(لغات عراقية)

الاصول السومرية الاكدية الآرامية لبعض الكلمات العراقية..

حسام قدوري عبد جامعة واسط

Husam_abed2000@yahoo.com

 

(الكفة) واحدة من الكلير من الكلمات السومرية التي لا زالت في اللهجة العراقية. منها

مثلا ( ييزي/ يكفي) و(شاكو ماكو) و( كش/ اهرب) الخ.. من المعروف ان اللغة السومرية

قد ادخلت الكثير من الكلمات في اللغات السامية، عن طريق اللغة الاكدية العراقية التي

تعتبر من اقدم اللغات السامية. مثلا ، كلمات (قلم)و(هيكل) و(دغا / دعاء)و(ان/ الآن)

و(آول/ هائل)و(اور/ارض)و(قن/ قينة أي جارية)وغيرها الكثير ، كلها من اصول سومرية.

 

 

     ان للدرس الساميّ المقارن أهمية كبيرة في إيضاح كثير من معالم الدرس اللغوي العربي، لا في الفصحى وحدها، وإنما يتعدى ذلك إلى اللهجات بأنواعها، ومنها العراقيات على وجه التحديد ؛ لأن العراق كان مهد الأكديين والسريان والمندائيين، وغيرهم، فحفلت العاميات العراقيات بتلك اللغات القديمة، وهذه محاولة في تفسير بعض الألفاظ العاميات، ودراسة تطورها، ولست أزعم أنها الأُولى، ولكنني حاولتُ جهد الإمكان أن أربط بين ما أدرسه من ألفاظ واللغة العربية الفصحى ؛ كي أجد الدليل على تفسير بعض ألفاظ الفصحى أيضا، وبذا تتصف الدراسة بالمزج في تحليل الكلمات، وتتبع تطورها، ودلالات ذلك التطور فيها.

(1) - إنجانة([1][1])

كلمة عراقية تدل على إناء عريض

 يُستعمل في العجن وغسل الثياب، وهي(نجانة)، و(معجانة) أيضا.

     لمح ابن فارس الأصل الدقيق للجذر(عجن)، فكان في مخيلته معنى له وهو: " اكتناز شيء ليّن، غير صلب "(المقاييس:(بلم))، وبذا يسير البحث على خطى صحيحة في دراسة هذه الكلمة وتطورها الدلالي.

     ففي الأكدية يدلّ الجذر على معنى قريب من فهم ابن فارس، يدلّ على الطين والصلصال، وكلاهما مما يوصف بالاكتناز والليونة، وما زلنا نصف الطين بالعجن، فنقول: عجن الطين، ثم أصاب الكلمة تطور ملحوظ، فأصبحت تدلّ على ما يعرف بالزبدية، أو السلطانية ؛ وهو إناء معروف، للشرب وغير ذلك. ويلاحظ أن التسمية Agannu إنما أُطلقت على هذا الإناء بلحاظ ما صنع منه ؛ وهو الطين.(CDA، p:(A 6)).

     وقد تطور المعنى إلى لحاظ كيفية الصنع وهي الفخر بالنار، فأصبحت تدلّ على معنى(المرجل)، ويُلمس هذا التطور في الأُوجاريتية ؛ إذ أصبح الجذر Agn  يدلّ على الإحراق، وتطور بالمجاز ليصبح دالا على الحقد(Ug، p:351 )، ووصف الحقد بالنار معروف ظلّ في أدبيات العرب، ومنه:

     اصبر على مضض الحسـو       د فإن صبرك قاتلـه

     فالنار تأكل نفســـــها       إن لم تجد ما تأكـله

     وزعم Gordon أن أصله لاتيني مردود بما يذكر من تفسير مقبول لتطور هذا الجذر دلاليا، فلا حاجة بعد ذلك إلى الاقتراض الذي افترضه.(Ug، p: 351).

     والذي يهمنا دلالة Agannu على الإناء، فقد تطور هذا اللفظ في العبرية ليصبح دالا على إناء يستعمل في غسل الثياب، والعجن.(BDB، p: 8).

     والأمر في الآراميات كذلك، كما في المندائية مثلا وهي لغة قوم من العراقيين، ويلحظ أن التطور أصاب دلالة المفردة بلحاظ ما يعجن فيها كالطحين، أو الثياب، فلم يعد ينظر إلى المادة التي تصنع منها(الإجانة).

     خلاصة القول: إن الإجانة أكدية قديمة، دلت على إناء معين، تطورت في العبرية والمندائية لتدل على إناء العجن، وغسل الثياب، هذا المعنى ظلّ في عاميات أهل العراق إلى يومنا هذا.

