عشتارات

 

رسامات في المهجر:عفيفة العيبي، إيمان علي خالد، ورملة الجاسم..

عدنان حسين أحمد / أمستردام

a.h.ahmed@chello.nl

 

لوحة للفنانة (عفيفة لعيبي)

 

مذ بدأت تتبلور أولى ملامح الفن التشكيلي الحديث في العراق كانت المرأة العراقية حاضرة، وإن اختلف حجم هذا الحضور وقوته. ففي باب الريادة الزمنية يمكننا الإشارة إلى الفنانة(مديحة عمر)، التي تُعد أول من أدخل الحرف العربي في الرسم، و(ناهدة العمري)، التي كانت أول سكرتيرة تجمّع فني عراقي إنبثق إلى الوجود، و(نادرة عزوز)، التي تُعتبر أول فنانة تجريدية عراقية، و(نزيهة سليم) التي تعد أول فنانة عراقية وفي العالم العربي تدْرس (الفن التشكيلي)، و(خلود فرحان سيف)، أول نحاتة عراقية، إضافة إلى المنجز الفني الذي قدمته الكثير من التشكيليات العراقيات. وإذا كانت مرحلة الخمسينات وما قبلها تمثل إرهاصاً حقيقياً لولادات فنية جديدة، فإن جيل الستينات كان حافلاً بأسماء إبداعية مهمة تركت منجزاً فنياً واضحاً في الرسم، والنحت، والسيراميك أمثال (نهى الراضي) " أول من تخصص في الفخار "، (سميرة عبد الوهاب)،( وداد الأورفلي)، (سعاد العطار)، (ليلى العطار)، (ساجدة المشايخي)، (سالمة صالح)، (بتول الفكيكي)، (مهين الصرّاف)، (عبلة العزاوي)، (فاتن كمال عبد الجبار الكيالي)، (أديبة القاضي)، (نعمت محمود حكمت)،( سوسن سلمان سيف)، (ناثرة آل كتاب)، (" أمل " أميلي  بورتر)، (سهام السعودي)، (نجاة حداد)، (سلمى الخوري)، (هيلدا أبو لحيان)، (ثريا النواب)، (سميرة الصرّاف)، (زينب عبد الكريم) وأخريات لا يسع المجال لذكرهن جميعاً. أما جيل السبعينات فقد إحتفى بظهور وجوه فنية جديدة بين حشد كبير من الفنانين العراقيين، ومن بين هذه الوجوه النسوية يمكننا الإشارة إلى، رؤيا رؤوف، سهى شريف يوسف، أناهيت سركيس، رملة الجاسم، أنسام الجرّاح، زهرة المفتي، ملك مظلوم، سعاد حميد، ميسلون فرج، خلود الدعمي، سلمى العلاّق،  زينب مهدي، سندس عمر علي، فريال الأعظمي، إيمان عبد الله، وعفيفة العيبي. ومن جيلي الثمانينات والتسعينات يمكننا الإشارة إلى إيمان عبدالله، إيمان علي خالد، ميسلون فرج، هناء مال الله، نهاية خلف، مها مصطفى، دلفين شينغالي، رغد عبد الواحد، أماليد علوان، لمياء عبد الصاحب، كولار مصطفى، رنا جعفر ياسين وغيرهن من الفنانات العراقيات سواء في الداخل أو في الخارج. هنا ثلاثة نماذج من رسامات اصيلات يعشن في المنفى:

عفيفة العيبي

الفنانة برسمها

 

       هي من مواليد البصرة عام 1952، خريجة كل من معهد الفنون الجميلة، قسم الفنون التشكيلية، بغداد عام1974. ومعهد " سوريكوف" للفنون الجميلة، موسكو " الفن الجداري "عام 1981.عملت في عدد من الصحف والمجلات العراقية. ثم غادرت موسكو إلى إيطاليا عام 1982، وعاشت في روما حتى عام 1984، ومن هناك إلى اليمن الجنوبي، ثم إلى موسكو فإيطاليا في أواسط الثمانينات. ساهمت في الكثير من المعارض  في العراق وفي مختلف البلدان.

