ذكريات

الحنين الى القلعـــة!

 

أنجي طارق/ بغداد

 

 

القلعة، انها أهم شاخص تاريخي في كركوك يعود الى عصور تاريخية بعيدة هو قلعة كركوك التي كانت لعصور طويلة قلب المدينة المسكونة وفي فترة ما كانت المدينة كلها. وإذ تحاول بعض الأطراف تكريد القلعة من خلال إسكان عوائل مستقدمة من خارج كركوك وإسكانها في خرائب القلعة، فأن الذين عايشوا تاريخ القلعة القريب ما يزالون أحياء، أطال الله في عمرهم، ويتحدثون للقلعة عن تركمانية كركوك من خلال تركمانية القلعة.

*بدءاً، يتحدث الأديب التركماني المعروف مولود طه قياجى عما رآه من مآسي أهل القلعة عند ترحيلهم منها بحجة استملاك بيوتهم مقابل أثمان بخسة: ان من يدعي قيام النظام البائد بتعويضنا مقابل استملاك دورنا، نحن أهل القلعة، هراء لاسند له. فقد كان التعويض بالثمن السائد آنذاك ولكن عند استلام المبالغ كانت الاسعار قد تضاعفت بشكل جنوني حتى إن المبلغ كله لم يساعد البعض على دفع إيجار شهر واحد فقط ، زد على ذلك الفارق في الموقع فالقلعة تتوسط البلد، وكان التعويض في أراضٍ تقع على الأطراف النائية من المدينة مقابل شركة طارق، فالفارق في قيمة الأراضي بين داخل المدينة وخارجها لذلك نجد إن لا أحد قام بإنشاء دار على الأراضي التي استلمها لقاء داره.. والأستملاك لا يتم إلا لمقتضيات مصلحة عليا وإذا انتفت الحاجة انتفى الداعي للأستملاك وهذا ما وقع في تسعين القديمة والقلعة وأحياء سكنية تركمانية عديدة داخل كركوك وفي القرى التي حولها.

*السيد غازي عبد المجيد، من مواليد القلعة سنة1949، يقول: كانت القلعة تتكون من أربع محلات(حمام مسلم وحمام مسيح وميدان وآغاليغ) وكانت تضم حوالي700 بيت، وقد ولدت وترعرعت هناك في محلة حمام مسلم وكان بجوارنا حمام مسيح، وجميع الذين كانوا يسكنون القلعة كانوا من التركمان وحتى المسيحيون كلهم كانوا تركماناً أو يتكلمون بالتركية وحتى اسم كنيستهم كانت بالتركية (نماز ايوى) وتعني مكان العبادة ويشير عبد المجيد الى الآثار التي تضمها القلعة ومنها: (كوك كومبت - القبة الزرقاء) وهي أثر سلجوقي، و(أولو جامع- الجامع الكبير) وجوامع اخرى ومنها (فضولي ويعقوبي وعريان وحسن مكي والنبي دانيال). ويتذكر عبد المجيد الأيام الرهيبة في14 تموز والأيام التي تلتها في1959، تلك الأيام التي ارتكبت بها مجزرة قتل التركمان المعروفة، ويقول: بث البعض اشاعة تؤيد وجود مؤامرة تحدث في القلعة وفي الساعة الثانية عشرة ظهراً قامت طائرة زراعية بالتحليق فوق القلعة التي تم تبليغ أهلها بتفريغها لقصفها فهرب الجميع بالملابس التي كانوا يرتدونها فقط  تاركين كل شيء خلفهم، وكانت للقلعة آنذاك أربعة أبواب فأغلقوا ثلاثة منها وبقي واحد فقط مفتوحا وهو(توب قابسى) لخروج العوائل منها والذين نزلوا إلى حديقة امام قاسم من جهة السلالم وتم احتجازهم فيها للمغرب. وكان ما حدث خطة مدروسة لاعتقال شخصيات تركمانية وبالفعل تم اعتقال الكثيرين وأخذهم إلى مدرسة الصناعة لحبس بعضهم فيها وتم حبس الآخرين في المركز العام للشرطة. وذهبت عوائل عديدة للسكن عند أقربائهم ولم يعد البعض الى القلعة لتشكل هذه الحادثة بداية التهجير القسري للتركمان من القلعة. وكان الهدف هو إلغاء مركز التركمان وهو القلعة وانتشارهم إلى بقية المناطق في كركوك لكي يضيعوا بين الأهالي، وفي الثمانينات عندما كثرت العوائل الفقيرة في القلعة وكانت البيوت قد أصبحت قديمة وقابلة للهدم، أصدر النظام السابق قراراً بمنع الترميمات وعدم منح أجازات البناء لبناء بيوت جديدة، وقلت الخدمات وظلت شوارعها غير معبدة وكذلك بدؤوا بقطع ماء الإسالة لأيام عديدة متواصلة فقام الأهالي ببناء بئر كبير فيها ثم اكتشفوا إن بها ماء مالح وغير قابل للشرب والاستعمال.

