اليزيدية

 

اسعد علي السنجاري ـ بغداد

 

الطاووس، وهو رمزهم الديني ويرتبط  بـ (جبرائيل) الذي يعتبرونه رئيس الملائكة وهذا الرمز ايضا يذكر بـ(تموز) اله الخصب الذكوري العراقي

 

اليزيدية طائفة عراقية أصيلة مركزها السكاني الاكبر في سنجار غرب الموصل. لقد عانى اليزيدية مثل اخوتهم الشبك، من المناورات السياسية للقوى القومية من اجل احتسابهم عليها. فتارة تم اعتبارهم عرب اقحاح وتارة أصل الاكراد وتارة من أصول تركمانية وتارة من بقايا الآشوريين. والحقيقة انهم مثل الشبك، هم جميع هؤلاء بنفس الوقت. أي ان اليزيدية استقبلت في داخلها الكثير من الجماعات العراقية التي تقطن شمال الوطن، حسب الظروف والاحداث التاريخية.

ينتشر اليزيدية في العراق اساسا حيث يشكلون نسبة80% من مجموعة اليزيدية في الشرق الاوسط، وعددهم الآن في العراق  صعب التقدير، وتتراوح التقديرات بعدة مئات من الآلاف، ويقطنون اساسا في سنجار غرب الموصل، مع بعض مناطق دهوك مثل لالش. كذلك يقطن اليزيدية في  سوريا وتركيا وإيران وروسيا ولهم جاليات قليلة العدد في لبنان. وهم مرتبطون جميعاً برئاسة البيت الأموي. .

 

نساء يزيديات

 

اصل عقيدتهم

 الطائفة اليزيدية مثل معظم الطوائف الصغيرة في العراق وعموم الشرق الاوسط، لها جذور قديمة تعود الى الاديان القديمة، لكنها مع الزمن اتخذت شكلا اسلاميا بعد انتشار الاسلام في المنطقة. من الواضح ان اليزيدية لها جذور تعود الى (ديانة الخصب) العراقية القديمة المنتشرة في بابل وآشور وسومر. وبحكم الوضع الجبلي في شمال العراق الذي يساعد على العزلة نوعا ما، فأن سكان هذه المنطقة بقو محافظين على ديانتهم العراقية الاولى، مع الاضطرار الى اكتساب بعض من المعتقدات الجديدة الوافدة، وبالذات من العرفانية (الغنوصية) ومنها (المانوية) العراقية، القريبة الى الديانة المندائية. ومع انتشار المسيحية في شمال العراق اخذت هذه الطائفة بعض من تقاليدها. ولكن انتشار الاسلام في شمال العراق اثر بشكل كبير وحاسم في هذه الطائفة ومنحها عمقا اسلاميا واضحا بل حتى تسميتها (اليزيدية) كانت بمعنى اسلامي، حيث انها مرتبطة بـ(يزيد بن معاوية) الخليفة الاموي المعروف.

عندما انهارت الدولة الأموية  في معركة  الزاب الكبرى شمال العراق سنة 132هـ هرب الأمير إبراهيم بن حرب بن خالد بن يزيد إلى شمال العراق وجمع فلول الأمويين الذين تشتت جيشهم قرب الموصل، داعياً إلى أحقية يزيد في الخلافة والولاية ، وأنه السفياني المنتظر الذي سيعود إلى الأرض ليملأها عدلا كما ملئت جورا.

يعتقد ان مؤسس العقيدة اليزيدية هو الشيخ عدي بن مسافر الذي ولد بين سنتي 1073 و 1078 في القرية اللبنانية بيت فار (وتعرف حاليا بخربة قنافار) الواقعة على المنحدر الغربي لوادي البقاع، والده مسافر بن اسماعيل يصل بنسبه الى الخليفة الأموي مروان بن الحكم أما والدته فهي يزده ولا يزال ضريحهم موجوداً في البقاع اللبناني.

عاش الشيخ عدي بداية حياته في بغداد بعد ذلك هاجر الى شمال  العراق واستقر في خرائب دير مسيحي في منطقة لالش شرق الموصل (حاليا في دهوك). وقد أدى تقشفه وصومه و خوارقه الى انتشار شهرته فبسط نفوذه في المنطقة بأسرها وكرس بقية حياته لهداية الناس وارشادهم الى ما فيه خيرهم وقد ترك وراءه بعد وفاته نصوصا تفسر نظريته.

