القرامطة

 

د.احمد جمعة ـ اللاذقية

 

اهوار جنوب العراق والاحواز كانت من معاقل القرامطة


 هي  حركة دينية سياسية تفرعت من المباركية إحدى فرق الإسماعيلية دعيت بهذا الاسم نسبة إلى مؤسسها حمدان بن الأشعث قرمط في جنوب العراق عهد الخليفة المعتضد العباسي واتبعت تنظيماً سرياً دقيقا . اعتمدت الفرقة القرمطية على الجانب الاعلامي وبعث الدعاة إلى الأقاليم كاليمن والحجاز والهند ومصر وبعلبك وواسط وسلمية وعمان وخراسان واستطاعت بذلك جذب الاعداد الكبيرة من الموالين لها في تلك البلدان ألفوا فيما بعد القواعد الشعبية التي مكنتهم من تنظيم الجيوش والتوجه لنشر عقائدهم.

انتشرت الفرقة القرمطية في الكوفة وواسط والبصرة من العراق ، ثم ظهر دعاتهم في البحرين والقطيف ، وعظم أمرهم واغاروا على نواحي هجر والاحساء والقطيف والطائف وبلغت دعوتهم إلى اليمن وتغلبوا على سائر مدن اليمن وساروا إلى بعلبك وقتلوا عامة أهلها ولم يبق منهم إلا اليسير ، ثم ساروا إلى سلمية وصالحوهم واعطوهم الأمان ، واستولوا على دمشق عام (260) ومنها توجهوا إلى مصر واجتمع معهم خلق كثير من العرب والاخشيدية ، وظهر أمرهم في المغرب وعمان ، وفي بلاد الديلم استطاع أبو حاتم نشر فكر القرامطة ، وفي نيشابور تولى الدعوة لهم الشعراني.

تاريخ تطورها
 تميزت الفرقة القرمطية بالسرية التامة وتكتمها واخفائها للحقائق التي تنطوي عليها والتستر على كبار قادتها حتى اخفوا شخصياتهم على المقربين إليهم مما مكنهم من النفوذ إلى الكثير من المجتمعات وتعليمهم مذهبهم من دون الكشف عن هوياتهم. اهتمام زعماء القرامطة بكل ما يخدم طموحاتهم ومخططاتهم الثورية والاجتماعية بدرجة انهم لم يعيروا اهتماما للانتماء الاسمي او الديني أو البحث عن الرسالة ومن هو الخليفة أو ورثته أو المهدي المنتظر. اتخذت القيادة القرمطية التدابير المالية بفرض ضرائب متعددة لتحصل على رصيد مادي ضخم يمكنها من تنفيذ مشاريعها وبرامجها فطرحت أنواعاً من الضرائب كضريبة الفطرة وهي درهم على الرجال والنساء والأولاد ، وضريبة الهجرة وهي دينار عن كل من ادرك الحنث ، وضريبة البلغة وهي سبعة دنانير ، وضريبة الخمس وهي خمس الأرباح السنوية ، وأسست نظام الألفة وهي جمع الأموال في موضع واحد ، كل هذا مكنها لأن تبني كيانا اقتصاديا متينا.  اتباع القرامطة لنهج العنف وانحرافهم عن مسيرة الحركة الإسماعيلية وكانوا تواقين بعنف إلى إمام مهدي منتظر يسارع في انقاذهم من الفوضى الاقتصادية والقلق النفسي فأصروا على أن يباشروا فوراً في اعلان دولة في بلاد الشام.
 وفي البحرين ظهر رجل من القرامطة يعرف بأبي سعيد الجنابي فاجتمع إليه جماعة من الأعراب وقوي أمره ثم سار إلى القطيف. وفي سنة 287 هـ أغاروا على نواحي هجر وقرب بعضهم من نواحي البصرة.
ـ أسسوا لهم موضعا سموه بدار الهجرة يهاجرون إليها ويجتمعون بها وبنوا حولها سورا منيعا عرضه ثمانية أذرع ومن ورائه خندق عظيم وانتقل إليها الرجال والنساء من كل مكان وذلك سنة (277هـ) فلم يبق حينئذ أحد إلا خافهم لقوتهم وتمكنهم في البلاد.
ـ في سنة (289 هـ) احست الخلافة العباسية بخطر القرامطة وازدياد حشودهم فأمرت عاملها في سورية شبل الديلمي فألف جيشا جرارا وهاجم الجيوش القرمطية ولكنهم دحروا هذه القوة بعد ان قتلوا عددا كبيرا منها.
ـ تمكن الحسين بن زكرويه أبو مهزول الملقب بصاحب الخال من تجهيز الجيوش وفتح الرقة وحلب وحماة وحمص ودمشق وسلمية وحقق الانتصارات الباهرة وخطب على المنابر وأيده أهلها.
ـ التبس على بعض كبار دعاة القرامطة الأمر في ان إمامهم هو عبيد الله المهدي وكانوا لا يزالون يدينون بالولاء والطاعة للإمام محمد بن إسماعيل الذي بذر بذور الدعوة بينهم واعتبروه المهدي المنتظر ولم تفلح الحجج والبراهين التي اعتمدها الدعاة في اقناعهم بان الإمام عبيد الله المهدي بموجب النص الذي أودعه الإمام محمد بن إسماعيل في عقبه ويرجع هذا التعنت من بعض دعاة القرامطة لانقطاعهم في البادية ولعدم احتكاكهم الدائم مع مركز الدعوة الإسماعيلية في سلمية وتتبعهم تطورات الدعوة فاعتبروا ان هذه التطورات خارجة عن مفهوم التعاليم الأولية التي لقنوها.
ـ وفي سنة 317 هـ هاجم القرامطة مكة ونهبوا الكعبة واقتلعوا الحجر الأسود ولما بلغ ذلك الإمام الاسماعيلي والخليفة الفاطمي عبيد الله المهدي كتب إلى أبي طاهر ينكر ذلك ويلومه ويقول : « حققت على شيعتنا ودعاة دولتنا اسم الكفر والإلحاد بما فعلت » وأمره ان يعيد الحجر الأسود إلى موضعه ، فأعاده.
ـ انكر القرامطة على الاسماعيليين والفاطميين سياسة الملاينة التي اعتمدوها في كسب العناصر غير الاسماعيلية وقد جسدوا معتقداتهم بالعنف والبطش واستحلوا استعراض الناس بالسيف وقتلهم واخذ اموالهم والشهادة عليهم بالكفر.
ـ استغل القرامطة شعار الانتساب إلى البيت العلوي الثائر المضطهد ونادوا بالعدالة الاجتماعية وطرحوا انفسهم في قالب ديني ثوري مما اعطى لتحركهم الاطار الشرعي ولا يعرف التاريخ الإسلامي مذهبا ثوريا لا يستند إلى أساس روحي أو حركة ثورية عامة لاترجع الى الدين : وكان من المألوف في العصور الاسلامية ان تظهر الجماعات الداعية الى الثورة السياسية مستنيرة بالمذهب الشيعي في سبيل نشر رسالتها وتأليب رجالها الى ان يستتب لها الامر فتسفر عن حقيقة امرها.

