كواكب في سماء النهرين

مبدعات ورائدات: ناهدة الرماح، نزيهة سليم،

زينب، حياة شرارة، لطفية الدليمي..

د. علوان السيد ياسر ـ بغداد

 

ناهدة الرماح : رائدة السينما العراقية..

الاسم الكامل: ناهدة اسماعيل القريشي

الاسم الفني:  ناهدة الرماح

ولدت في بغداد في محلة (الحيدر خانه) وبدأت حياتها الفنيةلاول مرة في سنة 1956-1957 بطولة في  فيلم (من المسؤول) انتاج شركة سومر اخراج عبد الجبار ولي. كانت اول فتاة (من عائلة) تمثل في السينما، حيث كان دخول المرأة في العمل الفني، المسرح والسينما خصوصا، امر صعب بسبب تعارضه مع مفاهيم العفة والشرف السائدة آنذك، لهذا كان محصورا فقط بفتياة الملاهي.

في عام 1957 انتمت الى فرقة المسرح الفني الحديث ومثلت (الرجل الذي تزوج امراة خرساء) مترجمة عن الفرنسية اخراج ابراهيم جلال، ثم مسرحية (ايراد ومصرف). في نفس العام ساهمت مع طلبة معهد الفنون الجميلة بمسرحيتين هما (القناع وحفلة زواج) من اخراج ابراهيم الخطيب. وكذلك استعراض عن العالم العربي وعن ثورة الجزائر. وواصلت العمل مع الفرقة، وبعد ثورة 14 تموز، حيث ساهمت في المسرحية السياسية (انا امك ياشاكر).

 ظلت هذه الفنانة الكبيرة والرائدة نشطة خلال سنوات طويلة مثلت فيها في المسرح والسينما والتفوزيون والاذاعة، في  نتاجات عراقية واجنبية عديدة.

 

                                                

كارثة العمى ثم المنفى

     في ليلة 10 ـ 1 ـ 1976  كانت الفنانة تشارك في مسرحية( القربان) الشهيرة التي اعتبرت حينها  حدثا في المسرح العراقي، وهي مقتبسة من رواية  للروائي العراقي الكبير (غائب طعمة فرمان). في  تلك اللية الليلاء وفجأة ومن دون سابق إنذار وبينما هي في كواليس المسرح فقدت الفنانة نظرها، ولم تعد ترى أي شيء!!

      هذا الحدث اثار ضجة شعبية وقد تعاطف معها كافة العراقيين. على اثر ذلك ارسلها رئيس الجمهورية في ذلك الوقت احمد حسن البكر الى لندن للعلاج على نفقته الخاصة. هذا الحدث اشعر الفنانة كم كان الجمهور يحبها ويقدرها ووقف الى جانبها في محنتها، بحيث انها صرحت : (( لقد نسيت الظلام الذي عشت فيه وكان حب الناس لي هو النور)).

     لكن زمن الكوارث لم ينتهي على الفنانة وعلى امة العراق بأكملها، حيث إضطرت الى الهرب من الوطن عام 1979 وفقدت كل ما تملك، بعد حملات القمع والموت ضد كل العراقيين الرافضين الانتماء للحزب الحاكم.. ولا زالت الفنانة تعيش في المنفى  وفي العمى  التام منذ ذلك التاريخ وحتى الآن!!

 خلال عدة سنوات ظلت تتنقل من بلد الى بلد حتى استقرت في لندن عام 1983. ولازلت حتى الآن تعيش فيها.

 

الكتاب الذي اصدره المخرج العراقي (جواد الاسدي)

عن حياة الفنانة (دار كنعان للدراسات والنشر 2003)

ــــــــ

الراحلة (زينب) الفنانة والرائدة الكبيرة..


انها الفنانة المسرحية الكبيرة(زينب) ابنة الحلة الفيحاء، التي رحلت الى رحمة ربها في 13 ـ آب ـ  1998، وهي تعاني عذابات المنفى والشوق الى وطنها الحبيب. اسمها الحقيقي، (فخرية عبد الكريم)، أما (زينب) فهواسمها الفني.

