امارة سوران ودورها في طرد اليزيدية والسريان!

 

شمعون دنحو/ السويد

sargon@telia.com

 

 

اكراد راوندوز في محافظة اربيل شمال الوطن

 

تثير مسألة "إعادة كتابة تاريخ العراق"، العديد من الاشكاليات والحساسيات لدى عموم العراقيين، وتتباين الاراء بخصوص العديد من المسائل وبالاخص حول ماضي الفئات (القوميات) العراقية  وتاريخ شخصياتها ورجالاتها. فعلى سبيل المثال، يعتبر صدام حسين عند البعض شخصية بارزة لها وزنها وثقلها في الاوساط العروبية. فهو "حامي بوابة الوطن الشرقية" وهو من أصدر قرار تعميم شركة النفط العراقية، ويكاد يكون صدام الوحيد من القادة العرب من تجرأ على ضرب اسرائبل بالصواريخ في عقر دارها ابان حرب الخليج الأولى... بينما هو في نظر البعض الاخر، طاغية، قام بقتل خمسة الاف كردي في حلبجة، واباد الاف العراقيين  من الشيعة العرب، وشرد مئات الالاف من مختلف الشرائح العراقية نحو شتى اصقاع العالم... وتتشابه شخصية صدام من ناحية دمويتها (وكذلك تعظيمها من قبل البعض) مع شخصية أحد زعماء الاكراد وهو محمد باشا من مدينة رواندوز العراقية. فكلاهما (صدام والرواندوزي) ارتكبا مذابح فظيعة بحق العراقيين البسطاء، وان اختلف الزمان، والقصد من هذه المقدمة القصيرة هو التوقف عند شخصية محمد باشا المعروف بـ (الراوندوزي)، لاجل التعريف بها، ليس بهدف جرح مشاعر الاكراد، (مثلما أن عملية فضح جرائم صدام لا تهدف ولا تعني بالضرورة جرح مشاعر العرب والعراقيين)، بل بهدف اخذ العبر والتعلم من دروس الماضي. وتعد مسالة تسليط الضوء على تاريخ محمد الرواندوزي وغيره اكثر من ضرورية، عندما نعلم أن ثمة من يكتب اليوم عشرات المقالات في الصحف والنشرات الكردية وغيرها وتبث البرامج التلفزيونية حول هذا "الرجل" لا لكونه مجرما وطاغية بل يقدم ويفرض على العراقيين "كرمز وبطل" ويتم تصنيفه ضمن رجالات الامة الكردية. فمن هو محمد الرواندوزي، وما هو تاريخ (إمارة سوران) التي حكمها بقبطة من حديد أعوام (1813 – 1836)، أسئلة نجيب عليها في مقالنا هذا المتواضع خدمة للحق والحقيقة.  

 

امارة سوران!

 

على تخوم الجهة الشمالية الشرقية للعراق، قامت إمارة كردية، عرفت بإسم (إمارة سوران)، وكانت مدينة رواندوز عاصمتها. وتعتبر هذه المنطقة بمثابة الحدود الفاصلة ما بين كردستان التاريخية (بلاد فارس) وبلاد ما بين النهرين، وعند هذا الشريط الحدودي تتشابك المناطق العراقية مع الكردية، ومن هذه البوابة بالذات نزح الاكراد على مر القرون باتجاه الشمال والغرب[1]. ويعتقد بوجود إمارة سوران منذ مطلع القرن السادس عشر الميلادي. ولئن كانت المعلومات عن هذه الإمارة شحيحة جداً، لكن يكاد يتفق المؤرخين على أن عصرها الذهبي قد ارتبط باسم (محمد الرواندوزي) المشهور بـ (مير كور) أي الأمير الاعور. وبعد أن منحه الاتراك لقب "باشا" لقاء خدماته لهم قبل تمرده عليهم بات يعرف بـ (محمد باشا). ولد[2] في رواندوز عام 1783، وتولى شؤون الامارة سنة 1813 وهو في عز الشباب. ويخبرنا الباحث القدير هرمز ابونا في كتابه (الاشوريون بعد سقوط نينوى – المجلد الخامس، ص308 – 309) معلومات قيمة ومرعبة عن شخصية محمد باشا حيث يقول: (هيمن على الحياة العامة في بلاد آشور "اي شمال العراق" لمدة تزيد على العشرة سنوات. كتب عنه المبشر لوري توماس المعاصر: عرف عنه تعصبه الديني، واعتاد قلع عيون معارضيه، وإن أياديه ملطخة بدماء المسيحيين... أما عن صعوده قمة السلطة والسيطرة، فقد كان دمويا مرعباً. فمنذ استلامه الحكم، قتل أقرب المقربين اليه، جهز حملة على أثنين من أعمامه فقتلهما. جهز حملات الابادة ضد معارضيه من جيرانه الاكراد. ومن بين من فتك بهم، زعيم قبيلة الخوشناو المجاورة لرواندوز).