طلب من قومه أن يخلفه بعد وفاته ابن عمه أبو البركات الذي لم يكن أقل ورعا وزهدا وتقوى منه واعتبر عامة الناس ذلك الطلب كإشارة إلى تكريس القيادة الدينية والدنيوية في عائلة أبي البركات فكرسوها وتوارثها الأبناء الى يومنا هذا.

يقع قبر الشيخ عدي في ناحية شيخان الواقعة على مسافة 48 كلم في شمال شرق الموصل والطائفة اليزيدية تجله وتحج إليه وتتوسله في قبره تقبل نذورها وتحقيق أمانيها.

ولليزيديين مزارات أخرى كمزار الشيخ شرف الدين قرب قرية دنية ومزار الشيخ أبي القاسم في بردحلي ومزار الشيخ شمس في بشتكير ومزار الشيخ بيرزكر في بلدة سنجار .

وهنالك شخصيات معروفة قد لعبت ادوارا في تكوين اليزيدية، منهم:

صخر بن صخر بن مسفر : المعروف بالشيخ أبو البركات رافق عمه عدياً وكان خليفته ولما مات دفن بجانب قبر عمه في لالش . كذلك، عدي بن ابي البركات : توفي سنة 615 هـ / 1217 م خلفه ابنه شمس الدين أبو محمد المعروف بالشيخ حسن : المولود سنة 591هـ /1154م وعلى يديه انحرفت الطائفة اليزيدية من حب عدي ويزيد بن مسافر إلى تقديسها والشيطان إبليس ، وتوفي سنة 644هـ/ 1246م  بعد أن ألف كتاب الجلوة لأصحاب الخلوة وكتاب محك الإيمان وكتاب هداية الأصحاب وقد أدخل اسمه في الشهادة كما نجد اليوم عند بعض اليزيدية .  ثم الشيخ فخر الدين أخو الشيخ حسن : انحصرت في ذريته الرئاسة الدينية والفتوى . بعده شرف الدين محمد الشيخ فخر الدين : قتل عام 655هـ / 1257م وهو في طريقه إلى السلطان عزالدين السلجوقي . اعقبه زين الدين يوسف بن شرف الدين محمد : الذي سافر إلى مصر وانقطع إلى طلب العلم والتعبد فمات في التكية العدوية بالقاهرة سنة 725هـ .

ظهر خلال ذلك الشيخ زين الدين ابو المحاسن : الذي يرتقي بنسبه إلى شقيق أبي البركات ، عين أميراً لليزيدية على الشام ثم اعتقله الملك سيف الدولة قلاوون بعد أن اصبح خطرا لكثرة مؤيديه ، ومات في سجنه .

- جاء بعده ابنه الشيخ عز الدين ، وكان مقره في الشام ، ولقب بلقب أمير الأمراء ،وأراد أن يقوم بثورة أموية فقبض عليه عام 731ه‍ ومات في سجنه أيضاً .

- استمرت دعوتهم في اضطهاد من الحكام وبقيت منطقة الشيخان في العراق محط أنظار اليزيديين ،وكان كتمان السر من أهم ما تميزت به هذه الفرقة .

- استطاع آخر رئيس للطائفة الأمير با يزيد الأموي أن يحصل على ترخيص بافتتاح مكتب للدعوة اليزيدية في بغداد سنة 1969م بشارع الرشيد بهدف إحياء عروبة الطائفة الأموية اليزيدية ووسيلتهم إلى ذلك نشر الدعوة القومية مدعمة بالحقائق الروحية والزمنية وشعارهم عرب أموي القومية ، يزيديي العقيدة .

-          وآخر رئيس لهم هو الأمير تحسين بن سعد أمير الشيخان.

-           

معبد اليزيدية في سنجار

 

 بعض معتقداتهم

- يعتبرون (طاووس ملك) هو(الملاك جبرائيل) (رئيس الملائكة)، لهذا هم يقدسون رمز طاووس من النحاس بحجم الكف المضمومة وهم يطوفون بهذا التمثال على القرى لجمع الأموال .