         تنحدر الفنانة عفيفة لعيبي من أسرة فنية لها باعُ طويل في الثقافة والفن التشكيلي والصحافة، فضلاً عن الهاجس السياسي اليساري الذي تلّبس هذه الأسرة منذ زمن بعيد. فلا غرابة أن تكون بدايتها الفنية مختلفة ومغايرة وخارجة عن السائد والمألوف، فأغلب الفنانات العراقيات من جيلي الخمسينات والستينات لم يكن يخرجن عن دائرة البيت والمعاناة المنزلية، بل أن البعض منهن لم تخرج عن إطار الحياة الزوجية آنذاك كسعاد العطار وليلى العطار، وإذا قُدر لإحداهن أن تتمرد على هذه القيود فإنها تكتفي بالخروج إلى الطبيعة  لتصوير الحياة القروية كما فعلت الفنانة نزيهة سليم.

احدى لوحاتها

 

أما الفنانة عفيفة العيبي فقد كانت متكئة على إرث ثقافي مغاير ومتحرر كان يسمح لها بحرق العديد من المراحل دفعة واحدة، فلهذا قفزت إلى قلب المجتمع بجرأة وشجاعة ودونما منغصات، وحاولت أن تكون عنصراً فاعلاً فيه من خلال معالجتها للقضايا الاجتماعية الكبيرة، ففضلاً عن كونها فنانة أصيلة وموهوبة، فهي امرأة سياسية، قوية، متحدية، جادة، مسؤولة تتمتع بنًفسٍ تقدمي لا يمكن إغفاله أو التغاضي عنه، وربما لهذا السبب كانت بدايتها جريئة وصاخبة بعض الشيء، وهذا ما يفسر لنا عنف لوحاتها الأُول على الصعيدين التقني والمضموني.

إن الموضوع الأثير للفنانة عفيفة العيبي هو موضوع المرأة التي تتخذ منه أشكالاً متعددة كالأم والأخت والصديقة والحبيبة، ولكنها في أغلب الأحوال تتشح بوشاح أسطوري بوصفها رمزاً للخصب والعطاء والحياة المتجددة، ولكن ثمة تركيز واضح لا تخطئه العين الباصرة على الجمال الغامض، الآسر، الذي  يتفجر شباباً وحيوية ونضارة حتى وإن كان في عز وحدته، وعزلته، وانكماشه على ذاته، وانطوائه على كينونته الداخلية المحتفية بنفسها.

إيمان علي خالد

 

هي من مواليد بغداد، العراق. خريجة قسم الرسم، معهد الفنون الجميلة، بغداد عام 1984.عملت كمصممة أزياء في دار الأزياء العراقية من 1984 ولغاية 1992. شاركت في العديد من المعارض المحلية والإقليمية والعالمية.

تعتمد الفنانة إيمان علي على أربعة أساليب فنية وهي التشخيصية، والرمزية، والتجريدية، والتعبيرية التجريدية، لكن التشخيص قد غاب في معرضها الأخير لصالح المنحى التجريدي، كما بدت موضوعاتها أكثر اختزالاً، وألوانها أكثر توهجاً وإشراقا من معارضها السابقة.. وقد تمحور معرضها الأخير على ست ثيمات فنية، بعضها امتداد وتطوير لموضوعاتها السابقة التي تنحصر في معالجة " ثنائية الرجل والمرأة " مع التنويع على آلية التقاط المشاعر والأحاسيس الداخلية لهما في لحظات الانفعال والتوهج الوجداني، وأبرز هذه الموضوعات الموضوعات الجديدة هي " عيون في ترحال " و " موت إلهها " و " اشتياق لقُبلة ". وتأتي هذه الانعطافة الفنية بعد التطور الأخير الذي حدث في حياتها الشخصية على الصعيد النفسي، وما تنطوي عليه الذات البشرية من إضطرابات روحية، وقلق وجودي، وتشظيات داخلية ناجمة عن عدم إنسجام " الروحين المتنافرتين " اللتين كانت " متآلفتين " فيما مضى، لكنهما قررتا أن تمضي كل منهما إلى برزخها الخاص، وتغوص فيه باحثة عن شيء ضائع. لذلك تناولت ثلاثة موضوعات لتكريس هذه الحالة، وتطوراتها الإيجابية عبر ستة أعمال فنية، كل إثنتين منهما يعالجان موضوعاً واحداً.