وتعرف بين اوساط المسرحيين ( ماما زينب) أو ( الأم) لأدوارها المعروفة في هذا السياق مثل دور الأم الخبازة في مسرحية النخلة والجيران، ودورها في مسرحية ( الأم) و( أنا أمك يا شاكر) وغيرها، وهو يتصل أيضاً برعايتها للفنانين الشباب بعد هجرة عدد كبير من المسرحيين العراقيين نهاية السبعينات وبداية الثمانينات، كما ساهمت خلال وجودها في دمشق، وعدن وبيروت، بتأسيس عدد من الفرق المسرحية العراقية وهي من اوائل الفرق المسرحية خارج الوطن. ولعل ابرزها فرقة بابل في دمشق.

لقد عرفنا زينب شخصية وطنية فذة ،أوقفت حياتها وفنها لخدمة قضية الشعب والوطن منذ صباها وحتى آخر يوم من حياتها المليئة بالعطاء ،على الرغم من كل المصاعب التي جابهتها ،من فصل ،وتشريد واختفاء وسجن واغتراب عن الوطن ،فمن منا لا يتذكر أدوار زينب في مسرحيات [النخلة والجيران ] و[ أني أمك يا شاكر ] و [تموز يقرع الناقوس ] و [الخرابة] و[ نفوس ] و [ الخان ] و[دون جوان ] والعديد من المسرحيات الأخرى ،والتي أعطت فيها كل ما تستطيع ،مؤمنة برسالة الفنان الملتزم بقضايا شعبه ووطنه ،وقضايا الإنسانية جمعاء .

ولم يقتصر دور الفقيدة زينب على المسرح فقط ،بل كان لها دور ريادي في السينما منذ الخمسينات ،حيث شاركت ،وبأدوار مهمة في فلم [ سعيد أفندي ] و فلم [ أبو هيلة ] بالاشتراك مع الفنان الكبير يوسف العاني ،كما قامت بدور البطولة في فلم  [الحارس ] الذي أخرجه الفنان خليل شوقي ،والذي نال جائزة مهرجان قرطاج الذهبية . وبالإضافة إلى إنتاجها المسرحي والسينمائي ،فقد كتبت العديد من المسرحيات للإذاعة والتلفزيون كان منها [ليطه ] و[ الربح والحب ] و[ تحقيق مع أم حميد بائعة الأحذية ] والعديد غيرها .

اضطرت الى هجرة الوطن ،إثر الحملات القمعية  التي شنها البعثيون ضد المناهضين للحكم الدكتاتوري، فقضت فترات طويلة من حياتها في المنافي بدءً باليمن ثم سوريا وأخيراً استقر بها المطاف في السويد حتى وافاها الأجل.

 ولقد استمر عطاءها الفني في بلدان الغربة ،ومآثرها الجمة في الميدانين الوطني والفني،حيث ساهمت في تشكيل [ فرقة الصداقة في عدن] و[فرقة بابل في سوريا] و[ فرقة سومر في السويد ] بالتعاون مع رفاقها[ لطيف صالح ] و[ صلاح الصكر]  و [ سلام الصكر ] و[ رياض محمد ] و[ صباح مندلاوي ] و[ اسماعيل خليل ] و [أنوار البياتي ] و [ روناك شوقي ] و[ سهام حسين ] ،وقد قدمت هذه المجموعة الكبيرة من الفنانين والفنانات أعمال هامة كان منها [ مسرحية الحصار ] و[ ثورة الموتى]و[ القسمة والحلم ] و [ المملكة السوداء ] و[ رأس المملوك جابر ] و  [الأم ] و [ سالفة أم مطشر ] و [ خماسية الحوذي ـ الوحشة].

((تخليدا لذكرى الفنانة الراحلة زينب والتي وافاها الأجل في منفاها في السويد, انتهى المخرج طارق هاشم من تصوير فلم تسجيلي يتناول جوانب من حياة وتجربة الفنانة الراحلة)),,

ــــــ

التشكيلية المبدعة  نزيهة سليم

 

الفنانة مع امها واخويها ، وكذلك الوالد

 

الرسامة (نزيهة سليم) آخر ما تبقى من عائلة تضم اشهر التشكيليين العراقيين، ومن اشهرهم شقيقها النحات الكبير (جواد سليم) مصمم نصب الحرية في بغداد. هذه العائلة التي ابتليت بالموت المبكر، فقدت (جواد سليم) ومن بعده نزار وسعاد، وظلت نزيهة تعيش في عزلة، تعالج محنتها الصحية بمفردها، وفي أحيان تزورها تلميذاتها لرعايتها، نزيهة التي تعيش هذه الايام اكثر من محنة خلفها الاحتلال، وضعف الخدمات جعلتها في ازمة صحية قاسية.

