مدخل فكري تاريخي

توحيد التاريخ اساساً لتوحيد الحاضر

 

             ميزوبوتاميا ـ جنيف

 

 

 

التشابه الواضح بين مأذنة الملوية وبرج بابل والزقورة، دليل على ديمومة الترابط بين المراحل الدينية العراقية

                                                

طيلة تاريخ العراق منذ العهد الحضاري الاول قبل اكثر من خمسة آلاف عام، ومنذ تبلور الحس الديني لدى العراقيين، ظلت الوحدة الدينية سائدة بينهم كما الوحدة اللغوية والسكانية والثقافية. ان هذا التوحد الحضاري لدى العراقيين طيلة تاريخهم الطويل، لم يكن نتيجة ارادة الزعيم الفلاني ولا القوى الفلانية، بل يعود بكل بساطة الى العامل (البيئي الجغرافي)! ان وجود نهري دجلة والفرات اللذان يصبان في سهل منبسط محاط بجبال وهضاب من كل النواحي تفصله وتميزه عن الأوطان المحيطة :  زاغاروس من الشرق تفصله عن ايران وعموم آسيا، وطوروس من الشمال تفصله عن القفقاس والاناضول وباقي اوربا . وهضبة الشام من الغرب تفصله عن الشام ومصر، والصحراء العربية من الجنوب تفصله عن الجزيرة العربية.

ان الوجود البشري في العراق يرقى الى عشرات الآلاف من السنين، حيث بدأ الانسان العراقي يزاول الزراعة بحدود (9000) قبل الميلاد، وعاش تطورا كبيرا حوالي سنة 5500 ق.م  في قرية (جرمو) في شمالي العراق في أواسط العصر الحجري الحديث. ان البدايات الاولى الواضحة للحضارة في العراق بدأت في حدود( 5000 ) قبل الميلاد،حيث ابتدع العراقيون فن التعدين والدولاب والخزف والآجر المفخور والعربة ذات العجلة، وكذلك المحراث ثم السفن الشراعية وفن النحت. كذلك ظهرت اولى المدن ومعها المباني العامة والمعابد.عرفت تلك الفترة بأسماء المدن والقرى والمواقع التي تم اكتشافها فيها من قبل الآثاريين، مثل : (فترة حسونة) ثم (فترة سامراء) و(فترة حلف) و(فترة العبيد) و(فترة الوركاء) وأخيرا (فترة جمدة نصر) .

طبعا كان الدين الاساس الروحي الذي استعان به الانسان العراقي لكي  ينظم علاقته مع ذاته ومع المجتمع ومع الوجود بأكمله. وهذا التنظيم الروحي الديني شكل الاساس لكي يبتدع كل هذه المكتشفات الحضارية الاولى . ويمكن تقسيم التاريخ الحضاري للعراق الى المراحل الخمسة التالية:

اولاً / مرحلة حضارة العراق القديم :

عرف طور الوركاء (3500 ق.م ) بالعهد الشبيه بالكتابي, لكن الكتابة الحقيقية(المسمارية) قد أرسيت قواعدها تماما خلال الطور الذي أعقبه وهو (جمدة نصر) في حدود سنة 3000 ق.م

وقد دامت هذه المرحلة الحضارية الاولى ما يقرب  الثلاثة آلاف عام ، حيث بدأت بإنبثاق الحضارة السومرية في الجنوب في الالف الرابع قبل الميلاد، ثم اعقبها الجماعات الناطقة بالسامية  بسلالتها المختلفة، الاكدية والبابلية والآشورية. بالاضافة الى اللغة الموحدة بلهجتيها البابلية والآشورية، فأن هذه المرحلة تميزت ايضا بالدين الموحد السائد في الشمال والجنوب طيلة عشرات القرون. وهذا الدين العراقي قائم على اساس ( عبادة الكواكب ) وما تتضمنه من معتقدات واساطير والهة متعددة ممثلة للكواكب ومسؤولة عن حياة الانسان والطبيعة . وهذا الدين العراقي شكل اساس(نظام الابراج وعلم التنجيم ) الذي ساد العالم كله ولا زال حتى الآن يتبع نظام الاشهر العراقية حيث البرج الأول هو (الحمل) في(21 آذار) اول يوم في السنة العراقية حيث انبثاق الربيع والخصوبة والميلاد. ان هذه الديمومة ( الحضارية ـ اللغوية ـ الدينية ) لدى العراقيين متأتية من طبيعة ارض النهرين وقدرتها على هضم الاقوام الجديدة واستيعاب ثقافتها المختلفة وصهرها في روح ومياه النهرين الخالدين وحضارتهما الأصيلة.

ثانياً /  المرحلة الآرامية ـ المسيحية :

بعد سقوط  بابل عام ( 539 ق.م ) انتهت آخر الدول العراقية الوطنية واصبح النهرين ساحة صراع القوى العظمى : الايرانيون والاغريق والرومان، حتى تمكن اخيرا الفرس الساسانيون من فرض سيطرتهم  ابتداءا من القرن الثالث حتى القرن السابع ، حيث الفتح العربي الاسلامي . طيلة اكثر من ( 11 ) قرن ظل العراق محكوما من دول تختلف عنه دينيا ولغويا. رغم محاولات الايرانيون خلال قرون السيطرة من فرض لغتهم الفارسية وديانتهم الزرادشتية الا ان العراقيين ظلوا على ديانتهم البابلية ولغتهم الآرامية . منذ قبل الميلاد تمكنت اللغة الآرامية ان تصبح  لغة العراقيين السائدة وكذلك لغة سوريا .

بعد القرن الاول الميلادي  بدأت المسيحية السورية تنتشر في شمال النهرين وباقي العراق حتى اصبحت في القرن الثالث الميلادي ديانة الاغلبية الساحقة من السكان، وانتقل العراقيون بالتدريج من عبادة الكواكب الى الديانة المسيحية الجديدة. انتشرت الكنائس والاديرة النسطورية من نينوى حتى ميسان والاحواز والبحرين وقطرايا ( امارة قطر الحالية) . تعتبر النسطورية العراقية اول طائفة مسيحية خرجت عن سيطرة الكنيسة الرسمية التابعة لملك بيزنطا في القسطنطينية. وهذا اكبر دليل على حاجة العراقيين الى تمييز هويتهم واستقلاليتهم الدينية واللغوية الخاصة بهم. منذ القرن الرابع الميلادي بدأ مذهب ( نسطور ) يشيع بين العراقيين حتى اصبح مذهب الكنيسة العراقية التي سميت رسمياً بـ (  كنيسة بابل ) ، ولكن المؤرخين الغربيين يسمونها احيانا عن خبث مقصود بـ (كنيسة فارس) بأعتبار العراق كان خاضعا لفارس! هكذا اذن انتقل العراقيون بالتدريج من ديانة الكواكب الى المسيحية النسطورية التي اصبحت تمثل اكثر من 90 % من السكان ، مع اقليات مختلفة من المذهب اليعقوبي السوري واليهود والصابئة ، بالاضافة الى أتباع الديانة المانوية نسبة الى ( النبي ماني البابلي) الذي ظهر في القرن الرابع في جنوب العراق وسط الصابئة والف ستة كتب دينية بلغته السريانية العراقية .

 

رمز الانوثة والخصب في العراق القديم

 

 ثالثاً /  المرحلة العربية ـ الاسلامية : 

في اواسط القرن السابع خرجت الجيوش العربية الاسلامية من الجزيرة العربية واسقطت الامبراطورية الفارسية التي كانت تهيمن على العراق وايران واجزاء من افغانستان وآسيا التركستانية الوسطى . وتم كذلك طرد الدولة البيزنطية من سوريا ومصر ثم بلغت الجيوش الاسلامية شمال افريقيا وعبرت حتى اسبانيا . في اواسط القرن السابع الميلادي دخلت الجيوش الاسلامية الى العراق فوجدت امامها حوالي سبعة ملايين من السكان العراقيين باغلبيتهم الساحقة من المسيحيين النساطرة مع اقليات من الصابئة واليهود والمانوية ، بالاضافة الى بعض المجوس من الاداريين( الدهاقنة) والعسكريين الأيرانيين الذين كان الكثير منهم من اصول تركستانية. وكانت لغة جميع العراقيين هي اللغة السريانية العراقية( النبطية. لقد دخل الاسلام العراق على انه منقذ للناس من السيطرة الايرانية والاضطهاد الذين مارسه رجال الدين المجوس ضد  الكنيسة العراقية والذي راح ضحيته الآلاف من المسيحيين العراقيين .  وتكمن قوة الاسلام انه منح الفرصة لشعوب البلدان المفتوحة بالتخلص من حالة التبعية والخضوع للقوى الاجنبية ، ومنح الفرصة للأشتراك بالحكم والشعور بالأنتماء للدولة الاسلامية الحاكمة وذلك من خلال تبني الاسلام والتطوع في الجيوش الفاتحة والمشاركة في ادارات الدولة الجديدة والتمتع بالمغانم والمزايا العديدة . ان ترك السلطة العربية الاسلامية الباب مفتوحا لجميع ابناء البلدان المفتوحة من اجل الدخول في الاسلام والمشاركة بالحكم ، جعل الاغلبية الساحقة من هذه الشعوب تدخل الى الاسلام لتشارك في ادارة الدولة الجديدة ، بل حتى الاستحواذ عليها ، حيث تمكنت جميع الشعوب الاصلية بعد تبني الاسلام من السيطرة على فروع الدولة الاسلامية في اوطانها .

