محافظة الانـبار(الرمادي)

 

 

تقع محافظة الأنبار في نهاية القسم الغربي من العراق تبلغ مساحتها 138579 كم مربع وهي تحتل المرتبة الأولى من حيث المساحة بين محافظات القطر حيث تؤلف 32% من مجموع مساحة العراق.

 اسماها الآراميون الأنبار لأنها كانت مخزناً للعدد الحربية أو لأنها كانت مخزناً الحنطة والشعير والتبن. تعد من أهم المدن في فترة الاحتلال الساساني على العراق ومن أهم مدن بابل، لأنها ذات مركز حربي مهم لحماية العاصمة بغداد من هجمات الروم. وفي العصر العباسي اتخذها الخليفة أبو العباس محمد بن عبد الله العباسي سنة 134 هـ عاصمة للدولة العباسية وبنى فيها قصوراً حيث أقام فيها أبو جعفر المنصور إلى أن بنى مدينة بغداد سنة 145 هـ. تعد طريقاً برياً يربط نهر الفرات والبحر المتوسط بالخليج العربي لذلك فأن الجيوش الداخلة والخارجة من العراق تمر بهذه المنطقة. وقد تعرضت المنطقة إلى عدد من الهجرات القادمة في الجزيرة واستقر المهاجرون فيها وشيدوا القصور والمعابد. وهي إحدى المناطق المشهورة بإنتاج القير وصناعة السفن في العراق القديم.

 

تعد محافظة الأنبار جزءاً من بادية الشام، سطحها متموج تظهر عليه بعض التلال الصغيرة وعدد كبير من الوديان مثل وادي حوران ونظراً لانحدار أراضيها وفقر نباتها الطبيعي فهي معرضة للتعرية الشديدة. تعمل المياه السطحية والباطنية والرياح على تنويع سطحها حيث يصل أعلى ارتفاع للهضبة الغربية بالقرب من الحدود الأردنية إلى ما يزيد على 800 متراً فوق مستوى سطح البحر وتنخفض في مناطق الحبانية إلى 75 متراً فوق مستوى سطح البحر. يقطع نهر الفرات طريقه في الهضبة الغربية والتي تنحدر صخورها تدريجياً باتجاه منخفضات الثرثار والحبانية والرزازة، وفي بعض المناطق يكون مجرى نهر الفرات وعراً ولذ ا تظهر الصخور الكلسية والجبسية على طريق النهر.

تتميز بمناخها شبه الصحراوي وقلة سقوط الأمطار والتباين الكبير بين حرارتي الليل والنهار وانخفاض الرطوبة. ترتفع الحرارة فيها صيفاً إلى 32 درجة مئوية، وتنخفض شتاءاً فتصل إلى 9 درجة مئوية. الرياح فيها شمالية غربية وجنوبية غربية أحياناً وتبلغ أقصى سرعة لها 21 م/ثانية. يبلغ معدل سقوط الأمطار شتاءاً إلى 115 ملم.

من أهم المحاصيل الزراعية فيها البطاطا الربيعية والخريفية ثم الحنطة والشعير والذرة الصفراء ومجموعة الخضراوات والأبصال والأعلاف. فيها عدد من البساتين وتحوي 5ر2 مليون شجرة. تعتمد الزراعة فيها على الإرواء السيحي أو بالواسطة وعلى الآبار والعيون والأمطار.

مدنها : الرطبه،عــنه،الحديثه،راوه،الوليد،النخيب،القائم،العبيدي،فلوجه،الخالديه

                   

الرمادي

 وردت بأسم لواء الدليم في القرن العشرين. وتكمن في المنطقة مواقع أثرية،تعود لحقب موغلة بالقدم، وقد يدلل على ذلك موقع هيت في كنفها، حيث ورد بأنه كان قديما مكمنا لعنصر (القير) الذي أستثمره السومريون وأستعملوه في مبانيهم وزوارقهم،وكذلك الحال لدى البابليين.

