تيار المقاومة السلمية يتعزز في أوساط الفلسطينيين

 

داني روبنشتاين(هآرتس 30/8/2003)

 

كان القول المعروف جدا لرئيس الحكومة الفلسطينية، محمود عباس(أبومازن)، حتى قبل أن يتولى منصبه، أن الفلسطينيين يجب عليهم انهاء الانتفاضة المسلحة، وقد تحدث وكتب في ذلك كثيرا وشرح أن حقيقة ان جماعات فلسطينية تستعمل السلاح الحي والمواد المتفجرة والهجمات الانتحارية تضر ضررا سياسيا بالغا بالقضية الفلسطينية، وقال أبو مازن : علينا ادارة صراع وانتفاضة بدون عنف.

ليست الفكرة جديدة، فمنذ سنوات اقترح رجالات فلسطينيون تبني طرق النضال دون عنف المنسوبة الى المهاتما غاندي في الهند أيام الصراع ضد السلطة البريطانية، والأخرى المنسوبة لمارتن لوثر كينغ المناضل من أجل حقوق السود في الولايات المتحدة، ولقد كان النشيط الأبرز المؤيد لهذه الفكرة شابا يدعى مبارك عوض، الذي تربى في أمريكا، وحاول قبل قرابة عشر سنوات أن يثير بذلك الجمهور الفلسطيني في الضفة وغزة، وفي نهاية الأمر طردته وزارة الداخلية الاسرائيلية من البلاد فعاد الى الولايات المتحدة.

واليوم أيضا هناك عدد غير قليل من الفلسطينيين يعملون على هذا، وبشكل عام يجري الحديث عن دائرة غير واسعة وبخاصة في أوساط أكاديميين يفهمون كم من القوة تتضمن هذه الفكرة، يشكل السكان الفلسطينيون في الضفة والقطاع أكثر من ثلث سكان فلسطين الكبرى، ومع عرب اسرائيل وسكان شرقي القدس يشكلون قرابة 45% من سكان البلاد، وقد قال سري نسيبة قبل عدة سنوات، في الفترة التي كان فيها محاضرا في جامعة بير زيت، ان الفلسطينيين اذا التزموا الهدوء وتركوا لاسرائيل أن تقيم المزيد من المستوطنات وأن تضم الضفة وغزة، فان النصر الفلسطيني سيكون مؤكدا، والتحليل معروف : ان دولة اسرائيل التي ستحاول ابتلاع الضفة وغزة مع ثلاثة ونصف مليون من سكانهما، ستختنق. اذا ما قيدت اسرائيل الفلسطينيين في نظان حكم ابارتايد أو في قطائع محاصرة، وأدار الفلسطينيون صراعهم بدون عنف، فسيفوزون خلال وقت قصير بتعاطف العالم كله، وستصل اسرائيل بسرعة الى وضع من العزلة والمقاطعة مثل جنوب افريقيا في وقتها، وستضطر الى الخضوع.

على هذه الخلفية ابتدأت الآن منظمة تدعى كومون غراوند نيز سيرفيس(والتي تعمل من قبل منظمة أوسع تعمل على تسوية النزاعات)، ابتدأت حملة اعلامية تشرح للجمهور الفلسطيني لماذا من الأفضل استعمال طرق غير عنيفة وكيفية استعمالها.

هكذا مثلا كتب عضوالمجلس الوطني المقيم في الأردن، توفيق أبو بكر، الذي دعا في سنة 1974، عندما قررت منظمة التحرير الفلسطينية اقامة دولة في كل منطقة يتم تحريرها من فلسطين، انه ليس من الضروري ادارة نضال مسلح كما نص الميثاق الفلسطيني، ولكن يجب ويمكن استعمال طرق سياسية. وحسب قوله، فان الانتفاضة الأولى قد نجحت لأنها لم تكن عنيفة في أساسها.

انه يشرح استعمال العنف والسلاح في الانتفاضة الحالية، وقتل المواطنين، جلب على الفلسطينيين فقد التعاطف الدولي، وقد توقف الاسرائيليون المتعاطفون مع القضية الفلسطينية عن ذلك أيضا. وهو يذكر عرائض واستفتاءات شعبية فلسطينية تشير الى أن كثيرين في الضفة وغزة يؤمنون بالنضال غير العنيف ويعتقدون أنه في نضال كهذا يظهر جدا ضعف القوي الذي لايستطيع استغلال قوته كاملة ضد الضعيف.