 

 

ومنذ القرن الثامن ، وبعد ثورات وتمردات لا تحصى تمكن العراقيون من تكوين الدولة العباسية وجعل عاصمتها في بغداد وسط العراق قرب ( بابل ) عاصمتهم التاريخية التي لم ينسوها رغم خرابها قبل الف عام وبقيت حية في حكاياتهم واساطيرهم التي ادخلوها الى المسيحية ثم الى الأسلام. في بغداد قاد العراقيون اكبر واطول نهضة حضارية عالمية مازجين كعادتهم ما ورثوه من اسلافهم مع ميراثات الشعوب الاخرى من اغريقية وفارسية وهندية وشامية ومصرية وغيرها ، حتى اصبحت بغداد ، مثل سالفتها بابل ، عاصمة الارض التي تتفاعل فيها اللغات والاديان والافكار وتتزاوج بها جميع الاجناس البيضاء والصفراء والسوداء من تجار وعبيد ومرتزقة وطالبي علم ومغامرين حالمين .

وكما حاول العراقيون سابقا ان يميزوا هويتهم ويفرضوا خصوصيتهم الروحية عن الديانة المسيحية الجديدة من خلال تبنيهم للمذهب النسطوري، كرروا نفس الحالة بعد سيادة الاسلام من خلال تبنيهم وصنعهم للمذهب الشيعي الذي حمل الكثير من خصوصيات الميراث الروحي العراقي القديم والنسطوري. وهذا ايضا تاكيد تاريخي آخر على تمسك العراقيين بخصوصيتهم الروحية والحضارية.

رابعاً /  المرحلة المغولية ـ العثمانية :

 كالعادة تكررت دورة التاريخ ، وبدأت الجماعات الرعوية الآسيوية والسامية البدوية( العربية ) تمارس دورها التخريبي مستغلة الانحطاط السياسي والروحي الذي بدأ يتغلغل في اوصال الدولة والمجتمع . تمكن الآسيويون التركستان خصوصا من لعب دورا مميزا  لأنهم  اكثر من باقي الشعوب ظلوا محافظين على طبيعتهم الرعوية المحاربة وسط سهول وهضاب آسيا الوسطى . يتوجب التنبيه الى ان هذه الجماعات التركستانية لم تلعب دورا تخريبيا اول الأمر كما يصر على قول ذلك التاريخ القومي العروبي، بل ان هؤلاء التركستان ( أي اسلاف التركمان) قد لعبوا دورا دفاعيا عن الدولة العباسية ازاء المخاطر الخارجية والداخلية، ودخلوا في النسيج العراقي سكانيا وحضاريا وبرز منهم الكثير من المصلحين المعروفين الذين خدموا الحضارة العراقية مثل (نظام الملك) ومدارسه النظامية. من المعروف ان العباسيين هم الذين جلبوا الجماعات التركستانية المحاربة واستعانوا بهم بعد إن فقد العنصر العربي روحه البدوية المحاربة وذاب كعادة من سبقه ، في رفاهية حضارة النهرين. وحتى هذه الموجات التركستانية البدوية كانت تواجه بنفس المصير المحتم ، فما إن تستقر سرعان ما تفقد روحها البدوية الحربية وتذوب في تلافيف الحضارة العراقية ، لتفسح المجال لموجة آسيوية جديدة ، تركستانية او كردية او ايرانية ، حتى بلغ  هذا الاجتياح الآسيوي ذروته بالموجة المغولية التي سيطرت على آسيا واسقطت بغداد في القرن الثالث عشر على يد هولاكو. استمر الآسيويون يسيطرون على العراق حيث قام  تيمورلنك مرة اخرى بتدمير بغداد في القرن الخامس عشر. واستمرت القبائل التركمانية بالسيطرة على العراق وتكوين الدويلات، حتى تمكن بعدهم العثمانيون القادمون من الاناضول ( تركيا الحالية) من فرض سيطرتهم في القرن السادس عشر . ابتداءا من هذه الفترة تحول العراق الى ساحة صراع دامية بين الدولة العثمانية (السنية) والدولة الايرانية الصفوية (الشيعية)، واثر هذا كثيراً على الشعب العراقي وفاقم من انقسامه المذهبي سني (عثماني!) وشيعي (ايراني!)

 

 

خامساً / المرحلة الحديثة :

 بعد ثورة شعبية عنيفة قام بها العراقيون ضد الاستعمار الانكليزي تأسست الدولة العراقية الحديثة عام ( 1921 ) التي جمعت الولايات العثمانية الثلاثة : بغداد والبصرة والموصل . وهذه الولايات الثلاثة تمثل بلاد النهرين كما انوجدت في التاريخ منذ القدم، مع اختلافات معينة بالحدود مع ايران(عبادان) وكذلك سوريا(منطقة الجزيرة) وتركيا.

للأسف بعد طرد العثمانيين على يد الانكليز بعد الحرب العالمية الاولى، اتخذ الانقسام المذهبي بعدا دولياً واضحاً من خلال تكوين دولة عراقية منحازه الى ابناء المذهب السني.ظلت الملكية بنظام شبه برلماني ومتقلب حتى تم اسقاطه على يد مجموعة من الضباط الاحرار التي اعلنت الجمهورية في تموز 1958. بعد سلسلة من الانقلابات والتصفيات الدموية تمكن (حزب البعث) من استلام السلطة عام 1968. وكان صدام حسين احد عناصر النظام المهمة وظل دوره يتنامى حتى اعلن نفسه رئيسا للجمهورية عام 1980 بعد تصفية دموية للعشرات من قادة الحزب الكبار. والبقية معروفة من حرب ايران ثم حرب الخليج وحتى الآن ...

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

أدياننا التوحيدية تتمة لأدياننا القديمة ..

 

             

 

من المعلوم ان العراقيين القدماء بكل مسمياتهم (سومريون وبابليون وآشوريون)، كان يعتنقون نفس الدين، والذي يقوم على اساس (تقديس عملية الاخصاب في الطبيعة) والمرتبطة بعبادة الآلهة الممثلة للكواكب السبعة المعروفة وقتذاك: ( الشمس والقمر والزهرة وزحل وعطارد والمشتري والمريخ). والعراقيون هم اول من ابدع ما يسمى بـ (علم الابراج) أي الابراج الاثنى عشر المقسمة على اشهر السنة، ابتداءا من شهر نيسان وبرجه الحمل، وهو برج اله الخصب والذكورة(تموز) ويعتبر اول شهر من السنة العراقية، وفيه يخرج تموز من موته(الشتوي) في اعماق الظلمات في اول الربيع لتخصيب الارض. وقد صنع العراقيون الاوثان التي تمثل هذه الاله النجمية، حيث كل اله يمثل طاقة معينة، مثل تموز طاقة الذكورة، وعشتار طاقة الانوثة، وايل طاقة الخلق العظمى حيث هو زعيم الالهة.  

من بين التشويهات الكبرى التي تعرض لها تاريخ العراق وعموم البلدان الشرقمتوسطية (العربية) ، هي كتابة التاريخ الديني من وجهة نظر توراتية عرقية تفصل تماما بين الاديان السماوية (اليهودية والمسيحية والاسلام) والميراث الديني السابق الذي كان سائدا في اوطاننا خلال آلاف الاعوام. ثمة اتفاق غير معلن بين العلمانيين والمتدينين على تجاهل حقيقة التاريخ الديني المتواصل والمشترك بين جميع ادياننا. ان عدم ادراك هذه الحقيقة كان مدفوعا بغايات آيدلوجية استعمارية من قبل المؤسسات الاستشراقية والصهيونية من اجل تقسيم شعوب المنطقة الى جماعات دينية وطائفية متصارعة ومتنافسة لأنها تجهل القاسم التاريخي والروحي المشترك بين معتقداتها. يكفينا مثال الحركة الصهيونية كأكبر دليل على النجاح في اصطناع (امة ودولة) بالاعتماد على تضخيم الخصوصية اليهودية وفصلها تماما عن تاريخ وحضارة المنطقة .

ان هذا الجهل بحقيقة الميراث المشترك بين أدياننا ومذاهبنا ادى الى تعميق الخلاف، بين ابناء هذه المعتقدات، كذلك بين التيارين (العلماني والديني). لقد تجاهل العلمانيون حقيقة العمق الحضاري التاريخي لوجود الاديان في منطقتنا، بسبب اعتمادهم السطحي على التحليل (العلمي المادي)، حيث ساد الإعتقاد بأن ادياننا ومذاهبنا امور تاريخية مؤقتة وطارئة يكفي تجاهلها واحتقارها حتى يتم الغائها وتناسيها!!

   ثمة سؤال منطقي يطرح نفسه: هل يمكن الحديث عن اية فكرة او دين او معتقد من دون الحديث عن طبيعة الزمان والمكان التي نشأت فيه؟ فهل يمكن مثلا فصل تاريخ نشوء الهندوسية عن طبيعة الهند وتاريخها وميراثاتها السابقة للهندوسية . نفس الشيء بالنسبة للتاوية الصينية او البوذية ، وغيرها من الاديان .  فكيف حصل انه تم فصل الاديان السماوية عن ميراثات منطقتنا التي نشأت فيها؟ بل الانكى من هذا، تم إعتبار الديانة اليهودية هي الاساس الذي انبثقت منه باقي الاديان، واعتبار كل الميراثات الدينية الشامية والعراقية والمصرية، مشركة ووثنية وميتة ولم تشكل أي اساس في الاديان السماوية .. وهذا يعني بكل بساطة ان تراثنا الديني والروحي الحالي ليس له أي علاقة بميراثاتنا الوطنية الاصلية . 

