(كواكب في سماء النهرين)

لميعة عباس عماره.. شاعرة النهرين الصابئية..

هيفاء الجادرـ لندن

 

إنها شاعرة العراق (لميعة عباس عمارة)،المولودة في بغداد قرب الشواكة في الكرخ سنة 1929م ونشأت في مدينة العمارة. وأخذت الثانوية العامة في بغداد، وحصلت على إجازة دار المعلمين العالية سنة1950م،وعينت مدرسة في دار المعلمات.
أمضت لميعة زمن طفولتها مريضة،
وكان لاغتراب والدها عن العراق أثر عميق في نفس الابنة الشاعرة، وخاصة أنها التقته لشهرين فقط، ثم توفي، لكنها بقيت وفيةً لذكراه في شعرها. لقد بدأت (لميعة) تقول الشعر في سن مبكرة،فكان عمرها 15 سنة،عندما أرسلت بواكيرها الشعرية إلى (إيليا أبي ماضي) الذي تربطه بوالدها صلة صداقة واغتراب في بلاد المهجر، فأعجب بشعرها وصار يشجعها وسماها الشاعرة الصغيرة. بدأت بالشعر الهجائي الساخر، وبقيت روحها الساخرة ظاهرة في شعرها، أقامت سنين عديدة في بيروت قبل أن تهاجر، وأصدرت سبع مجموعات شعرية، مع إنها انقطعت زمناً عن الشعر، بعد زواجها وإنجابها أربعة أولاد.
يقول عنها د.
بدوي طبانة: (لميعة... عركتها أنياب الدهر، ومخضتها نوائبه منذ طفولتها، فكانت كالزهر يصيبها الطلل، فيزيدها تألقاً والتماعاً، وتنال منها الحوادث، فتشحذ عبقريتها وتثير كوامن مواهبها).

  تقيم شاعرتنا منذ سنوات  في مدينة سان دييغو في ولاية كالفورنيا ـ الولايات المتحدة.

 وكانت عضوة الهيئة الإدارية لاتحاد الأدباء العراقيين في بغداد[ 195 1963]. كذلك عضوة الهيئة الإدارية للمجمع السرياني في بغداد. وهي ايضا نائب الممثل الدائم للعراق في منظمة اليونسكو في باريس[ 1973-1975].  مدير الثقافة والفنون / الجامعة التكنولوجية / بغداد. في عام[ 1974] منحت درجة فارس من دولة لبنان. لها سبعة دواوين شعرية مع ديوان ( بالعامية) والعديد من المؤلفات المنشورة والغير المنشورة وترأس حاليا تحرير مجلة ( مندائي) التي تصدر في امريكا.

 

الحنين الى الوطن

رغم البعد عن الوطن فأنها الشاعرة (لميعة) متمسكة بوطنها وكذلك يجذورها المندائية العراقية.

في هذه الصورة نساء صابئيات يتعمدن في ماء دجلة..

يؤمن الصابئةبالانبياء آدم وشيت وسام بن نوح ويحيى بن زكريا(يوحنا المعمدان)..

وقد ورثت هذه الديانة الكثير من رموز الديانة العراقية القديمة،

منها تقديس الكواكب السبعة التي اطلق عليها تسميات ملائكة..

 

                                            

 في امسية  شعرية احيتها (لميعة) على قاعة منتدى الكوفة في لندن  بتاريخ 30/4/1999 حضرها العديد من الشخصيات العلمية والثقافية العراقية والعربية المقيمة، وكان برفقتها ولدها السيد (زيدون مبارك جودة). وقد استهلت الشاعرة الأمسية بمحاضرة عن الشعر العامي واستخداماته في الحياة الاجتماعية مثل الغزل والزواج والمآتم وكيف كان الناس يتغنون بالشعر الشعبي ويتناقلوه من مكان لآخر مثل:

((نذرك يشيخ ادخيل نوط أبو المية  /من افز والكي هواي غافي اعلى ديه..))