تميز محمد الراوندوزي عن أقرانه من أمراء سوران بأنه كان يطمح ويعمل على توسيع حدود إمارته التقليدية صوب منطقة الجزيرة، أي حيث مناطق السريان (الكلدوآشوريون) واليزيد والعشائر العربية والتركمانية. ويبدو ان طموحاته كانت تميل الى تأسيس دولة كردية في منطقة رواندوز تضم الاقاليم المجاورة. لهذا بدأ بتحصين مدينته وبنى فيها القلاع الحربية ونظم جيشه الذي بلغ حسب مختلف المصادر اكثر من (30) الفا، كما أنه صك النقود باسمه، وأتصل سرا بخصوم العثمانيين.  وضمن هذا السياق يقول الكاتب الكردي علاء سجادي[3]: (وكون جيشاً منظماً بلغ تعداد أفراده من المشاة والفرسان قرابة (50) الفا، بدأ – والرغبة تحدوه بتوسيع إمارته وبناء حكومة قوية – بشن هجوم على مناطق الموصل وبهدينان، وبعد معركة قصيرة استطاع إخضاع ولايات أكري[4]، وأميدي، وماردين، وجزيرة (ابن عمر). وأوصل حدود إمارته حتى الحدود السورية، ومن جانب اخر ارتبطت إمارته بحدود مشتركة مع ايران، بينما ضيق الخناق على بغداد من الوسط).

 

تمرده على العثمانيين!

 

أعلن محمد الرواندوزي سنة 1826 تمرده على الباب العالي في اوضاع، اقل ما يقال عنها، أنها كانت جدا ملائمة له، اثر تسرب الوهن والضعف الى جسد الامبراطورية العثمانية التي كانت علاقاتها المتوترة مع جيرانها (الروس واليونان والمصريين) تنذر بحروب قادمة لا محالة،  لهذا تمهل العثمانيون قليلا قبل اعلانهم شن حرب تأديبية ضد امير سوران بهدف اعادته الى حظيرة الباب العالي. وبالفعل دخل العثمانيون في حرب ضد الروس المسيحيين (1828 – 1829)، وبعدها أنشغلوا بالتصدي للقوات المصرية المهاجمة بقيادة والي مصر محمد باشا (1832 م). ففي الوقت الذي يخبرنا فيه المؤرخون ومنهم المستشرق الروسي باسيلي نيكيتين[5] بأنه لم يشارك محمد الرواندوزي في الحرب مع العثمانيين ضد الروس، بينما نراه يقدم كل الدعم والمساندة للمصريين.

 

وما يهمنا ذكره هنا، أن محمد باشا الرواندوزي نجح بالفعل باستغلال واستثمار عمليات الدعاية والتحريض التي شنها العثمانيون لتعبئة الجماهير المسلمة مقابل الروس المسيحيين. وفي خضم هذا الهيجان وانتشار شعارات الجهاد والحرب المقدسة في كل مكان ضمن تخوم الامبراطورية العثمانية ضد "الكفرة"  استطاع محمد باشا الذكي توجيه مناصريه ومشاعر الجماهير البسيطة من معاداة الروس باتجاه معاداة السريان المسيحيين وكذلك ضد اليزيديين اللذين ألصق بهم تهمة عبادة الشيطان لتبرير عمليات القتل والتطهير العرقي التي سوف يشنها ضدهم لاحقاً. وهكذا أصبح محمد الرواندوزي زعيماً يحسب حسابه، وطار سيطه في مختلف الأصقاع بعد أن تجرأ على الوقوف بوجه السلطان العثماني. وسارت الأحداث باتجاه الرواندوزي وتحولت إمارته الى مركز استقطاب لاكراد فارس[6] كمحطة أولى  ومؤقتة على طريق بسط سيطرتهم في عمق مناطق العراقيين من السريان واليزيديين والعرب وحتى التركمان. وباشر أمير سوران مذابحه وحملاته التكريدية سنة (1831 – 1832)، في وقت كان يستحيل على العثمانيين ان يتدخلوا (بسبب انشغالهم بالحروب) لوقف اعمال الرواندوزي الدموية والمرعبة، فكانت بلدة القوش العريقة في شمال العراق بالقرب من مدينة الموصل اولى ضحاياه، وأخضع منطقة حدياب وأربيل ذات الكثافة التركمانية والسريانية (الكلدوآشورية). وبقي أمامه القضاء على القوة اليزيدية في أطراف الموصل وخصوصاً في جبل سنجار معقلهم التاريخي.