منذ القرن الماضي قد بدأ المؤرخون الغربيون يعيدون النظر تماما بالميراث اليهودي وحكاياته الاسطورية التي لم يتم العثور لها حتى الآن على اية اشارة او دليل بين هذا الكم الهائل من المكتشفات الآثارية للحضارات العراقية والشامية والمصرية. النتيجة المعقولة التي تم شبه الاتفاق عليها حتى من قبل علماء اسرائيل، ان حكايات التوراة عن ممالك اليهود وملوكهم وانبيائهم ومغامراتهم الخارقة، ماهي الا حكايات شعبية تم توارثها وتضخيمها من جيل الى آخر، كما يحدث لكل اساطير الشعوب. لنا على هذا نماذج السير الشعبية العربية مثل عنتر بن شداد والزير سالم والظاهر بيبرس، وغيرها. لكن ميزة اساطير التوراة ان اليهود استطاعوا ان يضفوا عليها القدسية من خلال مزجها مع الاساطير الدينية العراقية اثناء كتابتهم للتوراة في بابل .

رغم هذه الحقيقة التي باتت معروفة منذ اوائل هذا القرن، والتي تبناها حتى يهود معروفين مثل عالم النفس (فرويد)  في كتابه الشهير (موسى والتوحيد)، الا انه حتى الآن لم يتم تبنيها وتطويرها من قبل الناطقين بالعربية بسبب الموانع القومية والسلفية. صحيح ان هنالك الكثير مما ترجم وكتب عن الاديان المصرية والشامية والعراقية، الا ان الحديث عن العلاقة بين تلك الأديان الاولى والاديان السماوية، ظلت محدودة وحتى مقموعة. منذ اواخر السبعينات بدأت تظهر بعض المحاولات الجادة الجريئة في هذا المجال، الا انه حتى الآن لا زالت محاولات محدودة لم تأخذ طابعها السائد والمعروف بين المثقفين وعموم المتعلمين .

ان أي معتقد لا يمكنه ان ينبثق ويتطور ويستمر الا لأنه يلبي حاجة روحية تاريخية للمجتمع الذي ينبثق فيه وكذلك المجتمعات التي ينتشر فيها. وعندما تتغير ظروف المجتمع وتختلف حاجته فأن ذلك المعتقد اما ان يبقى متحجرا فيضمر ويموت كما حدث لكثير من الاديان والمعتقدات في التاريخ وآخرها الشيوعية، او انه يمتلك ديناميكية خاصة تساعده على التقولب حسب الظروف والحاجات الجديدة، كما هو حال الاديان الكبرى الشائعة حاليا في العالم منذ قرون عديدة ، مثل الاسلام والمسيحية والبوذية والهندوسية وغيرها ، والتي تعيش ازمات داخلية مستمرة لكي تواكب متغيرات الحياة السريعة والعاصفة .

 على هذا الأساس يمكننا دراسة التاريخ الديني للعراق ولعموم الشرق الاوسط والعالم العربي (الشرقمتوسطي) وبأديانه السماوية المعروفة( اليهودية والمسيحية والإسلام) بكل تنوعاتها المذهبية والفقهية. يمكن تقسيم التاريخ الديني لمنطقتنا الى مرحلتين متداخلتين:المرحلة الوثنية التعددية ، المرحلة العرفانية التوحيدية .

 

 

الثنائية التوحيدية

ان الميراث الديني العراقي والشامي( بالإضافة الى الميراث المصري، كما سنبين فيما بعد) هو الأساس الذي إنبثقت منه الأديان السماوية. ان ميراث هذه المنطقة مشترك ومتشابه الى حد بعيد بسبب التشابه الحضاري واللغوي منذ فجر التاريخ، والمتأتي من التداخل الجغرافي بين العراق والشام حتى انهما شكلا منطقة شبه موحدة اطلق عليها فيما بعد تسمية (الهلال الخصيب) ، ونحن نفضل تسمية (منطقة المشرق) .

ان تعدد اسماء الآلهة ووجود الاصنام في ديانة المشرق، برر الاعتقاد السائد بأنها ديانة (وثنية تعددية). لكنها بحقيقتها العميقة ليست بهذه الدرجة من الوثنية والتعددية. ان هذه المرحلة تحمل الكثير من الملامح الأساسية التي شكلت فيما بعد المرحلة العرفانية (التوحيدية) التالية. ليست بالصدفة ابدا ان المعتقدات (السماوية التوحيدية) نشأت في منطقتنا وليس في الهند مثلا او الصين او اوربا. لأن هذه الديانة التوحيدية ما كانت تنبثق الا بعد أن هيأت لها المرحلة الدينية (الوثنية) السابقة التي كانت سائدة .

ان ما سميت بالديانة الوثنية هي اقرب الى المعتقد (الحلولي) الذي يؤمن بأن (روح الأله) تحل وتدخل في كل مكونات الوجود، كما يسري غذاء الشجرة من الجذور والجذع الى الاغصان والاوراق. مثلما كل ورقة هي جزء من الشجرة، كذلك البشر والطبيعة كل منها تمثل جزءا من الأله الخالق الكلي. وما اسماء الآلهة الا اسماء اغصان شجرة الوجود هذه . ويمكن وصف هذه الديانة بأنها اقرب الى(الثنائية التوحيدية)، أي وجود الأيمان بوجود قوتين مختلفتين متكاملتين يشتركان بغاية الهية واحدة :

اولاـ ثنائية ( المادة والروح ) :

ينقسم الوجود الى الطبيعة المادية المرئية المحسوسة المتمثلة بالارض بما فيها من بيئة وحيوان وإنسان، ثم الروح الألهية الكلية القدرة والمسؤولة عن منح الحياة لتلك الطبيعة المادية. ان كل شيء مادي في الوجود له روحه الالهية الخالدة المسؤولة عنه التي تمنحه طاقة الحياة . بما ان الوجود المادي متنوع ويتكون مما لايحصى من الاشياء المختلفة القيمة والحجم والفائدة والذكاء فأن الوجود الروحي الالهي هو الآخر منقسم الى نفس التنوع . أي ان مملكة الانسان على الارض مماثلة لمملكة الآلهة في السماء . لهذا فأنه في الأساطير العراقية يكثر الحديث عن (مجمع الآلهة) الذي تسود بين اعضائه نوعا من (الديمقراطية التقليدية) حيث تسيطر النخبة على الأغلبية الضعيفة ثم يسيطر الاله الكلي على النخبة. مثلما في مملكة الانسان، هنالك (الملك الكلي) وحوله الكثير من المراتب والدرجات والوظائف من وزارء وإمراء وحكماء وقضاة ومحاربين وجلادين، كذلك في ملكوت السماء (الاله الكلي) الذي سماه السومريون (ايا او انليل ) وسماه الساميون عموما (ايل ، ايليا ) بمعنى (العالي) ومنه مشتقات (علي ، اله ، الله). هنالك ايضا ( آلهة ) تابعة عديدة لا تحصى لكل منها اختصاصه ومسؤوليته عن مظاهر الحياة الكبيرة والصغيرة ، من الذكورة والانوثة والموت والنور والضجر والفرح وغيرها وغيرها. هذه الصورة تشبه كثيرا ما هو معروف في الاديان التوحيدية حيث هنالك الرب الجليل الاعلى ومعه الملائكة المتنوعي المراتب والاختصاصات ، مثل جبرائيل حامل الوصايا والرسائل وعزرائيل قابض الارواح ، وعدد هائل من الملائكة والانبياء والقديسين لكل منهم له اهميته وتأثيره على الطبيعة وعلى الانسان. لكي تتضح حقيقة تلك الاديان القديمة يمكننا ان نستبدل تسمية (اله) بتسمية روح او ملاك او نبي او قديس او إمام شفيع .

 

Kingdom of Sumer

ظل العراق دائما يميل الى الامتداد نحو سواحل الشام

 

كثيرا ما يميل بعض المؤرخين الى اطلاق تسمية (عبادة الكواكب) على هذه الديانة المشرقية ، بسبب التأكيد على دور الكواكب (الآلهة) في هذه الديانة. والحقيقة أنه بسبب علاقة سكان الهلال الخصيب المباشرة مع السماء حيث لا زال الناس حتى الآن ينامون تحت السماء في معظم ليالي السنة. هذا الاتصال اليومي مع السماء خلق متابعة ومعرفة تفصيلية بالكواكب والنجوم .  لقد برع العراقيون خصوصا في علم الفلك وحساباته الدقيقة، ورصدوا تحركات الكواكب السبعة المعروفة حينذاك : الشمس والقمر وعطارد والزهرة والمريخ والمشتري وزحل . لقد لاحظوا ان هذه الكواكب لها تأثير على نشاطات الطبيعة والانسان، منها مثلا علاقة القمر بظاهرة المد والجزر وتنوع النباتات وكذلك العادة الشهرية لدى المرأة. على هذا الاساس فأنهم اعتبروا هذه الكواكب تجليات الهية تساهم بالتحكم بالطبيعة والانسان، أي أن هنالك نوعا من النظام الكوني الذي يجعل كل شيء في الكون يؤثر في باقي الاشياء ويتأثر بها. لقد اطلق العلم الحديث على هذا النظام تسمية (الساعة الفلكية) .

اعتبر القدماء كل كوكب يمثل قوى الهية معينة، مثلا الشمس (الاله شمش) يمثل قوة النور والحق والعدالة، فهو مثلا الذي منح (حمورابي) شريعته. اما كوكب الزهرة فهي الالهة (عشتار) نجمة الصباح والخصوبة والأنوثة. اما القمر (سين) فهو اله المشاعر والحدس والتأثيرات السحرية .. الخ . على هذا الأساس تم تقسيم الأسبوع الى سبعة ايام ، حيث يمثل كل يوم احد الكواكب .

بناء على المراقبة الطويلة قسموا السنة الى 12  شهر، وكل شهر يسيطر فيه كوكب معين مع مجموعة نجوم تؤثر في الاحداث وفي مواليد ذلك الشهر. من هذا نشأ علم التنجيم ونظام الابراج الشخصية، الذي يشكل جزءا اساسيا من ديانة اهل العراق وكذلك الشام . لقد شاع علم الأبراج فيما بعد في مصر ثم في ايران والهند وفي باقي العالم. لا زال حتى الآن تقديس الكواكب السبعة والابراج الأثني عشر واضحا في الكثير من المذاهب الأسلامية مثل الأسماعيلية والدرزية والعلوية، بالاضافة

الى الصابئية واليزيدية...

