الشبك

 

د.فاطمة حسن الشبكي ـ  انكلترا

 

 

هنالك تشابه كبير بين مشكلتي(الشبك) و(اليزيدية)، من ناحية تعرضهم لعمليات الضغط والتشويه، من اجل احتسابهم على طرف قومي معين. تارة تم احتسابهم على الاكراد، وتارة على العرب، وتارة على التركمان، بينما الحقيقة انهم جميع هؤلاء بآن واحد! (الشبك) مجموعة عراقية اصيلة لكنها صعبة التحديد من الناحيتين العرقية والمذهبية. فهم ليسوا طائفة محددة ولا قومية معينة، بل يمكن القول انهم مزيج من الاثنين بصورة تقريبية ومعقدة. يصح القول انهم نوعاً من الاتحاد العشائري، الذي ضم خلال قرون، العديد من الجماعات العراقية التي مرت وعاشت في شمال العراق: اكراد وعرب وتركمان، بل حتى مسيحيين سريان. انهم منذ قرون عديدة يقطنون في عشرات القرى جنوب شرق الموصل.

يعتقد ان تسمية (شبك) متأتية من (تشابك) اصولوهم ومعتقداتهم واختلاطها..  فتجد بينهم من ينتسب الى عشائر طي والجبور وجحيش العربية، كما تجد منهم من ينتسب لعشيرة البيات التركمانية والى عشيرة الباجلان الكردية، وكل عشيرة من هذه العشائر تعتز بأنتسابها وأصلها، غير أنها تعتز بأنتسابها للشبك.

وتتفاوت التغييرات والاحصاءات حول عدد نفوس الشبك منها التقديرات الانكليزية القديمة التي عدتهم بعشرة الاف نسمة وفي احصاء عام 1947 قدر عددهم مع الايزيديين بثلاثة وثلاثين الف نسمة. وفي احصاء عام 1977 بلغت نفوسهم 75-85 الف نسمة. ذكر السيد ثامر عبد الحسن العامري في الجزء السابع من موسوعة العشائر العراقية   ص224 أن الشبك وحدة عشائرية يبلغ تعدادها 250 الف نسمة وهم يتكلمون لهجة تتألف مفرداتها من اللغات  التركية والفارسية   والكردية والعربية  وتسمى ( اللهجة البيجوانية ) وأن عشيرة البيجوان(الباجلان) الموزعة في محافظة نينوى اختلطت خلال حقبة زمنية طويلة مع عشيرة الشبك فأطلق على العشيرتين ( الشبك والبيجوان).

استوطنوا قرى صغيرة شرق الموصل في الشمال، ويسكن الشبك في المناطق الممتدة من تلعفر والموصل مروراً بكركوك وصولاً الى خانقين، وتُعتبر دراويش، قره تبه، باجربوغ ، بازواية، طوبرق زياره، خزنة تيه، منارة شبك، طيراوه ،علي رش، طوبراوه ، كورغريبان، كبرلي، باشبيثه، تيس خراب، ينكيجه، خرابة سلطان، بدنة، باسخره، شيخ امير وبعويزه من أهم مناطق انتشارهم. يقطن الشبك الشيعة وهم الغالبية، قرى الموصل التالية:
خزنه تبه، طيراوه، دراويش، بدنه صغير، بدنه كبير، نوران، بايبوخت، علي ره شه، زهرة خاتون

اما الشبك السنة الشافعيون فهم في القرى الموصلية التالية: باربعة، عمر قابجي، خرسباد، سماقية، بعويزة، اوطة هزاب، باجربوع، فاضلية، خويت له، ديرك، وتنحدر هذه القرى من عشيرة باجلان التركمانية.

 

غالبية الشبك من اتباع المذهب الجعفري

 

عقيدتهم

 يدين الشبك بالدين الاسلامي، غالبيتهم من المذهب الشيعي الجعفري، وفيهم كذلك من المذهب السني الشافعي أيضاً وخصوصا بين الباجلان. ليس صحيح ما يشاع عنهم انهم يستبدلون الحج الى مكة المكرمة بالحج الىالعتبات المقدسة في كربلاء والنجف. فأن الشيعة منهم وكذلك السنة، يحجون الى مكة المكرمة ويتبركون كذلك بزيارة العتبات المقدسة في كربلاء والنجف لا يختلفون في ذلك عن جميع الشيعة أو السنة في العراق.

