد عينك يايمة ومجموعة مقامات ومواويل فشدت الأسماع وغدت مطربة الحفلات في البيوت والأماكن العامة..احتظنها العديد من الملحنين ومنحوها اجمل الألحان..أصدرت العديد من الأسطوانات..وأثرت التجربة الغنائية العراقية حتى وفاتها في حادث سيارة عام 1964..

ــــــــــ

منيرة الهوزوز

 

الهوزوز هو الغرام والحب. وهكذا كانت اغنية منيرة كنية لها وعنوان شهرة، ويختلف المؤرخون في تاريخ ولادتها بين 1890 و1900 لكنها حين بلغت الخمسين عام 1940 كما تقول الرواية أنها تركت العمل في الملاهي. ومهما  اختلفت الروايات فان منيرة الهوزوز رائدة من رواد الأغنية الشعبية التي كانت تذاع على أجهزة الفونوغراف..اعجب بها الشاعر الرصافي فكتب لها وعنها..وكثر من حولها المعجبون. قيل انها بدأت راقصة في ملاهي الميدان ببغداد وحصلت على شهرة وفيرة قادتها للغناء والشهرة والمال..ولكن بكل اسف فأن نهاية الفنانين المبدعين واحدة كما يبدو اذ تحكي الروايات ان حياة منيرة الهوزوز انتهت أواسط الخمسينات بعد فقر وعوزوظل المحبون يرددون ياعيني عيني الهوزوز..

ـــــــــ

عفيفة اسكندر

 

ولدت في العشرينات وكانت ذات صوت جميل..أمها يونانية كانت تعمل في المسرح والغناء وتعزف والدتها على اربع آلات موسيقية  ووالدها مسيحي عراقي عازف معروف..اضطرت لتنوب عن والدتها يوم مرضت فلفتت الأنظار وعرفت مطربة ناشئة لها مستقبل كبير. بدأت عام  1935 تجربتها في ملاهي بغداد ونواديها فقد تزوجت وهي في الحادية عشرة من رجل فنان مسرحي يكبرها بكثير سافرت الى القاهرة وغنت هناك وتعرفت عام 1938 الى الأديب الشهير المازني والشاعر إبراهيم ناجي شاعر الأطلال..فأحبت الشعر والأدب وغنت الكثير من النصوص الشعرية العباسية والقديمة مثل ( ياعاقد الحاجبين..على الجبين اللجين..ان كنت تقصد قتلي..قتلتني مرّتين) وكان منزلها مجلسا ثقافيا يحضره ادباء بغداد وشخصياتها الثقافية وما تزال عفيفة الى اليوم تطل من منزلها على دجلة يزورها المحبون ويواصلها القليلون من الأوفياء.

ــــــــــ

لميعة توفيق

 

ولدت في ثلاثينات القرن الماضي1938 وترعرعت في بيئة فنية لها صوت متميز وعريض عرفت به مذ كانت طفلة وغنت في اشهر الملاهي والنوادي الليلية وضمتها الأذاعة العراقية في عام 1952وقدمت اغاني ومواويل وابوذيات كثيرة وعرفت بغنائها الريفي ومطاولتها..عرفت بأغاني الهجع وهو وزن ريفي راقص اشتهرن به مطربات الغجر وسجل لها التلفزيون أغانيها..وبقيت واقفة أمام ألما يكرفون تغني حتى انطفأت ذبا لتها في تسعينات القرن العشرين تاركة العشرات من اشهر الأغنيات.

ــــــــــ

مائدة نزهت

 

ولدت مائدة نزهت عام  1937  في بغداد ونشأت وتعلمت في مدارسها ظهرت مواهبها الغنائية في طفولتها وتقدمت لاختبار الإذاعة عام 1950 ونجحت فيه وغدت من اشهر مطرباتها..لحن لها عباس جميل وسمير بغدادي وعلاء كامل وكانت من أوائل المطربات ممن ظهرن في تلفزيون بغداد عام 1956 الذي يعتبر اقدم تلفزيون في العالم العربي غنت طويلا وسافرت واشتهرت..

وعرفها الجمهور بصوتها العذب وخياراتها المتميزة..تزوجت الملحن وديع خندة وعاشا ثنائيا متكاملا..وانجبا وتفرغا للحياة..ولأنها حفظت القرآن الكريم وهي طفلة فقد انصرفت للعبادة بعد ان حجت الى بيت الله الحرام

ـــــــــــ

احلام وهبي

ولدت في بغداد أوائل الأربعينات وعرفت الفن مبكرا وتعلمت الأداء فنجحت في الإذاعة واستقبلها الجمهور حيث عرفت بأغانيها الخفيفة سريعة الإيقاع فضلا عن أدائها الراقص أحيانا..اشتركت في تمثيل أفلام عربية وعراقية وسجلت فيها بعض أغنياتها..سافرت كثيرا وقدمت أغانيها العراقية في القاهرة ولبنان وماتزال تقدم في مناسبات خاصة بعض اغانيها..وهي تتواصل مع ابنها وأحفادها ومجتمعها الذي أحبته واحبها.

ــــــــــــــــــــــــ

العودة للفهرس