                                   

n.saleem.jpg (30764 bytes)

واحدة من لوحاتها الشهيرة

 

ولدت في تركيا من والدين عراقيين عام 1927. لقد كان والدها ضابطا في الجيش العثماني وينتمي الى الرسامين الاوائل، معلمها الأول.. فقد كان يدعمها ويرعاها الى جانب سعاد وجواد ونزار، وقد شاركت، في وقت مبكر، خلال عقد الخمسينيات والستينيات، في رسم المشهد الحديث للتشكيل في العراق.. لتحافظ على أثر جواد في صياغة اهداف جماعة بغداد للفن الحديث. وجواد ذاته كان قد درّسها تاريخ الفن في معهد الفنون الجميلة ببغداد. ثم اكملت دراستها للفن في المدرسة العليا للفنون الجميلة في باريس ( 1947- 1951) حيث تخصصت في الرسم الجداري. كان باستطاعتها البقاء كمعلمة للفن في فرنسا بسبب تفوقها حيث كانت الرابعة على دفعتها في جائزة روما، لكنها اختارت ان تعود للعراق على الرغم من ان الآفاق التي فتحت لها في الخارج. وطوال نصف القرن الماضي شاركت الفنانة في نشاطات مختلفة كإسهامها في جماعة بغداد للفن الحديث.. وفي تأسيس جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين، الى جانب دورها التربوي كأستاذة في معهد الفنون الجميلة حتى عام 1982.. واخلاصها لفنها جعلها تكرس حياتها لاستكمال مسيرتها الفنية، فقد عالجت قضايا المرأة، والعمل، والطفولة، بالأسلوب الذي يعبر عن مزاجها وشخصيتها.. فاسلوبها حافظ على ثيمات لا ينفصل فيها الخيال الخصب عن ملاحظاتها الدقيقة في رسم النساء والطبيعة والموضوعات الاجتماعية.

ـــــــــــــــــ

حياة شرارة.. المترجمة والباحثة والكاتبة

في الاول من ايلول من عام 1997 غادرت الحياة كاتبة عراقية قديرة، وأستاذة جامعية بارزة، تلك هي الدكتورة حياة شرارة، غير ان مما يؤسف عليه أنها فارقت الساحة الثقافية بطريقة غير تقليدية، وباسلوب مأساوي هو (الانتحار)!!

لقد كانت حياة في سلوكها الاجتماعي، وتوجهها الثقافي، وانتاجها العلمي، ورؤيتها الحياتية ضد النزعة الظلامية مؤمنة بالانسان، وحتمية انتصاره، كما كانت مفعمة الاحساس بالمستقبل الزاهر، ولكن الظروف وقساوة الطغيان، وثقل الحصار، كل ذلك أضعف روح المقاومة لديها، وهذا هو الذي كان...يمتاز انتاج حياة بالتنوع، فقد كتبت: الرواية، القصة، الدراسة، المقالة والترجمة، كما انها زاولت (التحقيق) ونظمت الشعر، ومع تعدد المناحي الثقافية، واختلاف منابعها سعة في الثراء، وعمق في الغنى.عاشت في بيئة يؤمها الشاعر والقاص على حد سواء، وكان والدها المرحوم (محمد شرارة) نفسه شاعرا كبيرا أسمعها الكثير من شعره، كما كان ذا مجلس أدبي عامر يحضره عمالقة الشعر كالجواهري، السياب والبياتي.

في هذه الاجواء الزاخرة بالادب، والشعر والثقافة ازدهرت شخصيتها ونمت، فأحبت الشعر وحفظت عيونه، وآمنت بالكتاب وسيلة ابداعية، وبالثقافة منهجا حياتيا.  كان ذلك منذ نعومة الأظفار، وصغر الجدائل، وطراوة العقل، وطفولة المخيلة.   وسمحت الحياة لحياة ان تسافر الى روسيا، بلد الرواية والقصة القصيرة، بلد دستوفسكي، بوشكن، انطوان تشيخوف، تولستوي وغوركي، والرعيل الاول من عمالقة الثقافة لدراسة الادب الروسي عامة وتولستوي خاصة! وتأتي روايتها "اذا الايام أغسقت" الصادرة بعد وفاتها بمراجعة وتقديم شقيقتها الاديبة (بلقيس شرارة) لتعبر عن معاناة الاستاذ الجامعي في ظل النظام السابق، والمواجهات الحادة التي اضطر الى خوضها.

