مدينة الصدر

هادي الربيعي ـ بغداد



مدينة الصدر مدينة الفوضى والاهمال وعلى الرغم من انها لا تبعد اكثر من عشر كيلومترات عن مركز العاصمة الا ان هذه المدينة الضخمة بتعدادها السكاني والبسيطة ببيوتها المتداعية التي تصطف مثل قطع الدمينو  كانت وما تزال من انفجار سكاني تتسبب فيه عادات ساكنيها والانشطار العائلي وحتى درجة يمكن ان تسمع معها ان بيتاً واحداً من البيوت الصغيرة في هذه المدينة قد يضم اربع عوائل. والكل عاش احداث مدينة الصدر وتنامي السكان فيها ومن هذا الكل من كان الامر بيده ولم يصنع شيئاً لهذه المدينة التي تفوقت على الصبر ويتألف جل سكانها من ذوي الدخل المحدود والكسبة والعمال واصحاب الحرف وصغار الموظفين الذين بدأت تلوح الآن امامهم فرصة لتعويض السنوات العجاف وتنفض عنها غبار الزمن الذي تراكم على جبهات اطفالها ونسائها بحملة وهذه الفرصة تتمثل بحملة اعمار كبيرة وشاملة تهدف الى اعادة النضارة والشروق الى احيائها وشوارعها وتحقيق نهضة عمرانية واجتماعية وصحية وتربوية تأخرت عليها طويلاً.

 

بداية صعبة ومتعسرة
وبقيت مدينة الصدر بسيطة، اذ نشأت من بداية متواضعة كما يقول السيد كاظم مسير الهلالي: بداية هذه المدينة كانت بداية متواضعة لكنها ايضاً كانت صعبة ومتعسرة فقد كانت النواة بتوزيع”911 “ داراً ضمن مشروع اسكان شرقي بغداد الذي انشئ في عهد المرحوم الزعيم عبدالكريم قاسم في عام 1961 بعد ان جرت اقامة مشروع اسكان غربي بغداد المسمى اليوم بالاسكان لذوي الدخل المحدود في بغداد، وهذه الدور كانت تقع الى الشرق من قناة الجيش.. لكن قيادة البلاد حينئذ ارتأت ان تجمع كل اصحاب الاكواخ والصرائف في احياء بغداد الشعبية وخاصة مناطق الميزرة والكيلاني وباب الشيخ والوزيرية والشاكرية والصرافية وغيرها في تجمع سكني كبير يتألف من”79 “ قطاعاً، والقطاع يتألف من الف دار على ان تكون مساحة الدار الواحدة”144 “ متراً مربعاً.
وقسمت هذه المدينة الكبيرة ابتداء من المنطقة المقابلة لقناة الجيش وباتجاه السدة الترابية شرقاً وقد شقتها ثلاثة شوارع طولية رئيسة من البداية الى السدة المذكورة وهي: شارع الداخل والفلاح وكان يسمى شارع العمل الشعبي وشارع الجوادر اي الخارج، وهناك شوارع عريضة تتقاطع مع هذه الشوارع العمودية وهي شارع جميلة وينتهي بساحة الحمزة وشارع القيارة وينتهي بمرآب التحدي في الحبيبية وشارع كسرة وعطش الذي يمر بمستشفى الامام علي”ع “ وينتهي بالاورفلي، وهناك ايضاً شوارع عرضية غير مشهورة.

79      الف دار دفعة واحدة!؟

80       


بعد ان جرى توزيع القطع السكنية بين مواطني بغداد من مناطق الاكواخ والصرائف وبمساحة 144 متراً مربعاً للقطعة الواحدة وابتداء من قطاع” 1 “ الى منطقة الجوادر شرع الناس ودفعة واحدة ببناء بيوتهم كل حسب امكانيته وكانت بيوتا صغيرة ومتواضعة وبعض هذه البيوت بنيت من قبل اصحابها وليس من قبل المعماريين وكان جل عمالها ايضا من العوائل نفسها حيث تعاون افراد العائلة من النساء والشباب والصبية وحتى الاطفال في شد ازر والدهم الذي تحول الى معمار بسبب شحة” اسطوات البناء “ نتيجة قيام سكان المدينة ببناء بيوتهم دفعة واحدة وفي وقت واحد لذا فان الكثير من المواطنين كانوا يذهبون الى  نهاية المدينة حيث يوجد عدد من الصواوين التي اتخذت” كسكلات“ لبيع وتجهيز المواد الانشائية ولكثرة ما تردد اسم هذه الصواوين اي الشوادر حتى سميت المنطقة بالجوادر واطلق ذلك ايضا على الشارع الذي يصل اليها.