     ويقوي ما ذكرنا أن بعض العراقيين يسمونها(معجانة) على أصلها الصوتي الأول ؛ لأنها من(عجن) لا من(أجن).

     وأصاب الكلمة تطور صوتي(قانون المماثلة)، إذ فكّ الجيم إلى صوتين، هـما(ج + ج) ثم أصبح(ن + ج)، فأصبحت تلفظ(إنجانة).

     وقد أصاب الكلمة تطور صوتي آخر فحذفت الهمزة وكسرت النون عوضا عنها، فأصبحت(نجانة)، ثم أصابها تطور آخر فقلبت النون لاما ؛ لأنهما ذلقيان يسهل إبدالهما، فأصبحت(لجن)، وتطور دلاليا ليدلّ على إناء للشرب، وهو عود للمعنى الأصلي الأول في الأكدية، وهو تطور يكاد يكون غريبا ! في رجوع التطور إلى المعاني الأولى التي أخذت منها الكلمات.

     ومنه(المئجنة) أيضا، وهي خشبة القصار الذي يصبغ الثياب، وتوهم ابن فارس فظنّ أنها من الجذر(وجن)، وهي من الباب نفسه ؛ لأنها تعجن بها الثياب، وهي في العامية(ميجنة) بالياء، والله العالم.                          

(2) - بلم.(3) - إمبلّم.

والبلم: الزورق المعروف، ويقال للرجل الساكت، وغير الراضي : إمبلّم.

     يرد الجذر Blm  بمعنى كمّم، أو سدّ فاها، أو يكبح جماحا في اللغات الساميات، كأقدمهنّ تدوينا؛ الأكدية     (CDA، p: B 2)، والعبرية(BDB، p: 117)، وكذا في اللغة المندائية(M، p: 65).

     ولنا أن نتساءل: ما الصلة بين هذا المعنى، وما يرد في العامية من معان ؟.

     في قراءة مادة(بلم) في مقاييس ابن فارس، يتضح جليّا الجواب على سؤالنا هذا. يرى ابن فارس أن(بلم) يدلّ على معنيين:

 الأول منهما ورم يصيب حلقة رحم الناقة(حياؤها)، وذكر أنه يصيب الشفتين، (من البشر أيضا)، وذكر أن الإبلام السكوت، يقال أَبْلَمَ إذا سَكَتَ.

أما الثاني فنوع من الخوص، وذكر مثلا من أمثال العرب، وهو: "المال بَيني وبينك شِقَّ الأُبْلُمَة ". وعلة ذلك أن الأبلمة إذا شقت طولاً انشقت نصفين من أولها إلى آخرها.

أقول: إن الأصل في هذا الجذر أن يدلّ على السكوت، والدليل على ذلك بقاء هذا المعنى في هذه اللغات، وإن اختلفن في دلالات هذا السكوت، وما نتج عن هذا الاختلاف من معان مجازية أُخرى.

وقد تطورت المعاني من هذا الأصل ؛ فدلّ في غير العربية على الجبر في فعله، لا على الاختيار، فكانت من معانيه:(كمّم، وتسلّط، سدّ، الخ)، أما في العربية، والعامية العراقية، فقد بقي على الاختيار، لا الجبر، بل قد يدلّ على تطور آخر في العامية فيه، وهو الانزعاج والغضب المصاحبين للسكوت.

وفي تصور الباحث أن معنى(بلم): الزورق في العامية العراقية جاء من شكل انطباق الشفتين حال السكوت، فالبلم يشبههما كثيرا على ذلك الوصف، ويؤيده أن البلم مرض يصيب الشفتين في العربية، ويصيب حياء الناقة أيضا، وهو مقارب له في الشكل أيضا.

وقد أصاب الكلمة تطور دلالي فأصبحت تطلق على إناء طويل للأكل، لشبهه بالبلم.

أما ما ذكره عن الخوص الذي يسمى الأُبلم، فالأمر لا يختلف كثيرا ؛ فهو مشابه لوصف انطباق الشفتين، وانقسامهما إلى جزأين متناصفين، متشابهين، فالبلم، والأبلم، و(المبلم)، وغير ذلك، كله مقترن دلاليا بوصف شكل معيّن للشفتين، أخذ يتطور إلى معان قريبة، تكاد تظهر لمن لم يطلع على أصلها الأول متباعدة غريبة، وهو الأمر الذي جعل ابن فارس يحكم بأن البلم أصلان مختلفان، لم يحكم الصلة بينهما، كعادته في غيره من الجذور.