 والرمادي اليوم هي أوسع محافظات العراق مساحة،وحتى تفوق مساحة الأردن، لكنها الأقل سكانا، وأقلها عمرانا،حتى الثمانينات،حينما بدأت بها نهضة عمرانية بسبب موقعها البعيد عن جبهات القتال في الحرب العراقية الإيرانية،وأمست لذلك مدينة مرور مهمة للتجارة العراقية عبر الأردن وسوريا،وتكرس ذلك حينما ربطها خطا سريعا للمواصلات مع بغداد والمدن العراقية مع الحدود الغربية.

ومدينة الرمادي تقع بين بغداد والحلة وكربلاء والحدود السورية والأردنية. حيث يحده الموصل و سورية شمالا، و بغداد شرقا، و كربلا والحلة جنوبا، وبادية الشام غربا. و أرضه سهلة وصحراوية على الاكثر. وتسقى اكثر زروعه تقليديا بالدواليب المتحركة بمجرى المياه تسمى النواعير (جمع ناعور)،بسبب وجود جرف صخري عالي يمنع سيح الماء وصعوده. ولوان تبدل الحال اليوم وأقبل الآهلين على استخدام المضخات في العقود الأخيرة.

  و الرمادي تقع على مسافة125 كيلومترا من بغداد غربا،وعلى مسيرة كيلومرتين من شاطىء الفرات الأيمن وفيها من النفوس زهاء 9850 نسمة في الخمسينات من القرن العشرين. وهي من المدن التي مصرها مدحت باشا والي بغداد مدة ولايته من عام 869 1- 1872م،وتبعت لتخطيطات ناظمة ومظاهر حضارية من ضمن خطط مدحت باشا. فقد تم تشييد ما بدأ به سلفه نامق باشا من المشروعات العامة، وأضاف إليها شيئا كثيرا. وقد أهملت الرمادي بعد نقل مدحت باشا، فمكثت قرية صغيرة يتزود منها المسافرون ما يحتاجون اليه في سفرهم من طعام وشراب ومرافق، وبقيت على هذا المنوال زهاء خمسين عاما.

 

وفي سنة 1932 م فتحت طريق للسيارات بين بغداد ودمشق تقطعه في عشرين ساعة مارة بالرمادي، فبدأت في هذه البلدة نهضة واسعة شملت كل ناحية من نواحيها، وانتشرت فيها المساكن والشوارع فأصبحت مركزا عمرانيا حديثا وبلدة جميلة،وتنتشر في ارجائها البيوت والمرافق العامة والمدارس ومراكز خدمية كالبريد والبرق والماء والكهرباء وغيرها.

وفي الخمسينات كان الداخل إلى الرمادي من دمشق يشاهد أول ما يشاهده شارعا واحدا مستقيما مبلطا، تحفه المساكن العصرية، ثم تليها دائرة الكمرك، فدائرة جوازات السفر،يقابلها المستشفى الملكي ويقع كل ما تقدم على طرف القصبة الغربي. أما القرية القديمة، التي لاتزال تحتفظ ببداوتها،وكذلك بمبانيها الكلسية البيض ومناظرها القروية،وحوانيتها العتيقة، ومقاهيها العديدة،ومسجدها الكبير، فتقع في طرفها الشمالي، وقد فتحت فيها شوارع عريضة وأقيمت فيها عمارات حديثة.