يقترب تنظيمهم الاجتماعي من مراتب الصوفية ويسمى رجل الدين الناشيء (المريد) وهو يرتبط روحياً بشخص أعلى منه مرتبة دينية يسمى (المرشد)، والمرشدون يرتبطون بمرجع أعلى يسمى (البير). ومن العادات التي يتسمون بها، الندب والتوسل بالإمام علي(ع) في الازمات والامراض. وأكثر أسمائهم شيوعاً، هي: حسن وحسين وجعفر وصادق وحيدر ومهدي وخديجة وفاطمة وزينب وكلثوم وغيرها من الأسماء التي يعتبرونها مباركة ويتفاءلون بتسمية أبنائهم بها.

من كتبهم المقدسة، كتاب الكلبنك واسمه مركب عنوانه من كلمتين: (كل) أي زهر و(نبك) أي صوت.  وتنطق هذه الكلمة احيانا في العربي الى (كلبند)،  وهي القصائد التي نظمها شعراء الشبك وشيوخهم باللغة التركمانية الجفكائية في مدح آل البيت.اما اقدس كتبهم  الدينية كتاب مخطوط بالتركية يسمى (بويوق - الأوامر) وهو الكتاب المقدس لدى الشبك الذي يحتوي على حوار بين الشيخ صدر الدين والشيخ صفي الدين في آداب الطريقة ( العلوية ـ القزلباشية) الذين يسكنون أذربيجان وتركيا. ويكثر الشبك في كتابهم المقدس (الأوامر) من الاستغاثة في اذكارهم وأورادهم بذكر إعداد الثلاثة والخمسة والسبعة والاثني عشر والأربعة عشر والأربعون وكل عدد يرمز إلى أمر ديني مقدس. فالثلاثة الله ومحمد وعلي، والخمسة هم الرسول محمد (ص) وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) ويسمون أصحاب الكساء، ويرمز العدد سبعة إلى درجات ومراتب الصوفية وهي: المنتسب - المريد - الدرويش - البير - البابا - القلندر - الرند - القطب. أما الاثنا عشر فيرمز إلى الائمة المعصومين فيما يرمز الرقم (14) إلى المعصومين إضافة إلى الرسول (ص) وابنته فاطمة الزهراء (ع) والأربعون هم الأبدال أو الواصلون وهؤلاء لا يعرفهم الناس ولا يرونهم لأنهم رجال الله وجند الله.

ومن عقائدهم الخاصة الاحتفال ببعض الليالي المقدسة مثل ليلة رأس السنة، وهي عندهم الليلة الأولى من شهر كانون الأول، والاحتفال بليلة التعاذر أو التغافر (المغفرة) وتكون ليلة الجمعة لحل النزاعات، حيث يرأس البابا الاحتفال الذي له مراسيم خاصة يقوم بها اثنا عشر شخصاً، أولهم البابا أي الشيخ وهو رأس الشبك يسبقه البير ثم الرهر وهو الدليل ومقامه أدنى من البير ثم حامل الجراغ أي حامل المصباح أو الشمعة ثم حامل المكنسة ويتولى كنس دار البير ثم السقا الموكل بسقاية المجتمعين وأربعة خدم وبوابان يلازمان باب دار البير ثم ليلة الاعتراف وفيها ينشد البابا (الكلبنك) أو التراتيل الخاصة بالاعتراف ويجاريه الرهبر ذلك ذلك. كل من أراد الدخول إلى طريقتهم الصوفية ينبغي عليه أن يفتش عن شخص ليصاحبه هو وزوجته ليكونا أربعة مدة أربعين أو سبعين يوماً ضمن مراسيم خاصة.

يتشفع الشبك عند الأئمة المعصومين ويزورون المراقد المقدسة ويحتفلون بمناسباتهم الدينية لكن لهم مواسم خاصة مثل زيارة مرقد العباس في قرية العباسية ومرقد حسن فردوش في قرية الدراويش ومرقد زين العابدين في قرية علي رش، وكذلك رجم قبر عبد الله بن زياد في موقع شرقي الموصل وهي مراسيم خاصة. يقيم الشبك مراسيم عاشوراء العامة ويصوم فريق منهم التسعة أيام الأولى من محرم وبعد انتهاء اليوم العاشر يحرمون على أنفسهم اكل اللحم مدة ثلاثين يوماً أخرى.