وكيف إن كل شعر ملحن ينشد في الفرح فهو غناء والذي يقال في الحزن فهو ( نواعي) وأن جنوب العراق يمتاز عموما بشعر المراثي لأنه تحت وطأة حزن دائمة منذ أقدم العصور فظهر شعر ( النواعي) أي شعر البكاء الذي تنشده المرأة وهي جالسة والذي يترافق بصوت الباكيات وقد أوردت الشاعرة نماذج كثيرة عن ذلك وعن الأنماط الأخرى0 ثم تطرقت إلى غزارة المفردات في الجنوب وغنى العامية بهذه

((ذاك الفراش الجان مفروش  /وذيج العيال الجانت تروش /صفينا يخوية بسبرة اطروش..))

وقبل البدء بقراءة مقاطع من ديوانها ( بالعامية) أكدت على إنها من دعاة الفصحى ومن المتشددين والمتمسكين بها وإن الذي دعاها إلى نشر هذا الديوان هو إلحاح الأصدقاء والحذر من أن ينشر غيرها شعرها العامي وما يحتمل أن يصاحب ذلك من تحريف أو تشويه. استهلت قراءتها بقصيدة بغداد منها :

(بغــداد)


عشر الملايين الهواهم
  /ولا لي عوض  /فاركتهم بالرغم  /فرض علي انفرض

وما صاحبي بعدهم /غير التعب والمرض /والدمعتين التنام بشعري تالي الليل
اكول خلصت
/وثاري الخلص بس الحيل /أدري جبيرة الأرض /بس مالي بيها غرض..

ثم اتبعتها بقصيدة ( يا نهر) التي كتبتها من ضفاف السين شوقا لدجلة، ثم ( أرد أسألك) و ( السلطان) وغيرها. وترقرقت الدموع في عيون الحاضرين عند القائها الرائع لقصيدة:

( يامْي)

 

كنت أرفع الراس اكول /آنه من النهرين /أهلي أساس الحضارة  العلت الألفين
واليوم
.. /صرت انحرج لو سألوا انت منين /غمك بعظمي الحزن /والوجع شل فكري
وآنه ابتسم
/حتى اغطي حيرتي وقهري /يارب أفرغ علي صبرا، وهى صبري
يارب أفرغ علي صبرا، وهى  صبري
/عمٍان مسرح مآسي، وناسنا الأبطال
وجوه كئيبة وذليلة مدثرة باسمال
/والجان سيد كريم اليوم حاله حال
حيران وين المفر ؟ يكول ما ادري
/وصدر البحر ارحم     وخلي القضا يجري
يارب أفرغ علي صبرا، وهى صبري
/يارب أفرغ علي صبرا، وهى صبري

يارايحين الحلب عوجوا على بغداد /أخذولي وياكم دوا، وحليب للأولاد
صعب وطويل الطريق، وخطر واهلي بعاد
/والغربة طالت، وطالت، وانتهى عمري
لا النوح خفف، و لا هو من الوجع يبري
/يارب أفرغ علي صبرا، وهى صبري
يارب أفرغ علي صبرا، وهى صبري
/يمي الكصايبها بيها السعف متغاوي
من عتبة الخير بيتج بالفرح ضاوي
/ياوسفه هسه التفتي لعشنا الخاوي
بحسرة علشوفة وداع ودمعتج تجري
/ومنين احط لي جناح ولمي بيه اسري
يارب أفرغ علي صبرا، وهى صبري
/يارب أفرغ علي صبرا، وهى صبري

 

ثم القت شاعرتنا قصيدة تيمنا باحد الاعياد المقدسة المندائية:

         دهفانة ديمانة

تعميد فتاة صابئية في نهر دجلة

 

مبارك دهفة ديمانة، مبارك دهفة ديمانة /وماري يبارك المندي ويحفظ هذي الديانة
مبارك دهفة ديمانة، مبارك دهفة ديمانة
/كل طفل التعمد بيه يسدد عقله ولسانه
ما احلاه بالرستة الجديدة وشاد هميانـة
/وكل واحد تعمد بيه يعلى ويقوه ايمانــه
يشوف الدين درب الخير والمندائي اخوانه
/مبارك دهفة ديمانة، مبارك دهفة ديمانة..

ــــــــــــ

العودة للفهرس