وكيف كانت الخدمات التعليمية والبلدية ؟
ان مدينة كبيرة بهذا الحجم قد بنيت ولم تكن فيها اية بناية مدرسية لذا فان هذه المدينة قد اعتمدت كثيرا على قطاع”4 “ وهو القطاع الذي كان يسمى الدور الحكومية وقد افتتحت فيه مدرستا الغزالي للبنين والثورة للبنات من دون بناية فقد كان الطلبة يجلسون في الشارع الرئيس للقطاع بعد ان يثبتوا السبورة بالحجارة ويجلسوا في العراء وبقربهم الباعة الجوالون كانوا يقفون الى جانب الطلبة وقد كان بعضهم لايتورع من تناول الباقلاء والحمص المطبوخ (اللبلبي) واذا ما قدم زعيم البلاد المرحوم عبد الكريم قاسم فان الطلبة يتركون معلميهم ويهرعون راكضين وراء سيارة الزعيم الذي كان يستحوذ على محبة الناس وتقديرهم.
وحينما وجد عبد الكريم قاسم هذه الحالة وعدهم بان الجهود ستتركز على بناء المدارس وفي مقدمتها بنايتا المدرستين في هذا القطاع اي قطاع (4) اي الدور الحكومية وفعلا مرت عدة شهور وتم اكتمال احدى البنايتين فاضظر المسؤولون تقسيم هذه المدرسة وهي الغزالي على اربع فترات دوام اي اربع مدارس مثالية من الساعة الثامنة صباحا الى الساعة الثامنة مساء لتكون حصة كل مدرس ثلاث ساعات فقط وبعد اشهر اخرى اكتمل بناء مدرسة البنات لتكون ذات دوام ثلاثي ايضا.
وبعد ان اجتاز طلبته السادس الابتدائي من ابناء المدينة فانهم لم يجدوا مدرسة متوسطة او ثانوية يكملون دراستهم فاضطروا في البداية الى الالتحاق بمدرسة الرصافة خلف سينما روكسي في منطقة السنك وبعدها تم تحويلهم الى متوسطة القناة في شارع فلسطين الى ان اكتمل بناء ثانوية قتيبة وهي اول ثانوية في المدينة عام 1965 وقد خرجت هذه الثانوية اول دفعة لها من الخريجين الذين التحقوا بكليات الطبوطب الاسنان والتربية والاداب والكلية العسكرية.ليكونوا بعد ذلك من اشهر اطباء العراق واكفأ مدرسيه ومحاميه وضباطه لذا فان الخدمات كانت متردية وتكاد تكون غائبة بسبب الاهمال وعدم الاكتراث بشعب المدينة الذي يراوح ثلاثة ملايين نسمة.

مجتمع متآخ ومتوحد 
مجتمع مدينة الصدر هو حاصل جمع كافة اصحاب الاكواخ والفقراء من احياء بغداد.. بهذه المقدمة ابتدأ السيد ابراهيم خفيف خلاوي من وجوه المدينة البارزين حديثه وقال.. هؤلاء جميعهم قدموا من ارياف المحافظات الجنوبية بشكل خاص لذلك فانهم ينتمون الى عدد من العشائر العراقية المعروفة كال زيرج وكعب والسواعد وآل ابو محمد وآل بودراج وربيعة وبني لام وخفاجة وغيرهم اضافة الى العشائر الكردية وغيرها وقد انصهرت هذه العشائر في وحدة اجتماعية قل مثيلها وصار بين ابناء هذه المدينة من العلاقات والوشائج ما يرقى الى التاخي والتوحد لانهم عاشوا عبر عقود من الزمن فترات الحزن والفرح وتكونت اجيال جديدة تعمقت بينها علاقات المودة والاخوة لان هذه الفترة استمرت بينهم حوالي 34 عاما عاشورها بحلوها ومرها فتكونت بينهم مشاعر واحاسيس موحدة وضل ابناء هذه المدينة امناء على تقاليدهم وقيمهم الريفية والعشائرية وقد كان لشيوخ ووجهاء هذه المدينة ابلغ الاثر والدور الكبير في معالجة الكثير من المشاكل الاجتماعية والخصومات العشائرية مما حافظ على لحمة وتجانس مجتمع هذه المدينة التي ينتمي غالبية سكانها الى ”قطاع الشغيلة والكسبة“ وصغار الموظفين والباعة والعمال الا انها شهدت تطورات نوعية في تبوؤ العديد من ابنائها مراكز اجتماعية مرموقة في مفاصل الدولة الادارية والعسكرية والتربوية وغيرها.

إطبـــــــع العودة للفهرس

إحفظ الصفحة