الشبكي لا يرى مولوده مباركاً ما لم يبارك له البابا ويدع له بالخير ويقرأ له (الكلبنك)، وعن مراسيم الزواج فان البابا ايضا هو الذي يتولى العقد ويحضر الافراح في بيت العروس حيث تضرب الدفوف ويرقص المجتمعون على  شكل حلقة وتمسي محليا رقصة الجوبي او الدبكة ويندر ان يطلق الشبكي زوجته حتي لو ابتليت بمرض عضال لا يرجى شفاؤه ويظل الشبكي ملازما لزوجته.

 وفي حالات الوفاة  يحضر البابا في دار الشبكي و يقوم هو بغسل الميت او رجل تقي وورع ويكفن على وفق عادة المسلمين وبعد دفنه في مقبرة القرية يضع اهل الميت طعاما يوزع بين فقراء القرية. اما بصدد الزواج بالعلوية يؤمن الشبك بان العلوية المنحدرة من الاصلاب الطاهرة مقدسة بسبب نسبها، لذلك فلا يجوز لغير العلوي ذي النسب الصحيح ان يتزوج علوية.

ومن اهم عاداتهم الندب والتوسل بالامام المرتضى والائمة الاثني عشر والاربعين والخمسة والثلاثة خاصة في شدة المرض وفي المواقف المحرجة والشبك يتفاءلون بتسمية ابنائهم بأسماء الائمة الاثني عشر ويعتقدون ان الفتى والفتاة المسمى باحد اسماء آل البيت بركة في الدار ورحمة لهم، يدفع الله بهذا الاسم السوء ويبعدهم المكروه فأكثر أسمائهم حسن، حسين، جعفر، صادق، حيدر، مهدي، خديجة، فاطمة، زينب، كلثوم الى غير ذلك من الاسماء التي يعتبرونها مباركة. ولشيوخ الشبك اعلام ترفرف على بيوتهم ويرفع العلم الاسود في شهر محرم الحرام مشيرا الى المآتم والحزن وبيدهم اكف مصنوعة من البرونز والحديد يجولون بها في الضياع في ايام معدودة فيتهافت عليها الشبك يقبلونها ويتبركون بها، ويسمى الكف (كف العباس) يقصد به الشهيد ابو الفضل العباسي (ع) حامل راية الامام الحسين في واقعة كربلاء وهذه العادة موجودة في الفرات الاوسط ايضا.

كانت الامية شائعة بين الشبك سابقا ، وكان معظمهم كان لا يحسن القراءة والكتابة باستثناء بعض الشيوخ اي الدده او البير او المرشدين، وكانت اداب الشبك الذي هو من نوع الادب الديني محصورا في هؤلاء الناس فقط. كان ذلك خلال الربع الاول من القرن العشرين، ولكن بحلول منتصف القرن الماضي تم فتح المدارس الحكومية في كل قرية من قرى الشبك وتم تشييد الجوامع وبعض الحسينيات في معظم قرى الشبك، واصبح المجتمع الشبكي مجتمعاً مثقفاً مواكباً للمستجدات العصرية الحديثة وبرز بينهم مثقفون وأطباء  ومهندسون.

 

الموصل.. حيث تنتشر قرى الشبك..

 

تقاليدهم

من عادات وتقاليد الشبك التي لا تخرج عن حظيرة عقيدتهم، الاحتفال ببعض الليالي المقدسة وهي :

1- ليلة رأس السنة، وهي من الليالي المقدسة وتكون في الليلة الاولى من شهر كانون الاول (يناير) من كل سنة ولهم احتفال خاص بها، ويجوز ان يكون الاحتفال به في العشر الايام الاولى او العشر الثانية منه.