 ومساحة المحافظة 238،145 كيلومترا مربعا. ونفوسها بحسب الاحصاء العام الذي جرى عام 1957م 150،254 نسمة.  وهو من أكثر المناطق العراقية بداوة، وتقطنه تجمعات عشائرية تحكمها منظومات العشائر المتوارث من القدم وقد أسهب الرحالة العابرون للبادية أو الهابطون بالسفن مع الفراتالى خطر أعراب تلك الديار وممارستهم لقطع طرق القوافل. وعلى العموم فأن أهم قبائل تلك المحافظة أربع رئيسية وهي 1 - الدليم 2 - زوبع 3 - عنزة 4 العكيدات. والدليم قبيلة كبيرة تقطن على طرفي الفرات بين (الفلوجة) و (القائم) ويقول الدليميون انهم جاءوا من جزيرة العرب من الموضع المسمى الدليميات في نجد قبل خمسة قرون. لكن الكثير منهم شقر السحنة،بما يثير لغطا أنثروبولوجيا باصول القوم.  والدليم كانوا فئتين حتى عقود قليلة ماضية، الأول يدعون (نزالة) وهم الذين يمتهنون الزرع، والآخرين (رحالة)وهم الذين يمتهنون الضرع والرعي.  أما (النزالة) فهم الذين استوطنوا الأراضي الخصبة واشهر فرقهم : 1 - أ لبوعساف 2 - ألبوعيثه 3 - أ لبوريشه 4 - المحامده 5 - ا لجميلات. واما (الرحالة) فهم الذين بقوا على بداوتهم يتجولون في الجزيرة بين (دجلة) و(الفرات) واشهر فرقهم : 1 -ألبو محل 2 -ألبو نمر 3 ألبو فهد 4 - الجغايثة. على ان بين الفرق الرحالة من يمتهن الزرع، وبين الفرق النزالة من يمتهن الضرع. وتكاد تنحصر افخاذ الدليم فيما يلي : البو عساف و القره غول و ألبوخليفه و ألبو مرعي و ألبوريشه و ألبوهزيم و ألبوجابر و ألبوجليب وألبوعصوه وحي البوربيع والموالى والجريسات والبوسودة والبوعلوان والبوفهد والفلاحات والبو عيسى والمحامدة والبوشجل والملاحمة والبوبالي والبوعبيد والبوذياب وأ لبوجاووش و ألبوعيثه وأ لبو نمر وألبومحل وأ لبوغنا م والمعاضيد والبوحيان والجغايثة والبوعلي الجاسم واللهيب والجميلة والحلابسة والبوشها ب والبوفراج والبومفرج والسلمان والكرابلة والغرير ألبو صكر والجواعنه و البو حردان. 

 

 وبالإضافة لسكانها الأعراب يذكر عبدالرزاق الحسني في تاريخها في الخمسينات بأن يقطنها تجمع كبير للأكراد يشكل نسبة معتبره بخليط متجانس مع أهلها و موظفي الدولة المعينين فيها. ويقع بين " الرمادي و الفلوجة مطار (سن الذبان) الذي أنشأه البريطانيون غربي الفرات بجوار (الحبانية) عام 1935م. وهو معسكر كبير نقلت إليه قوات السلاح الجوي البريطاني العسكري من معسكر الهنيدي (معسكر الرشيد لاحقا) ومن معسكر الموصل فدبت فيه الحياة والعمران حتى اصبح مدينة على طراز غربي. وقد سكنها الجيش العراقي منذ العام 1955م بعد إلغاء معاهدة 30 حزيران 1935م العراقية - البريطانية التي عقدت على أساس إقامة قاعدتين جويتن بريطانيتين إحداهما في الشعيبة بجوار البصرة والأخرى بين الرمادي والفلوجة.

وقد تم فتح ثلاث ترع لملئ أو تفريغ بحيرة الحبانية، ودشن المشروع في الخامس من نيسان 1956 م باحتفال رسمي. وتطورت الرمادي في سنوات السبعينات والثمانينات مع ملحقها الفلوجة،واليوم تعتبر من أمهات المدن العراقية،ولها أن تكون مفتاح تنمية تجارية ومرور وصناعة تعدينة وزراعة ونقل نهري لما لها من منافذ على الهضبة الغربية ومكامن الفوسفات وغيرها من ثروات العراق.