والغريب أن مادة(ب، ل، م) تقترن بالشفتين دلالة، ونطقا ومخرجا، فالباء، والميم شفويان، وكذا اللام القريب في مخرجه منهما، وهو أمر يدعو للتدبر !؟

وقد وهم الشيخ الحنفي في تأصيل(البلم) فجعله من Palm اللاتينية بمعنى النخلة ؛ إذ كان يصنع من جريدها وكربها، وربما اتخذ من جذوعها إلى آخر كلامه في(معجم اللغة العامية البغدادية.1/592).

أقول: ظهر ضعف ما ذكره خلال البحث، مع مراعاة أن النخل لا ينمو في بلاد اللاتين، ويصعب صناعة الزوارق العراقية الخفيفة الوزن من النخل.

(4) أنجر

وهو مرساة السفينة، ويستعمل لتثبيتها حال رسوها، وهم يستعيرونه للدلالة على الرجل الثقيل غير المرغوب فيه.

     ويلفظ الجيم فيه على أصلها السامي، وقد رصد الخليل بن أحمد الفراهيدي البصري(ت / 170 هـ) هذه اللفظة، وصرح بعراقيتها، قال: " والأنجر مرساة السفينة، وهو اسم عراقي، "(العين:(نجر))، والذي يهمنا تأصيل عراقيتها، وهو أمر صحيح، إذ ورد في(CDA، p: A18 & E11) مادة Angurrum، وتلفظ Engurrum أيضا، وتعني الغاطس تحت الماء، ومما يقوي هذا الرأي ورودها في اللغة المندائية أيضا وهي لغة عراقية قديمة - Angara، بمعنى الأنجر(M، p: 25).

     وأصل هذا اللفظ الجذر(نجر)، ومعناه معروف. وقد فصل الخليل في طريقة صناعته، وزعمه أن اللفظ عراقي دليل على عدم سماعه له في غير العراق، ومعروف سكنى الخليل في البصرة، ومنها اطلع على كثير من الألفاظ العراقية التي رصدها في معجمه العين.

     ومن الطريف أنه ذكر مثلا عاميا عن الأنجر، ما زال يقال إلى يومنا هذا، وبالمناسبة نفسها، فالعراقيون يصفون المرء الثقيل على النفس بقولهم:(ذاب أنجر)، أي كأنه سفينة ثابتة، وهو ما ذكره الفراهيدي بقوله: " ومن أمثالهم: فلان أثقل من أنجر."

     وقد تسرب اللفظ إلى الإنجليزية، بتغيير بسيط لا يكاد يذكر، فهم يطلقون على المرساة Anchor، ولا أدري متى تسرب هذا اللفظ إلى هذه اللغة !؟.

(5) يبحوش.(6) باهش.(7) يبحش.

يقال في العراقية: يبحوش ؛ لمن يبحث بجدّ عن شيء ما، ويقال: باهش للذي يرغب في كل شيء، يريد حصوله، ويقولون: يبحش النعمة ؛ أي يزهد فيها، وينكرها.

     الأصل في هذه المفردات الثلاثة، الجذر(بحث)، الذي أصابه الإبدال الصوتي في اللغات الساميات الأخرى، فأصـبح ينطق  Bhs، في اللغة المندائية، العراقية أيضـا، (M، p: 54 )، وأخذ الصوت الثاني فيه(الحاء) بالتغير ؛ فأصبح ينطق حاء مرة، وهاءا مرة أخرى، وكذلك صوت الثاء الذي أصبح شينا، فظهر بسبب ذلك الفعل(يبحوش) بمعنى(يبحث)، واسم الفاعل(باهش) بمعنى الصيغة نفسها(باحث).

     وهذا كله سهل مستساغ، إلا أن(يبحش) بمعنى عدم ارتضاء النعمة والبطر يحتاج إلى مزيد تأمل؟

     ولكي نصل إلى الجواب الشافي لتحليل هذه المفردة، نرجع إلى نص ابن فارس في الجذر(بحث)، ونجد أمر مهما وهو الفرق بين(بحث)، والجذر(فحص)، قال: "(بحث) الباء والحاء والثاء أصلٌ واحد، يدلُّ على إثارة الشيء. قال الخليل: البحث طلبك شيئاً في التُّراب. والبحث أن تسأل عن شيء وتستخبر. تقول استَبْحِثْ عن هذا الأمر، وأنا أستَبْحِثُ عنه. وبحثْتُ عن فلانٍ بحثاً، وأنا أبحث عنه. والعرب تقول: " كالباحثِ* عَنْ مُدْية"، يُضْرَبُ لمن يكون حَتْفُه بيده. وأصله في الثَّوْر تُدْفَن له المُدْيةُ في التُّرابِ فيستثيرُها وهو لا يعلَم فتذبحه، قال:

ولا تَكُ كالثَّوْرِ الذي دُفِنَتْ له         حديدةُ حَتْفٍ ثمَّ ظلَّ يُثِيرُها

قال: والبحث لا يكون إلاّ باليد. وهو بالرِّجْل الفَحْص "(المقاييس:(فحص)).