- وادي لالش في العراق : مكان مقدس يقع وسط جبال شاهقة تسمى بيت عذري ، مكسوة بأشجار من البلوط والجوز .

- المرجة في وادي لالش : تعتبر بقعة مقدسة ، واسمها مأخوذ من مرجة  الشام ، والجزء الشرقي منها فيه – على حد قولهم – جبل عرفات ونبع زمزم .

- لديهم كتابان مقدسان هما : الجلوة الذي يتحدث عن صفات الإله ووصاياه والآخر مصحف رش أو الكتاب الأسود الذي يتحدث عن خلق الكون والملائكة وتاريخ نشوء اليزيدية وعقيدتهم .ولكن هذه الكتب غير مدونة وانما محفوظة شفاهيا.

- الشهادة : أشهد واحد الله ، سلطان يزيد حبيب الله .

- الصوم : يصومون ثلاثة أيام من كل سنة في شهر كانون الأول.

- الزكاة : تجمع بواسطة الطاووس ويقوم بذلك القوالون وتجبى إلى رئاسة الطائفة .

- الحج : يقفون يوم العاشر من ذي الحجة من كل عام على جبل عرفات في المرجة النورانية في لالش بالعراق .

- الصلاة : يصلون في ليلة منتصف شعبان ويعتقدون أنها تعوضهم عن صلاة سنة كاملة .

- الحشر والنشر بعد الموت : سيكون في قرية باطط في جبل سنجار ، حيث توضع الموازين بين يدي الشيخ عدي الذي سيحاسب الناس ، وسوف يأخذ جماعته ويدخلهم الجنة .

- يترددون على المراقد والأضرحة كمرقد الشيخ عدي والشيخ شمس الدين ، والشيخ حسن وعبد القادر الجيلاني ،ولكل مرقد خدم ، وهم يستخدمون الزيت والشموع في إضاءتها .

- يحرمون التزاوج بين الطبقات ، ويجوز لليزيدي أن يعدد في الزوجات إلى ست زوجات .

- الزواج يكون عن طريق خطف العروس أولأً من قبل العريس ثم يأتي الأهل لتسوية الأمر .

- يحرمون اللون الأزرق لأنه من أبرز ألوان الطاووس .

- يحرمون أكل الخس والملفوف (الكرنب ) والقرع والفاصوليا ولحوم الديكة وكذلك لحم الطاووس المقدس عندهم لأنه نظير لطاووس الملائكة، وكذلك لحوم الدجاج والسمك والغزلان ولحم الخنزير .

- يحرمون حلق الشارب ، بل يرسلونه طويلاً وبشكل ملحوظ .

- إذا رسمت دائرة على  الأرض حول اليزيدي فإنه لا يخرج من هذه الدائرة حتى تمحو قسماً منها اعتقادا  منه بأن الشيطان هو الذي أمرك بذلك .

- كانوا يحرمون القراءة والكتابة تحريما دينياً لأنهم يعتمدون على علم الصدر فأدى ذلك إلى انتشار الجهل والأمية بينهم مما زاد في انحرافهم ومغالاتهم بيزيد وعدي وإبليس .

- يعتقدون أن الرجل الذي يحتضن ولد اليزيدي أثناء ختانه يصبح أخاً لأم هذا الصغير وعلى الزوج أن يحميه ويدافع عنه حتى الموت .

- اليزيدي يدعوا متوجهاً نحو الشمس عند شروقها وعند غروبها ثم يلثم الأرض ويعفر بها وجهه ، وله دعاء قبل النوم. وهذا موروث من ديانة الخصب العراقية التي كانت تقدس اله الشمش(شمش)..

- لهم أعياد خاصة مقاربة لأعياد المسيحيين، كعيد رأس السنة الميلادية وعيد المربعانية وعيد القربان وعيد الجماعة وعيد يزيد وعيد خضر إلياس وعيد بلندة.

- يحترمون الدين المسيحي حتى انهم يقبلون أيدي القسس ويتناولون معهم العشاء الرباني ويعتقدون بأن الخمرة هي دم المسيح الحقيقي وعند شربها لا يسمحون بسقوط قطرة واحدة منها على الأرض أو أن تمس لحية شاربها .

