بخديدا، محطة للبريد في العهد العثماني

 

عطا الله بهنام

 

 

أهتم الأتراك بتنظيم أحوال البريد اهتماماً كبيراً، نظراً لاهميته في نقل الأخبار وايصال المعلومات بسرعة. لقد كانت الموصل في عهد الاحتلال العثماني للعراق مرتبطة باستنبول بواسطة البريد، وكان للبريد أمكنة خاصة فيها موظفون يتسلمون ما يرسل إليهم من رزم ورسائل يوزعونها حسب جهاتها، وعندهم (بغال) يعني بعلفها وراحتها ناقل البريد التتر- وكل موقع من المواقع التي يستريح فيها حامل البريد يسمى " منزلخانة " ويسمى البريد " بوسطة " وهكذا كانت تتم المراسلات بين جهات البلاد العثمانية كافة.

أما الطريق الذي يسلكه البريد فكان له محطات خاصة به، فمثلاً إذا خرج البريد من الموصل قاصداً بغداد، فأول محطة له هو في قرية " قره قوش " فيستلمونه منه ويسرع به من كان يترقبه، وهكذا تستمر الرحلات بسرعة فيوصل إلى بغداد.

نستدل من ذلك إن قره قوش كانت أولى المحطات البريدية التي ينقل البريد منها إلى بغداد، حيث كان ناقل البريد يتخذ الساحل الأيسر من نهر دجلة طريقاً سهلاً للبريد، لانه يمر على السناجق التي تتبع ولاية الموصل، فضلاً عن كونه صالحاً للمسير اكثر من الجانب الأيمن، وتكون المحطات متقاربة ويتوفر فيه الماء طوال أيام السنة، حيث يسلك ناقل البريد طريق ديار بكر ومنها إلى استنبول. وبالنظر للموقع الجغرافي المهم لقره قوش (بخديدا) فقد اضطلعت بدور كبير ولفترات طويلة كمحطة للبريد خلال فترة الحكم العثماني للعراق، وقد أكد ذلك العديد من المؤرخين والرحالة، فيذكر المؤرخ ياسين العمري في كون قر قوش محطة للبريد العثماني على مرحلة من الموصل، وانها مدينة كبيرة، أهلها نصارى، فيها خيل البريد وهي مرحلة عن الموصل. حيث كانت مركزاً مهماً لنقل البريد بين الموصل وغيرها من المدن العراقية، واستمرت في إدارة بريد المنطقة حتى بداية القرن التاسع عشر.

 

اهل بخديدا في كنيستهم

 

 كما أكد جمس بكنغهام الرحالة حيث كتب خلال زيارته لقره قوش في 7 تموز عام 1816 انه كان في استقباله محافظ خيول البريد (سروجي باش)، وهو الذي تحفظ خيول البريد عنده.

وقد كان توزيع البريد في دائرة البوسطة، حيث كان الناس يترقبون وصول ساعي البريد في أوقات يعرفونها، فإذا وصل الساعي لوح بعصاه الطويلة، ونادى بأعلى صوته (تتر كالدي) أي جاء ساعي البريد ثم بعد ذلك يذهبون إلى دائرة البوسطة فيجدون الرسائل في سلة، فيأخذ كل شخص ما يخصه منها.

ولعل من أهم البخديديين الذين عملوا بنقل البريد هو الأب توما بن بولس متي الباخديدي - الذي اصبح مطراناً فيما بعد باسم قورلس بهنام بني عام 1862 في ماردين يتقن اللغة التركية، حيث كان ساعياً للبريد قبل رسامته كاهناً، وكان ينقل البريد من بلد إلى آخر عام 1837م. ويؤكد افرام نقاشة انه منذ انتصار الحاج حسين باشا الجليلي حاكم الموصل على طهماسب الفارسي، أعطى السلطان العثماني رسوم بخديدا لحاكمه مكافأة له، حيث كانت بخديدا مركزاً لنقل البريد منها إلى اربيل ومنها إلى الموصل على ظهر خيول البخديديين.

 كما يذكر بأن حاكم الموصل كان يعتمد على جمع عشر غلات أهالي بخديدا كل سنة، وبهم وبدوابهم يرتب إدارة البريد حيث كان يوجد فيها (منزلخانة) أي محطة البوسطة (البريد).

وقد اشتهرت في مهنة البريد عائلة قر قوشية تدعى (تتر) وكلمة تتر تركية الأصل ومعناها (المسرع) أي الذي يأتي مسرعاَ، وكانت هذه الصفة هي التي تلحق بمن يعمل في نقل البريد آنذاك.

إطبـــــــع العودة للفهرس

إحفظ الصفحة