2- ليلة التعاذر أو ليلة التغافر التي يعقد فيها الشبك اجتماعات خاصة في ليالي الجمعة وذلك لازالة الاحقاد والبغضاء من قلوب الشبك واحلال الحب والسكينة فيها يغفر المتباغضون بعضهم لبعض ويصطلحون فيها، ولها مراسم خاصة يقوم بها اثنا عشر شخصا برئاسة البابا البير، ويعتبر الاجتماع في ليلة التعاذر من الاجتماعات المقدسة، والاثنتا عشر شخصا هم رمز الاثني عشر معصوما من أئمة الشيعة وهم: البير، البابا أي الشيخ وهو الرأس عند الشبك، الرهر وهو الدليل وله مقام ادنى من مقام البير، حامل الجراغ أي حامل المصباح أو الشمعة، حامل المكنسة ويتولى كنس دار البير المعد للاجتماع السقاء الموكل بسقاية المجتمعين، اربع خدام وبوابان يلازمان باب دار البير.

3- ليلة الاعتراف، وهي الليلة التي يتقدم بها الشبكي الى البابا فيعترف له بخطاياه وذنوبه وفيها ينشد البابا (الكلبنك) الخاص بالاعتراف وقد يجاريه في الانشاد الرهبر. وقد اقتبس الشبك عادة الاعتراف بالذنوب من البكتاشية فصارت جزءا من تعبدهم، كما انهم اكتسبوا عادة التناول من البكتاشية ايضاً .

4- مراسم الدخول في الطريقة وهي مراسم خاصة يقوم بها البابا ويساعده على ذلك الرهبر(الدليل أو المرشد) . وكل من اراد الدخول في الطريقة الصوفية يسمي صوفيا يجب عليه ان يفتش عن شخص اخر ليعاشره ويصاحبه هو وزوجته ليكونا اربعة  لمدة اربعين يوماً او سبعين يوما.

5- زيارات مراقد الائمة،  يقدس الشبك الائمة الاثنى عشر الذين يقدسهم الشيعة الامامية ويعدونهم ائمتهم المكرمين المعصومين فينذرون لهم النذور ويقدمون بأسمائهم القرابين ويتغنون بالقصائد (كلنبك) بمآثرهم وكراماتهم ومعجزاتهم تقربا اليهم وطلبا للشفاعة منهم. وللشبك مواسم عامة ومواسم خاصة لزيارة المراقد والعقبات المقدسة، ومواسمهم العامة هي عين مواسم الشيعة الامامية كيوم عاشوراء  ويوم مرد الرأس، ويوم الخامس عشر من رجب وكذلك الخامس عشر من شهر شعبان يوم ذكرى مولد الامام المهدي الغائب المنتظر. اما مواسمهم الخاصة فهي زيارة مرقد العباس في قرية العباسية ومرقد حسن فردوش في قرية الدراويش ومرقد زين العابدين في قرية علي رش ورجم قبر عبد الله بن زياد في موقع شرقي الموصل.

6- العشرة الاولى من محرم الحرام حيث يقيم الشبك المناحات والمآتم فيبكون وينوحون ويلطمون ولهم في ذلك اهازيج خاصة وتسمى مراسيم عاشوراء حزنا على الحسين الامام الشهيد، ويرتدي فريق منهم السواد ويصومون تسعة ايام عاشوراء  الاولى ، وبعد انتهاء اليوم العاشر يحرمون اكل اللحم على انفسهم مدة ثلاثين يوما اخرى، وفي اليوم العاشر يهييء الموسرون منهم طعاما لفقرائهم فاذا طلع اليوم العاشر عليهم وقفوا في قراهم أو في المزارات المقدسة في علي رش وبير حلان صفوفا رجالا ونساء واطفالاً يلطمون وينوحون ويبكون.

مصادر   

ـ أحمد الصراف، الشبك، بغداد 1945، ص 90 ـ 91 .

ـ الأديان والمذاهب بالعراق ، رشيد الخيون ، منشورات الجمل ، كولونيا 2003  .

ـ  الشبك.. مزيج فريد لتلاقح الحضارات والتأثير المتبادل بين الشعوب،ادهام عبدالعزيز الولي ،صحيفة الزمان ،العدد 1540

 ـ  د.شاكر خصباك، الاكراد ـ دراسة جغرافية اثنوغرافية ـ بغداد 1973.

ـ فون هامر، تاريخ الدولة العثمانية، المجلد الرابع.

 ـ الصوفي، احمد علي، خطط الموصل، الجزء، ص 3، م. ام الربيعين، الموصل 1953.

 

العودة الى فهرس العدد اطبع هذه الصفحة