- أخذوا عن النصارى (( التعميد )) حيث يؤخذ الطفل إلى عين ماء تسمى (عين البيضاء) ليعمد فيها،وبعد أن يبلغ أسبوع يؤتى به إلى مرقد الشيخ عدي حيث زمزم فيوضع في الماء وينطقون اسمه عاليا طالبين منه أن يكون يزيدياً ومؤمناً (بطاووس ملك) أي إبليس .

-          يشبهون الشيعة باحترام (البراءة ) وهي كرة مصنوعة من تراب مأخوذة من زاوية الشيخ عدي يحملها كل يزيدي في جيبه للتبرك بها ، وذلك على غرار التربة التي يحملها أفراد الشيعة الجعفرية . وإذا مات اليزيدي توضع في فمه هذه التربة وإلا مات كافراً .

 

رجال الدين اليزيدية

 

أهم اعيادهم

يحتفل اليزيديون في ربيع كل عام (الذي يبدأ في أول أربعاء من نيسان)، بعيد رأس السنة الذي يمثل أحد اعيادهم الموروثة من (يوم حجتو) أي (يوم الحج) وهو عيد الربيع العراقي ايام آشور بابل، والذي اقتبسه الايرانيون بأسم (عيد نيروز). في عيد الربيع الذي يستعد له اليزيدية قبل فترة طويلة ويقومون بتزيين أبواب بيوتهم وصدورهم بشقائق النعمان التي تنتشر بكثرة في البراري من أجل هذا العيد.

 

من طقوس اليزيدية

 

وهم يعتقدون, أن الملك جبريل الذين يطلقون عليه اسم "طاووس ملك" هو "انبعاث من ذات الله وملازم لله في حفظ العالم من الشرور يستمد قوته من الله الذي لا شريك له". ويؤمن اليزيديون أن الملك جبريل نزل على الارض في يوم صادف أول أربعاء من نيسان حسب التقويم الشرقي, لذلك يحتفلون بعيد رأس السنة في هذا اليوم. وهذا يشبه الى حد مطابق الى احتفال العراقيين القدماء بيوم عودة تموز اله الخصب الى الارض. وهنالك تشابه كبير بين اسمي(طاووس وتموز)..

وإلى جانب عيد رأس السنة الذي يسمونه "سرى صالي", يحتفل اليزيديون بعيد كبير ثان هو "عيد الجماعية" الذي يستمر أسبوعا أيضا في أكتوبر/ تشرين الأول طبقا للتقويم الشرقي. وفي هذين العيدين الرئيسيين وغيرهما من الأعياد الصغيرة, يقوم اليزيديون بأداء الصلوات من أجل أن يعم السلام في الوطن.

ويرتدي اليزيديون في العيد أجمل ملابسهم ويتبادلون التهاني ويعقدون حلقات الرقص ويقيمون المآدب. كما يقومون في هذا العيد الذي يستمر أسبوعا بتقديم الذبائح وزيارة قبور موتاهم. ويخرج الآلاف من اليزيديين رجالا ونساء وأطفالا إلى العراء لتبادل البيض المسلوق الذي طلي بألوان زاهية.

ويقومون كذلك بزيارة معبدهم الرئيسي في لالش الذي يقع شمال مدينة الموصل بحضور "أمير" الطائفة ورجال الدين لإقامة الصلوات تشكل أحد المحاور الكبرى لهذا العيد. ويستمر العيد سبعة أيام حيث يرتبط "بوجود سبعة ملائكة وسبع سموات وسبع طبقات للأرض". وهو بالحقيقة متأتي من احتفالات العراقيين بالكواكب السبعة المعروفة.

المصادر

"الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة.
"
اليزيدية لسعيد الديوه جي.
"
اليزيديون حاضرهم وماضيهم لعبد الرزاق الحسني.
"
اليزيديون ومعتقداتهم لسامي الأحمد.
"
اليزيدية وأصل عقيدتهم لعباس العزاوي .

العودة الى فهرس العدد اطبع هذه الصفحة