 

 

مذابح اليزيديين

 

كان من المتوقع والطبيعي عندما أعلن محمد باشا استقلال إمارته عام 1826، ومن ثم توسيع رقعتها باتجاه المناطق غير الكردية، أن يصطدم ويجابه اليزيديين المتحصنين في جبل سنجار وحلفائهم العرب والسريان (الكلدوآشوريين)، وكذلك كان عليه مواجهة القبائل السريانية القوية في جبال هكاري وطورعبدين، تلك القبائل التي عجزت الدولة العثمانية على إخضاعها حتى وهي في أوج سطوتها وجبروتها. وبدأ بالفعل محمد الرواندوزي أعوام 1831 - 1836 حملات القتل والفتك بالسكان المحليين واحرق قراهم والحق الدمار والخراب بمنطقة الشيخان وسهل نينوى. ويذكر لايارد[7] أنه قتل من اليزيديين ما يناهز ثلاثة ارباع سكان الجبل. وبهدف التخلص من أمير اليزيدية ذو النفوذ الواسع (علي بك)، لجأ الروندوزي الى أسلوب الخيانة والمواربة. وأي يكن من أمر، فإن الامير اليزيدي علي بك وقع في شرك محمد باشا عندما أقتنع أخيراً في تلبية الدعوة التي تلقاها من غريمه (محمد باشا) لزيارة عاصمته رواندوز للتشاور. وبعد فشل المفاوضات بينهما، وفي طريق عودته فتك رجال محمد باشا بالامير اليزيدي.

 

مذابح السريان (الكلدوآشوريون)

 

بدأ محمد الرواندوزي (مير كور) حملته الدموية ضد السريان (الكلدان) في مناطق القوش وتللسقف وتلكيف والقرى المجاورة للموصل بتاريخ 15 آذار 1832، والحق الاذى والوجع والقتل برهبان دير مار هرمزد القريب من القوش. وعاد مير كور مرة اخرى لارتكاب اعمال القتل والنهب عام 1833، فاستولى هذه المرة على قصبات عقرا والعمادية، ولضمان ديمومة حكمه عين اخاه رسول حاكما عليها[8]. بينما نرى أن باشا الموصل قد أرتعد من دموية الرواندوزي وتحصن داخل المدينة ولم يتدخل او يعمل على انقاذ ارواح المسييحيين او اليزيديين!! ويذكر الكاتب نبيل دمان وهو من أبناء القوش في كتابه: (الرئاسة في بلدة القوش، ص 19): "بلغ عدد القتلى من الرجال فقط 370 رجلا عدا الأطفال والفتيات، وقتل سبعة كهنة من القوش، وثلاثة راهبات، ورئيس الدير،). ويدون العراقي (روفائيل بابو) في كتابه "تاريخ نصارى العراق – طبعة بغداد 1948، ص 135": (وفي مطاوي ست سنوات او اكثر (1826- 1832 م) كان محمد باشا امير رواندوز المعروف بمير كور يعيث فساداً في الأقطار الشمالية العراقية وقد قتل عددا عديدا من المسيحيين. ثم اقبل الى القوش وحاصرها واباد من سكانها خلقاً كثيراً).

وتشير أغلبية الدلائل والوثائق على أن محمد الرواندوزي قد تحول فعلاً الى كائن متوحش هائج يبحث دائماً عن طريدة لسفك دمها، فبعد كل حملات القتل الفظيعة والوحشية التي أوقعها بالسريان واليزيديين في شمال العراق الحالي، وجه أتباعه صوب السريان في اعالي الجزيرة الخاضعة اليوم لتركيا، فعزم محمد الرواندوزي هذه المرة على تخريب قرى طورعبدين السريانية وكسر شوكة بلدة ازخ (بازبدا) الصامدة،  وفي هذه الفترات العصيبة قتل الاكراد مطران ازخ مار عبد النور[9].