 

البحرين كانت من اهم مركز نشاطات القرامطة

معتقداتهم
ـ قالوا : ان النبي (ص) نص على علي بن ابي طالب ، وان علياً نص على امامة ابنه الحسن ، وان الحسن نص على امامة اخيه الحسين ، وان الحسين نص على إمامة ابنه علي ، وان علياً نص على إمامة ابنه محمد الباقر ، ونص محمد على إمامة ابنه جعفر الصادق ، ونص جعفر على ابن ابنه محمد بن إسماعيل ، وزعموا ان محمد بن إسماعيل حي إلى اليوم لم يمت ، ولن يموت حتى يملك الارض ، وانه هو المهدي الذي تقدمت البشارة به ، واحتجوا في ذلك باخبار رووها عن أسلافهم يخبرون فيها ان سابع الأئمة قائمهم.
ـ اثبتوا النبوة ظاهرا وانكروا الوحي وهبوط الملائكة وأولوا المعجزات فجعلوها رموزا : فثعبان موسى حجته والغمام أمره وانكروا كون عيسى من غير اب بل هو رمز اخذ العلم من غير إمام واحياء الموتى اشارة إلى العلم ونَبْعِ الماء من الأصابع اشارة إلى كثرة العلم وطلوع الشمس من المغرب خروج الإمام.
ـ ان الله بدا له في إمامة جعفر وإسماعيل فصيرها في محمد بن إسماعيل وزعموا ان محمد بن إسماعيل حي وانه غائب مستتر في بلاد الروم. ومعنى القائم عندهم انه يبعث بالرسالة وبشريعة جديدة وينسخ بها شريعة محمد (ص) ، وان محمد بن إسماعيل من أولي العزم ، وأولو العزم عندهم سبعة.
ـ ان جميع الأشياء التي فرضها الله تعالى على عباده ومنها نبيه محمد (ص) وأمر بها لها ظاهر وباطن ، وان جميع ما استعبد الله به العباد في الظاهر من الكتاب والسنة امثال مضروبة وتحتها معانٍ هي بطونها وعليها العمل.
ـ أقروا حصر ممتلكاتهم في بيت المال وسنوا التشريعات التي تحدد صلاحية الفرد وتبيين حقوقه ضمن المجموع وضمنوا حياة العاجز والعاطل والعامل والصانع والفلاح.
ـ استحلوا استعراض الناس بالسيف وقتلهم وأخذ أموالهم والشهادة عليهم بالكفر.
ـ زعموا انه يجب عليهم ان يبدأوا بقتل من قال بالإمامة ممن ليس على قولهم وخاصة من قال بإمامة موسى بن جعفر وولده من بعده.
ـ قسموا المجتمع إلى أربع طبقات وهي :
الأولـى : طبقة الشباب بين عمر 15 ـ 30 عاما ويسمون الأخوان الأبرار الرحماء.
الثـانية : وتشمل من كانوا بين 30 ـ 40 وهم الرؤساء وذوو السياسات ويسمون الأخيار الفضلاء.
الثـالثة : وتشمل من كانوا بين 40 ـ 50 من العمر وهم أصحاب الأمر والنهي ونصر الدعوة.
الرابعة : وهي مرتبة من يزيد عمرهم على الخمسين سنة وهي أعلى في نظرهم ، ويطلق عليهم طبقة المريدين ، ثم المعلمين ، ثم القادة ، ثم المقربين إلى الله.
ـ قالوا: بان محمد بن إسماعيل هو خاتم النبيين الذي حكاه الله في كتابه وان الدنيا اثنتا عشرة جزيرة في كل جزيرة ، حجة ، وان الحجج اثنتا عشرة، ولكل داعية يد يعنون بذلك ان اليد رجل له دلائل وبراهين يقيمها.
ـ حرموا زيارة القبور وتقبيلها.