احدى لوحات الفنانة ايمان

 

 وقد إنضوت هذه الثيمات تحت العناوين التالية " انتحار حلم "  وهذه الفكرة هي امتداد لسقوط المحبوب الذي كانت تقدسه، و " صديق لك " وهي بداية لحياة جديدة لابد منها، فنحن محكومون بالتقدم إلى أمام، وملزمون بترسيخ " نعمة النسيان " وأخيراً " أرواح محلّقة " أو " عشاق الشمس، عشاق القمر " وفي هذين العملين هناك رؤية جديدة، وتقنيات مغايرة تدلل على إفادتها الكبيرة من عين الكاميرا السينمائية التي تلتقط صورها من زوايا علوية شاهقة تذكرنا بـ " عين الطائر " أو زوايا سفلية تُرجعنا إلى أعيننا البشرية لحظة تعلقها بالمشاهد المدهشة في كبد السماء. وفي المعرض هناك لوحات أخرى تتمحور حول المنحى الصوفي الذي تتوق الفنانة لملامسته والوصول إليه، وأهم هذه اللوحات هي " إحتضان " و " إندماج روحي ". وفي الآتي سيرتها الذاتية والإبداعية:

رملة الجاسم

هي من مواليد الناصرية، العراق، عام 1955. خريجة قسم الغرافيك، معهد الفنون الجميلة في بغداد عام 1977. أقامت عدداً من المعارض الشخصية. لها ديون شعري مخطوط بعنوان " يا ذا العينين الخاكيتين.. يا وطني.

بالرغم من أن الفنانة رملة الجاسم خريجة قسم الغرافيك إلا أنها لم تنقطع نهائياً عن الرسم سواء بالألوان الزيتية أو المائية، كما أنها لم تتخل عن رسم التخطيطات والسكيتشات للصحافة الأدبية على وجه التحديد. ثمة مسحة رومانتيكية تهيمن على المنجز الفني لرملة الجاسم، هذه الفنانة التي تبنّت المنحى التعبيري أول الأمر، ثم زاوجت بين التعبيرية، والتعبيرية التجريدية. وفي زاويته القيّمة في صحيفة " المؤتمر " قال الشاعر والناقد التشكيلي فوزي كريم عن واحد من أعمالها الفنية، والذي هو إمتداد لجزء كبير من تجربتها الفنية، وولعها بالآلات الموسيقية بوصفها مفردات تشكيلية أثيرة لديها، قال عن لوحة المرأة التي تحتضن غيتاراً " مثلثات لونية في لوحة مثل هذه، لا بأس أن تجد هيئات إنسانية تعيدك بوجوهها إلى تاريخ قديم، سومري ربما أو مصري، بصحبة آلة قيثار كهربائي حديث. الفنانة رملة الجاسم، برقة لونية وحدود بين الكتل لا تكاد تبين، أرادت ذلك، وإرادتها مقنعة.

احدى لوحاتها

أن احتضان الرجل الشاعر بلحية وجدائل وعيون غائمة وذراع مقطوعة كمنحوتة توحده بالأسطورة للقيثار، واحتضان المرأة " الأنثى الخالدة " للرجل وللقيثار معاً، يتلاءم تماماً مع احتضان الكتل اللونية الدافئة بعضها لبعض. إن حذف قليل من الخطوط التوضيحية يعيد اللوحة إلى مؤاخاة بين مثلثات لونية لا محدودة. الرأس، الجسد، القيثار، المساحة ما بين الرأسين وما حولهما، ضرب من المؤاخاة بين التجسيد والتجريد، بشاعرية ناعمة الحركة، لا عنف فيها.". نستخلص من الآراء النقدية التي قيلت بحق الفنانة رملة أنها ما تزال أمينة لأكثر من مذهب فني، ولعل أبرز هذه المذاهب هي التشخيصية، والتعبيرية، والتعبيرية التجريدية. وفيما يلي نبذة تعريفية بحياة الفنانة وتجربتها الفنية.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

العودة للفهرس