هيت

هيت وتقع على الفرات الأعلى وهي من المدن العريقة في القدم. فقد كانت في عهد السومريين و الآشوريين و البابليون يأخذون القارمنها ليطلوا به. ولا يزال أهل هيت يفرشون سطوح دورهم بهذا القار كعازل للرطوبة،ولكي لا تتسرب مياه الأمطار الى غرفهم. وذكرها " ياقوت الحموي " – في معجمه معجمه (الجزء 8-ص 86)، فقال : هيت بالكسر وأخره تاء مثناة. . . قال ابن السكيت سميت هيت لانها في هوة من الارض،انقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها. . . وقال ابو بكر سميت هيت لانها في هوة من الارض، والاصل فيها هوت فصارت الواو ياء). وكل ذلك محض إجتهادات تقرب الكلمة من ألفاظ عربية غير مقنعة، ولكن من المؤكد أن أسمها قديم ويمت الصلة الى السومرية أو بالبابلية وقد ذكرها هيرودتس فقال في 93/1 من الترجمة العربية على مسافة ثمانية ايام من بابل مدينة (ايس) (أي أيث) وهي قائمة على شاطئ نهر صغير يدعى باسمها).

 وتراها الان عند جبيل على ضفة الفرات اليمنى. تحيط بها البساتين والجنان، وتزكو فيها الفواكه والأثمار، وتنشر في ارجائها المباني القديمة والحديثة، وتبعد عن الرمادي غربا 61 كيلومترا، وتقرب منها عين ماء معدني يقال لها العين الجرباء يقصدها المصابون بالجرب من جهات نائية للاغتسال فيها فينالون شفاء كما يدعون كما يقرب منها نحو أربعين مقاما يسميها الأهلون مقامات الشهداء ويقولون انها مدافن قواد الجيش الذي انفذه الخليفة عر بن الخطاب (رض) الى العراق، فقتلوا ودفنوا في هذه المواضع. وتحيط بـ" هيت" اثنتا عشرة عينا للقار، بعضها مجاور لها، والبعض الاخر يبعد عنها بعداً يتراوح من كيلومترين الى15 كيلومترا، ويمكن أن تكون هيت من مدن الدنيا النادرة بعنصر القير هذا،و اسماء ينابيعها المشهورة : عين الدروبي و الكويسم - با لكا ف الفا رسية والتصغير (القويسم) و الوسطه و الوسطة لا غير الوسطة الاولى و اليف و المرج و عطاعط و عطاعط لا غير عطاعط الاولى و الجبهة و المعمورة و الحواصل و الزدادية. وعلى مسافة 26 كيلومترا من لالمجلآلا غربا تقع قرية الجويسة - بالتصغير – وهي قرية كبيرة قديمة كانت من مراكز التجارة بين دمشق والعراق. فيها مياه معدنية كثيرة تشكل بركة واسعة تسقي مياهها بساتين النخيل الواسعة. ويتغير لون هذه المياه مرارأ في اليوم الواحد فهي كاللبن صباحا، وكالحشيش ضحوة، فإذا كان العصر ما لت الى الزرقة.

 

الفلوجة

مدينة تقع على قرابة 50 كيلو مترا شمال غرب بغداد، يعيش فيها عشائر وأفراد من قبائل عربية تلتزم بالسنة وتتمسك بالإسلام وتعم ربوعها صحوة إسلامية واعدة.

والفلوجة لغة هي الأرض الصالحة للزراعة حيث تتفلج تربتها حين يمسها ماء السماء عن خيرات الأرض، وهاهي الأيام تثبت في القديم وفي الحديث أن هذه الأرض الطيبة تنبت كذلك أبطالا، ربما لا يذكر التاريخ أسماء العديدين منهم، ولكن سيظل التاريخ يذكر أنهم أبناء تلك الأرض الصالحة، سيظل التاريخ يذكر تلك العصبة المؤمنة –نحسبها والله حسيبها- التي برهنت للجميع أن نصر الله قريب، وأن وعده لا يتخلف، ما دام هناك صبر ويقين، [والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه، والذي خبث لا يخرج إلا نكدا].