 

لقد تكبد السريان الابرياء خسائر بالارواح والممتلكات لا تعد ولا تحصى، ونجح بالفعل زعيم رواندوز ان يترك أبشع الصور الفظيعة والمؤلمة في الذاكرة الشعبية السريانية حيث كتب الشعراء عن هذه الاحداث الكثير من القصائد الشعرية الحزينة، ليعبروا فيها عن مدى الحزن الكائن في نفوسهم المتعبة من الجراح والاهات. فمثلا هناك قصيدة رائعة للاسقف كوركيس الازخي[10] يصف فيها قساوة حملة محمد الرواندوزي على قرى ازخ واسفس عام 1834، وكيف سبى نسائها[11]، ويخبرنا مؤلفو كتاب (أزخ أحداث ورجال) نقلاً عن كبار السن[12]، عن احد أبطال بلدة أزخ (ابراهيم عمنو) عندما خطف رجال مير كور اختيه، وكيف قام بالتنكر والتسلل الى رواندوز وانقاذهما من السبي. حكاية حقيقية ومؤلمة  تعبر عن معاناة المرأة السريانية.

 

دير الربان هرمز قرب القوش في شمال العراق، من القرون الأولى للمسيحية.  يتبع اليوم الكنيسة الكلدانية. هنا كان يقيم بطريرك الكنيسة السريانية النسطورية (الآشورية)، قبل انتقاله الى جبال هكاري في اعالي ما بين النهرين. هذا الدير (كذلك دير مار متى) يسجل في صفحات تاريخه ذكريات مؤلمة ومريرة عن الغزوات الفارسية والكردية وخصوصا غزوات وحملات النهب والقتل التي قام بها كل من نادر شاه الفارسي، ومحمد باشا الكردي.

 

القضاء على امارة سوران

 

تفاقم وضع السريان المزري في زمن امارة سوران، عبر انتشار القهر والمذابح في كل مكان، كما حصل لهم ابان الغزو المغولي والتتري للمنطقة؟. والمذابح التي ارتكبها الرواندوزي واعماله الوحشية  قلصت وضيقت بالفعل مساحة العيش المشترك ما بين مختلف الشرائح، بعد ان عزم مير كور على محو كل من يختلف معه بالدين او اللغة. وحيال تأزم الوضع الذي فرضه الرواندوزي في اعالي ما بين النهرين وعلو شأنه عند الاكراد بعد أن بسط نفوذه على مناطق شاسعة من شمال العراق الحالي –عدا السليمانية ومدينة الموصل -  ووقوفه الى جانب أعداء الباب العالي أثناء حملة والي مصر على السلطنة العثمانية، وكذلك تعاونه مع الايرانيين، ازاء كل هذه المستجدات اضافة الى الضغوط التي تعرض لها السلطان العثماني محمود الثاني (1808 – 1839)، من قبل البعثات الدبلوماسية الاوروبية المتواجدة في المنطقة لدفع هذا الاخير على ضرورة إيقاف حملات التطهير العرقي التي يتعرض لها المسيحيون، فلم يبقى للعثمانيون من خيار إلا إرسال حملة عسكرية سنة  1836  بقيادة  رشيد باشا القادم من  القسطنطينية[13] لوضع حد لتمرد اكراد سوران والقضاء على مير محمد وظلمه.  وبعد أن ضيق العثمانيون الخناق حول رقبة رواندوز ورقبة أميرها، اقتنع اخيرا محمد الرواندوزي بعدم جدوى مقاومة الاتراك، فسلم نفسه للعثمانيين في آب 1836 م.  عفى عنه العثمانيون بعد مثوله أمام السلطان ليقدم له الطاعة والولاء من جديد، ولكنهم (اي العثمانيين) كما يبدو قد دبروا له مكيدة في طريق عودته وقتل  في تركيا عام 1837.

