في ظلال مدينة الإمام المهدي

 

ماجد أحمد السامرائي / انكلترا

 



كنت وما زلت من أشد المتمسكين بالدعوة للانتماء للوطن وليس للطائفة أو العشيرة أو العرق سواء في مشاريع العمل السياسي أم وضع الحلول لأزماته. ولكن الظرف الاستثنائي الحالي وانغراق بلادنا بعاصفة النار والفوضى  ومسلسل التفخيخ الذي يستهدف المدنيين الأبرياء بتدبير قوى الإرهاب ومن بينها تنظيمات القاعدة، وما تنفذه العصابات المتعددة المصادر من هذه الجهة أو تلك، واختلاطها المتعمد بمقاومة المحتل، يجعلني من بين الذين لا يجدون حرجاً بالتعبير عن الانتماء لمدينتهم والولاء لها عندما تتعرض لعدوان مسلح غير عادل مثلما تواجهه حالياً مدينة سامراء.. هذه المدينة التي تحتضن بقدسية وكبرياء واعتزاز ثري الامامين علي الهادي والحسن العسكري رضي الله عنهما، وتتظلل بغيبة الإمام المهدي المنتظر وهي الوارثة لمكانة الحضارة والمدنية كعاصمة عريقة للدولة العباسية. ولقد ظلت عبر الأزمان كما غيرها من مدن العراق كالنجف وكربلاء والبصرة والموصل عصية علي الطامعين ومستهدفي الهوية. لم تمض سوى شهور قليلة على سقوط نظام صدام ، وانتهاء أقسى فصول استبداد وظلم الدكتاتور بحق أهلها ورجالها الذين رفضوا الخضوع لسياساته وتمردوا عليها بمختلف الوسائل وأكثرها جرأة التآمر المنظم على نظامه من أجل إقامة الديمقراطية في العراق. بعد أن افتتح مسلسل العقوبات بإعدام الشيخ عبد العزيز البدري. والغدر بأقرب الناس إليه عضو القيادة عبد الخالق السامرائي الذي كان له الفضل بإدخاله للحزب. ولقد عبّر أهل المدينة عن عدم ولائهم لصدام ولسلطته عندما اختاروا مقاطعة زياراته لمدينتهم، وكان جزاءهم العقاب الجماعي بسجن الوجهاء والنافذين السياسيين وبإعدام كواكب من نخبهم العسكرية والمدنية ومن بينهم العضو القيادي المعارض علي عليان حيث اتهموا بمؤامرة قلب نظام حكم صدام عام 1996، وبإهمال الخدمات المدنية الانسانية في بلدتهم، وتحويلها إلي مدينة أطلال.. كان أهل سامراء يتوقعون أن يعاد الاعتبار لهم وان ينصفوا علي صمودهم، لا أن يتعرضوا لأبشع فصول مجزرة دموية في ظل تشجيع واستشارة بعض من الأهل والأقارب تلبية لأغراض ذاتية كان الأفضل بهم الحصول على منافعها من ميادين تجارية أخرى كثيرة وليس بمقايضتها بدم أبناء الجلدة. لقد تمادت قوات الاحتلال والمتحالفين معها في قصف دور سكن المواطنين الأبرياء بالطائرات دون رادع إنساني، ووصل الأمر إلى منع الأطباء من تقديم الاسعافات الأولية للجرحي وتركهم يموتون نزفاً، تحت مبررات واهية لا تصمد أمام الواقع كتنفيذ شعار (التطهير المناطقي) خدمة لسيناريو أكثر تطرفاً مما دعا إليه وزير الدفاع الأمريكي رامسفيلد الذي طالب بانتخابات تستثني المناطق الملتهبة، سيناريو يدعو إلى انتخابات شاملة بعد تطويع تلك المدن بالنار. والاستمرار بمسلسل القتل حتى  يوم الانتخابات إن كان هناك لها موعد، وهذا الحقد ليس له تفسير سوى الانتقام ممن ما زال محتفظاً بهويته العروبية ومتمسكاً بقيم الكرامة والعزة والولاء للوطن التي تتعاظم داخل النفوس في فترات الغليان ضد ممارسات القتل والعنف الجماعي، لأن من يريد البحث عن مقاتلين لديه طريق واضح وهو التعقيب الأمني عبر قوات الشرطة والحرس الوطني، وليس بدخول الدبابات الأجنبية على أشلاء المدنيين. وكأن رسالة روّاد القتل تدعو إلى ترك ردود الفعل تتعاظم في النفوس حتى تُجرّ البلاد إلى حرب طائفية لا سمح الله. تحت أهداف تأمين شراكة السلطة عبر انتخابات مدّبرة تلغي مكوناً واسعاً من مكونات العراق الاجتماعية، هو المكوّن العروبي، وتهميش القوى السياسية الممثلة لذلك . أوقفوا نزيف الدم عن أهل مدينة سامراء والنجف وبعقوبة والموصل.. فمن يريد أن يكسب السلطة عبر حمامات الدم، فهو خاسر، حتى  وإن استقوى بقوة الأجنبي التي لا تدوم. وأمامكم مثال صدام ما زال حياً، حيث لم يصمد في النهاية أمام إرادة العراقيين.

 

العودة الى فهرس العدد اطبع هذه الصفحة