ما أشبه الليلة بالبارحة. . عبارة تتكرر على الألسنة حين هب أهل الفلوجة، على قلة عدتهم وعتادهم، وللمرة الثانية في وجه قوة تخشاها الجيوش النظامية الحديثة في مختلف دول العالم، فمدينة 'الفلوجة' العراقية كانت خلال الفترة الأخيرة، ولا زالت، محوراً لأحداث جسام، واجهت فيها المقاومة الباسلة قوات الاحتلال الأمريكي المدججة بالسلاح، وحرمتها من دخول المدينة.

وكأنَّ التاريخ يعيد نفسه؛ فأثناء الحرب العالمية الثانية قبل حوالي 65 عاما، وبالتحديد في عام 1941م، حينما فرضت بريطانيا انتدابها على العراق، بعد أن احتلته قواتها في أعقاب الحرب العالمية الأولى وفصلته عن الدولة العثمانية، حاولت قوات الاحتلال البريطاني دخول الفلوجة لتأديب المقاومة هناك، فواجهت دفاعا مستبسلا وشرسا من أهلها، فلجأت إلى أبناء الأقليات من الآشور واليهود، وسلطتهم لإيذاء الأهالي، الذين نصروا دينهم، ودافعوا عن أعراضهم، جاهدوا في الله وفي سبيل الله، فكان النصر حليفهم، [والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا، وإن الله لمع المحسنين].

وقد انفعلت حواس الشعراء حينها بتلك الأحداث، فسطروا شعرا، فاضت به أقلامهم التي امتلأت بالغضب، فجرت على الأوراق حرى تئن، من ظلم الغاصب، وقلة الناصر، ولتبين أن نصر الله للفئة المؤمنة باق إلى أبد الدهر.

وهاهي الأيام تمر ولتتكرر نفس المشاهد مع اختلاف بعض المسميات، وليظهر المعدن النقي النفيس من الأرض الطيبة، وليسطر الشعراء بكلماتهم مرحلة تاريخية هامة في تاريخ هذا البلد الرشيد، وليكتب الشعر بأحرف من دم زكي شذي أطيب من ريح المسك ما فعله الغاصبون، وما خطه الأبطال الصامدون.

 

 

عانة

تقع مدينة عانه (أو عنه) على الفرات الأعلى القريب من سوريا و تعد من المدن العراقية القديمة وترتقي أخبارها الى زمن الدولة الاشورية، وبالاخص الى عهدالملك (توكلتي نينورتا الثاني) سنة (889 - 884 ق. م) حيث كانت تسمى (عانات). ويمكن أن يكون أسمها وارد من أسم الآله (أنانا) السومرية.  ولم تكن هذه البلدة بعد الميلاد اقل شأنا مما كانت عليه قبله، فقد نقل لنا (موسيل) أخبارا تدل على ما لهذه البلدة من شان في التاريخ. ووردت في التاريخ الإسلامي حيث نقرأ لها خبر في كتاب (الخراج) لأبي يوسف ما نصه : (وكان خالد بن الوليد مر ببلاد عانات فخرج إليه بطريقها " فطلب الصلح فصالحه وأعطاه ما أراد على أن لا يهدم لهم بيعة ولا كنيسة، وعلى أن يضربوا نواقيسهم في أي ساعة شاءوا من ليل او نهار إلا في أوقات الصلوات، وعلى أن يخرجوا الصلبان في أيام عيدهم واشترط عليهم أن يضيفوا المسلمون ثلاثة أيام ويبذرقوهم (أي يخفروهم)).

وفي جاء ذكرها كذلك في معجم البلدان حيث قال ياقوت الحموي عنها (قال محمد بن احمد الهمداني : كانت (هيت) و(عانات) مضافة الى طسوج الانبار، فلما ملك (انوشروان)، بلغه أن طوائف من الأعراب يغيرون على ما قرب من السواد الى البادية فأمر بتجديد سور مدينة تعرف بـ(آلوس)، كان (سابور ذو الأكتاف) بناها وجعلها مسلحة لحفظ ما قرب من البادية، و أمر بحفر خندق من (هيت) يشق طف البادية الى كاظمة. . . فخرجت (هيت) و(عانات) بسبب ذلك السور عن طسوج (شاذ فيروز) لأن (عانات) كانت قرى مضمومة الى هيت).