 

ثانياـ ثنائية (الأنوثة والذكورة):

رغم هذا التعدد الكبير في اسماء الآله والفوضى التي توحي بها الأساطير المتداولة عن تلك الاديان فإن جوهر الديانة المشرقية يتلخص بكلمة واحدة هي ((الإخصاب)). بمعنى ان الوجود بأكمله يتكون من طرفين او طاقتين او جوهرين متكاملين هما : روح الانوثة الممثلة بالألهة المعروفة (عشتار ـ أي العشيرة والوفيرة والكثيرة) التي سميت ارنينا بالسومري وعزة بالعربي. ثم روح الذكورة الممثلة بالاله (تموز ـ أي ابن المياه وجالبها باللغة السومرية) وتناوبت عليه اسماء عدة مثل نبو وحدد، وفي الشام  ساد اسمه (بعل). ان الحياة لا تنبثق الا بإتحاد هذين الطرفين من خلال عملية الأخصاب. الاسطورة العراقية تحدثنا عن ثور الهي يقف في اعالي النهر وتتدفق منه سوائل الخصب في الارض كما تتدفق سوائل الذكر في انثاه ! إذن فأن فعل (الاخصاب) ليس فعلا جنسيا ثانويا مثل كل افعال الطبيعة الاخرى، بل هو الفعل الأساسي والأول الذي منه تنبثق الحياة بكل اشكالها النباتية والحيوانية والانسانية. انه نقيض فعل الموت والقحط والجفاف. حسب هذه المعتقد أن الارض بكل مكوناتها الطبيعية والحيوانية هي مركز الانوثة، وان السماء هي مركز الذكورة. لكي تتخصب الحياة على الارض يتوجب على السماء ان تبعث لها طاقتها الذكورية المتمثلة بمياه الامطار والانهار وما يصاحبها من بروق ورعود ورياح وأنوار. لهذا فأن اله الكون الاكبر (ايل ـ الله) يبعث في مطلع كل ربيع ابنه او ملاكه او تجليه (تموز) ليخصب (عشتار) لكي تستمر الحياة بدورتها. على هذا الأساس تم اعتبار مطلع الربيع (اول نيسان، نيشان بالاكدي أي العلامة، حيث تظهر علامات الخصب) بداية السنة الجديدة ومولد أول الأبراج(الحمل).

هنالك التباس معروف لدى الباحثين حول طبيعة عشتار ، فهي تارة الهة حب وخصب، وتارة اخرى هي الهة حرب ودمار؟ السبب الحقيقي يعود الى ان عشتار تبحث عن خصب الذكورة ليس في المياه وحدها بل خصوصا في الدماء التي هي جوهر الحياة وحاملة روح الاخصاب. لهذا فأن (حمورابي) يصفها في شريعته : ((سيدة المعارك والحروب .. تجندل المحاربين وتسقي الارض بدمائهم .. )) . ان المرأة تتخصب بعد نزف دماء الحيض، وعندما تلد كذلك تنزف الدم ، وهذا الواقع منح لرمز الدم هذا الدور الاخصابي. من هنا اتت عادة تقديم القرابين (كبش الفداء ) الذي لا زال شائعا في الاديان التوحيدية .

 لقد لاحظ المشارقة انه وسط الصيف واشتداد الحرارة تنقطع الامطار وتجف الانهار وتتيبس النباتات ويخيم شبح القحط على الحياة. عللوا ذلك بموت اله الذكورة تموز بعد تلقيه طعنة من خنزير بري وابتلاعه من قبل آلهة القحط والموت (ارشيكغال) في اعماق ظلمات الارض. لهذا السبب اطلقوا تسمية (تموز) على هذا الشهر اللهاب. وتتكرر دورة الحياة والموت، الاخصاب والجفاف، هذه كل عام . ان الانسان عنصر فعال في عملية الاخصاب هذه، لأنه بتناسله وزراعته وتدجينه للحيوانات يشارك الاله سلطته الاخصابية. يستمر الناس طيلة العام بتقديس الالهة عشتار وتقديم القرابين لها والصلوات للأله الاكبر (ايل) من اجل ان تهبط عشتار الى الأعماق وتنقذ تموز وتعيده من جديد الى الارض ليخصبها في مطلع الربيع .

إذن ، من بين كل العدد الهائل من اسماء الآلهة المشرقية، يمكن تمييز ثلاثة اسماء كبرى فاعلة وحاسمة في الوجود : (ايل) رب السماء والاله الاكبر والحاكم الكلي، ثم (تموز او بعل) رسول السماء واله الذكورة ومخصب الحياة ، ثم (عشتار) الهة الانوثة والامومة والطبيعة والحياة والمشاعر. ان هذا الثلاثي الالهي نجده في كل ديانات الهلال الخصيب، مع اختلاف الاسماء ، حسب اختلاف المناطق والدول والسلالات. بل حتى في مصر التي كانت حضارتها متداخلة الى حد بعيد مع حضارة الكنعانيين خصوصا ثم العراقيين، فأنها في القرون الأخيرة قد كونت ثلاثيها الالهي : جب (الاب ) واوزيريس (الابن) وايزيس (اخته وزوجته) . 

ان ثنائيتي (الروح والمادة ) و(الأنوثة والذكورة) المتكامليتن ، تتحكم بهما ثنائية تناقضية كبرى وحاسمة ، هي ثنائية (الخير والشر) او(النور والظلمة)، لكن هذه الثنائية التناقضية تتركز حول ثنائية(الاخصاب الحياة ـ الجفاف الموت). هنالك قوى الخير والخصب التي ذكرناها اعلاه ولكن ايضا هناك قوى الموت والشر التي تتمثل بأسماء مثل (ارشيكغال وموت ) آلهة العالم السفلي. كذلك فأن الموتى غير المدفونين بشكل لائق والذين لم يتم بأسمهم تقديم العطاءات للفقراء ، فأن ارواحهم تتحول الى شريرة وتؤذي الاحياء، ومنهم شاعت معتقدات (الجن) وكذلك (الطناطنل في العراقي).

 

كأس النهرين، يعبر عن تقديس العراقيين لفكرة الخصب، حيث كانوا يدركون

انه لولا نهري دجلة والفرات لما انبثقت الحياة وتكونت البلاد

 

الميراث المصري والمرحلة العرفانية التوحيدية

   ان منطقة(شرق المتوسط) (العالم السامي الحامي) أي ما نسميه حاليا(العالم العربي)، قد بدأت تفقد قواها الحضارية والعسكرية والسياسية امام الزخم الهائل لإجتياحات الشعوب الرعوية الآرية (بدو آسيا) #. منذ الألف الثاني ق.م بدأت هذه القبائل الرعوية الجامحة تخرج من مناطقها في اواسط آسيا مستخدمة اخطر آلة حربية لم تعرف من قبل:(الحصان)!! بعد الف عام من الكفاح والغزوات والإجتياحات تمكنت هذه الشعوب اليافعة ان تفرض وجودها وسلطانها في المناطق المجاورة للمشرق الشامي العراقي: ايران والقفقاس والأناضول، وكذلك في مناطق الساحل الغربي من البحر المتوسط أي في اوربا : الاغريق ثم الرومان.

منذ الألف الاول ق.م بدأ العراق يفقد قدرته على الصمود ازاء ضغوطات هؤلاء الرعاة المحاربين، الميديين من الشرق والأرمن والأناضوليين من الشمال، مدعومين بالحصان آلتهم الفعالة! ان الذي زاد بالطين بلة انه في نفس هذه الحقبة بدأت القبائل البدوية في بادية الشام والجزيرة العربية تستخدم الجمل كآلة حربية صحراوية جبارة تساعد على التنقل والغزو.(لأول مرة يتم ذكر اسم العرب في التاريخ ، كان في الوثائق الآشورية في القرن الثامن ق.م مع ذكر الجمل معهم)!!

 كل هذه الضغوطات مع ظروف البيئة وغدر النهرين وطوفاناتهما المدمرة وما تسببه من خراب وطواعين ، ادت الى انهاك الدولة والمجتمع وتفاقم الانحطاط الحضاري والروحي وانتشار الانقسامات والصراعات الداخلية: السلالة الشمالية الآشورية ضد السلالة الجنوبية الكلدانية ، وحروب اقليمية مدمرة : اجتياحات العراقيون للشام ثم لمصر. حتى انتهى هذا الأنحدار والأنحطاط بالسقوط التام لجميع الدول الوطنية في المنطقة ابتداءاً من القرن السادس ق.م: العراق والشام ومصر ، وآخرها الدولة القرطاجية في شمال افريقيا.

لقد تمكنت القوى الآرية الجديدة (ايرانية ويونانية ثم رومانية وبعدها بيزنطية) ان تفرض سيطرتها التامة خلال اكثر من الف عام، حتى الفتح الأسلامي في القرن السابع. يمكن تشبيه هذه الحقبة بأواخر الدولة العباسية حيث بدأ الأنحطاط بحروب داخلية وانقسامات اقليمية وتغلغل آسيوي(تركستاني وايراني) وكذلك اوربي صليبي، وانتهت بالإجتياح المغولي ثم السيطرة العثمانية على كامل المنطقة لعدة قرون. 

 مع هذا الانحطاط الحضاري والروحي ثم السقوط السياسي العسكري والخضوع لهؤلاء الغزاة الجدد، دخلت المنطقة تيارات فكرية دينية جديدة: ايرانية وهندية واغريقية ورومانية، امتزجت كلها وذابت في ديانة الخصب والكواكب الأصلية لتنبثق منها ديانة جديدة فيها الكثير من الروحانيات الآسيوية والمنطق الاغريقي الروماني مع جوهر ديانة الخصب والكواكب الاصلية.

