فئات الوطن

الفيلية.. عراقيون شيعة..

 

لمياء صافي ـ الكوت

 

صورة لعمليات تهجير الفيلية

 

المغالطة الكبيرة التي شاعت عنا نحن الفيلية، انه تم احتسابنا على أكراد العراق، بينما علاقتنا بأشقائنا الاكراد لا تتعدى الاسم والاصل العرقي الغير مؤكد علمياً وآثارياً. بالحقيقة، أننا واقعياً وتاريخياً عراقيين مستعربين، مثل غالبية العراقيين. فنحن أولاً نعيش في مناطق كلها ناطقة بالعربية، ونتعايش ونتزاوج ونتثاقف مع العراقيين الناطقين بالعربية، ثم الاكثر من هذا ان مذهبنا الاسلامي هو المذهب الشيعي الجعفري، وهو مذهب غالبية العراقيين وخصوصا الناطقين بالعربية .

ان الناظر لتاريخ الفيلية ومناطق تواجدهم يكتشف حقيقة اصولهم العراقية حتى الذين يقطنون في الجانب الايراني من الحدود. أن منطقة الفيلية ظلت جزءاً من جغرافية العراق ومن حضارته وتمازجه السكاني . لكن العقلية العروبية العنصرية تعاملت بحذر مع كل من لا ينطق العربية أباً عن جد، ثم دفع هؤلاء الى البحث عن هويات قومية عرقية مغايرة للانتماء العراقي ..

أصلهم التاريخي الجغرافي

من المعروف ان المناطق التي يقطنها الفيلية على الحدود بين أيران والعراق، تسمى تاريخياً (اقليم حلوان) التي ظلت دائما جزءاً من العراق. ثم ان هذه المنطقة جغرافياً هي امتداد طبيعي لسهل بلاد النهرين. ويكفي التمعن في وجوه الفيلية وشخصياتهم، لنجدها لا تختلف ابداً عن وجوه باقي العراقيين وخصوصا من أهل الجنوب .

يعتقد ان اسمهم (الفيلية) متأتي من تواجدهم في منطقة تعرف بأسم "بهلة" تقع في الحد بين منطقتي بشتكوة والاحواز، فيها تختلط العشائر العربية والفيلية. هذه العشيرة العربية هذه تسمى بالفيلية أيضاً، نسبة الى منطقة "بهلة"، والعرب تقلب الباء (P) فاءً، فالبهلية تنقلب الى فهلية وفيلية ،.. يقطن هذه المنطقة عشائر بشتكوة الناطقة بلغة تتشابه بصورة ما مع اللغات الكردية، ولهذا مد عرب المناطق المجاورة، سواء في الاحواز أو جنوب العراق، صفة الفيلية على بقية سكان بشتكوة غير الناطقين بالعربية. ينتشر الفيلية في المنطقة الممتدة من مسجد سليمان الى مهران جنوباً (داخل ايران). وشيخ سعد وباقصايا وعلي الغربي وزرباطية وبدرة وجصان ومندلي جنوباً وغرباً (داخل العراق)، وإلى محافظتي كرمنشاه وإيلام شمالاً (داخل إيران)، وخانقين شمالاً (داخل العراق) .

إن علاقة الفيلية بعرب الاحواز وجنوب العراق، علاقة متينة متداخلة فرضتها علاقة الجوار وضرورة التعايش. وعزز من استقرارها وجود تجانس إسلامي شيعي بين الجانبين لم تؤثر عليها الصراعات الشيعية - السنية بين الدولتين الإيرانية والعثمانية، رغم تواجد هذه العشائر على جانبي الحدود بين الدولتين.. ناهيك عن العامل الاقتصادي الذي يبدو واضحاً وجلياً في هذه العلاقة الكردية- العربية في هذه المنطقة. فرعاة هذه العشائر يجدون الحرية المطلقة بجوب مناطق بعضهم البعض في مواسم الجفاف إذا كان الموسم في مناطق الطرف المقابل صالحاً للرعي .