أن اهتمام( حياة شرارة) بالادب والبحث  لم يصرفها عن الالتفات الى دراسة حياة شاعرة كبيرة هي نازك الملائكة. فكان كتابها "صفحات من حياة نازك الملائكة" الصادر ببيروت سنة 1994 (دار رياض الريس)، دليلا على ذلك. دوّنت في هذا الكتاب السيرة الذاتية للشاعرة نازك الملائكة وقد أطلقتها سيرة نابضة بالحياة من خلال دراسة ميدانية سجلتها من خلال الاتصال بعشرات الأشخاص ابتداءً من الشاعرة وأخواتها إلى أقاربها وأصدقائها ومعارفها. سيرة يعيش معها القارئ ومع الشاعرة الناقدة حياتها بكل خلجاتها وبكل نبضاتها، يدخل القارئ في عمق بغداد وعاداتها وتقاليدها ويتعرف على الطراز المعماري، والأهم من ذلك يعيش مع نازك الملائكة وبداية تجربتها في الشعر التي امتلكت سيادته فخطت بذلك لنفسها طريقاً خاضت من خلاله تجربة كانت قاسية في زمن لم يكن للإبداع الأنثوي مكان فيه.

ــــــــــــــــــ

 

لطفية الدليمي..عالم النساء الوحيدات

لم تكن لطفية الدليمي ابنة بعقوبة قد خططت لتكون روائية حين جاءت للدراسة في معاهد بغداد في ستينات القرن الماضي..

كما لم تكن تريد تحقيق هدف ذاتي حين انتمت للعمل النسوي في منظمات  تلك المرحلة المتطلعة..فقد أنهت الدراسة الابتدائية والمتوسطة في ديالى ودرست في معهد المعلمات  ببغداد الفنون المنزلية  وتخصصت فيها تربويا وإبداعيا.. أحبت الطبيعة وهي ابنة بساتين البرتقال والطبيعة الصحية المفتوحة قبل تلوّث الحروب وجنون الآله ودمار التسلط المقيت على البشر والطبيعة وتأملت طويلا لتمنحنا فكرا صافيا وإبداعا مميزا..وانتماء للطبيعة الصافية

أنها تتأمل طوال الوقت في سيرة الحياة وهي في جانب من حياتها تدعو الى العودة الى الطبيعة كما في كتابها الذي لم تؤرخه ضمن إبداعها الأدبي ( الأنسان والغذاء الحي) وهو صرخة متفجرة ضد الغذاء الصناعي الذي عزل الأنسان أبعده عن أمه الطبيعة..ألغى الهامات الطبيعة للأنسان المرهق تحت ضغط الحياة وربما كان الكتاب نتاج الدراسة والتجربة الفردية لثرائه الفلسفي ومرجعيته الحضارية العميقة..واذا كانت لطفية الدليمي تعزل بين تجربة الكتاب هذا وتجربتها الأدبية فأنها لا تلغي سلطة الآخر في النظر الى تلك الفلسفة القائمة على الدعوة للعودة الى الطبيعة وعلاقتها بمجمل نتاجها الثقافي ونشاطها العام اليوم..لقد اصدرت لطفية الدليمي ـ عالم النساء الوحيدات مجموعة قصص تقول إحدى بطلات قصصها..سلمى بصوت أسيان:نحن نخسر حياتنا كل لحظة، سواء كنا في البيت او خارجه..كل شيء يذوي ويذوب الزمن ويجنح بنا نحو الأفول واصدرت : موسيقى صوفية/ وترن الهواتف..ولن نموت /ومالم يقله الرواة /وضحكة اليورانيوم /والمغلق والمفتوح.. وسلسلة من الدراسات والبحوث في مؤتمرات المرأة العربية المبدعة..ومقالات ولقاءات تتمحور حول هاجس الحياة والبقاء والخلق كما ورد في الفكر العراقي القديم..وكما اجترحه العراقي عبر القرون. وكانت دائما تاخذ مادتها من طبيعة الأنسان والطبيعة في بيئة المكان.. وهي تترأس اليوم مركز شبعاد لدراسات المرأة في بغداد وتجهد من اجل ان تكون المرأة في صورة الحاضر..وحلم الغد حيث يكون الزمن اكثر وعدا بان العراق سيكون وأن المرأة العراقية ستمنحه المعنى..وطاقة البقاء.

ـــــــــــــــــــــ

العودة للفهرس