 

وقيل عن عوامل فشل مشروع محمد الرواندوزي التوسعي الكثير الكثير. ولكننا نعتقد ان الدماء البريئة التي سفكها والمذابح الفظيعة التي ارتكبها بحق السريان واتباع اليزيدية، كانت من أهم العوامل التي ادت الى فشل مشروع محمد الرواندوزي، لأنه اعطانا صورة واضحة عن وضع الفئات غير الكردية التي خضعت له بعد طرد العثمانيين من المنطقة، واعطانا اعمالا وبراهين كافية لكي نقارن ما بين محمد الرواندوزي والسلطان العثماني وفي واقع الأمر، أن أسباب فشل مشروع محمد الرواندوزي كانت هي ذاتها أيضاً وراء فشل مشروع بدرخان الكردي فيما بعد (1843 – 1846)، علاوة على كل هذا، يقال ايضا، أن الفتوى التي افتاها الملا محمد الخطي الكردي بتحريم قتل الاتراك المسلمون كان لها دورا في التعجيل بسقوط امارة سوران.

 

الخلاصة:

 

يقول بعض الكتبة والمؤرخين[14] ان المذابح والخسائر الفظيعة والرهيبة التي اوقعها محمد الرواندوزي - وقبله بالطبع نادر شاه  الفارسي – بسكان بلاد النهرين قد قلبت كل موازين القوى المحلية، والحقت تغييرا وضررا واضحا بالخارطة الاثنية واللغوية والدينية التي كانت سائدة في اقليم الجزيرة وآشور لصالح الاكراد القادمين. واحدث امير سوران الكردي شرخا كبيرا بالعلاقات السريانية – الكردية[15]. فهو اول زعيم كردي يحول اعمال السلب والنهب التي كان يقوم بها البعض من اكراد الجبال ضد القرى والاديرة والكنائس السريانية المسالمة في السهول والتي كانت في سياقها التاريخي طبيعية، وتجري مثل هذه الاعمال في كل بقاع العالم، نقول نجح مير محمد بتحويل تلك الاعمال المبعثرة هنا وهناك الى حملات تطهير عرقي منظمة  لم تهدف او تكتفي هذه المرة بغزوة او سرقة بل ازاحة شعب كامل عن اراضيه التاريخية التي قطنها منذ ان وجد الانسان، والاستئثار على ممتلاكته وارثه الذي يمتد في عمق التاريخ. ونرى أن حمامات الدم التي الحقها محمد الرواندوزي بالسريان ما بين أعوام (1831 – 1836)، لم تتوقف من بعده مطلقا حتى عام 1937 م. فبعد بضعة سنوات قليلة من تاريخ اغتيال محمد الرواندوزي نشاهد الأمير الكردي بدرخان بك الذي يقوم بدوره بارتكاب مذابح وعمليات تطهير عرقي بحق السريان وايضا اليزيديين تعتبر أبشع من تلك التي ارتكبها امير سوران ورجاله!

واليوم يشعر السريان بالمرارة والالم والغبن الذي مرس بكل قساوة بحقهم من قبل الاكراد (وأيضا الاتراك)، ويسترجعون ذكريات الماضي الأليمة، عندما يعلمون ويقراون في وسائل الاعلام الكردية بأن هؤلاء الذين مارسوا القتل والجريمة ضد السريان المساكين من امثال: محمد الرواندوزي وبدرخان البوتاني وسيمكو الشكاكي. .. يتحولون اليوم في ادبيات وصحف الاكراد ومنظماتهم القومية الى (رموز)  و (أبطال)، بدل ان يوضعوا في الصفحة السوداء من التاريخ الى جانب  تيمورلنك وهتلر وصدام. .. فمثلاً، نلاحظ أن اكراد العراق، منذ أن فرضوا هيمنتهم على مناطق شاسعة من شمالي العراق، يقومون من خلال المناهج الدراسية التي وضعوها لأنفسهم، على ابراز وتعظيم دور الزعامات الكردية التي مارست العنف والذبح ضد الأبرياء، أكراداً  كانوا ام اقواما أخرى!؟ ومن المؤكد ان تعظيم هذه الشخصيات ذات التاريخ الدموي، والغير مشرف، من قبل المؤسسات التربوية والسياسية الكردية،  يفسر لنا اليوم موجة العنف التي وقعت بحق السريان الآشوريين (الكلدان) في شمالي العراق من قبل بعض المتطرفين الاكراد منذ أن أقام لهم الاوروبيون والامريكان منطقة (الملاذ الآمن) عام 1991. وأعتقد ان عملية تمجيد هؤلاء القادة وتقديمهم كأبطال على رغم كون أياديهم ملطخة بدماء ابناء جلدتهم وشعوب المنطقة،  تفسر لنا الاسباب الحقيقية التي تقف خلف الصراعات الكردية – الكردية. فلنفترض مثلاً،  لو قامت المؤسسة الالمانية الرسمية الحالية بتمجيد دور هتلر وزجه في خانة رجالات الأمة الالمانية! الا تعد هذه مقدمة لتشجيع النازيين والعنصريين في المانيا واوروبا للقيام بتطهير عرقي جديد ضد الشعوب الاخرى! ناهيك ان مسالة تأسيس جمعيات ومنتديات ومجلات باسم محمد الرواندوزي وبدرخان وكذلك سمكو من قبل الاكراد، تجرح مشاعر السوريين والعراقيين (ضحايا الرواندوزي ويدرخان بك) وتحرض على القتل والعنف ولا تساهم في طي صفحات الماضي المؤلمة!!