 

           

 

من بين الشخصيات العراقية الفيلية المعروفة، (فخري كريم) رجل الاعلام والثقافة، و(نصير شمة) الموسيقار وعازف العود

 

ففي أبعد منطقة من بشتكوة عن مناطق العرب، أي في شماله، وبالتحديد في منطقة شيروان - جرداول، استوطنت عشيرة عربية الأصل، لا زالت تسمى بعشيرة (نةره و - ريوار) أي "العرب الرحل"، رغم كون هذه العشيرة قد استكردت ونست لغتها الأم، إلا عبارات لا زالت تختلط بلغتها الكردية المكتسبة. من جانب آخر فهجرة كرد بشتكوة للعمل في ميناء البصرة، وأسواق بغداد، وبعض المدن الأخرى، في مواسم الجفاف وعلى مدى القرون، نتج منها سكن واستقرار مجموعة منهم في هذه المدن، وخاصة في بغداد منذ القرون الوسطى، وتحدد تسمية "الفيلية" بشكل عام بهم .

يسكن الفيليون في العراق منذ زمن بعيد، زمن ما قبل تشكيل الدولة العراقية الحديثة. وتسلم كثير منهم مراكز ثقافية، واجتماعية، وتجارية بارزة. وساهموا في الحياة العامة بشكل فعال، باستثناء دوائر وزارات الدفاع والخارجية والداخلية، والقوات المسلحة عدا دورات ضباط الاحتياط، والجنود المكلفين. ولهم شهداء وضحايا في ثورات وانتفاضات وحروب العراق .

ان أسباب اضطهاد الدولة العراقية لنا نحن الفيلية وممارسة التمييز ضدنا واللجوء الى إبعادنا قسراً عن وطننا العراق ، يعود الى :

1 ـ تمسكنا بمذهبنا الإسلامي الشيعي، وإقامة المواكب الحسينية سنوياً، واحتفاظنا بعلاقاتنا مع باقي العراقيين الشيعية .

2 ـ  كون اصولنا تعود الى منطقة واقعة ضمن حدود الدولة الإيرانية، فصار الفيلية ضحية للصراع الايراني العراقي، الذي ورث الصراع العثماني الصفوي .

3 ـ مشاركتنا الواضحة في الحركة الوطنية  واليسارية، والحركة القومية الكردية. وفي السنين الأخيرة في الحركة الإسلامية(الشيعية) .

لقد قامت الحكومات المتعاقبة العنصرية والطائفية بحملات تهجير جماعي ضد الفيلية. وذلك بمصادرة أموالهم وتجريدهم من مستمسكات مواطنتهم ورميهم على الحدود الإيرانية، بعد حجز الألوف من شبيبتهم في غياهب السجون سنة 1980 دون أثر أو خبر عنهم الى الآن . ما بين الأعوام 1971 و 1982 جرى تهجير أكثر من ثلاثمائة ألف فيلي من بغداد ومدن الوسط والجنوب، ومات من مات من المهجرين على الحدود، لا سيما بين كبار السن، ونهبت ممتلكات الجميع بعد أن قضوا في العراق - وطنهم - أجيالاً وخلفوا فيها الأولاد والأحفاد. كما حجزت الحكومة ما لا يقل عن ستة آلاف من شباب الفيلية في السجون والمعتقلات دون ذنب وبلا تهمة رسمية، بعد أن جرى تهجير آبائهم وأخواتهم وأمهاتهم . وجرى في الوقت نفسه تهجير آلاف من العرب العراقيين الأقحاح من جنوب العراق ووسطه بحجة "التبعية" وبينهم الكثيرون من أبناء العشائر. ولكن "الذنب" الوحيد الذي اقترفوه هو انتماؤهم الشيعي والخوف من أن يكونوا طابوراً خامساً لإيران .

 

العودة الى فهرس العدد اطبع هذه الصفحة