مشروع توطين اليهود في العراق

 

بسام الكرزون ـ عمان

 

صورة تهكمية نشرتها محطة الجزيرة، تصور يهودي عراقي وخلفه العلم العراقي


 اخذ الحلم اليهودي بالعودة الى (الارض الموعودة) يأخذ طابعا عمليا وخطيرا، بعد انعقاد المؤتمر الصهيوني في مدينة بال بسويسرا في آب 1897 برئاسة الأب الروحي للصهيونية (ثيودور هرتزل). بعدها أصبحت تحركاتهم محط أنظار العرب والمسلمين، كما أصبحوا محط الشكوك والريبة لذا أصبح مجيئهم الى فلسطين مثار شك الكثيرين لا من العرب بل من الترك أيضاً وعلى أعلى المستويات خاصة السلطان عبد المجيد الثاني 1876- 1909 ) .
 بعد ان يأس (هرتزل) مؤسس الحركة الصهيونية، من اقناع(السلطان العثماني عبد المجيد) بالسماح لليهود بالهجرة الى فلسطين حاول ان يحصل على موافقة الحكومة البريطانية على اسكان مهاجرين يهود في العريش و شبه الجزيرة وقبرص يزحفون نحو فلسطين بعد ذلك خاصة وان مصر وقتذاك كانت تحت السيطرة البريطانية منذ 1882. و قد عرض هرتزل فضلاً عن مشروعه هذا مشروعاً آخر على اللورد روتشيلد يكاد يكون مستقلاً عن المشروع الأول لكنه غير متناقض معه ، خلاصته إنشاء مستعمرات يهودية في العراق. ومن الجدير بالذكر أن الإشارة الى خطة استعمار العراق لم تكن اشارة عابرة أوعرضية، فقد كتب هرتزل في 4 حزيران 1903 الى عزت باشا رئيس الوزراء العثماني الجديد يذكره بالوعد الذي قطعه على نفسه للمنظمة الصهيونية بالسماح لها بايجاد مستعمرات يهودية في العراق و في لواء عكا عن طريق فتح الباب أمام الهجرة اليهودية، إلا أنه رغم موافقة هرتزل التي جاءت على اتمام الصفقة على مزيد من الأراضي وحمل السلطان على اضافة منطقة حيفا وضواحيها في فلسطين الى أرض العراق وتضمن ذلك كله في تصريح يعلنه الامتياز لقاء كفالة الديون العثمانية وتغطيتها ، فإن المحاولة باءت بالفشل إذ تقاعست الدولة العثمانية عن وضع ما عرضته سابقاً موضع التنفيذ لما رأته من خطورة متوقعة تسبب لها الكثير من المشاكل ليس مع العرب أهل فلسطين وحدهم بل مع الدول الاستعمارية التي قد تستغل هؤلاء اليهود لمصالحها الخاصة المتناقضة مع مصالح الدولة العثمانية وما قدر يجره ذلك من أخطار على بنية الدولة الخاصة وان تعاطف كثير من ساسة أوروبا ودولها الاستعمارية كانكلترا بخاصة قد ولد هذا الشك وتلك الريبة في النفوس العثمانية فسحبوا ماعرضوه سابقاً إلا ان هذا الرفض العثماني لم يقلع الفكرة الصهيونية باستعمار العراق والزحف منه الى فلسطين نهائياً. حين ترأس اسرائيل زانكول المنظمة اليهودية الاقليمية عام 1909 فكر بأن بلاد ما بين النهرين هي الأرض الصالحة لإنشاء وتكوين المستعمرة الصهيونية.
يقول فريتز غروبا ، وزير ألمانيا المفوض في العراق بين 1932 و، 1939 ثم في أيار 1941 بأن بعض المنظمات الصهيونية الانجليزية والفرنسية حاولت عدة مرات ان توطن في العراق مجموعات من الفلاحين اليهود من اوروبا الشرقية لاتساع الأراضي ووفرة الماء في العراق مع قلة السكان الذين يقومون بزراعتها و في سنة 1907 اوفدت " جمعية التوطين اليهودية
I C A التي مقرها لندن وتتعاون تعاوناً وثيقاً مع الاليانس ايزرائيليت في باريس ، اليهودي الفرنسي نيغو الى بغداد لدراسة موضوع التوطين وقد بقي ينيغو أربعة أوخمسة أشهر في بغداد ، وأعد تقريراً أبدى فيه رأيه في امكانيات التوطين وكان مؤيداً له ، وقد اقترح ان يبدأ توطين اليهود في أراضي قاسم باشا صهر عبد المجيد الثاني في شمال بغداد ، واقترح توطين خمسين ألف يهودي روسي  وبولوني  فأيد المشروع وزير مالية تركيا جاويد بك وهو يهودي دخل الإسلام ولكن السلطان عبد المجيد رفضه ، و يظهر أن مبعث خوفه إنما يتثمل خشيته من أن تمتد اطماع الصهيونيين ، الى العراق أيضاً ولا شك ان عبد المجيد لم يكن مخطئاً في مخاوفه وإذا طالب اليهود بفلسطين التي تركوها قبل ألفي سنة فمن الممكن أيضاً ان يطالبوا أيضاً بأراضي ما بين النهرين التي كان فيها طائفة يهودية كبيرة أيام الأسر البابلي .