ـ ان النبي (ص) انقطعت عنه الرسالة في حياته في اليوم الذي أمر فيه بنصب علي (ع) للناس بغدير خم فصارت الرسالة في ذلك اليوم في الإمام علي (ع) وان النبي (ص) بعد ذلك كان مأمورا لعلي محجوبا به.
نهايتها
 بعد ان قتل رئيس القرامطة أبو سعيد الحسن بن بهرام الجنابي سنة (301 هـ) تولى ابنه أبو طاهر سليمان الجنابي أمر القرامطة في البحرين فأراد ان يستولي على البصرة فغزاها مرارا وأشد غزواته سنة (311 هـ) فقد سار إليها في (1800) رجل ودخلها وقتل حاميتها وأقام بها (17 يوما) وحمل ما قدر عليه من المال والنساء والصبيان وعاد إلى هجر ، ثم توجه إلى طريق الحج فقطع الطريق على الحجاج ونهب القوافل حتى مات أكثرهم جوعاً وعطشاً فكتب إليه المقتدر يطلب منه ان يطلق من عنده من الأسرى فاطلقهم وطلب منه أن يوليه على البصرة والأهواز فلم يجبه المقتدر إلى طلبه فسار إلى الكوفة وتغلب على عسكر الخليفة.
ـ في سنة (339 هـ) أعاد القرامطة الحجر الأسود إلى مكة وقالوا : أخذناه بأمر وأعدناه بأمر ، وكان بجكم قد بذل لهم في رده خمسين ألف دينار فلم يجيبوه وردوه الآن بغير شيء في ذي القعدة ، فلما أرادوا رده حملوه إلى الكوفة وعلقوه بجامعها حتى رآه الناس ثم حملوه إلى مكة وكانوا أخذوه من ركن البيت الحرام سنة (317 هـ) وبقي عندهم (22 سنة) .
المصادر
1- عارف تامر ، القرامطة (بيروت ـ لبنان ، دار الكتاب العربي) .
2- مصطفى غالب ، الحركات الباطنية في الاسلام (بيروت ـ لبنان ، دار الكتاب العربي) .
3- مصطفى غالب ، اعلام الاسماعيلية ، (بيروت ـ لبنان ، دار اليقظة العربية ، 1964 م) .
4- ابن الاثير ، الكامل في التاريخ ، (بيروت ـ لبنان ، دار صادر ، 1385 هـ. ق ـ 1965 م) .
5- الغزالي ، ابو حامد ، فضائح الباطنية (القاهرة ، مصر ، المكتبة العربية ، الدار القومية ، 1964م) .
6- ابن الجوزي ، عبد الرحمن ، تلبيس ابليس (بغداد ـ العراق ، مكتبة الشرق الجديد ، ط2 ، 1982 م. 1402 هـ. ق) .
7- اليماني ، احمد بن يحيى ، ترجمة محمد جواد مشكور ، المنية والامل في شرح الملل والنحل (طهران ـ ايران مؤسسة الكتاب الثقافية) .
8- ابن كثير ، البداية والنهاية ، (القاهرة ـ مصر ، دار الحديث ، 1992 م ، ط1) .
9- د. محمد اسماعيل ، الحركات السرية في الاسلام( بيروت ـ لبنان ، دار القلم ، ط 1 ، 1973م) .
10- الاشعري ، علي بن اسماعيل ، مقالات الاسلاميين (دار النشر فرانزشتاينر بفسبادن ، ط3 ، 1400 هـ ـ 1980 م) .
11- المقريزي ، تقي الدين بن ابي العباس احمد بن علي ، الخطط المقريزية (القاهرة ـ مصر ، مكتبة الثقافة الدينية) .
12- وجدي ، محمد فريد ، دائرة معارف القرن العشرين ، (بيروت ـ لبنان ، دار المعرفة ط3 1971 م) .
13- بوجينا غيانه ، تاريخ التشريع الاسلامي ، (بيروت ـ لبنان ، دار الآفاق الجديدة ، ط1 ، 1980 م) .

 

العودة الى فهرس العدد اطبع هذه الصفحة