من الصعب الحديث عن المشرق العراقي الشامي من دون الحديث عن مصر. صحيح ان التفاعل الحضاري بين العراق والشام كان من القوة بحيث انه خلق طيلة التاريخ شبه وحدة حضارية روحية لغوية رغم الفوارق السياسية، الا ان مصر كان لها دائما حضورا سياسيا وعسكريا مهما في الشام. كذلك ان الهجرات الشامية الى مصر لم تتوقف طيلة التاريخ، حتى يصح القول بأن اغلب سكان مصر من الناحية العرقية ماهم الا مزيج من العنصرين، السامي(الشامي ثم العربي) والحامي(السوداني والليبي).

ان منطقة الشام لعبت دائما مركز استقطاب وصهر للحضارتين العراقية والمصرية، بحكم الموقع الوسطي للشام بين هذين البلدين. من اكبر الأمثلة ، اكتشاف الابجدية من قبل الشاميين (الالف الأول ق.م) من خلال الجمع الأبداعي للكتابتين المسمارية والهيروغلوفية. مع الزمن اخذ دور الشاميين الوسطي الجامع يمارس تأثيره من كل النواحي، وخصوصا من الناحية الروحية الدينية. أي من خلال الجمع التلقائي الطبيعي بين الديانتين العراقية والمصرية ، لتنتج (العرفانية التوحيدية) التي انبثقت منها المسيحية ثم الأسلام.

 منذ القرن الثالث ق.م بدأ (الشرقمتوسطيون) يستعيدون توازنهم بالتدريج بعد النكسة التاريخية الخطيرة. امام ضعفهم العسكري السياسي وشعورهم بالقدرية ازاء جبروت الأحتلال الاجنبي، بدأوا يعوضون عن خضوعهم بتنمية قواهم الروحية والثقافية. مراكز حضارية شرقمتوسطية عديدة راحت تنبثق هنا وهناك : الاسكندرية على الساحل المصري ، وانطاكيا على الساحل السوري ، والرها ونصيبين في شمال الرافدين. كان الشاميون هم الأكثر نشاطا وقدرة ابداعية بحكم موقعهم الجغرافي الساحلي وتمرسهم منذ القدم على التجارة والتنقل والتغلغل في كل شواطى البحر المتوسط ، حتى انتشرت الجاليات السورية في كل مكان وبرزت العناصر الشامية في روما في جميع المجالات الثقافية والعسكرية والدينية.

ان العرفانية هذه التي انبثقت في المنطقة، ماهي الا حصيلة التقاء وانصهار دام قرون بين الديانتين المصرية والعراقية في ارض الشام. بالحقيقة ، وكما بينا سابقا، ان الديانة العراقية عموما لم تهتم كثيرا بالحياة الأخرى بل ركزت على دور الآلهة العليا في قيادة الحياة المادية وخلق الخير والخصب والوفرة للبشر في هذه الحياة . حتى خلود الانسان لم يتم حياة اخرى مفترضة بل نفس الحياة الحالية من خلال الأسهام بعمل الخير وخلق خصب الحياة بالزواج  وانجاب ألأبناء وتشييد الصروح الكبرى ..الخ. ان اسطورة كلكامش التي تعتبر(الكتاب المقدس) للعراقيين وعموم المشارقة خلال عدة آلاف من السنين ، قد اختصرت هذا الأيمان بالعبارات التالية:

(( لقد قدرت الآلهة الفناء للإنسان .. واستأثرت بخلود الحياة .. فإملأ بطنك بملذات الطعام .. وإبتهج ما شئت ليل نهار .. فهذا هو نصيبنا من الدنيا )) . 

يمكن القول ان الديانة العراقية( والشامية) تقريبا ديانة(دهرية دنيوية) متشائمة جدا إزاء مصير الأنسان ما بعد موته: عالم الظلمات والفناء وما تحت الارض حيث تقطن الآلهة الشريرة. ثمة اشارات غير واضحة عن امكانية تحول بعض البشر النادرين الى نجوم خالدة تضيء الكون. بينما الديانة المصرية فهي تكاد ان تكون العكس. انها ديانة تؤكد كثيرا على الخلود في الحياة الأخرى ووجود عالم (يشبه الجنة) لا يدخله البشر الا بعد الحساب و(كيل اعمالهم في ميزان). لهذا فأن علاقة المصري مع الموت والمقابر ظلت حتى الآن اقل مقتا ورعبا، ولهذا ايضا لعبت الأهرام دورا كبيرا في هذه الحضارة من اجل اقامة الملوك بانتظار يوم الحساب!

على هذا الأساس يتبين الخطأ الكبير الذي وقع فيه معظم مؤرخي اليهودية ، عندما اعتقدوا انها متأثرة بالديانة المصرية، اعتمادا على ادعاءات التوراة نفسها بأن المؤسس الأسطوري الأول لليهودية (موسى) قد عاش في مصر. والحقيقة ان اليهودية(التوراتية) خالية تماما من جوهر الديانة المصرية : (الإيمان بالحياة الأخرى ويوم الحساب) . وبنفس الوقت فأن هذه اليهودية تحمل جوهر الديانة العراقية: (الإيمان بالحياة الدنيا فقط والاعتماد على رب سماوي جبار بانتظار المسيح المنقذ). هذا هو الفرق الحاسم بين اليهودية وباقي الأديان العرفانية التوحيدية وبالذات المسيحية التي تبنت بصورة كبيرة جوهر الديانة المصرية(كما سنرى).

 

 

ان العرفانية التي نشأت اولا في الشام، كانت هي ديانة الجمع العبقري بين ديانة(الخصب والرب المنقذ) العراقية وديانة(الحياة الأخرى ويوم الحساب والجنة الخالدة) المصرية. النقطة المهمة التي تلاحظ في(العرفانية) ان الرب المنقذ(تموز او البعل) لم يهبط كالعادة من اجل انقاذ(الحياة) الدنيا ونشر الخصب لكي يشبع البشر وتسير الحياة، بل من اجل انقاذ (الانسان) من هذه الحياة الدنيا التي تمثل ظلمة البدن وانحطاط الروح! ان الابن المنقذ(النبي والمهدي المنتظر) يأتي من اجل رفع الانسان الى(الحياة العليا الآخرة عالم النور والخلود)التي سبق ان هبط منها مع سقوط السلف الأول (آدم وحواء) من الجنة الى الارض. بشيء من التبسيطية يمكن تحديد العرفانية كالتالي:(المسيح المنقذ المخصب العراقي الشامي + يوم الحساب والحياة الأخرى المصرية)!

منذ القرن الثالث ق.م بدأ هذا التيار الروحي الجديد يتجلى وينتشر بين شعوب شرق المتوسط ، وقد شاعت عنه الكثير من التسميات حسب المكان والطائفة ، مثل : الهرمزية المصرية، الأفلاطونية الجديدة ، العيسانية الفلسطينية. رغم ان تسمية (الغنوصية) اليونانية هي التي شاعت عن هذا التيار، الا ان التسمية الحقيقة الاصلية هي (المنداعية) الآرامية وتعني العرفانية بالعربي. مازالت هذه التسمية يحملها صابئة العراق (المندائية). هذه العرفانية بصورة مختصرة وكما تتضح من تسميتها هي عكس المعتقد (اللا ادري ) الذي يؤمن بأن حقائق الوجود معقدة والانسان غير قادر على معرفتها. بينما (المنداعية العرفانية) تؤمن بأن الانسان قادر على معرفة حقائق الوجود واكتشاف الخالق ليس بالعقل والبحث اللامجدي، بل بالمشاعر والحدس والايمان الواثق والكلي . تؤمن هذه الغنوصية بأن الوجود ينقسم الى ثنائي الخير والشر، النور والظلمة. الخير هو الاصل وهو روحي لا مادي ولا بدني ويتمثل بالنور والسماء ومقر الله رب الخير، اما الشر فهو كل شيء مادي بدني ويتمثل بالكثافة والارض والظلمة مقر الشيطان رب الشر. وان الانسان بحقيقته واعماقه هو جزء من قوة الخير والنور ، ولكن روحه سقطت على الارض ، كما سقط آدم بسبب معصيته، من الجنة عالم النور والحياة العليا ، الى الارض والحياة الدنيا .

بعد سقطة الروح القدس رمز الأم والانوثة والحياة تلقفها البدن رمز الشر والكثافة وملذات الحياة ومغرياتها ( الشيطان) من اجل منعها من العودة الى سماء الانوار رمز الاب والرب . لهذا فأن الله الأب يبعث ابنه أي بعض من روحه ونوره ليتجسد على الارض ويفدي نفسه من اجل التعويض عن خطايا البشر وخلاصهم من هيمنة قوى المادة والشر وعودتهم الى عالم النور والجنة  ملكوت الله . وهذا بالضبط اساس التثليث في المسيحية  الاب ، والابن عيسى ، وروح القدس الأم مريم . وهذا التثليث العرفاني المسيحي هو وريث للتثليث الكنعاني ـ العراقي المعروف : الأله الاكبر (ايل او مردوخ ) ، والابن  (تموز او بعل ) ، والأم روح الخصب والانوثة (عشتار او عنات) . اسطورة موت تموز في موسم الصيف والقحط ثم عودته من جديد بواسطة عشتار الى الحياة في الربيع ، لا تختلف عن الرؤية العرفانية المسيحية عن صلب المسيح وانبعاثه. ليس صدفة ابدا ان الاحتفال بيوم (قيامة المسيح) يتم في اول الربيع في نهاية نيسان ، حيث ظل اهل الشام والعراق يحتفلون خلال آلاف الاعوام بعودة تموز جالبا الخصب والربيع في اول نيسان ( الذي يصادف حسب التقويم العراقي في 21 آذار الحالي)، وهو نفس عيد الفصح  أي عندما تفصح وتضيء الحياة في الربيع. لقد انتقل عيد انبعاث تموز الربيعي المشرقي الى الشعوب المجاورة بأسم عيد نيروز (بعد الأحتلال الأيراني للعراق ).