 



[1] يقول الباحث القدير القس سليمان صائغ في كتابه القيم (تاريخ الموصل – الجزء الثاني، ص266: (..الجبل الذي تحده جنوباً وغرباً دجلة وشرقاً بلاد العجم وشمالاً أرمينية وبحيرة وان كان عاصياً لتمرد اغواته الذين كانوا يتنعمون باستقلال تام. فكان هؤلاء الاكراد ينزلون من الجبل كالسيل الجارف ويغيرون على القرى فيقتلون وينهبون حتى أخربوا من هذه القرى (ويقصد قرى الموصل) عدداً عظيماً ما زال خرابا الى اليوم).

[2] مقال كتب  بقلم علاء الدين سجادي نشر في  مجلة كولان، العدد (75)، تاريخ 31 اب 2002

[3] مجلة كولان الكردية، العدد (75)، تاريخ 31 اب 2002

[4] وهي منطقة (عقرا)، وقام الاخوة الاكراد بتكريد التسمية، وعقرا، تسمية سريانية عرفت القصبة بها منذ مئات السنين وتعني (الجذر)، أما المنطقة المحيطة بها فكانت تعرف بـ (مركا) وهي أيضاً تسمية سريانية وتعني المرج.

[5] الكرد، تأليف ياسيلي نيكيتين، نقله من الفرنسية الدكتور نوري طالباني، دار الساقي، لندن 2001

[6] كانت مدينة رواندوز قبل  وبعد محمد باشا الكردي ملجأ لاكراد ايران، فمثلاُ، يذكر الكاتب الكردي صلاح هروري، في كتابه (إمارة بوتان في عهد الأمير بدرخان، ص 81): (...دليل قول فريزر الذي سجل مشاهداته وهو في طريقه من السليمانية الى كفري قائلاً: " ان البلاد خالية من السكان، فقد فر الكثير من الفلاحين الى امارة سوران" وعندما استفسر من احد اعيان المورد عن السبب، شكى بقوله: - أن (الايرانيين) وامير بابان يتمادون في مطاليبهم كلها، فماذا تكون عاقبة ذلك؟ لا يبقى للفلاح سوى ان يلتجئ الى الفرار او الذهاب الى رواندوز. ولهذا تخلو البلاد من سكانها كما ترى..).

[7] تاريخ الموصل، الجزء الأول، تأليف  القس سليمان صائغ، طبع الكتاب في مصر.

[8]  ( تاريخ طور عبدين ص 363).

[9] نقل هذه المعلومة الباحث هرمز ابونا عن المبشر جورج بادجر، انظر كتاب الاشوريون بعد سقوط نينوى – المجلد الخامس، ص 76. تأليف هرمز ابونا، شيكاغو 1999.

[10] وتوجد قصيدة باللغة السريانية للقس دميانوس الالقوشي يصف ويلات الكارثة ومظالم مير كور ، هذا حسب ما ذكره الاب سليمان صائغ في كتابه (تاريخ الموصل).

[11] كتاب (أزخ أحداث ورجال، ص 122) تأليف يوسف جبرائيل القس والدكتور الياس هدايا، الناشر: دار الرها، حلب 1991.

[12]  كتاب (احداث ورجال، تأليف يوسف جبرائيل القس والدكتور الياس هدايا، الناشر: دار الرها، حلب 1991.

[13]  كتاب تاريخ طورعبدين، ص 363.

[14] راجع مثلاً كتب الباحث العراقي هرمز ابونا، وأهمها على الاطلاق كتاب (مذابح بدرخان بك).

[15] وكذلك العلاقات اليزيدية – الكردية.

 

إطبـــــــع العودة للفهرس

إحفظ الصفحة