*المواطنة أم مصطفى، مواليد1952، تتحدث عن ذكريات الطفولة عندما كانت تزور دائما بيت خالتها في القلعة حيث قضت طفولتها وصباها، تقول:

كنت أمضي غالبية الأيام في بيت خالتي وكان عمري آنذاك خمس سنوات وأتذكر جلوسي على مدرجات القلعة المحاطة بالأزهار والخضرة ولها منظر خلاب خاصة حين جريان المياه الموسمية في نهر(الخاصة صو)، وكيف كانوا يقيمون الأعراس فالعروسة تتزين ونأخذها الى الحمام ونحمل أغراضها ونحن الأطفال نرقص ونغني ونحمل شموع ثم يأتي العريس ليأخذها.. وأيام العيد كنا نزور النبي دانيال.

كان بيت خالتي يقع في محلة ميدان وهو مكون من ثلاثة طوابق ويسكنون فيها من العشرينات ورحلوا منها عندما نفي زوج خالتي الى الرمادي بعد مجزرة كركوك حيث قام الأكراد الشيوعيون بترحيل الكثير من التركمان من القلعة بعد حدوث مجزرة كركوك.. لقد كانت أسماء المحلات والحمامات والجوامع كلها بالتركمانية مثل(يتيم جامعى - وسيد نجم تكياسى) ومحلة (يدي قزلار) وأتذكر أسماء المدارس(القلعة - الطاهرة للبنات) والدراسة كانت بالتركمانية لأن المعلمات والتلاميذ كلهم تركمان.. ومن العوائل المشهورة والتي اتذكرهم هم(حسين طيفور- بيت ابن خالتي) الذي تم الاحتفاظ  به كشاخص للعمارة التركمانية لحد الآن، و(عائلة الكمالى)، (عائلة السيلاو )، ( حاج يوسف الدباغ).. في ظل السنوات التي أمضيتها في القلعة لم أصادف عوائل كردية أو عربية الاّ بعد الثمانينات حيث سكنها القليل جداً من الأكراد بعد ترحيل التركمان منها.

وتؤكد ام مصطفى بأنهم يريدون العودة الى القلعة، "لأننا نملك الطابو الخاص بذلك خاصة وان عائلة خالتي لم تستلم أي تعويض من الحكومة بعد ترحيلهم منها فهي ما زالت ملك خاص، لذا نرفض تحويل القلعة الى معلم سياحي لأنها ستكون محاولة للألتفاف على تركمانية القلعة فنحن نريد أرضنا وملكنا وبيتنا"..

*السيدة أم محمد، مواليد1957، تتحدث: أنا من سكنة محلة ميدان في القلعة التي سكناها منذ أجيال.. أتذكر كيف كنا نلعب صغاراً في محلاتها ونزور بيت جيراننا وأغلبية أقربائنا كانوا يسكنون القلعة، كنا نزور النبي دانيال أيام الخميس والأثنين.. وكانت تقام احتفالات أيام الأعياد، وكانت مدرستي تركمانية وصديقاتي تركمانيات مع المعلمات أيضاً، وكنا جميعاً نذهب الى الحمامات مثل(حاج جمعة حمامى، شور حمامى) وكانت توجد أسفل القلعة(ده ده حمدي حمامى). في بيتنا كانت توجد منارة تراثية قديمة تحوي قبر لأميرة تركية بأسم (بغدة خاتون) حيث عند مكوثها في القلعة بعد استراحة سفر مرضت هناك وتوفيت ودفنت فيها فلم يستطيعوا أن يرجعوها الى بلادها وكانت قد دفنت معها سبع جراري ذهب لكن الآثار قد أخرجتها.. وخلف بيتنا يقع سوق مهدم كان سابقاً يباع فيه كل الأغراض.