 

 

اليهودية بداية أم خاتمة؟

ثمة فكرة تاريخية خاطئة فرضت نفسها لأسباب عديدة ، تعتقد بأن (اليهودية) تمثل قطيعة تامة مع الماضي(الوثني التعددي ) وانها تمثل ولادة مرحلة جديدة من الميراث الديني التوحيدي. لكن الدلائل التاريخية تشير الى العكس تماما : ان اليهودية هي (خاتمة) لمرحلة (الوثنية) السابقة. صحيح انها شكليا تخلصت من تقديس(الأصنام) ، لكنها لم تتخلص من التعددية، كما يعترف بذلك كل من بحث في اليهودية. هنالك الأله(يهوى) وهنالك ايضا الأله(ايل) . ثم ان الأهم من كل هذا ان اليهودية تعتبر ان (يهوى) ربها القومي الخاص بها، وهذا يعني انها تقر بأن لكل قوم الههم الخاص، وهذا ينسف تماما فكرة التجريد والتوحيد المبنية اساسا على الاعتقاد بوجود (رب واحد ) لكل الأمم ولكل الكون. وهذه الفكرة المطلقة لم تتوضح الا فيما بعد في (العرفانية التوحيدية) وبالذات في (المسيحية) .

    ان التأسيس الفعلي لليهودية بدأ في بابل (القرن السابع ق.م) حيث بدأت الجاليات الفلسطينية المسبية في بابل بكتابة (التوراة ) أي ميراثها الشعبي (كلمة توراة بالعربي هي تراث!). لقد ظلت فلسطين، وخصوصا جنوبها الصحراوي (منطقة يهودا التي وقعت تحت نفوذ بعض القبائل البدوية التي تسمى عبرانيين) ساحة صراع دامي لبسط النفوذ بين القوتين المتخاصمتين العراقية والمصرية. كثيرا ما تعرض هؤلاء الفلسطينيين للعقاب والسبي لتعاونهم مع المصريين. لهذا تكثر في الاجزاء البابلية من التوراة تلك الحكايات التي لا تخلوا من ( النفاق والتزلف) للعراقيين ضد خصومهم المصريين: قصة ابراهيم وسارة مع الفرعون، ثم يوسف وزليخة، ثم موسى والفرعون. بل ان قصة نوح مع ولديه سام وحام وخلق الجنسين الابيض والأسود، يمكن وضعها في هذا السياق العنصري ضد المصريين(ابناء حام!). من اكثر الأمثلة طرافة على رغبة هؤلاء المنفيين الفلسطينيين للتقرب من العراقيين، انهم ابتدعوا فكرة جدهم(ابراهيم) الذي نزح من (اور الكلدانيين) وكذلك زوجته سارة من نفس الأصل. ولكي يميزوا انفسهم عن (القبائل البدوية) رغم انهم هم انفسهم من اصول بدوية، قالوا بحكاية اسماعيل(جد البدو) وامه هاجر الجارية المصرية!! وللتعويض عن حالة الخضوع التي ظل يعاني منها هؤلاء المنفيين امام اهل بابل، فأن التوراة لا تخلو من الحكايات البطولية والمفاخر الاسطورية : بطولات داوود وشمشون وامبراطورية سليمان ومغامرته الشهيرة مع بلقيس. اما من الناحية الدينية فأنهم اقتبسوا الكثير من الميراث العراقي ومعتقداته الدينية: اقتبسوا يوم (السبت) الذي كان يوم عطلة ونهاية الأسبوع لدى العراقيين. اقتبسوا فكرة الخليقة والأله الاكبر وآدم وحواء والجنة والطوفان وعيد الفصح (عيد الربيع) والكثير من المعتقدات والطقوس والأزياء. (يعتقد ان عادة الختان بتأثير مصري). ثم انه في بابل بدأت تشيع تسمية(يهود) نسبة الى منطقة (يهودا) الجنوبية وكذلك (بنو اسرائيل) نسبة الى المنطقة الشمالية .

بعد اقل من قرن على وجودهم في بابل سقطت آخر دولة عراقية على يد الايرانيين في القرن السادس(ق.م). نتيجة لتعاون الجالية اليهودية مع الفاتحين فأنهم نالوا مكافأتهم بأن تم مساعدتهم على العودة الى فلسطين وتسليمهم السلطان كممثلين للدولة الأيرانية. لم تعد الى فلسطين الا اقلية ظئيلة من الغلاة والتابعين تماما للسلطة الجديدة ، وفضلت الأغلبية البقاء في بابل. واستمرت الجالية اليهودية العراقية كمركز اساسي للنتاج الثقافي اليهودي حتى زمن العباسيين وحتى نزوحهم في منتصف القرن العشرين .

     شكلت المجموعة اليهودية العائدة الى فلسطين النخبة القيادية التي جهدت بكل ما تمتلك من سلطان وتأثير من اجل فرض مذهبها اليهودي (البابلي) على السكان الاصليين الذين كانوا محتفظين بميراثهم الديني الكنعاني. تتحدث المصادر اليهودية عن السياسة الأستبدادية والعنفية التي مورست ضد السكان الاصليين من اجل اجبارهم على اعتناق اليهودية البابلية( النقية والصحيحة!!) ومكافحة الديانة الكنعانية(البعلية) الاصلية. في فلسطين استمروا باكمال التوراة واخذ الحرية للحديث عن البابليين بصورة سلبية وعن بابل التي (بلبلت لسان البشر) والتي دمرها الاله لأنها آذت اليهود!!

 ان هاتين التجربتين (روح المنفى البابلي ثم التبعية للمحتلين الأيرانيين من اجل تمثيلهم في فلسطين) حددت منذ البدأ جوهر التوراة واخلاقيتها. الكاتب الأسرائيلي المتمرد (اسرائيل شاحاك ) لخص تاريخ الاخلاق التوراتية كالتالي:  من ناحية كره كل الناس غير اليهود(غويوم) وخصوصا الفلاحين لأنهم النقيض التام للمنفيين بسبب ارتباط الزراعة المباشر بالأرض. من ناحية ثانية تقدير الحكام والمتنفذين والأغنياء والتقرب لهم مهما كانوا اجانب وغرباء عن اليهودية ودعم طغيانهم ضد شعوبهم. حسب (شاحاك) هذه خصال تاريخ الجماعات اليهودية في كل مكان وزمان من دون استثناء.

نضيف نحن الى ذلك، أن (اليهودية) لم تعبر فقط عن(روح المنفى وكره الناس والتبعية للحكام ) التي كان يحملها المؤسسون الأوائل، بل هي خصوصا عبرت عن موت مرحلة كاملة عاشتها منطقة المشرق خلال آلاف الأعوام . هنا يكمن سر عظمة اليهودية وسر هذا التأثير السحري الذي مارسته على شعوب المنطقة بحيث تم اعتبارها(خطأ) أساس الأديان التوحيدية. ان الصدفة التاريخية مكنت اليهودية من معايشة آخر زفرات الحضارة العراقية وعموم الحضارة المشرقية التي دامت اكثر من ثلاثة آلاف عام شبه مستمرة. تمكنت التوراة بكل براعة ومأساوية ان تعبر عن خلاصة هذه الحضارة وهذه المرحلة التاريخية التأسيسية الكبرى، بكل آلام احتضارها وخيباتها ولعناتها ونكساتها وخياناتها. ان الصور المأساوية الفنية العميقة والصادقة السائدة في نصوص التوراة، لم تعبر عن معانات اليهود قدرما عبرت عن معاناة جميع شعوب المشرق وشعورهم بالأثم لأنهم خانوا ذواتهم ولم يتمكنوا من الحفاظ على سلطانهم وانحدروا الى اسفل مراتب الانحطاط . هنا يكمن سلطان وقدسية هذا الكتاب الديني الكبير.

 

المسيحية ذروة الديانة العرفانية

 ان كشوفات وثائق مغارة قمران في فلسطين ، اثبتت بصورة قاطعة العلاقة المباشرة بين المسيحية والطائفة العيسانية الروحانية التي كانت نشطة في فلسطين اثناء ظهور السيد المسيح ، وان احد رموزها المعروفة هو (يوحنا المعمدان) الذي عمد المسيح. يعتقد ان اتباعه فيما بعد قد هجروا فلسطين نحو العراق حتى بلغوا جنوبه واستقروا هنالك ، وهم (الصابئة المندائيون).   

من المعروف ان الديانة المسيحية قد نشأت اولا في مجتمع فلسطين الذي سيطرت عليه الديانة اليهودية منذ القرن السادس قبل الميلاد بعد سقوط بابل على يد الفرس وجعلهم لبعض يهود بابل حكاما على فلسطين. منذ ذلك الوقت بدأت اليهودية (البابلية) تفرض سيطرتها الرسمية على فلسطين وخصوصا بين النخب الحاكمة والمستفيدة، بينما كانت تنتشر بين الشعب، بالاضافة الى اليهودية، معتقدات عديدة عيسانية وبعلية تتفق على تقديس ديانة الخصب. اما بالنسبة للمسيحية، فلأنها نشأت في مجتمع فلسطيني تحكمه اليهودية (المتحالفة مع الرومان)، مما جعلها تتبنى الكثير من مقدسات التورات وانبيائها واساطيرها التاريخية كغطاء رسمي. لكن هذه المسيحية، على عكس اليهودية، انبثقت بين الفلسطينيين الفقراء واهل الحرف، أي بين الناس الشعبيين الحاملين حقا وحقيقة للميراث الديني الكنعاني السائد منذ آلاف الأعوام. يصح القول ان المسيحية اتت كرد فعل فلسطيني للتمرد على الاخلاق التوراتية الحاكمة والعودة الى الميراث الديني الكنعاني الانساني المنفتح على كل البشرية.