 

وهناك مقالة مثيرة كتبها الصحفي محمد درارمة من نابلس في استعمال الفن كسلاح غير عنيف، فيتحدث عن مظاهرة لموسيقيين وممثلين وفنانين فلسطينيين، جاءوا في نيسان من عام 2001 في غناء وعزف ورقص الى حاجز الجيش الاسرائيلي بين رام اللة والقدس، وسببوا للجنود ارتباكا كبيرا، ويتحدث أيضا عن مظاهرات اطباء ومزارعين جاؤوا للعمل في الحقول في الأماكن التي حظر عليهم فيها ذلك، ويتحدث عن مظاهرة كبيرة في رام اللة لعمال نقروا على القدور وأغطية حاويات القمامة، فكل هذه أثارت صدى عالميا واسعا. وحسب رأي كثيرين، فان الفن الفلسطيني وبخاصة الرسم والتصوير والشعر، مليئة بالتحريض على العنف، ويعتقد درارمة أن هذا جزء من النضال ضد الاحتلال، ويقوا أن الفن الفلسطيني بصورة عامة هو فن يدعوالى الحياه لا الى الموت. يصف المحامي جوناثان كتاب النقاش الداخلي الذي يجري منذ سنوات لدى الفلسطينيين، في شأن التوجه الى المحاكم الاسرائيلية، وهناك مثل فلسطيني معروف يقول اذا كان غريمك القاضي فلمن تشتكي. ويري كتاب أن الجهاز القضائي الاسرائيلي جلب خيبة أمل كبيرة على الفلسطينيين، فهذا هوالجهاز الذي منح شرعية كبيرة لاستلاب الأراضي والمستزطنات وهدم المنازل. ويتطرق كتاب بالتفصيل الى الصراع ضد استعمال التعذيب في التحقيقات ضد المتهمين الفلسطينيين ويصف تقرير لجنة لنداوالذي صادق على استعمال ضغط جسدي معتدل. ولكنه رغم ذلك يعتقد أن الايمان بعدالة النضال الفلسطيني من أجل السلام يفتح بابا لتوسيع استخدام جهاز القضاء الاسرائيلي في اطار النضال غير العنيف.

ان من يشجع استعمال طرق غير عنيفة هي مجموعات متطوعين من أرجاء العالم والذين يأتون لمساعدة الفلسطينيين، يصف الدكتور وليام نومبسون وهو طبيب نفسي سريري امريكي، الى أي حد يسبب هؤلاء المتطوعون الارتباك لحكومة اسرائيل التي تمنع دخولهم الى البلاد، وتطرد اولئك الذين نجحوا في الوصول الى الضفة وغزة. ان الطرق المألوفة أكثر من غيرها للنضال غير العنيف هي المظاهرات والمسيرات والاضرابات والمؤتمرات والتوقيع على العرائض. ان الفلسطينيين قد أصبحوا يستعملونها كثيرا في اطار المعركة الشعبية الواسعة لبتي تدور الآن من أجل تحرير الأسرى، مثلا. ويتم نشر صور النساء الفلسطينيات اللاتي يحملن صور أبنائهن في السجون كل يوم في الصحف الفلسطينية، ان المشكلة المألوفة من الماضي هي أن المظاهرات الهادئة تنقلب أحيانا وبسرعة الى العنف، فالشبان يقومون برشق الحجارة ويد الجنود الاسرائيليون بالغاز المسيل للدموع وبعيارات حديدية مغطاه بالمطاط تؤدي في كثير من المرات لاصابات قاسية وحتى للموت.

مقابل كتاب سلسلة المقالات هذه(التي نشر حتى الآن قسم منها فقط) ومؤيديهم، يقوم منفذوالعمليات، رجال حماس والجهاد الاسلامي وخلايا فتح(كتائب شهداء الأقصى) وجبهات اليسار الذين يرفضون بشكل نهائي فكرة عدم العنف، وحتى الآن يبدوا أن درجة قبولهم في أوساط الجمهور في المناطق أعلى من اولئك الذين يدعون لعدم العنف، ومع هذا، فمن الممكن كثيرا أنه يمكن الحديث عن تأييد متزايد لدعوة ابي مازن ضد الانتفاضة المسلحة

العودة للفهرس