وتعتبر عانه من أطول المدن القديمة فهي تمتد على ضفة الفرات اليمنى مسافة عشرين كيلومتراً وذلك بسبب هيئتها الخطية. أما عرضها فانه لا يتجاوز المأتي وخمسين متراً، وهذا يعني وجود عدد محدود من الأزقة والدور بعمق المدينة. ولضيق مساحة الأرض وفقر حال المدينة وقلة مواردها فقد ألف السكان الرحيل عنها الى المدن الكبرى كبغداد والبصرة، ومن خصوصيات الزراعة بها أنها تتم بما يدعونه (حوائج) وإحداها (حويجة أو حويقة) وهي تعني الأرض التي يحيق بها الماء كالجزيرة ويطبق ذلك في دورهم التي تكتنفها الأشجار المسقية من ماء الفرات.

وتوجد بعانة عدة اثار اسلامية منها ما يقع في جزيرة تدعى (الباد) وفيها اثار منارة تبرز بين اطلال ديار قديمة وهي مثمنة المظهر عرضها خمسة أمتار وتغطيها مشكاوات محاطة باطر مستطيلة. وهذه المنارة فريدة في شكلها وعمارتها بالمقارنة مع منائر العراق حيث بنيت من كسر الحجر والجص. ويعتقد إنها تعود الى القرن الحادي عشر الميلادي. ويوجد على مرمى حجر شمال عنة في مكان يدعى بالمشهد جامع قديم يدعى (أبو ريشه) وهو يرجع للحقبة العباسية وكذلك الحال في جامع يقع جنوب المدينة ويدعى (مسجد الخليلية).

إن أبدع ما يشاهد في عانة وسائل الري المستخدمة في سقي حدائقها وبساتينها فهنالك النواعير القائمة على ضفتي النهر الى مسافة بعيدة تغرف الماء وتدفعه الى الحقول والضياع. و الناعور عبارة عن عجلة كبيرة من الخشب تعلق في أطرافها عدد من المغارف الخزفية يسمونها هنا (قواقه) - مفردها قوق - يتراوح عددها في الناعور الواحد من الأربعين الى المائة، وهو يربط برباط وثيق إذا أريد ايقافها. وحينما يحتاجون اليه يفك منها ذلك الرباط فيبدأ الناعور يدور على نفسه بقوة الماء، وتغرف (القواقه) الماء فتصبه في قناة تتخذ من جذوع النخل صنعت على ارتفاع البساتين فتجري الى الجهات المراد ريها.

و(عانة) اليوم تبعد عن الرمادي غربا 212 كيلومترا. وهي حسنة الموقع،جميلة المناظر، بسيطة العمران تكتنفها تلال ممتدة قليلة الارتفاع، وهي منحصرة بين هذه التلال وبين الفرات ومن مقالع الحجر الكلسي لهذه التلال تبنى بيوت المدينة وهي بيضاء اللون تشبه مدن البحر المتوسط. ونفس النوع من الحجر كان قد أشيدت به مدينة (الحضر) التاريخية.

وجل السكان هنا من المسلمين تتخللهم طائفة من النصيرية وقليل من اليهود الذين مكثوا حتى نهاية الخمسينات ثم هجروا منها. والنساء في عانه على جانب عظيم من الجمال، وهن يتولين حياكة الاصواف وعمل البسط والاعبئة، ويتولى الرجال غزل الصوف، خلافا للقاعدة العامة المتبعة في العراق. واهم فضائلها تقليديا خلال حقب الإنحسار الحضاري ان الامية تكاد تكون معدومة فيها لكثرة المدارس والكتاتيب فيها وقد تأتى من رغبة سكانها الجمة في التعلم،وقد تشهد بغداد على ذلك بأنهم يشكلون قاعدة الطبقة السياسية وبعض الثقافية العراقية. ويرحل رجالها في العادة للعمل في بغداد منذ الثلاثينات، وكثير من حمالي بغداد قديما كان من أصول عانية.