ومن العوائل المشهورة فيها (بيت جليل آغا، بيت رفعت آغا, بيت كمال بك، شاكرعراقي، بيت اليعقوبي، بيت أحمد بلص، مردان باشا، سيد طارق، بيت آوجي).. وفي سنة1977 وبعد استملاك الآثار لبيتنا بحجة وجود الآثار فيها وكذلك بيت حسين طيفور هدمت بيتنا قبل هدم باقي بيوت القلعة، ولم نستلم أي تعويض عنها نهائياً ونريد الرجوع اليها لنعيد ذكريات تلك الأيام الحلوة وهي بحدود آلاف الأمتار مساحتها..

 *السيد صباح زيدان بياتلى مواليد 1948 يستذكر طفولته:

كنت طفلاً عندما أزور بيت خالي وخالتي فأشاهد ان النساء يرمين عباءاتهن أو قطعة قماش بعد عقدها ويرمينها من أعلى منارة نبي دانيال فاذا فتحت العقدة فإنها ستنال مرادها وكان من الفرح بعدها يرمون الجكليت والحلوى لتحقيق المراد. أما حديقة القلعة ومدرجاتها خاصة أيام الصيف ولياليها تجتمع العوائل كافة وحتى أيام العيد والاحتفالات للمدارس والاعياد الوطنية والقومية وحتى طلاب المدارس من كشافة كانوا يجتمعون ويشرف عليهم الاستاذ يعقوب قلعه لى الذي كان معلم مدرسة القلعة. ويجتمع الناس كل أمسية في المدرجات ويجلبون عشاءهم معهم ولم يتواجد فيها غير التركمان وحتى المسيح كانوا كلهم تركمان بأساميهم ولغتهم.

لا أود أن تكون القلعة معلماً سياحياً لأنها مكان التركمان وبيوتهم يجب أن ترجع اليهم ولا يجوز غير ذلك.

 *السيد يونس مصطفى الدباغ من مواليد1931 يقول: عاشت عائلتي فيها منذ أجيال عديدة في محلة ميدان. ودرست في مدرسة القلعة الابتدائية باللغة التركمانية والتلاميذ والمعلمون كانوا كلهم تركمان.. وليالي رمضان كنا نلعب العابها المشهورة ونسهر الليالي. ويضيف ان تركمانية القلعة تتضح من خلال أسماء أبوابها وهي (توب قابسى ويدي قزلر وحلوه جى وشيخ سعيد تكيه سي) ومن محلاتها (ميدان، آغالغ، حمام مسلم، حمام مسيح) وزقاق (زندان) حتى الجوامع والكنائس كانت باللغة التركمانية (أولو جامع، نبي دانيال، ملة حسن مكي، ملة كلاش، جامع ملة رضا) ويؤكد بأن التركمان كانوا سكنة القلعة الأصليين وفي الفترة الاخيرة تواجد فيها الاقلية من الاكراد وهم كانوا عوائل فقيرة لايملكون شيئا مستأجرين وليس أصحاب الاملاك والدور والاراضي... أي ليس مسجل لديهم أية قطعة أرض أو مملوكة لهم وهذه في الآونة الاخيرة فقط. ويؤكد،"وبرايي أن تحويل القلعة الى منطقة سياحية معناها القضاء على الآثار القديمة التي نفتخر بها وإن اقتضى الامر نرضى بوضعه على حاله" وغادرت عائلته القلعة سنة1961 بعد نزوح السكان الاصليين منها فقد وجدت نفسي غريباً مما اضطرني الى النزول منها خاصة بعد أحداث مجزرة كركوك....

وحدثنا السيد عن العوائل المسيحية من سكنة القلعة أفادنا بها السيد حسين سوزلو قائلا:

من العوائل المسيحية المشهورة كانت (السيد فرج بنكه) الذي كان مدير الكهرباء آنذاك حيث كان يسكن هناك منذ القدم من وقت أجداده (المرحوم عبد الجبار توما هندي) مدير متوسطة الشرقية والدكتور أديب عبدالجبار والمرحوم الصيدلي يوسف الله ويردي وابنه الصيدلي(عصمت الله ويردي .. وصباح هندي صاحب مذخر أدوية.. و(توفيق نعوم) و(بولص حنه شابور/ مركب الاسنان) (وولده الدكتور قيس) والمرحوم (فؤاد التون) وعائلة(عبد الاحد) والمرحوم معلم الابتدائية (ماربين كرابيت) الذي ولد ومات تركمانياً وعمل في قضايا التركمان جميعها كونها قوميته... والمرحوم (آيدن ماربين/ الذي كان خريج الجامعة الامريكية ..(

العودة الى فهرس العدد اطبع هذه الصفحة