ان السيد المسيح ( ع ) هو الذي حل محل اله الخصب، الذي بعثه الله ليتجسد كأنسان ثم يخوض تجربة العذاب والتضحية من اجل خلاص البشرية. ان شخصية وحياة المسيح مليئة بدلالات الخصوبة : انه شاب مات في الثلاثينات من عمره، يقهر عناصر الطبيعة فتراه يمشي على الماء ويزجر الريح ويهدىء العاصفة ويشفي المرضى وله قوة التسلط على كل ماهو شر. وهو مخصب إذ يكثر الخبز والسمك ويحول الماء الى خمر ويتألم ويعاني ويموت ثم يقوم من الموت لتعاد هذه الامثولة كل عام . انه يهب الناس جسده ودمه ( خذوا فكلوا هذا هو جسدي .. اشربوا كلكم فهذا هو دمي .. ) ( انجيل متي ـ 26 ) فيأكل المسيحيون جسده (الخبز ) ويشربون دمه (النبيذ) ، ثم (تخصب) ارواحهم بالايمان ويحصلون على الخلاص في الجنة الموعودة (حيث الخصب والاخضرار الأبديين ) . وليس بالصدفة ابدا ان يتم الاحتفال بيوم قيامة المسيح أي عودته للحياة بعد صلبه في اول الربيع حيث قيامة اله الذكورة تموز اوبعل .

اما الهة الخصب حسب الاساطير الكنعانية فهي عذراء بتول ولها اسم (رحم) وهي ام مضحية حنونة تدافع عن ابنها بعل وتقاتل الهة القحط (موت) وهي التي تقوم بدفن بعل وتنوح عليه وتشيد له هيكل. وهذه كلها صفات السيدة (مريم البتول) ام المسيح . الجدير بالذكر ، ان المسيحيين الاوائل حتى بعد انتشار المسيحية لم يفكروا باختيار أي دور لأم المسيح (مريم) ولم تذكرها الاناجيل الرسمية الا بصورة عابرة . لقد تم الاكتفاء بأسخدام عبارة تجريدية عامة (الروح القدس) للتعويض عن (الهة الطبيعة الانثوية) . يبدو ان هذا التعبير لم يستطع ان يجسد بدرجة كافية الصورة المطلوبة، فلهذا فأن المسيحيين السوريين فضلوا ان يستعيدوا دور (مريم) الذي كان منسيا، حيث عادت وتبوأت مركز الصدارة كأم الاله. كان دور مريم وكيفية النظر اليها احد اسباب انشقاقات الكنيسة الاولى وخاصة آراء القديسين نسطور واوطيخا .

ان ديانة الخصب المشرقية ظلت شائعة حتى انبثاق المسيحية ثم انتشارها بين السكان الذين انتقلوا مباشرة من تقديس اله الخصب (بعل او تموز) الى تقديس السيد المسيح. ان اله الخصب والذكورة لدى الكنعانيين يلقب بـ( بعل ) وتعني (السيد والزوج المخصب ) كما في العربية . كذلك حمل لقب ( ادون ) بالآرامي بمعنى (الذي يدين) او السيد المسيطر ومنها كلمة (دين) بمعنى (الخضوع) للرب. وعندما سيطر الاغريق على سوريا اضافوا كعادتهم حرف السين فشاعت تسمية (ادونيس). اما اللقب الشخصي لهذه الاله فهو( هدد او حدد) بمعنى(القوي) فيقال (بعل حدد). اما الهة الطبيعة والانوثة فهي لدى الكنعانيين (عشتروت او عنات ).

يبدو ان اليهودية رغم انها ديانة (عراقية ـ فلسطينية) ، لكنها لم تكن ديانة تاريخية تلقائية شعبية بل قامت بصورة واعية مصطنعة بين مسبيّ بابل على أساس تجميع عدة ميراثات مناطقية وقبائلية مختلفة. لذلك فأن هذه اليهودية عبرت بصورة مشتتة ومتقطعة عن ديانة الخصب من خلال عدة حكايات وعدة آلهة متداخلة الاسماء والافعال : اله السماء والأب الاول ، حمل اسماء ايل ويهوا وابراهيم ويعقوب . اله الذكورة والخصب، حمل اسماء آدم وموسى وداود وسليمان. الهة الانوثة والطبيعة ، حملت اسماء حواء وسارا وبلقيس . اما المسيحية ، فأنها مثلت نوعا من العودة الى ديانة الخصب الشعبية الاصلية التي فشل اليهود بقمعها وتحريفها ، من خلال تبني ( التثليث الالهي ) : الاب والابن والروح القدس.

رغم روحانية وعرفانية الديانة المسيحية الا انها رغما عنها عبرت عن ظروف المرحلة التي نشأت فيها ، ومتطلبات الشعوب الشرقمتوسطية التي رعتها ونشرتها . انها تحولت الى وسيلة لهذه الشعوب من اجل التعويض عن خنوعهم السياسي وفقدانهم للأستقلال الوطني. لقد تمكن المبشرون الشاميون من نشر ديانتهم هذه في عموم البحر المتوسط حتى فرضوها على محتليهم واصبحت الديانة الرسمية للدولة الرومانية. بينما تمكن المبشرون العراقيون من نشر المسيحية النسطورية في عموم الامبراطورية الايرانية وآسيا حتى الصين، ولا زالت حتى الآن الطائفة السريانية النسطورية في منطقة مالاربو في الهند. ان اكبر دلائل استخدام المسيحية من قبل المشارقة العراقيين والشاميين كوسيلة للتعويض عن خضوعهم السياسي ، انهم تمكنوا من فرضهم لغتهم الآرامية السريانية لتكون لغة الكنائس في بلدانهم. بل ان العراقيين تمكنوا من جعل الآرامية(السريانية) لغة الثقافة الاولى في الامبراطورية الايرانية، وعزل اللغة البهلوية الفارسية لتبقى محصورة بالبلاط الساساني والكهنوت الزرادشتي!

ان المسيحية ظلت خلال القرون الاولى خاصة بشعوب العالم الشرقمتوسطي لأنها عبرت عن تطلعاتهم الروحية والوطنية . بالأضافة الى دور الشاميين الذين اسسوا كنيستهم الوطنية اليعقوبية ، والعراقيين الذين اسسوا كنيستهم الوطنية (النسطورية)، كذلك اسس المصريون كنيستهم القبطية وقدموا الى المسيحية القديس انطون اول مؤسس للرهبنة ونظام الاديرة. اما بالنسبة لشمال افريقيا فقد انتشرت المسيحية على كل الضفاف، وقدمت هذه الشعوب الى المسيحية  ايروس الليبي اشهر الهراطقة والقديس اوغسطين الجزائري اول فلاسفة المسيحية بالأضافة الى الدوناتية اول حركة ثورية مسيحية .

 

 

ديانة الخصب العرفانية في معتقدات المنطقة

ان الإسلام قد ورث هذه الديانة العرفانية التوحيدية من خلال احتوائه على اساسياتها: ((النبي المنقذ الحامل لرسالة الرب من اجل انقاذ البشر من كفرهم وخضوعهم لغرائز الحياة الدنيا واغواءات شيطانها ، من خلال العمل الصالح يفدي الانسان روحه وينقيها من آثام الدنيا  لتصعد الى الرب الرحيم بانتظار يوم الحساب والانتقال الى الحياة الأخرى وجنة الخلود)).

هذا هو الجوهر الروحي الديني للأسلام . لكن ظروف المرحلة، أي قرون الأحتلال الاجنبي التي ظلت تعاني منها شعوب المنطقة ، فرضت على الأسلام جوانب عملية وحياتية وسياسية. ان ميزة الاسلام عن العرفانية والمسيحية انه لم يتوجه فقط للأنسان كفرد، بل انه ايضا توجه الى الشعوب والأوطان والدول من اجل ان تبني نظاما جديدا اكثر عدلا وكرامة. ان هذه الميزة الجديدة فرضتها حاجة شعوب المنطقة من اجل التحرر والكرامة الوطنية. ان المسيحية شكلت الاساس لتنقية الروح ودفعها الى الصبر والأمل (في الحياة الاخرى) . اما الأسلام فأنه أعاد من جديد المعادلة السابقة : الديانة العراقية التي تقدس الحياة الدنيا والديانة المصرية التي تقدس الحياة الأخرى.ان افضل قول مأثور يعبر عن هذه الفكرة الاسلامية الجديدة وينسب الى الأمام علي ( ع ) :(( اعمل لدنياك كأنك تعيش ابدا ، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا)). ان الأسلام لم يمزج بين الديانتين العراقية والمصرية كما فعلت العرفانية، بل جمع بينهما بصورة متجاورة بحيث يبقي على ماهية كل منهما من دون حذف او اختصار.

لكن العرفانية بشكلها الروحاني المسيحي بقيت واضحة كما هي في الكثير من التيارات والطوائف الأسلامية: المتصوفة لدى السنة وفي الكثير من المعتقدات الشيعية، حيث التأكيد على وضاعة الحياة الدنيا وتقديس الحياة الأخرى. بالاضافة الى التعلق بشخصية المخصب المنقذ(المهدي المنتظر).