 

يهودي عراقي هاجر حديثا الى اسرائيل


لقد كانت اطماع الصهاينة في العراق معروفة منذ ظهور المنظمة الصهيونية العالمية، ومنذ ذلك الوقت بذل الصهاينة كثيراً من الجهد وكثيراً من المال فسيطروا على الاقتصاد العراقي  واشتروا مساحات شاسعة من الأراضي في المدن للبناء وفي الريف وامتد نفوذهم حتى الى المناطق الجبلية من شمال العراق في منطقة دهوك حيث اشتروا أخصب الأراضي هناك كما اشتروا أراضي زراعية في محافظات ( الوية) القادسية ( الديوانية) وذي قار ( الناصرية) وبيسان (العمارة) كما اشتروا كثيراً من أراضي بغداد وبالذات  ناحية الكرادة الشرقية وحاولوا شراء الأرض في ضاحية الاعظمية.
    ولكن اهالي الاعظمية أدركوا ما يبيته لهم اليهود الصهاينة فقاوموهم مقاومة شديدة مما أدى الى اخفاق الصهاينة في الأعظمية حيث نجوا في مناطق أخرى من مدينة بغداد ، وحين كان اليهود الصهاينة يرحلون عن العراق بعد عام 1948 ( 1950 – 1951) كانوا يقولون علناً " سيأتي اليوم الذي نعود فيه للعراق لاستعادة املاكنا " وقد أعلن موشيه ديان يوم 6 حزيران 1967 وهو يوم حتلال القدس" لقد استولينا على اورشليم ونحن في طريقنا الى يثرب وبابل، وهذا يدلل بلا شك على اهمية العراق بالنسبة للحركة الصهيونية مطامعها تحقيقاً لحكم إسرائيل الكبرى، الممتدة من النيل الى الفرات فضلاً عن وجود عدد كبير من اليهود في العراق وبنسبة عالية خاصة في اطلالة القرن العشرين مما كان مشجعاً لهرتزل واساطين الفكر الصهيوني والمنظمة الصهيونية لطرح مثل هذا المشروع خاصة بعد أن باء مشروع الهجرة الى فلسطين واستيطانها بالفشل بسبب رفض السلطان العثماني له اضافة الى وفرة خيرات العراق وقربه من فلسطين بحيث يمكن اعتباره محط رجل للحركة الصهيونية تزحف باتجاه أرض الميعاد على حد زعمها ولكن قيام حكومة الاتحاد والترقي وما لقيته الحركة الصهيونية من تساهل على يدها بخصوص الهجرة إلى فلسطين مضافاً الى ذلك التعاون الصهيوني – البريطاني قبل وأثناء الحرب العالمية الاولى ( 1914 – 1918 ) وصدور  وعد بلفور في 2/11/ 1917 ، دفع المنظمة الصهيونية الى صرف النظر عن العراق والتوجه نحو فلسطين مباشرة .

 

 

العودة الى فهرس العدد اطبع هذه الصفحة