ويقابل (عانه) على الضفة اليسرى من الفرات قرية كبيرة عريضة يقال لها(راوة)فيها قلعة فخمة تعود الى عهد مدحت باشا سنة– 1869م، وهي تشبه عانه الى حد كبير، ماعدا كونها هرمية التكوين مثلما هي مدن (مزاب) في الصحراء الكبرى حيث تتمدد على سفوح التل الذي يكتنفها وتشرب مائها من شاطئ النهر. وبين أهل البلدين (عانة وراوة) أحقاد موروثه كثيرا ما أدت الى الاقتتال في السنوات الخوالي وقد كتب عنها وحللها عالمنا الفذ علي الوردي. ويرجع ذلك الى أدران البداوة الكامنة في النفوس.

وتتبع عانه ناحيتان أولهما (حديثة) والأخرى(القائم) وتقع حديثة في ثلاثة أقسام قسمان على ضفة الفرات، والثالث في جزيرة وسط الفرات. ويقع مركز الحديثة مع دور الآهلين في القسم الثالث، وهي على مسيرة 74 كيلومتراً من عانه. وتتبع هذه الناحية قريتان كبيرتان لهما شهرة واسعة في التاريخ أولهما (آلوس) والثا نية (جبّه) وكانت آلوس موطنا لبيت علم اشتهر في العراق، وقد سميت باسم رجل على رأي ياقوت،واليها ينسب المؤيد الالوسي الشاعر القائل :

    ومهفهف يغني ويقني دائما   في طوري الميعاد والايعاد

    وهبت له الآجام حين تشابها  كرم السيول وهيبة الآساد

و(القائم) مركزها يقع في قرية (حصيبة) وهي من المدن الحديثة إذ شرع في تأسيسها في أوائل الثلاثينات من القرن العشرين. وتقع هذه القرية على الحدود السورية في موضع يبعد عن عانه 95 كيلومتراً وتجاورها قبائل السلمان المنتشرة هناك.

 

 

 وكان مركز ناحية القائم قبل إنشاء قرية (الحصيبة) مخفراً للشرطة وخانا واسعا اتخذ مركزاً لناحية وهي تقع على ضفة الفرات اليمنى، بالقرب من الحدود العراقية-السورية ، وكان هذا الموضع قديما يسمى (دير القائم الأقصى)الذي ذكره أبو الفرج الأصفهاني، فقال (وقد رأيته و إنما قيل له القائم لان عنده مرقبا عاليا كان بين الروم والفرس يرقب عليه على طرف الحد بين المملكتين شبه (تل عقرقوف) ببغداد و (اصبع خفان) بظهر الكوفة وعنده دير هو الآن خراب). وهذا الرجل محق بوصفه فهذا البرج في حقيقته زقورة بابلية لمعبد يعود للالف الثاني قبل الميلاد مبني بطبقات الأجر المشوي والحصران وقد أهملت الحكومات المتعاقبة في العراق رعايته والبحث في تأريخه.

يمكن اعتبار عانة وضواحيها من أجمل مدن العراق من ناحية نقاء هوائها وإمكانية العيش فيها ويمكن أن تكون من أجمل مدن العراق السياحية مستقبلا ناهيك عن موقعها على تخوم سوريا التي يمكن أن تكون موقع للاستثمار المشترك ولاسيما في المناجم حيث تحيط بها مكامن غنية للمعادن والأملاح. وهي بذلك يمكن أن تكون مفتاح خير لمستقبل المنطقة .

إطبـــــــع العودة للفهرس

إحفظ الصفحة