وقال في مادة(فحص): " الفاء والحاء والصاد أصلٌ صحيح، وهو كالبحثِ عن الشيء. يقال: فحصت عن الأمر فحصاً. وأُفحوص القَطا: موضِعُها في الأرض، لأنَّها تفحصه. وفي الحديث: " فَحَصُوا عن رؤوسهم"، كأنَّهم تركوها مثلَ أفاحِيص القَطا فلم يَحلِقُوا *عنها. وفحَصَ المطرُ التُّرَاب، إذا قلَبَه ".

أقول: أصاب(بحث) تطور صوتي فأصبحت(فحص)، واكتسب دلالة جديدة، وهي استعمال الرجل في البحث، ومنه أُخذ الفعل العامي(يبحش) النعمة، بمعنى طرده إياها برجله، ومازلنا نقول في العامية: يرفس النعمة برجله !!

 

(8) يكطل.

في عرف المزارعين: يكطل الزرع بالجيم السامية، أي يخرج الدغل الفاسد منه، وينظفه، وفي لغة أهل واسط، الكطل: الوسخ.

     وأصل الجذر(قتل) في العربية، ينطق على وفق التطور الصوتي الذي يحدث في اللغات الساميات، ففي المندائية(Gtl ) وتلفظ التاء طاءا(M، p: 87)، وإبدال التاء طاءا وبالعكس إبدال صوتي معروف في العراقية وعامياتها، فهم ينطقون البطاطا:(بتيتة) بالتاء، ويسمع من بعضهم(اصطنصاخ) بالتفخيم، يريد به(استنساخ).

     والأصل في معنى(قتل) الإذلال والإماتة، على حد قول ابن فارس، وهو جار في الحيوان والنبات على السواء.

     والكطل، بمعنى الوسخ، بمعنى اسم المفعول، كأنهم أرادوا المكطول، أي الذي أخذ تنظيفا.

(9) سنسول.

والسنسول بلغة العراقيين: العمود الفقري، وغالب إطلاقه على السمك.

     وأصل الكلمة بابلي، هو (esenseru)  وتلفظ بالميم(esemseru)، وتعني العمود الفقري، وعظم الظهر، ومنه مجازا قاع السفينة، (المعجم الأكدي: 126).

     واللفظ في العربية على ما يرى الباحث:(سلسل)، بمعناه الأصلي، وقد جرى قانون الإبدال الصوتي على حروف الذلاقة فيها، وهي النون واللام والراء، وهو أمر وارد جدا 

 

 
 


    (10) انقهر.

يقولون: انقهر، بمعنى حزن.

     والأصل في هذا المعنى  Ghr)) في المندائية بمعنى حزن(M، p: 81)، والأصل في هذا الجذر الغلبة والعلو، وقد ورد: أقهر الرجل، إذا صُيّر الرجل في حال يُذلّ فيها، والظاهر أن في(قهـر) معنيين ؛ الأول إيجابي، هو الغلبة والعلو، والآخر سلبي، يوصف به من يُعلى، أو يُغلب، وأظهر ما يظهر منه الحزن، فكأنه من باب المجاز بما يؤول، أو ما يلازم من المعاني.

 


المصادر:

·  معجم المقاييس في اللغة، ابن فارس(ت / 395 هـ)، حققه: شهاب الدين أبو عمرو، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت، ط / 2، 1418 هـ 1998 م.

·    معجم اللغة العامية البغدادية، الشيخ جلال الحنفي، دار الحرية للطباعة، بغداد، 1398 هـ 1978 م.

·    العين، الخليل الفراهيدي، تح: د. مهدي المخزومي، و د. إبراهيم السامرائي، بغداد، 1980 م.

·    المعجم الأكدي، عامر سليمان وآخرون، منشورات المجمع العلمي العراقي، بغداد، 1420 هـ 1999 م.

·    * A Mandaic Dictionary، Oxford University Press 1963.

·           * A concise Dictionary of Akkadian(CAD)، by ; Black.J، George A، Postage N.I، Wiesbaden 2000.

·           * Hebrew and English Lexicon of the Old Testament(BDB)، clarendon press: Oxford، 1979.

                         * Ugaritic Textbook، Glossary، Cyrus H. Gordon، Roma، 1965.


(1)          والكلمة تبدو غير مقبولة في الفصحى، فهي على حدّ قول ابن فارس(ت / 395 هـ): " كلام لا يكاد أهل اللغة يُحقّونه "، المقاييس، مادة(أجن).

 


 

العودة للفهرس