من المعروف ان الميراثات الشعبية بطبيعتها تلقائية يحكمها منطق الزمن والشعور الباطني الجمعي بالاضافة الى تأثير الصراعات السياسية وموازين القوى وتدخلات الافراد. لهذا فأننا  كثيرا ما نواجه تكرار للشخصيات والاحداث وتناقض الاخبار احيانا . يجب الاخذ بنظر الاعتبار المحصلة العامة الوسطية لمجموع تفاصيل هذا الميراث . مثلا ، رغم ان السيد المسيح يمثل بصورة كافية اله الخصب، الا ان الشعب لم يكتفى بهذا الرمز بل بحث عن شخصية اضافية لها نكهتها وخصوصيتها لكي تعبر عن (بعل ) القديم. ان (مار جرجيس) هو اكثر القديسين الشاميين شعبية بين المسيحيين، وقد انتشر اسمه في كل انحاء العالم المسيحي، بأسم ( جورج ، جرجس ، جرجي ، غيورغي...) ، ودلالة الخصب تكمن في معنى الاسم نفسه ، فأن ( مار ) الآرامية بمعنى (السيد أي الأمرؤ) ثم اسم ( جرجيس اوجورج ) ذا الاصل السامي واليوناني ومعناه (حارث الأرض). والحكاية المسيحية المعروفة عن هذه الشخصية الاسطورية، انه من مدينة اللد الفلسطينية وانه صارع التنين من اجل انقاذ ابنة الملك المسيحية. وهذه الاسطورة شبيهة جدا بالأسطورة البابلية السورية عن صراع مردوخ (اله الخصب) ضد تعامة (الهة العماء والموت) الممثلة بتنين، وكذلك شخصية كلكامش وصراعه مع وحش الغاب من اجل الخلود. شخصية مارجرجيس تستبدل ايضا بشخصية (مار الياس)، وهي تكرار شخصية الأله ( ايليا ـ العالي ). 

اما عند المسلمين فهنالك شخصية( الخضر) او (خضر الياس) التي تحمل معنى الخصب والأخضرار. (الخضر) يذكره القرآن على  انه شخصية تقية تفوق النبي موسى علما ( سورة الكهف ـ الآيات ( 65 – 82 ) . اما المتصوفة المسلمون فأنهم  يرتبطون بعلاقة حميمة خاصة به فهو يرشدهم ويلهمهم ، وابن عربي في ( فتوحات مكية ) يروي عن لقاءاته العديدة مع الخضر . ويظهر في بعض التصاوير الشعبية وهو يقتل الوحش. وقد اقتبس الاتراك العثمانيون شخصية خضرالياس بأسم ( خدرلس ). حتى الدوائر الرسمية العثمانية اختارت يوم ( 23 نيسان ) الذي هو عيد (بعل) الربيعي لكي يكون يوم بداية الاعمال العسكرية والبحرية والادارية . وينشد الفلاحون في فلسطين الاغنية التالية : ((ياسيدي خضر الاخضر ... اسقي زرعنا الاخضر ... ياسيدي يا مارالياس ... اسقي زرعنا اليباس)) .

 اما لدى المسلمين الشيعة فأن معتقد الخصب له حضور متميز واساسي يجعل من التشيع قريب الى المسيحية الى حد بعيد. الشيعة يقدسون الخضر اكثر من أي ولي آخر، وهنالك تداخل بين اسم الخضر واسم (علي) الذي هو نفسه اسم ( ايليا ـ الله ). هنالك حكايات تنسب للأمام علي قوله انه نفسه (ايليا ) المذكور في التوراة . ( مناقب آل ابي طالب ـ ج 2 ص93 ) . يبدو ان شخصية (الامام علي) وما يحيط بها من اساطير عن خلوده ووجوده حتى قبل آدم وخوضه لتجارب عديدة مع الانبياء المعروفين ، جعلت منه اقرب الى شخصية الأله الأب ، اما ابنه (الشهيد الحسين) فأنه يتطابق الى حد كبير مع شخصية اله الخصب تموز والمسيح المصلوب الذي يخصب الارض بدمه. والشيعة هم الذين اضفوا على شخصية (السيدة فاطمة بنت الرسول) قدسية خاصة تشبه شخصية مريم العذراء ، فهي (فاطمة البتول) وزوجة الامام علي وام الشهيد الحسين ( عليهم السلام ) وصانعة المعجزات (بتولا كلمة سامية اطلقت على عشتار وعلى مريم !!). ومثلما ينتظر المسيحيون عودة المسيح الذي سيقودهم الى الخلاص ، فأن المسلمين ينتظرون ايضا المسيح المنقذ. بالنسبة للشيعة يضاف الى المسيح الامام علي والامام المهدي المنتظر صاحب الزمان .

 

 

ان هذا المدخل التاريخي يبتغي التأسيس لعملية مراجعة شاملة لتاريخ العراق (وعموم المشرق)، الذي كتب بواسطة المنهج القومي العرقي التوراتي الاستشراقي الذي مزق ميراثنا الحضاري والديني وبعثره الى مراحل اجنبية منفصلة لايربطها أي رابط . ان تمزق شعب العراق (وشعوب المشرق) الى معسكرات طائفية وعرقية وسياسية (علمانية ودينية) مشتتة وخاضعة لحكومات اقلوية منعزلة، متأت من تمزيق تاريخ بلادنا الوطني الى تواريخ منفصلة. اننا بحاجة ماسة لأعادة كتابة كل تاريخنا وميراثنا الوطني، تحت شعار : توحيد التاريخ هو اساس توحيد الحاضر... 

ــــــــــــــ

نعتذر للقراء عن عدم تسجيلنا للمصادر بالصورة الأكاديمية المطلوبة، لأننا تركنا هذا الأمر لحين توسيعنا لهذه الدراسة ككتاب نعد لإصداره . وهذه بعض من المصادر التي تم الإعتماد عليها:

ـ فايز مقدسي ـ الأصول الكنعانية للمسيحية ـ الابجدية للنشر ـ دمشق1996( انه افضل كتاب عن الاصول السورية للمسيحية).

ـ جورج طرابيشي ـ نظرية العقل ـ دار الساقي ـ لندن 1996.(اننا نعتبر هذا الكتاب تأسيسي ورائد في مجال تاريخ الفكر العربي، لكنه للأسف حتى الآن لم ينل حقه من السمعة والتعريف).

ـ حداد، مجاعص ـ بعل هداد ـ دار امواج ـ بيروت1993.

ـ فاضل علي ـ من سومر الى التوراة ـ سينا ـ القاهرة 1989.

ـ مرغريت روثن ـ علوم البابليين ـ وزارة الثقافة ـ بغداد 1980.

ـ انيس فريحة ـ دراسات في التاريخ ـ جروس برس ـ لبنان1991.

ـ يوسف حوراني ـ البنية الذهنية الحضارية ـ دار النهار ـ بيروت 1972.

ـ فراس السواح ـ الحدث التوراتي ـ دار المنارة ـ دمشق 1989

- Jean Bottéro, Initiation à l'Orient ancien, Editions du Seuil, Paris 1992.

-    - Israël Shahak, Histoire juive  - Religion

juive, Le poids de trois millénaires, Paris 1996.  

-    Chaire de l'I.M.A. - L'Orient ancien et nous,   Editions Albin Michel, Paris 1996.

-    George ROUX, La Mésopotamie, Editions du Seuil, Paris 1985.

ـ مارتن برنال ـ اثينا السوداء ـ المجلس الأعلى للثقافة ـ القاهرة 1997.

ـ محمد الجابري ـ بنية العقل العربي ـ المركز الثقافي ـ الدار البيضاء 1986.

ـ فيليب حتي ـ تاريخ سوريا ـ دار الثقافة ـ بيروت 1972.

ـ ارنولد توينبي ـ تاريخ البشرية ـ الاهلية ـ بيروت 1988.

ـ جميل صليبا ـ تاريخ الفلسفة العربية ـ دار الكتاب ـ بيروت 1981 .

ـ رؤوف عباس ـ مصر وعالم البحر المتوسط ـ دار الفكر ـ القاهرة1986.

ـ مصطفى نشار ـ نحو تاريخ جديد للفلسفة القديمة ـ وكالة زووم ـ القاهرة 1992.

ـ مصطفى غالب ـ الحركات الباطنية في الإسلام ـ دار الاندلس ـ بيروت.

ـ فرانكفورت،ولسن،جاكبسون ـ ماقبل الفلسفة ـ المؤسسةالعربية ـ  بيروت1982.

ـ سيد احمد القمني ـ الأسطورة والتراث ـ دار سيناء ـ القاهرة1993.

ـ جفري بارندرـ المعتقدات الدينية لدى الشعوب ـ مدبولي ـ القاهرة1996.

ـ يوسف غنيمة ـ نزهة المشتاق في تاريخ يهود العراق ـ الوراق ـ لندن 1997.

ـ الكتاب المقدس ـ دار المشرق ـ بيروت 1986.

ـ الزة زايبرت ـ رمز الراعي في بلاد الرافدين ـ دار العربي ـ دمشق1988.

ـ ثريا منقوش ـ التوحيد في تطوره التاريخي ـ دار الطليعة ـ بيروت 1977.

ـ السير ولس بدج ـ الديانة الفرعونية ـ المنارات ـ عمان1985.

ـ جيمس فريزر ـ ادونيس او تموز ـ المؤسسة العربية ـ بيروت1928.

ـ سيغموند فرويد ـ موسى والتوحيد ـ دار الطليعة ـ بيروت 1986.

 

 



# ننبه القارئ اننا ضد المفهوم(العرقي القومي) للعائلة اللغوية. ان الشعوب والجماعات المتشابهة اللغة او اللغات لا يعني ابدا انها من اصل عرقي مشترك، بل ان ظروف التاريخ والجوار والسيطرة فرضت عليها هذا التشابه. ان العراقيون والشاميون يحملون دماء كل الشعوب والجماعات التي عاشت وامتزجت بهم، بما فيها العناصر الآرية. 

العودة الى فهرس العدد اطبع هذه الصفحة